نتفق جميعا على كون منظومتنا التعليمية بالمغرب تشكو التردي و تعاني مشاكل بنيوية مزمنة اعترف بها المواطن و الدولة على حد سواء، إذ لم تستطع لحد الآن سلسلة ما بات يعرف بالإصلاحات و إصلاح الإصلاحات إيجاد بداية الطريق الصحيح الموصل إلى العافية و المفضي إلى الغايات المنشودة، و ذلك منذ أربع و خمسين سنة.
و قد أتى مخطط البرنامج الاستعجالي للتربية و التكوين الذي أمر ببلورته الخطاب الملكي ل 12 أكتوبر 2007 بغاية " التفعيل الأمثل لمقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين" المتعثرة، فرصدت له موارد بشرية و مادية هائلة قدرت ب 32 مليار درهم ليبدأ تفعيله موسم 2009/ 2010 تحت شعار "جميعا من أجل مدرسة النجاح"، بعد سنتين من الصياغة و التأليف تمخض عنها تصميم 26 مشروعا، و وسط نشرات و تصريحات إعلامية مكثفة حول أهمية نتائج الإصلاحات الجدية المنتظرة منه في نهاية هذا الموسم 2011/ 2012.
و قد أعلنت وزارة التربية الوطنية هذه الأيام رسميا فشل أهداف مخطط البرنامج الاستعجالي بعد سنتين من إنزاله تراكمت خلالها مجموعة من القرارات و ترسانة من المذكرات و ولدت جملة من التحفظات و الاحتجاجات من قبل مختلف الهيئات التربوية و المدنية، كما نتجت عنه تبعات مالية ضخمة أرهقت الميزانية العامة و لا تزال بسبب سوء التدبير و نزعات الفساد المالي.
و قد أوضح السيد وزير التربية الوطنية في اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، يوم الثلاثاء 24 يوليوز 2012 أهم مظاهر هذا الفشل في ما يلي:
1- غياب المقاربة التشاركية في تنفيذ مشاريع البرنامج.
2- غياب المقاربة التعاقدية.
3- الإخفاق في تدبير الجانب المالي و غياب التقارير المادية و الافتحاصات لعدد من الصفقات.
فتجلى هذا الإخفاق التدبيري في هزالة نسبة البنايات المدرسية المزمع إحداثها وطنيا، فلم تبلغ نسبة المدارس الثلث مما هو مقرر في البرنامج ( 27% فقط كنسبة متوسطة للانجاز على مستوى جميع الأسلاك)، 32% من عدد المدارس الابتدائية المخطط لها، حولي 20% من الإعداديات المقررة، حوالي 30% من الثانويات المنتظر بناؤها. أما الداخليات فلم تصل نسبة إنجازها إلى السدس (17% فقط أنجز على الصعيد الوطني) أي 67 داخلية من أصل 350 مزمعة، في حين الخصاص يبلغ 400 داخلية.
4- عجز البرنامج الاستعجالي عن تحقيق نسبة التمدرس التي حددها في 90%، كما بلغ الاكتظاظ نسبا مقلقة بتصريح السيد الوزير لا سيما في الثانوي التأهيلي ( أكثر من 40 تلميذ بالقسم). في حين إن نسبة تحقق 24 مشروعا من المشاريع البيداغوجية حوالي 50% بينما مشروعا مراجعة المناهج (19 %) وتعزيز التحكم في اللغات (3 %).
5- كما انتقد التقرير حجم البرنامج المتمثل في 26 مشروع وأكثر من 130 تدبير و300 مؤشر بمقابل "محدودية القدرات التدبيرية والتنظيمية لدى مصالح الأكاديميات والنيابات".
إن هذا الفشل المؤسف مرة أخرى هو تراجع آخر يضاف إلى ملف الترقيعات غير المجدية التي عرفها الميدان ببلادنا منذ أكثر من نصف قرن من الزمن. فمشروع المخطط الاستعجالي الذي جاء متزامنا مع صدور التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم في 16 ابريل 2008 حول "وضعية التعليم بالمغرب" و بعد خمس دورات عادية عقدها المجلس منذ إعادة تنصيبه في شتنبر 2006.
هذا التقرير المنجز لأول مرة بميدان التعليم بشكل مؤسَّسي من طرف نخبة من الكفاءات الوطنية اعترف رسميا للمرة الأولى بقصور أهداف مشروع "م. و. ت. ت." المنجزة و بالتالي أعلن بجرأة فشل العشرية الوطنية للتربية و التكوين 2000- 2009 و التي اعتبرت قطاع التربية و التكوين "أول أسبقية وطنية بعد الوحدة الترابية"، و ذلك لقصور المكتسبات عن مستوى الطموح بسبب "اختلالات كبيرة و تراجعات في الوضع التعليمي بالبلاد". هذا الإعلان خلف وراءه اتهامات و اتهامات مضادة بالمسؤولية حول تعميق جروح هذه المنظومة المكلومة، كما أتبث صحة رؤية عدد من الشخصيات السياسية و المدنية التي توقعت فشله وطالبت بتوقيفه منذ سنته الأولى عام 2000.
وهنا أطرح السؤال التالي: لماذا لم يحقق مشروع الميثاق أهدافه بالأمر المطلوب بعد حوالي عقد من الزمن من التعبئة و مقولات التوافق الوطني، ورغم أن من وضع بنوده بحق نخبة من رجالات العلم و التربية
و الإدارة المشهود لها؟!
و السؤال التالي: لماذا لم يحقق البرنامج الاستعجالي أهدافه المنتظرة في نهاية السنة التي من المفترض الاحتفال فيها بتحقيق الإصلاحات "العاجلة و غير القابلة للتسويف و التعثر" بالرغم من وضوح غاياته وأهدافه٬ وبالرغم من الاعتمادات البشرية و المادية الهامة المرصودة لتنفيذه؟!
فإن كان السيد وزير التربية الوطنية بعد تنصيبه مباشرة قد اتخذ بحماسة عددا من القرارات المبكرة أهمها
إلغاء العمل بالمذكرة 122 المرتبطة بتدبير الزمن المدرسي ثم توقيف العمل بالمذكرة 204 المتعلقة بالإدماج في أفق إلغائها. و إن كان السيد الوفا يعتبر التصدي لإصلاح نظام التربية و التعليم "مغامرة" يخوضها حسب تصريحه في قضايا و آراء على القناة الأولى، فإن هذه المغامرة ينبغي أن تكون محسوبة النتائج القريبة و البعيدة المدى منها، لأن فرص تضييع مزيد من السنوات من عمر الأجيال في الإصلاحات الشكلية و التزيينات الإعلامية لها لم تعد سانحة في ألفية الثورة المعرفية و سرعة التقدم الحضاري في العالم. كما أن مستقبل البلاد لم يعد يطيق سماع " إعلان فشل الإصلاح" بعد سنوات أخرى من الوعود و التحدي.
و لن ينجح خبير على ما اعتقد في لملمة جراح منظومتنا التعليمية إذا لم يتسلح بنظرة عميقة تؤمن بضرورة تفادي الخطوط الحمر التالية:
الخط الأول: تعليق الإخفاقات المتوالية بشخصية رجل التعليم الممارس في الميدان و المحاط بظروف لا ترقى إلى الحد الأدنى من شروط الممارسة المهنية المشرفة و بالأخص في المناطق النائية و البوادي باعتبار العاملين بالعلم القروي يشكلون الغالبية العظمى خصوصا في التعليم الابتدائي، و بالتالي ضرورة إعطاء معنى لنداء "الاهتمام برجل الميدان" على جميع المستويات لا فتح جبهات جديدة لتعميق الصراع بين المأمول المراد و الواقع المعاش و تعزيز نزعات الانتقام و الشكاوى غير المنضبطة.
الخط الثاني: اعتماد مخطط جديد للتربية و التكوين غير مبني على نظرة شمولية موضوعية للإشكالات البنيوية و جذورها، إن على المستوى البيداغوجي أو المنهجي- التدبيري أو محتوى المضامين و الفلسفة المتحكمة في ذلك.
الخط الثالث: تكرار نهج التفرد و تهميش دور مختلف مكونات العملية التربوية و منها الأساتذة و الأستاذات وعدم أخد ملاحظاتهم المبنية على التجربة الميدانية بعين الاعتبار و بصورة حقيقية منظمة و واضحة المآل و الآفاق.
و بالامتداد الإنصات لكل مكونات المجتمع دون إقصاء من أجل أي إصلاح يروم تغيير نتيجة الفشل المتكرر لاعتبار أن مسألة التربية و التعليم هم وطني جامع لا مهمة مؤسساتية أو حزبية، كما أن إطالة عمر الأزمة في هذا القطاع الحيوي تنعكس بالملموس المعكوس على أي تنمية متوخاة اقتصادية كانت، صناعية، حضارية أو معرفية.
و قد أتى مخطط البرنامج الاستعجالي للتربية و التكوين الذي أمر ببلورته الخطاب الملكي ل 12 أكتوبر 2007 بغاية " التفعيل الأمثل لمقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين" المتعثرة، فرصدت له موارد بشرية و مادية هائلة قدرت ب 32 مليار درهم ليبدأ تفعيله موسم 2009/ 2010 تحت شعار "جميعا من أجل مدرسة النجاح"، بعد سنتين من الصياغة و التأليف تمخض عنها تصميم 26 مشروعا، و وسط نشرات و تصريحات إعلامية مكثفة حول أهمية نتائج الإصلاحات الجدية المنتظرة منه في نهاية هذا الموسم 2011/ 2012.
و قد أعلنت وزارة التربية الوطنية هذه الأيام رسميا فشل أهداف مخطط البرنامج الاستعجالي بعد سنتين من إنزاله تراكمت خلالها مجموعة من القرارات و ترسانة من المذكرات و ولدت جملة من التحفظات و الاحتجاجات من قبل مختلف الهيئات التربوية و المدنية، كما نتجت عنه تبعات مالية ضخمة أرهقت الميزانية العامة و لا تزال بسبب سوء التدبير و نزعات الفساد المالي.
و قد أوضح السيد وزير التربية الوطنية في اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، يوم الثلاثاء 24 يوليوز 2012 أهم مظاهر هذا الفشل في ما يلي:
1- غياب المقاربة التشاركية في تنفيذ مشاريع البرنامج.
2- غياب المقاربة التعاقدية.
3- الإخفاق في تدبير الجانب المالي و غياب التقارير المادية و الافتحاصات لعدد من الصفقات.
فتجلى هذا الإخفاق التدبيري في هزالة نسبة البنايات المدرسية المزمع إحداثها وطنيا، فلم تبلغ نسبة المدارس الثلث مما هو مقرر في البرنامج ( 27% فقط كنسبة متوسطة للانجاز على مستوى جميع الأسلاك)، 32% من عدد المدارس الابتدائية المخطط لها، حولي 20% من الإعداديات المقررة، حوالي 30% من الثانويات المنتظر بناؤها. أما الداخليات فلم تصل نسبة إنجازها إلى السدس (17% فقط أنجز على الصعيد الوطني) أي 67 داخلية من أصل 350 مزمعة، في حين الخصاص يبلغ 400 داخلية.
4- عجز البرنامج الاستعجالي عن تحقيق نسبة التمدرس التي حددها في 90%، كما بلغ الاكتظاظ نسبا مقلقة بتصريح السيد الوزير لا سيما في الثانوي التأهيلي ( أكثر من 40 تلميذ بالقسم). في حين إن نسبة تحقق 24 مشروعا من المشاريع البيداغوجية حوالي 50% بينما مشروعا مراجعة المناهج (19 %) وتعزيز التحكم في اللغات (3 %).
5- كما انتقد التقرير حجم البرنامج المتمثل في 26 مشروع وأكثر من 130 تدبير و300 مؤشر بمقابل "محدودية القدرات التدبيرية والتنظيمية لدى مصالح الأكاديميات والنيابات".
إن هذا الفشل المؤسف مرة أخرى هو تراجع آخر يضاف إلى ملف الترقيعات غير المجدية التي عرفها الميدان ببلادنا منذ أكثر من نصف قرن من الزمن. فمشروع المخطط الاستعجالي الذي جاء متزامنا مع صدور التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم في 16 ابريل 2008 حول "وضعية التعليم بالمغرب" و بعد خمس دورات عادية عقدها المجلس منذ إعادة تنصيبه في شتنبر 2006.
هذا التقرير المنجز لأول مرة بميدان التعليم بشكل مؤسَّسي من طرف نخبة من الكفاءات الوطنية اعترف رسميا للمرة الأولى بقصور أهداف مشروع "م. و. ت. ت." المنجزة و بالتالي أعلن بجرأة فشل العشرية الوطنية للتربية و التكوين 2000- 2009 و التي اعتبرت قطاع التربية و التكوين "أول أسبقية وطنية بعد الوحدة الترابية"، و ذلك لقصور المكتسبات عن مستوى الطموح بسبب "اختلالات كبيرة و تراجعات في الوضع التعليمي بالبلاد". هذا الإعلان خلف وراءه اتهامات و اتهامات مضادة بالمسؤولية حول تعميق جروح هذه المنظومة المكلومة، كما أتبث صحة رؤية عدد من الشخصيات السياسية و المدنية التي توقعت فشله وطالبت بتوقيفه منذ سنته الأولى عام 2000.
وهنا أطرح السؤال التالي: لماذا لم يحقق مشروع الميثاق أهدافه بالأمر المطلوب بعد حوالي عقد من الزمن من التعبئة و مقولات التوافق الوطني، ورغم أن من وضع بنوده بحق نخبة من رجالات العلم و التربية
و الإدارة المشهود لها؟!
و السؤال التالي: لماذا لم يحقق البرنامج الاستعجالي أهدافه المنتظرة في نهاية السنة التي من المفترض الاحتفال فيها بتحقيق الإصلاحات "العاجلة و غير القابلة للتسويف و التعثر" بالرغم من وضوح غاياته وأهدافه٬ وبالرغم من الاعتمادات البشرية و المادية الهامة المرصودة لتنفيذه؟!
فإن كان السيد وزير التربية الوطنية بعد تنصيبه مباشرة قد اتخذ بحماسة عددا من القرارات المبكرة أهمها
إلغاء العمل بالمذكرة 122 المرتبطة بتدبير الزمن المدرسي ثم توقيف العمل بالمذكرة 204 المتعلقة بالإدماج في أفق إلغائها. و إن كان السيد الوفا يعتبر التصدي لإصلاح نظام التربية و التعليم "مغامرة" يخوضها حسب تصريحه في قضايا و آراء على القناة الأولى، فإن هذه المغامرة ينبغي أن تكون محسوبة النتائج القريبة و البعيدة المدى منها، لأن فرص تضييع مزيد من السنوات من عمر الأجيال في الإصلاحات الشكلية و التزيينات الإعلامية لها لم تعد سانحة في ألفية الثورة المعرفية و سرعة التقدم الحضاري في العالم. كما أن مستقبل البلاد لم يعد يطيق سماع " إعلان فشل الإصلاح" بعد سنوات أخرى من الوعود و التحدي.
و لن ينجح خبير على ما اعتقد في لملمة جراح منظومتنا التعليمية إذا لم يتسلح بنظرة عميقة تؤمن بضرورة تفادي الخطوط الحمر التالية:
الخط الأول: تعليق الإخفاقات المتوالية بشخصية رجل التعليم الممارس في الميدان و المحاط بظروف لا ترقى إلى الحد الأدنى من شروط الممارسة المهنية المشرفة و بالأخص في المناطق النائية و البوادي باعتبار العاملين بالعلم القروي يشكلون الغالبية العظمى خصوصا في التعليم الابتدائي، و بالتالي ضرورة إعطاء معنى لنداء "الاهتمام برجل الميدان" على جميع المستويات لا فتح جبهات جديدة لتعميق الصراع بين المأمول المراد و الواقع المعاش و تعزيز نزعات الانتقام و الشكاوى غير المنضبطة.
الخط الثاني: اعتماد مخطط جديد للتربية و التكوين غير مبني على نظرة شمولية موضوعية للإشكالات البنيوية و جذورها، إن على المستوى البيداغوجي أو المنهجي- التدبيري أو محتوى المضامين و الفلسفة المتحكمة في ذلك.
الخط الثالث: تكرار نهج التفرد و تهميش دور مختلف مكونات العملية التربوية و منها الأساتذة و الأستاذات وعدم أخد ملاحظاتهم المبنية على التجربة الميدانية بعين الاعتبار و بصورة حقيقية منظمة و واضحة المآل و الآفاق.
و بالامتداد الإنصات لكل مكونات المجتمع دون إقصاء من أجل أي إصلاح يروم تغيير نتيجة الفشل المتكرر لاعتبار أن مسألة التربية و التعليم هم وطني جامع لا مهمة مؤسساتية أو حزبية، كما أن إطالة عمر الأزمة في هذا القطاع الحيوي تنعكس بالملموس المعكوس على أي تنمية متوخاة اقتصادية كانت، صناعية، حضارية أو معرفية.