إقليم قلعة السراغنة و التضاريس السياسية و الثقافية


البدالي صافي الدين
الأحد 9 يونيو/جوان 2024



يعتبر إقليم قلعة السراغنة من الأقاليم التي تم إحداثها في 13 غشت 1973 وذلك في إطار تقريب الإدارة من المواطنين. وينتمي إلى جهة مراكش آسفي. و تم تقسيمه إلى إقليمين، إقليم قلعة السراغنة و إقليم الرحامنة في بداية سنة 2009. يتكون من عدة قبائل مصنفة حسب مناطق جغرافية وتاريخية جعلتها تنفرد بأساليب فلاحتها و تجارتها و اقتصادها و علاقاتها الاجتماعية و الثقافية ، كما تنفرد بامتداداتها نحو القبائل بالأقاليم المجاورة، و تنفرد بموروتها الثقافي والعمراني. هذه القبائل حسب الوثائق التاريخية أو الإدارية و حسب الخرائط التي خلفها الاستعمار تنقسم إلى عدة قبائل منها ، قبائل زمران و قبائل صنهاجة و قبائل أهل الغابة و قبائل بني عامر و اولاد يعكوب .مما جعل إقليم قلعة السراغنة يعرف تضاريس ثقافية و سياسية و اقتصادية و اجتماعية . و كانت تستفيد من مياه الأنهار التي تخترق أغلب هذه القبائل من خلال مجموعة من السواقي رئيسية ، منها ساقية الغابية و ساقية العكوبية و الونسدية بالإضافة إلى العيون التي جفت بعد بناء سد مولاي يوسف ( أيت عادل) و سد سيدي ادريس، و هي سواقي و منابع مياه و عيون جارية جعلت من الإقليم إقليميا فلاحيا بامتياز . إلا أنه بعد تعرضه إلى الجفاف الذي أصابه منذ عقدين من الزمان و الجفاف الممنهج من لدن السلطات الحكومية بتحويل مياهه إلى وجهات أخرى خارج الإقليم دون اعتبار الانعكاسات السلبية التي سيخلفها هذا الإجراء و بالرغم من شبكة السقي التي استفادت منها بعض المناطق، فان الجفاف كان متسرعا فأصاب جل المناطق و القبائل . إن الحكومة المغربية ظلت تعمل على تهميش هذا الإقليم من حيث الاستثمارات الفلاحية و حماية الفرشة المائية و الغطاء النباتي الذي كانت تزخر بها أرض الإقليم ، مما جعله إقليما منكوبا بكل المقاييس بالرغم من المساحيق التي تضعها الحكومة على أرضه التي تكذب الادعاءات الحكومية والمسؤولين الجهويين و المحليين و الإقليميين من منتخبين وسلطات محلية و إقليمية و جهوية ببرمجة مشاريع ذات أهداف اقتصادية واستراتيجية وهي مشاريع أصبحت كالمعلقات السبع، كلما حان موعد سوق الانتخابات أو المواسم الوطنية إلا و تتم تلاوتها. إنها المشاريع التي سوف لن ترى النور ما لم تتحمل الحكومة مسؤوليتها في الأمر.أو لن تراه ابدا، لأن اقتراح هذه المشاريع إنما تم في إطار المزايدات الانتخابوية و السياسوية ليس إلا، و اقتراحها جاء بشكل اعتباطي ، لم يأت بناءا على دراسات علمية تنطلق من واقع الحال و من حاجيات الإقليم و عاصمته ،مدينة قلعة السراغنة ، وليس من واقع الاحتمال. فمنذ زمن بعيد و الناس ينتظرون الجامعة وسوق الجملة الجديد للخضر والفواكه و السوق الأسبوعي البديل و الطريق السريع بين مراكش و قلعة السراغنة و معالجة المياه العادمة من أجل سقي مغروسات و أشجار المدينة و تنظيف الشوارع وتأهيل شارع الجيش الملكي … إنه بفعل السياسة الحكومية المتبعة بالنسبة لهذا الإقليم و ضعف أداء المؤسسات المنتخبة والسلطات الإقليمية و الجهوية و بفعل الفساد و تنامي مظاهره و نهب وتبديد المال العام و مظاهر الريع و استنزاف الفرشة المائية من طرف أرباب المقالع الرملية المترامية على وادي تساوت و الواد الأخضر و جفاف السواقي والآبار ، أصبح يعيش هذا الإقليم واقعا بئيسا بكل المقاييس و أصبحت تنشط فيه عصابات التهريب وعصابات الهجرة السرية التي تسببت في غرق مئات الشباب في عرض البحار و عصابات ترويج عقد للشغل بإسبانيا أو بإيطاليا، وهي عصابات تقوم بالنصب على الشباب وعلى أسرهم لسرقة أموالهم في غياب أية ضمانة تذكر. و عصابات البناء العشوائي الذي أصبح ظاهرة مسكوتا عنها .إن المسؤولين الإقليميين الذين يتم تعيينهم لتدبير المرحلة و تنمية الإقليم في إطار السياسة العامة للبلاد لا يبالون بالمخاطر التي تتربص بالإقليم و بساكنته ، لأنهم لا يقومون بدراسة ما وراء تضاريسه الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية، فلا يقومون بدراسة ميدانية/ تشاركية ، مع المجتمع ، عبر مؤسساته المدنية والسياسية من أجل الأوراش ذات الأولوية و من أجل مكافحة مظاهر الفساد و الريع و التصدي لسلب أراضي ذوي الحقوق و أراضي الدولة و احتلال الملك العمومي في البوادي و في القرى والمراكز الحضرية وفي عاصمة الإقليم و الحد من مظاهر الفوضى العارمة التي يعرفها النقل العمومي في غياب أي نقل حضاري وفي غياب مراقبة مسؤولة . إنه لولا تماسك هذا الإقليم وتماسك قبائله الدائم والمستمر منذ فجر التاريخ و صبر فلاحيه الصغار و المتوسطين لرحل منه الجميع بحثا عن إقليم له حظ حكومي في التنمية.
فعلى أي مسؤول تم تعيينه على رأس هذا الإقليم أن يتحلى بالجرأة الكافية و الشجاعة اللازمة من أجل ممارسة الحق ودحض الباطل الذي أصبح السائد في الحياة السياسية العامة و من اجل محاسبة الجماعات الترابية و التدقيق في ميزانيتها التي تكتفي باعتمادات التنقل و اقتناء السيارات الفارهة و ميزانية المحروقات و تضارب المصالح ، وذلك من أجل تنمية هذا الإقليم الضحية، ضحية السياسات الحكومية المتعاقبة على هذه البلاد.

مقالات ذات صلة