إلى رئيس الحكومة: في قريتي لا يخشون الزلزال


إلياس أعراب
الثلاثاء 26 يناير 2016








سيدي رئيس الحكومة:
أنت تخاف كثيرا من التماسيح والعفاريت، وفي قريتي صاروا يخافون منك أنت. هم لا يخافون من الزلزال فهو ظاهرة طبيعية و "المكتاب ما منو هروب" هكذا هم مقتنعون، لست أبالغ سيدي فقد شاهدت ذلك بأم عيني، قبل سنة من الآن، تصادف تواجدي هناك مع هزة أرضية، كنت في المقهى، خرج الجميع وهم يضحكون ويتبادلون الأسئلة، ثم عادوا لأماكنهم لمتابعة مباراة في كرة القدم، وبما أنني غبت عن القرية طويلا، ربما كنت الوحيد الذي أصيب بالفزع فسارعت نحو المنزل لأتفقد أحوال العائلة، في طريقي مررت بالعديد من المنازل، وجدت أصحابها في الخارج يتبادلون الحديث والابتسامة لا تفارقهم، أتدري سيدي؟ فقط الفتيات والأطفال الصغار في الخارج أما الرجال والنساء فلم يبرحوا أماكنهم. دخلت البيت فوجدت والدي يدون في كناش صغير كل التفاصيل ووالدتي مستلقية في فراشها وكأن الأمر لا يعنيها، سألتهما: الم تخرجا؟ رد والدي "الحامي هو الله ولي جات من عندو مرحبا"، حسدته على راحة البال التي ينعم بها كما حسدت كل سكان القرية.
لكن في المقابل سيدي الرئيس؛ أتعلم مما يخافون؟ أتدري ما الذي يرعبهم؟ إنها أشياء كثيرة بعيدة عن الطبيعة ومرتبطة بالإنسان أولها أنت سيدي رئيس الحكومة ؛ يخافون منك وهم يشاهدونك تبيع وتشتري بهمومهم، لقد شاهدوا كيف كنت تسوق أنت وحزبك لدعم الأرامل لكن لا أرملة في قريتي استفادت من هذا الدعم، لا زلن ينتظرن كما انتظرن كثيرين قبلك؛ يخافون منك وهم يسمعون كل مرة بزياداتك في المواد الأساسية؟ أتدري سيدي انه في قريتي ارتفع ثمن السكر بدرهم واحد، لا تقل لي أنكم لم تعتمدوا الزيادة فهناك أصحاب محلات البقالة لا ينتظرون التصريح الرسمي بها، أتدري سيدي أن زيادة 10 سنتيمات في قريتي تساوي 50 سنتيما وزيادة 20 سنتيما تساوي زيادة درهم واحد؟ فأصحاب المحلات لا يعتمدون القطع النقدية الصفراء.
في قريتي سيدي؛ يخافون من الدركي ومن المقدم والشيخ ورئيس الجماعة، أتدري لماذا؟ فقط لأنهم يزرعون الكيف والذي كلما سمعه احد من حزبك إلا وبادر بالقول "حرام". لكن سيدي؛ الحرام الحقيقي هو أن تجعل مواطنا يفقد حريته وهو خارج أسوار السجن، الحرام هو أن تتذكروهم انتم معشر السياسيين فقط مرة كل خمس سنوات، هل تساءلت سيدي رئيس الحكومة كم من مظلوم في غياهب السجون؟ وكم من طفل انقطع عن الدراسة بسبب اعتقال والده بعد شكاية كيدية؟ أتعلم عدد الشباب الذين هاجروا القرية نحو المدن فقط للهروب من جحيمها ولا مبالاتكم؟ أتدري كم منهم غامر بحياته واختار ركوب قوارب الموت؟ منهم من نجا ومنهم من قضى نحبه، فهل تعرفون كل هذا؟ اعتذر فأنت مغلوب على أمرك، اعرف انه "مافراسكش" لهذا قررت أن أخبرك.
سيدي الرئيس في قريتي يخافون من المدرسة، ببساطة لأنها بعيدة جدا عن المنازل، ويضطر الطفل لقطع مسافات طويلة للوصول إليها كيفما كانت أحوال الجو، وتبقى الأم في البيت تكتوي بنار الخوف في انتظار عودة فلذه كبدها، حتى النقل المدرسي سيدي يخافون منه، لأنه يحمل أكثر من طاقته الاستيعابية بأضعاف. سيدي، إن أطفال قريتي يكدسون كالخرفان ويدفعون مقابل ذلك مبلغا ماليا شهريا ليس رمزيا سيدي، ولكنه مبلغ يثقل كاهل الآباء.
سيدي رئيس حكومتنا الموقرة، في قريتي يخافون من التطبيب، يخافون الذهاب للمستوصف ويختارون التوجه نحو اقرب مدينة، اعرف أيضا انه مافراسكش؟ لكن لا باس أن أخبرك أن مندوبيتكم الخاصة بالصحة في الإقليم أرسلت لهم ممرضتان، وقالت لهم ان واحدة متعددة التخصصات والأخرى مولدة؛ لكنهم تفاجئوا بأن الاثنتان مولدتان مبتدئتان، ورغم ذلك لم تقوما بتوليد ولو حامل واحدة؛ ومرة أخرى اعرف انه مافراسكش أن المستوصف يفتقر لأبسط التجهيزات، لكنني لا أنكر انه يحتوي على "الدوا الحمر" والعقاقير البيضاء الكبيرة التي تصلح لجميع الأمراض.
حقيقة أخيرة سيدي رئيس الحكومة، ربما لم يخبروك بها إخوانك في الحزب في إقليمنا، فسكان قريتي صوتوا بالإجماع على مرشحي حزبكم؟ لكنهم الآن ندموا على ذلك وأنا كاتب هذه الرسالة اشعر بالإحراج الكبير لأنه كان لي الدور الكبير في ذلك، لقد تحمست حين رأيت احد اصدقائي في لائحة مرشحيكم، وبما أنني اعرفه جيدا واعرف غيرته، اتصلت بشباب الدوار وأقنعتهم وهم بدورهم اقنعوا باقي السكان. لكنهم اليوم نادمون ويتأسفون. وقد قال لي احد الظرفاء مرة " بغيتي تردنا لجاهيلية جايب لينا اللامبة احنا عاد تهنينا منها ودخلنا الضو".
لهذا سيدي الرئيس عبر هذه الرسالة أقدم اعتذاري لسكان قريتي فقد خاب ظني بكم، كما خاب ظنهم. رسالة من شاب ولد وترعرع في قرية لا تخشى أهوال الطبيعة فهي مهما قست رحيمة، عكس سياستكم التي طوقتنا بسياج التهميش والنسيان واللامبالاة.
وفي أمل أن تصلكم الرسالة وان يكون " فراسكم الخبار" تقبلوا احترامي و تقديري اللازمين لبروتكول كتابة الرسائل.

مقالات ذات صلة