في مواجهة ما يرى البعض أنّها مظاهر الإساءة إلى الإسلام، تخوض منظمة المؤتمر الإسلامي حملة عالمية، تهدف من ورائها إلى إقرار قانون دوليّ يُجرّم "الإساءة إلى الأديان". وأثناء مؤتمر مناهضة العنصرية، الذي عقدته الأمم المتحدة في جنيف بين 20 و24، أبريل (نيسان) 2009، دعت مختلف الدّول الإسلامية، إلى أن يتضمّن البيان الختاميّ الدّعوة إلى تجريم "الإساءة للأديان" باعتبارها نوعاً من أنواع العنصرية.
ويدعم الأصوليون، من كافّة الديانات الأخرى، معركة منظمة المؤتمر الإسلامي لتجريم "الإساءة للأديان"، على أمل أن يتمكّنوا من حماية رموزهم ومقدّساتهم الدينية من موجة حرية النقد الإبداعي، لا سيما في مجالات الرواية والمسرح والسينما.
سؤال دقيق: حين تسيء بعض الأديان أو كلّ الأديان، من خلال بعض ممارساتها أو شعائرها أو قيمها، إلى كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، فهل يصبح نقد الأديان، إساءة لها واعتداء على حقوق الإنسان؟
ثمّة أمثلة ونماذج كثيرة تحكي عن حالة التعارض التي قد توجد بين مبدأ احترام الأديان ومبدأ احترام حقوق الإنسان، وعلى سبيل المثال؛ ففي الوقت الذي يعتبر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنّ الزّواج حقّ أساسيّ من حقوق الإنسان، تقوم الكثير من الطوائف، ولاعتبارات دينية، بتحريم الزواج من خارج الطائفة الدينية، بل إنّ دولة إسرائيل نفسها، لا تعترف بحقّ أيّ يهوديّ أو يهودية في الزّواج من خارج دينهما، في حين تعمد معظم الدّول الإسلامية إلى منع المرأة المسلمة من الزّواج بغير المسلم، حتى ولو كان قبطياً أو مارونياً أو نحوهما.
ورغم أنّ هذه المواقف، ذات الخلفية الدينية، تمثّل اعتداءً صارخاً على أهمّ مبادئ حقوق الإنسان؛ الحقّ في الزواج، إلاّ أنّ مبدأ احترام أديان الشعوب ومعتقداتها، يقف عقبة كأداء أمام بعض القيم الأساسية لحقوق الإنسان.
حين يتناقض مبدأ احترام الأديان مع حقوق الإنسان، تجد المنظمات الحقوقية نفسها في موضع تعارض بين مبدأين، تريد أن تأخذهما على قدم المساواة، فتجد نفسها أمام معادلة صعبة: حرية الناس في أن يعتقدوا بما يشاءون، وحريتنا في أن ننتقد ما يعتقده الناس. والسؤال: هل الحرية الدينية تعني حرية الأديان، أو أنها تعني بالأولى حرية نقد الأديان؟
ظهر مفهوم الحرية الدينية، خلال الأزمنة الحديثة، من أجل خلع ثوب الحصانة الدينية عن الجرائم التي يقترفها الإنسان ضدّ أخيه الإنسان، فيدّعي في ذلك أنّ له تفويضاً إلهيا بالجريمة.
تمّ ترسيم هذا المفهوم، في بادئ الأمر، من خلال كلّ من إعلان الثورة الفرنسية لحقوق الإنسان (المادة 10) ووثيقة إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سيتحدّد مفهوم الحرية الدينية في الدلالة على حرية الأفراد في مواجهة السلطات والمؤسّسات والجماعات الدينية.
ومنذ منتصف القرن العشرين، شهد مفهوم الحرية الدينية تحوّلاً جذرياً، حيث لم يعد يدلّ على حرية الأفراد في مواجهة المؤسسة الدينية، وإنّما أمسى يدلّ على حرية المؤسسة الدينية في مواجهة دول وإيديولوجيات ومؤسّسات قد لا تكون دينية.
يُمكننا أن نرصد اللحظة الأساسية لهذا التّحوّل، من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادّة 18)، وهو الإعلان الذي جاء في سياق مواجهة دول "العالم الحرّ" لدول لم تكن بالضرورة دولاً دينيّة (ألمانيا النازية وروسيا الستالينية)، دول تحوّل فيها بعض رجال الدين وبعض الجماعات الدينية، إلى موقع الضحية، في مواجهة جلاد يبدو وكأنه اتّخذ لبوس الحداثة والعقلانية، كان من نتائج هذا التحوّل، انتقال مفهوم الحرية الدينية من الدّلالة على حرية المواطن في عصيان الأوامر الدينية، والتي قد تفرضها عليه السلطة أو المؤسسة أو الجماعة الدينية، إلى الدّلالة على حقّ الأفراد والجماعات في الامتثال للأوامر الدينية.
منذ نهاية المرحلة التي انطلقت مع كلّ من إعلان الثورة الفرنسية لحقوق الإنسان (1789) وإعلان استقلال الولايات المتّحدة الأمريكية (1776)، وانطلاق المرحلة التي ابتدأت مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، نكون قد انتقلنا من عصر الدفاع عن الحرية الدينية، بمعنى حرية الناس في مواجهة المعتقدات، إلى عصر الدفاع عن حقّ الناس في التعبير عن المعتقدات والامتثال للأوامر الدينية التي يعتقدون بها، سواء فعلوا ذلك في الإطار الشخصي أم في الإطار العام، وفق منطوق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
إنّ احترام الأديان، وسواء تعلّق الأمر بالإسلام أو المسيحية أو اليهودية، أو أيّة ديانة من الديانات، لن يخدم بأيّ حال من الأحوال، مطلب العدالة الدولية، لا سيما حاجة ضحايا الظلم العالمي لنظام عالميّ أكثر عدلاً وإنصافاً. وإذا كان الكثير من المسلمين يعتبرون أنفسهم ضحايا عالم غير عادل، فلعلّ معركة تجريم "الإساءة للأديان"، لا تمثّل أية مصلحة استراتيجية لهم، فهؤلاء، معركتهم هي كرامة الإنسان، لا سيما وأنّ احترام الأديان يضع كرامة الإنسان في دائرة النسيان.
ويدعم الأصوليون، من كافّة الديانات الأخرى، معركة منظمة المؤتمر الإسلامي لتجريم "الإساءة للأديان"، على أمل أن يتمكّنوا من حماية رموزهم ومقدّساتهم الدينية من موجة حرية النقد الإبداعي، لا سيما في مجالات الرواية والمسرح والسينما.
سؤال دقيق: حين تسيء بعض الأديان أو كلّ الأديان، من خلال بعض ممارساتها أو شعائرها أو قيمها، إلى كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، فهل يصبح نقد الأديان، إساءة لها واعتداء على حقوق الإنسان؟
ثمّة أمثلة ونماذج كثيرة تحكي عن حالة التعارض التي قد توجد بين مبدأ احترام الأديان ومبدأ احترام حقوق الإنسان، وعلى سبيل المثال؛ ففي الوقت الذي يعتبر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنّ الزّواج حقّ أساسيّ من حقوق الإنسان، تقوم الكثير من الطوائف، ولاعتبارات دينية، بتحريم الزواج من خارج الطائفة الدينية، بل إنّ دولة إسرائيل نفسها، لا تعترف بحقّ أيّ يهوديّ أو يهودية في الزّواج من خارج دينهما، في حين تعمد معظم الدّول الإسلامية إلى منع المرأة المسلمة من الزّواج بغير المسلم، حتى ولو كان قبطياً أو مارونياً أو نحوهما.
ورغم أنّ هذه المواقف، ذات الخلفية الدينية، تمثّل اعتداءً صارخاً على أهمّ مبادئ حقوق الإنسان؛ الحقّ في الزواج، إلاّ أنّ مبدأ احترام أديان الشعوب ومعتقداتها، يقف عقبة كأداء أمام بعض القيم الأساسية لحقوق الإنسان.
حين يتناقض مبدأ احترام الأديان مع حقوق الإنسان، تجد المنظمات الحقوقية نفسها في موضع تعارض بين مبدأين، تريد أن تأخذهما على قدم المساواة، فتجد نفسها أمام معادلة صعبة: حرية الناس في أن يعتقدوا بما يشاءون، وحريتنا في أن ننتقد ما يعتقده الناس. والسؤال: هل الحرية الدينية تعني حرية الأديان، أو أنها تعني بالأولى حرية نقد الأديان؟
ظهر مفهوم الحرية الدينية، خلال الأزمنة الحديثة، من أجل خلع ثوب الحصانة الدينية عن الجرائم التي يقترفها الإنسان ضدّ أخيه الإنسان، فيدّعي في ذلك أنّ له تفويضاً إلهيا بالجريمة.
تمّ ترسيم هذا المفهوم، في بادئ الأمر، من خلال كلّ من إعلان الثورة الفرنسية لحقوق الإنسان (المادة 10) ووثيقة إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سيتحدّد مفهوم الحرية الدينية في الدلالة على حرية الأفراد في مواجهة السلطات والمؤسّسات والجماعات الدينية.
ومنذ منتصف القرن العشرين، شهد مفهوم الحرية الدينية تحوّلاً جذرياً، حيث لم يعد يدلّ على حرية الأفراد في مواجهة المؤسسة الدينية، وإنّما أمسى يدلّ على حرية المؤسسة الدينية في مواجهة دول وإيديولوجيات ومؤسّسات قد لا تكون دينية.
يُمكننا أن نرصد اللحظة الأساسية لهذا التّحوّل، من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادّة 18)، وهو الإعلان الذي جاء في سياق مواجهة دول "العالم الحرّ" لدول لم تكن بالضرورة دولاً دينيّة (ألمانيا النازية وروسيا الستالينية)، دول تحوّل فيها بعض رجال الدين وبعض الجماعات الدينية، إلى موقع الضحية، في مواجهة جلاد يبدو وكأنه اتّخذ لبوس الحداثة والعقلانية، كان من نتائج هذا التحوّل، انتقال مفهوم الحرية الدينية من الدّلالة على حرية المواطن في عصيان الأوامر الدينية، والتي قد تفرضها عليه السلطة أو المؤسسة أو الجماعة الدينية، إلى الدّلالة على حقّ الأفراد والجماعات في الامتثال للأوامر الدينية.
منذ نهاية المرحلة التي انطلقت مع كلّ من إعلان الثورة الفرنسية لحقوق الإنسان (1789) وإعلان استقلال الولايات المتّحدة الأمريكية (1776)، وانطلاق المرحلة التي ابتدأت مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، نكون قد انتقلنا من عصر الدفاع عن الحرية الدينية، بمعنى حرية الناس في مواجهة المعتقدات، إلى عصر الدفاع عن حقّ الناس في التعبير عن المعتقدات والامتثال للأوامر الدينية التي يعتقدون بها، سواء فعلوا ذلك في الإطار الشخصي أم في الإطار العام، وفق منطوق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
إنّ احترام الأديان، وسواء تعلّق الأمر بالإسلام أو المسيحية أو اليهودية، أو أيّة ديانة من الديانات، لن يخدم بأيّ حال من الأحوال، مطلب العدالة الدولية، لا سيما حاجة ضحايا الظلم العالمي لنظام عالميّ أكثر عدلاً وإنصافاً. وإذا كان الكثير من المسلمين يعتبرون أنفسهم ضحايا عالم غير عادل، فلعلّ معركة تجريم "الإساءة للأديان"، لا تمثّل أية مصلحة استراتيجية لهم، فهؤلاء، معركتهم هي كرامة الإنسان، لا سيما وأنّ احترام الأديان يضع كرامة الإنسان في دائرة النسيان.