لم يجف كلام وزير العدل أمام كاميرات التلفزة الرسمية حول كون عهده «الزاهر» لم يشهد اعتقال أي صحافي، حتى كانت الأغلال تكبل يدي رشيد نيني ويتم اقتياده إلى السجن
بمقتضى القانون الجنائي، وهو الوضع الذي يضعنا أمام فرضيات مذهلة، بعضها سوريالي وبعضها عبثي، وآخر عنقودها تصور عجائبي للممارسة السياسية.
لنفترض جدلا أن وزير العدل في دولة ديمقراطية كاملة الأوصاف والمواصفات أعلن للرأي العام في وطنه أن الصحافيين لن يتابعوا عقابا على كتاباتهم وآرائهم، ثم يتم لاحقا تفنيد أطروحته باعتقال حمَلة الأقلام، فإن أول خطوة سيبادر الوزير إلى اتخاذها بشجاعة هي تقديم استقالته فورا.
أما في الحالة المغربية، فهل يحق لنا أن نبرئ ساحة حكومة الديكور من دم قلم رشيد نيني الموؤود، فهي «بريئة» براءة الذئب من دم يوسف، وربما اطلع وزراؤها، كباقي المواطنين، على اعتقال مدير نشر «المساء» عبر الصحافة وفوجئوا، كما فوجئنا، بهذا الإجراء السابح ضد تيار النوايا المعلنة، وهذا أمر طبيعي لأن هوامش كثيرة لا يحق للجهاز التنفيذي والفريق الوزاري اللعب فيها، واللـّي خافْ نـْجا بجلده الحكومي من مغبة العقاب والإقصاء والغضبة الهادرة لـ«الحكومة الموازية» التي تحتكر الهوامش لنفسها وتمنعها عن باقي البشر، سواء كانوا وزراء «سيادة»، ومن بينهم وزير العدل، أو برلمانيين لهم الحق الافتراضي في المراقبة والتشريع أو جمهرة المواطنين الذين لهم حقوق افتراضية أيضا وكأنهم شخوص في رواية للخيال العلمي.
الحكومة الموازية تفعل ما تريد، ومتى أرادت ذلك، وقد تفرغت تماما منذ عقد من الزمن لشن حرب «مطاردة الساحرات» على الصحافة والصحافيين، واعتقلت حمَلة الأقلام وأجبرت آخرين على اختيار المنفى الإجباري، وتمسكت بأن يكون قانون الصحافة، الذي سئم من الجلوس الطويل في قاعة الانتظار، متضمنا للعقوبات السالبة للحرية ونسخة طبق الأصل عن القانون الجنائي، مصداقا لقناعتهم بأن ممارسة مهنة الصحافة جرم يطاله القانون ويحكمه منطق الردع والزجر، وللحكومة الموازية سوابق عديدة تؤكد هذا المسعى، وما رشيد نيني إلا رمز بليغ يؤشر على أن الجيل الذي يمثله لن ينجو بدوره من الملاحقة التي طالت السلف، وأن هذا الجيل الجديد من الصحافيين المتشبث بالاستقلالية والمهنية خارج كل أشكال التبعية والوصاية يقض مضاجع أصحاب الهوامش، وقد انتبه هذا الجيل منذ البداية إلى أن الحقيقة تكون جريئة وشجاعة أو لا تكون، فما معنى حقيقة لا تزعج الفاسدين والعابثين والمتسلطين؟ وما معنى تضمين تقارير المجلس الأعلى للحسابات حقائق مرقمة عن حجم الفساد في القطاعات العمومية، إن لم تكن متبوعة بزجر مرتكبيه عوض زجر الصحافيين الذين أوردوا مضامينه، وكأن راوي الكفر كافر؟
هناك إصرار على اغتيال حامل الرسالة عوض قراءتها، فمن بين رسائل الصحافة والصحافي قناةُ الوساطة الضرورية في أي مجتمع حي متطلع إلى حد أدنى أو أقصى من الشفافية، لكن وساطته تساء قراءتها، فالصحافي لا يطمح إلى تقمص دور الزعيم السياسي، ولا يزاحم أي سلطة قائمة إذا تمتعت بالاستقلال وعدم التداخل مع سلطات أخرى، ظاهرة أو خفية. كما أن الصحافي لا يعتبر نفسه فوق القانون إذا كان تطبيق هذا القانون نفسه محصنا من الإملاءات الهاتفية ومن المحاكمات المحبوكة والمفضوحة التي تدوس على مبدأ المحاكمة العادلة، أي أنها تدوس على الحق في المواطنة الفعلية.
الحكومة الموازية أساءت دائما قراءة رسائل الصحافة، وتريد القضاء عليها والانتقام من الصحافيين برميهم في السجون ومنعهم من الكتابة، لكن المشكل أنك حين تكون «موازيا»، كما تقول الرياضيات، فإن خطك لن يلتقي أبدا بأي خط آخر، فما بالك بالالتقاء بخط دولة الحق والقانون.
اليوم، قضية اعتقال رشيد نيني أصبحت قضية رأي عام وطني وقد تأخذ مستقبلا منحى دوليا، ولهذا فالمطلوب، أولا وقبل كل شيء، هو إطلاق سراح الرجل وبعدها لكل حادث حديث.
أحمد السنوسي (بزيز) - (فنان ساخر)
بمقتضى القانون الجنائي، وهو الوضع الذي يضعنا أمام فرضيات مذهلة، بعضها سوريالي وبعضها عبثي، وآخر عنقودها تصور عجائبي للممارسة السياسية.
لنفترض جدلا أن وزير العدل في دولة ديمقراطية كاملة الأوصاف والمواصفات أعلن للرأي العام في وطنه أن الصحافيين لن يتابعوا عقابا على كتاباتهم وآرائهم، ثم يتم لاحقا تفنيد أطروحته باعتقال حمَلة الأقلام، فإن أول خطوة سيبادر الوزير إلى اتخاذها بشجاعة هي تقديم استقالته فورا.
أما في الحالة المغربية، فهل يحق لنا أن نبرئ ساحة حكومة الديكور من دم قلم رشيد نيني الموؤود، فهي «بريئة» براءة الذئب من دم يوسف، وربما اطلع وزراؤها، كباقي المواطنين، على اعتقال مدير نشر «المساء» عبر الصحافة وفوجئوا، كما فوجئنا، بهذا الإجراء السابح ضد تيار النوايا المعلنة، وهذا أمر طبيعي لأن هوامش كثيرة لا يحق للجهاز التنفيذي والفريق الوزاري اللعب فيها، واللـّي خافْ نـْجا بجلده الحكومي من مغبة العقاب والإقصاء والغضبة الهادرة لـ«الحكومة الموازية» التي تحتكر الهوامش لنفسها وتمنعها عن باقي البشر، سواء كانوا وزراء «سيادة»، ومن بينهم وزير العدل، أو برلمانيين لهم الحق الافتراضي في المراقبة والتشريع أو جمهرة المواطنين الذين لهم حقوق افتراضية أيضا وكأنهم شخوص في رواية للخيال العلمي.
الحكومة الموازية تفعل ما تريد، ومتى أرادت ذلك، وقد تفرغت تماما منذ عقد من الزمن لشن حرب «مطاردة الساحرات» على الصحافة والصحافيين، واعتقلت حمَلة الأقلام وأجبرت آخرين على اختيار المنفى الإجباري، وتمسكت بأن يكون قانون الصحافة، الذي سئم من الجلوس الطويل في قاعة الانتظار، متضمنا للعقوبات السالبة للحرية ونسخة طبق الأصل عن القانون الجنائي، مصداقا لقناعتهم بأن ممارسة مهنة الصحافة جرم يطاله القانون ويحكمه منطق الردع والزجر، وللحكومة الموازية سوابق عديدة تؤكد هذا المسعى، وما رشيد نيني إلا رمز بليغ يؤشر على أن الجيل الذي يمثله لن ينجو بدوره من الملاحقة التي طالت السلف، وأن هذا الجيل الجديد من الصحافيين المتشبث بالاستقلالية والمهنية خارج كل أشكال التبعية والوصاية يقض مضاجع أصحاب الهوامش، وقد انتبه هذا الجيل منذ البداية إلى أن الحقيقة تكون جريئة وشجاعة أو لا تكون، فما معنى حقيقة لا تزعج الفاسدين والعابثين والمتسلطين؟ وما معنى تضمين تقارير المجلس الأعلى للحسابات حقائق مرقمة عن حجم الفساد في القطاعات العمومية، إن لم تكن متبوعة بزجر مرتكبيه عوض زجر الصحافيين الذين أوردوا مضامينه، وكأن راوي الكفر كافر؟
هناك إصرار على اغتيال حامل الرسالة عوض قراءتها، فمن بين رسائل الصحافة والصحافي قناةُ الوساطة الضرورية في أي مجتمع حي متطلع إلى حد أدنى أو أقصى من الشفافية، لكن وساطته تساء قراءتها، فالصحافي لا يطمح إلى تقمص دور الزعيم السياسي، ولا يزاحم أي سلطة قائمة إذا تمتعت بالاستقلال وعدم التداخل مع سلطات أخرى، ظاهرة أو خفية. كما أن الصحافي لا يعتبر نفسه فوق القانون إذا كان تطبيق هذا القانون نفسه محصنا من الإملاءات الهاتفية ومن المحاكمات المحبوكة والمفضوحة التي تدوس على مبدأ المحاكمة العادلة، أي أنها تدوس على الحق في المواطنة الفعلية.
الحكومة الموازية أساءت دائما قراءة رسائل الصحافة، وتريد القضاء عليها والانتقام من الصحافيين برميهم في السجون ومنعهم من الكتابة، لكن المشكل أنك حين تكون «موازيا»، كما تقول الرياضيات، فإن خطك لن يلتقي أبدا بأي خط آخر، فما بالك بالالتقاء بخط دولة الحق والقانون.
اليوم، قضية اعتقال رشيد نيني أصبحت قضية رأي عام وطني وقد تأخذ مستقبلا منحى دوليا، ولهذا فالمطلوب، أولا وقبل كل شيء، هو إطلاق سراح الرجل وبعدها لكل حادث حديث.
أحمد السنوسي (بزيز) - (فنان ساخر)