الانتخابات: الواقع المسار الآفاق


محمد الحنفي
الجمعة 26 يونيو/جوان 2015










منذ بداية الستينيات من القرن العشرين، والحركة الاتحادية الأصيلة، تتأرجح بين المقاطعة، التي تفرضها شروط معينة، وبين المشاركة، التي تفرضها شروط أخرى، قد تكون مناسبة، وقد لا تكون كذلك، يأتي على رأسها: أخذ الحركة الاتحادية الأصيلة، بمبدأ النضال الديمقراطي، منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين، الذي اعتمد أساسا للمشاركة في انتخابات 1976، و 1977، من القرن العشرين، والتي أثبتت بالملموس، تحكم الأجهزة المخزنية، في العملية الانتخابية، وإقدامها على تزوير إرادة الشعب المغربي، كما وقع انفراز توجهين في الحركة الاتحادية: توجه الخط الانتخابي، الذي حول المشاركة في الانتخابات إلى إستراتيجية حزبية، وتوجه الخط النضالي الديمقراطي، الذي لا يسجن مفهوم الديمقراطية في الانتخابات، كما يفعل الخط الانتخابي، الذي يتطابق مفهومه، حين ذاك، للديمقراطية، مع المفهوم المخزني، بحزب دولته، وأحزابه الإدارية، والمتمخزنة، والتي نعتبر من بينها الخط الانتخابي، بل يعطيه مضامين اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، والتي تعتبر الانتخابات جزءا بسيطا من الجانب السياسي، مما يفسح أمامه المجال للنضال في مختلف الواجهات، وعلى جميع المستويات، في أفق تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بواسطة النضال النقابي، الذي يهدف إلى تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والنضال الحقوقي، الهادف إلى تمكين أبناء الشعب المغربي، من حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. فالنضال الاجتماعي المتمثل في العمل على رفع مستوى أداء المدرسة المغربية، وعلى تحسين مستوى الخدمات الصحية، وعلى توفير مناصب الشغل المتناسبة، مع نسبة الزيادة في عدد السكان، وضمان توفير السكن الاقتصادي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين... إلخ، والنضال الثقافي الهادف إلى ضمان التفاعل الإيجابي، بين مختلف الثقافات الوطنية، والجهوية، والإقليمية، والمحلية، وإنماء المشاريع المشتركة بين مختلف المكونات الثقافية، مما يؤدي، بالضرورة، إلى إقرار التعدد الثقافي، الذي يخدم الوحدة الثقافية على المستوى الوطني، ويعضد الوحدة الوطنية، ويحميها من الأخطار الخارجية، والداخلية.

والنضال السياسي، الذي يجعل الجماهير الشعبية الكادحة، تعي أوضاعها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من خلال برنامج سياسي مدقق، يهدف إلى جعل الشعب المغربي، يدرك أهميته، ودوره في تفعيل الممارسة السياسية اليومية، وفي مختلف المحطات الانتخابية، وفي اختيار ممثليه في مختلف المجالس الجماعية: المحلية، والإقليمية، والجهوية، وفي البرلمان، انطلاقا من الحرص على ضمان نظافة الممارسة الديمقراطية بصفة عامة، والممارسة الديمقراطية الانتخابية بصفة خاصة.

وقد أخذت بوادر الفصل النهائي، بين الخط الانتخابي، والخط النضالي الديمقراطي، بعد الانتهاء مباشرة من إنهاء الجلسة الختامية للمؤتمر الوطني الثالث للحركة الاتحادية، التي كانت تحمل، بعد المؤتمر الاستثنائي المنعقد في 25 يناير 1975، اسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ليدخل الخطان في صراع لا هوادة فيه، بعد الخروج مباشرة من المؤتمر الوطني الثالث، المنعقد في نهاية ،1978 هذا الصراع الذي انتهى بمحطة 8 مايو ،1983 بعد أن برز، بشكل واضح، في مجموعة من المحطات النضالية / الانتهازية، التي كان الخط النضالي الديمقراطي يسعى إلى أجرأة قرارات المؤتمر الوطني الثالث، ليصطدم بالخط الانتخابي لانتهازي، الذي كان يتزعمه المكتب السياسي، الذي يرفض دائما الالتزام بقرارات المؤتمر الوطني الثالث: التنظيمية، والسياسية، التي لا تخدم مصالحه في علاقته مع الحكم.

وقد كانت محطة 8 مايو ،1983 مناسبة للحسم النهائي مع الخط الانتخابي، بعد أن تم اعتقال 34 مناضلا من الخط النضالي الديمقراطي، من بينهم، وفي مقدمتهم المناضل الكبير: الفقيد أحمد بنجلون، والرفيق عبد الرحمن بنعمرو: الكاتب العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، في مقابل 34 برلمانيا حينذاك، في أول انتخابات يشارك فيها الخط الانتخابي الانتهازي، بعد محطة 8 مايو ،1983 وبعد أن حسم معه الخط النضالي الديمقراطي، وبعد أن طرد مكتبه السياسي من الحركة الاتحادية حينذاك، ليصير الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اتحادين: الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ــ المكتب السياسي، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ــ اللجنة الإدارية، الذي غير اسمه بعد ذلك إلى حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، لتجنب الخلط بين الخط الانتخابي، وبين الخط النضالي الديمقراطي.

ومنذ 8 مايو ،1983 وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي يقاطع الانتخابات، انطلاقا من هيئاته التقريرية، وبعد مناقشة واسعة في مختلف الهيئات الحزبية: المحلية، والإقليمية، والوطنية، ثم عقد ندوة حزبية في المحمدية، لتوضيح الرؤى، والتصورات، التي تتعلق بالمشاركة، أو المقاطعة، بإشراف الكاتب العام للحزب حينذاك، الفقيد المرحوم أحمد بنجلون، من أجل أن لا تصير المشاركة في الانتخابات عملا استراتيجيا في منطق الحزب، ومن أجل أن لا تصير المقاطعة، أيضا، عملا استراتيجيا في منطق الحزب. فالمقاطعة أو المشاركة، عملان تاكتيكيان، يهدفان إلى فضح، وتعرية ممارسات الطبقة الحاكمة، وأحزابها الإدارية، وغيرها من الأحزاب الممخزنة، في العلاقة مع الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة. وهو ما فهمه مناضلو حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الذين حضر ممثلوهم في المجلس الوطني للحزب، كهيأة تقريرية، الذي قرر المشاركة في الانتخابات البرلمانية سنة 2007، وفي إطار التحالف بين حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، والحزب الاشتراكي الموحد، وليقاطع الانتخابات البرلمانية سنة 2011، لتصبح المشاركة، أو المقاطعة ممكنة، بناء على تاكتيك معين. والقرار القائم الآن، هو المشاركة في الانتخابات الجماعية، حتى يبرز ما يستدعي المقاطعة.

وفي تناولنا لموضوع (الانتخابات المغربية: الواقع ـ المسار ـ الافاق) سنتناول مفهوم الانتخابات، وعلاقة الانتخابات بالديمقراطية، والغاية من الانتخابات، والغاية من تزوير الانتخابات، وأي دور لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي كحزب، وكمكون من مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي، وصولا إلى الخلاصة العامة.

وما يجب أن نضعه في اعتبارنا، أننا، كحزب ينتمي إلى المعارضة اليسارية الحقيقية، التي تختلف عن المعارضة المخزنية، لا نعتبر عملنا موسميا، بقدر ما نستغرق جميع أيام السنة بالعمل الحزبي، بهدف الارتباط اليومي بالجماهير الشعبية الكادحة، إما مباشرة، أو من خلال تواجد مناضلي حزبنا في المنظمات الجماهيرية الجمعوية، والنقابية، والحقوقية، في أفق انتزاع المزيد من المكاسب للجماهير الشعبية الكادحة، والعمل على تربيتها على الديمقراطية، وإبعادها عن كل بؤر الفساد المختلفة.

مقالات ذات صلة