سجل تقرير للبنك الدولي أن المغرب على غرار دول المنطقة يواجه تحديات تتعلق بندرة الأراضي وحوكمتها، ارتباطا بالنمو الديمغرافي والتحديات المناخية، إضافة إلى السياسات الريعية في تدبير الأراضي.
وتوقف تقرير البنك الدولي على ما تتعرض له الأراضي من تدهور مستمر وتصحر، بشكل يفاقم مشكلات شح المياه التي تهدد الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية، ناهيك عن المشاكل المرتبطة بالتنمية الحضرية على أراض غير صالحة.
مشاكل الأراضي الفلاحية
وأبرز البنك الدولي أن السياسة الفلاحية في المغرب ساهمت في تحويل خيارات المحاصيل نحو أصناف كثيفة الاستخدام للمياه، مما أدى إلى تفاقم نضوب المياه وتدهور الأراضي وغير ذلك من العواقب البيئية.
وأشار التقرير إلى أن نصيب الفرد في المغرب من الأراضي المحصولية يعادل 40% فقط من نصيب الفرد في أمريكا الشمالية، حيث يبلغ نصيب المغربي من الأراضي المحصولية 0.2 هكتار، ونصيبه من الأراضي غير المزروعة الصالحة للزراعة البعلية 0.02 هكتار.
ورغم عملية “التمليك” منذ أواخر الستينيات لتحويل الأراضي الريفية المشاعة إلى أراض خاصة بالمغرب، إلا أن هذه العملية لم تحقق حتى الآن نجاحا يذكر بسبب مشكلات التنسيق المؤسسي، وصعوبات التعامل مع الملكية المشتركة، واستبعاد النساء من الاستفادة من هذه العملية.
ولا يزال تجزيء الأراضي الزراعية الناجم عن سياسات إعادة توزيع الأراضي، أو التقسيم بعد الميراث، مشكلة شائعة في المغرب، يؤكد البنك الدولي.
وقد أدت القوانين المستمدة من العرف والشريعة، والمعتمدة على ما صدر خلال فترة الاستعمار الفرنسي وفترة ما بعد الاستقلال، إلى خلق تعددية قانونية تحكم حيازة الأراضي وتنظيم شؤونها وإدارتها في المملكة، ليصبح الأمر شديد التعقيد في الاعتراف بملكية الأراضي وتسجيلها وإمكانية الحصول عليها، وخاصة بالنسبة للأراضي الزراعية والأراضي الخاضعة لمختلف أنظمة الحيازة العرفية.
سياسات ريعية
كما رصد التقرير مجموعة من السلوكات الريعية التي تحكم مسألة الأراضي بالمغرب، حيث اعتمدت التنمية الحضرية بالبلد منذ وقت طويل على قيام السلطات العامة بتوفير الأراضي، التي غالبا ما تكون في مواقع غير مناسبة.
لكن تعبئة هذه الأراضي العامة، حسب التقرير، لا تخضع في الغالب لمبادئ السوق، أي لا يتم نقل الأراضي بالقيمة السوقية الحقيقية وإنما بأسعار تفضيلية، وهو ما يؤدي إلى توليد إعادة توزيع الريع والثروة على المستفيدين من هذه المخصصات، حيث لا تنقل الأراضي إلى المستخدمين الأكثر إنتاجية المستعدين لدفع المزيد مقابلها، بل تخضع لحسابات ريعية.
وغالبا ما يبرر واضعو السياسات ممارسة تخصيص الأراضي بقيمة أقل من قيمة السوق بالزعم بأنهم يكفلون بذلك تيسير تكلفة الأراضي على الفئات منخفضة ومتوسطة الدخل وتحقيق تكافؤ فرص الحصول عليها، لكن ليس ثمة متابعة لمدى تحقق هذه النتائج على أرض الواقع، يضيف ذات المصدر.
وفي ظل تناقص رصيد الأراضي العامة في المواقع المناسبة للتنمية الحضرية، يتم اختيار مواقع دون المستوى الأمثل للتنمية الحضرية، وخاصة للمساكن الاقتصادية ونقل الأحياء الصفيحية بالمغرب.
فقد اضطرت برامج الإسكان الاقتصادي، يضيف التقرير، إلى الانتقال لأطراف المدن دون ربطها بشبكة البنية التحتية، مما أدى إلى تفاقم الزحف المكاني، وصعوبات في تقديم الخدمات، وفرض ضغوط على شبكات النقل، وخلق آثارا ضارة على البيئة.
وفي ذات الصدد، سجل التقرير ضعف الإيرادات المتأتية من الضرائب العقارية رغم أن المغرب من بين الدول التي تطبق أعلى الضرائب العقارية في المنطقة.
وأرجع التقرير أسباب انخفاض هذه الإيرادات إلى الإعفاءات العديدة التي أدخلت لاسترضاء ذوي المصالح المكتسبة، خاصة المرتبطين بمجال العقار، ناهيك عن تجنب السخط الاجتماعي.
الريع في التعامل مع الأراضي بالمغرب، يمتد، حسب التقرير، ليطال إمكانية حصول الشركات على الأراضي، حيث تشكل الارتباطات السياسية، عاملا مساعدا، إذ يتضح جليا أن الشركات ذات الارتباطات السياسية في المغرب تواجه قيودا أقل في الحصول على الأراضي مقارنة بالشركات التي ليس لديها روابط سياسية، ويعد المغرب من بين أعلى البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حضورا للشركات ذات الارتباطات السياسية.
عدم المساواة
كما توقف التقرير على الفروق بين الجنسين بخصوص انعدام أمن حيازة الأراضي، والصعوبات التي تواجهها المرأة في الحصول على الأرض، مقارنة بالرجل.
وأفادت أرقام المؤسسة المالية الدولية أن 37 في المئة من نساء المغرب متخوفات من فقدان الأرض بسبب الطلاق أو وفاة الزوج، مقابل 7 في المئة بالنسبة الرجال.
وأبرز التقرير ما حققته حركة السلاليات من إصلاحات تشريعية لصالح المرأة، مثل الاعتراف الرسمي بالمرأة كمستفيدة من التعويضات بعد نقل الأراضي الجماعية.
ولفت إلى التعبئة الاجتماعية غير المسبوقة للسلاليات من أجل الحصول على حقوق متساوية في الميراث، وهو ما أسفر عن وضع برنامج لنقل الأراضي الجماعية قانونا إلى النساء، رغم ضعف الاستفادة، بدلا من كون الحق في استخدام الأرض لأغراض الزراعة والاستفادة من حصيلتها منقولا عرفيا من الأب إلى الابن، بما يسفر عنه ذلك من مشاكل اجتماعية وإقصاء، خاصة للأرامل والنساء غير المتزوجات.
وخلص التقرير إلى التأكيد على أن التغلب على التحديات التي تواجه مشكل الأراضي يتطلب من الحكومة إيجاد نماذج بديلة يمكنها تعبئة الأراضي الخاصة من أجل التنمية الحضرية، ما يتطلب إدخال تحسينات كبيرة على حوكمة الأراضي؛ لتوضيح أوضاع الحيازة وحقوق الملكية، مع ضرورة التقييم السوقي للأراضي، ومعالجة مسألة الأراضي المعطلة.
وشدد البنك الدولي على أن هذه التدابير ضرورية لا لتحفيز إمدادات الأراضي الرسمية لتلبية الاحتياجات العمرانية فحسب، بل لضمان أن تصبح عمليات تحويل الأراضي لأغراض الاستخدام العمراني أكثر شفافية وإنصافا، ناهيك عن تأكيده على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأراضي الفلاحية والنهوض بها.