الجمعية المغربية لحقوق الانسان ترد على رسالة الاعذار لوالى الرباط


حقائق بريس
الأحد 28 دجنبر 2014








بعد رفض ولاية الرباط تسلم رسالة جوابية من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بشأن رسالة الإعذار التي وجهها لها سابقا، والتي اعتبرت مقدمة لسحب صفة المنفعة العامة عن الجمعية تمهيدا لحظرها، قررت الجمعية تعميم ردها على المنابر الإعلامية، ومن هذا المنطلق ننشر رد الجمعية على والي الرباط.



الرباط في 22 دجنبر 2014

رقم:231/2014



إلى السيد والي جهة الرباط سلا زمور زعير

عامل عمالة الرباط


الموضوع: الجواب على رسالتكم عدد 1004 بتاريخ 17 دجنبر 2014.


تحية طيبة،وبعد؛


تلقى المكتب المركزي، للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، باستغراب شديد إقدام مصالحكم، في خطوة تضييقية وعدائية جديدة، على توجيه رسالة إعذار للجمعية للتلاؤم مع الأحكام القانونية بوصفها حاملة لصفة المنفعة العامة؛ اعتمادا على المادة 9 من المرسوم رقم:2.04.969، الصادر بتاريخ 10 يناير 2005، تطبيقا لقانون تأسيس الجمعيات رقم: 1.58.376؛ وذلك بناء على جملة من المزاعم الواهمة والادعاءات الواهية، غايتها المس بمصداقية الجمعية، وحملها على تغيير رسالتها والانخراط في مسلسل إجماع حقوقي مزعوم، والتضحية بما قطعته على نفسها من التزامات بالدفاع عن سمو منظومة حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها، والمساهمة في بناء دولة الحقوق والحريات.


ونظرا لغياب السند القانوني الموجب لهذا الإعذار، والمزاعم الخطيرة التي انبنى عليها خطابه؛ من قبيل "معاينة السلطات الإدارية المحلية المختصة مخالفة أنشطة جمعيتكم لالتزاماتها الواردة في قانونها الأساسي، لاسيما المادة 3 منه "، وأن مواقف الجمعية وأنشطتها "تعبر في مضمونها عن توجه سياسي"، وغيرها؛ فإننا نرى من واجبنا تقديم التوضيحات التالية:


ففي ما يتعلق بالجانب القانوني، فإنه، من جهة، ينبغي اعتبار أن الإنذار المنصوص عليه في الفقرة السابعة من الفصل 9 من قانون تأسيس الجمعيات، الموجه للجمعيات المعترف لها بصبغة المصلحة العمومية، إنما يكون "لتسوية وضعيتها المحاسبية داخل أجل ثلاثة أشهر"، لأنها في عدم قيامها بذلك تكون قد خالفت "التزاماتها القانونية أو الواردة في قانونها الأساسي"، مما يستوجب أن "يسحب منها الاعتراف بصفة المنفعة العامة"؛ أما من جهة أخرى، فإنه يتعين ربط المادة 9 من المرسوم التطبيقي بالشروط المتطلبة في الاستفادة من صفة المنفعة العامة، الوارد ذكرها على سبيل الحصر في المادة 1 من نفس المرسوم، كما جرى توضيحها وتفصيلها في منشور السيد الأمين العام للحكومة رقم:1/2005.


والحال أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي منحت لها صفة المنفعة العامة سنة 2000، "اعتبارا للأهداف الاجتماعية التي تسعى لتحقيقها"، لم يسجل عليها قط أنها أخلت بالتزاماتها القانونية، مادامت تمسك محاسبة " تعكس صورة صادقة عن ذمتها ووضعيتها المالية"، وترفع تقاريرها المالية إلى الأمانة العامة للحكومة تُضَمِّنُها "أوجه استعمال الموارد التي حصلت عليها"، مصادق عليها من لدن "خبير محاسب مقيد في جدول الخبراء المحاسبين"، وتصرح لديها بكل "المساعدات الأجنبية" التي تتلقاها في الآجال المحددة؛ كما أنها تحترم نظامها الأساسي والداخلي، بما "يضمن لكافة أعضائها المشاركة الفعلية" في تدبيرها وتسييرها على كافة المستويات، وتحترم تواريخ انعقاد مؤتمراتها وجداول أعمالها؛ مما تكون معه أية اتهامات لها بخلاف ذلك مجرد اتهامات باطلة ليس إلا.


وبخصوص المادة 3 من القانون الأساسي للجمعية، المتحجج بمخالفتها، والتي تحدد الأهداف العامة الموجهة لعملها؛ فيبدو أن مصالحكم لم تتوقف عندها لتفحص مضمونها واستكناه غاياتها ومقاصدها، مع ربطها بالوسائل المنصوص عليها في المادة 4، لأن مساعي الاتهام أغشت عيونها، فلم تنتبه إلى أنها تروم حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، في جميع أبعادها الكونية والشمولية، عبر التربية عليها وإشاعة ثقافتها، ورصد وفضح الخروقات التي تطالها، والوقوف إلى جانب ضحايا انتهاكها تضامنا ومؤازرة ودعما.


وفي هذا السياق، ورغم التضييق وخرق القوانين الذي تمارسه السلطات في محاولة لعرقلة تحقيق الجمعية لأهدافها من خلال المنع التعسفي واللاقانوني لأنشطتها وحرمانها من القاعات العمومية والخاصة، فإنكم لا شك تعلمون مبلغ المجهود الضخم الذي أنفقته الجمعية ولا زالت، فروعا ومركزا، من أجل نشر ثقافة حقوق الإنسان والتربية عليها، لاسيما منذ توقيعها سنة 2004، على اتفاقية الشراكة مع وزارة التربية الوطنية؛ حيث نظمت العشرات من الجامعات، والمئات من التكوينات الوطنية والجهوية والمحلية، بلغ عدد المستفيدين من تلك المدعمة منها ماليا بواسطة الشراكات، خلال الفترة الممتدة ما بين سنة 2011 وشهر أكتوبر 2014 وحدها، ما يجاوز 34943 مستفيدة ومستفيدا من مختلف المناطق، دون احتساب عدد المستفيدين بكيفية غير مباشرة، والذين يمكن تقديرهم بعشرات الآلاف، وبتكلفة للمستفيد الواحد (316 درهما) أقل من التكلفة المتعارف عليها والمقدرة ما بين 600 و700 درهم، وذلك بفضل الروح التطوعية ونكران الذات لأعضاء وعضوات الجمعية.


أما في ما يتصل بادعاء مصالحكم بأن الأنشطة المنظمة من طرف الجمعية " تتخذ في الكثير من الأحيان مواقف تهدف إلى المس بالوحدة الترابية للمملكة ومصالح ومؤسسات الدولة مستهدفة زعزعة النظام العام"، وبأنها " قد تبنت موقفا سياسيا واضحا يتلاقى مع الطرح الانفصالي للوحدة الترابية وتشكل منبرا مفتوحا لمؤيدي هذا الطرح لتمرير خطابات انفصالية "، فدرءا لكل لبس أو تلبيس فقد أكد المؤتمر الثامن سنة 2007 والتاسع سنة 2010 والعاشر سنة 2013 على موقف الجمعية "بشأن الحل الديمقراطي للنزاع حول الصحراء وبشأن التصدي لكافة الانتهاكات الناتجة عن النزاع مهما كان مصدرها"، وهو ما ينسجم والمرجعية الدولية المؤطرة للنزاع، ويتقاطع مع الموقف الرسمي المعبر عنه دوليا من طرف الدولة المغربية بهذا الخصوص. ولا يمكن بأي حال من الأحوال تأويل سماح الجمعية لنشطاء الجمعيات الصحراوية باستعمال مقرها المركزي بالرباط، كما بالنسبة لمعتقلي السلفية الجهادية وغيرهما من المنظمات والحركات دون أي تمييز بين الضحايا وبغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الدينية أو العرقية أو غيرها، إلا في نطاق ما يفرضه عليها وضعها كجمعية مدافعة عن حقوق الإنسان، وضمنها الحق في الرأي والتعبير والتنظيم وإقامة العدل، بصرف النظر عن الاتفاق أو عدمه مع هذا الرأي أو ذاك، ما دام كل ذلك يتم بشكل سلمي. كما أن الآراء المعبر عنها من قبل مسؤولي الجمعية بخصوص النقاش الدائر حول توسيع صلاحيات بعثة المينورسو، تظل آراء مشروعة، وواجبة الاحترام في كل مجتمع ديمقراطي، ولا مجال لإضفاء أو نزع صفة الوطنية عنها أو جعلها معادية لوحدة ترابية لم تكتمل بعد.


ومن حق الجمعية، بل وواجب عليها، بقوة القانون الدولي لحقوق الإنسان والإعلان الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان لسنة 1998، أن تعمد إلى استعمال كل آليات التأثير والضغط والترافع لتحسين أوضاع حقوق الإنسان ببلادنا، وحث الدولة على احترامها وصيانتها من أي اعتداء أو شطط؛ سواء لوحدها أو من خلال المنظمات، والائتلافات، والتنسيقيات والشبكات الوطنية، والإقليمية والدولية التي هي عضو فيها؛ وما حضورها ببروكسيل وتدخلها بالبرلمان الأوروبي إلا من أجل حمل الاتحاد الأوروبي، قبل المغرب، على الوفاء بالتزاماته باحترام بند حقوق الإنسان في الشراكات التي يبرمها، وعدم التضحية بها لفائدة مصالح اقتصادية أو جيوسياسية ظاهرة أو خفية.


وبارتباط مع ما سبق فإن الجمعية يشهد لها، قبل أن تشهد على نفسها، بأنها تتحرى الموضوعية والموثوقية في ما تنشره وتنجزه من تقارير وتحقيقات، وما تصدره من بيانات أو تبعث به من مكاتبات؛ الشيء الذي بوأها مكانة وطنية ودولية توجت بحصول رئيستها السابقة بجائزة الأمم المتحدة والتي تعتبر تتويجا للجمعية وللحركة الحقوقية المغربية؛ فحري بالدولة أن تتعامل بجدية ومسؤولية مع ما ترصده الجمعية وغيرها من المنظمات الحقوقية والمدنية، ومع المطالب والتوصيات الصادرة عنها وعن هيئاتها بدل الاستكانة إلى سلطة الاتهام وتكميم الأفواه، وتسفيه كل انتقاد يوجه لها، حتى قبل أن تنظر فيه بعين التحقيق والتدقيق، فقط دفاعا عن "هيبة الدولة" وتأمينا لسياسة الإفلات من العقاب، وتكريسا للتعارض الصميم القائم بين الخطاب والواقع.


وعلى عكس ما تدعيه مصالحكم فلم تسع الجمعية، يوما، وهي تؤطر المواطنين والمواطنات في مختلف الحركات الاحتجاجية، إما بناء على طلباتهم للمؤازرة وإما اعتمادا على تواجدها داخل تنسيقيات، إلى استغلال هذه الحركات في تحقيق أية مآرب ظاهرة أو خفية إلا احترام كرامة وحقوق المواطنين/ات؛ وليست هي من ينبغي أن تساءل عما تعرفه بلادنا من احتقانات اجتماعية، وأزمات هيكلية، وانتكاسات قطاعية وفروقات مجالية، وإنما هي السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعتمدة حتى اليوم، والتي أخفقت في القضاء على الفقر والأمية، وعمقت الإقصاء والهشاشة والاستبعاد، ومكنت للفساد والإفساد. وقد تعودت الجمعية في كل الاحتجاجات التي تكون مسؤولة عنها أن تحدد الشعارات التي ينبغي رفعها، ولم يسجل عليها في ذلك أي خروج عن اللغة الحقوقية في بعدها المطلبي والأخلاقي.


وبناء على التوضيحات الآنفة الذكر، فإن الجمعية؛ وهي ملتزمة باستقلالية قراراتها واختياراتها الحقوقية وشديدة التشبث بها، وبتنفيذ ما يصدر عن مؤتمراتها وتتخذه أجهزتها التقريرية من مواقف وقرارات بكل ديمقراطية ومسؤولية، في احترام تام لقوانينها الأساسية والداخلية، وللمواثيق الدولية والقوانين الداخلية؛ تعتبر أن هذا الإعذار لا يمكن فهمه إلا في إطار المحنة الحالية التي تجتازها الحريات العامة ببلادنا، والتي حظيت فيها الجمعية بالقسط الوافر إلى جانب جمعيات ومنظمات حقوقية ومدنية أخرى ما انفكت تتزايد أعدادها؛ وما هو إلا ذريعة وتعلة لإضفاء الشرعية على قرارات تعسفية وعبثية باتت تفرض ضدا على أحكام القانون وسيادته.


عن المكتب المركزي

الرئيس: أحمد الهايج

مقالات ذات صلة