جرت العادة في الدول المنظمة مؤسساتيا أن تعرف كل فترة برلمانية نقاشات سياسية واجتماعية ساخنة، تنصب على انشغالات المجتمع. وإذا أمكن القياس على المغرب (مع أنه في العمق لا قياس مع الفارق كما يقال) فإن الفترة البرلمانية الربيعية قد انتهت واختتمت رسميا ونحن الآن بصدد دخول جديد، في أفق الفترة البرلمانية الخريفية التي ستنطلق رسميا مع بداية شهر أكتوبر القادم. ولكي نربط بين الحدثين، لابد أن نساءل المرحلة السابقة عما آلت إليه أوضاعنا وماذا تقرر بشأنها؟ وماهي المقاربات التي تم اعتمادها في معالجتها؟
فإذا رجعنا إلى الشوط الأول في الحياة السياسية والنيابية التي عرفتها بلادنا، لابد أن تستوقفنا ملاحظة مهمة، وهي أنها تمثل في نفس المدة الزمانية تقريبا، بداية تحمل حزب العدالة والتنمية المسؤولية الحكومية. والكل يعلم أن حزب بنكيران وصل إلى رئاسة الحكومة على أكتاف شباب حركة 20 فبراير. وقد وضع فعلا الشعب المغربي بعض آماله في أصحاب بنكيران من أجل تأصيل الحياة السياسية وتدعيم المؤسسات الدستورية بالقدر الذي يسمح به الدستور الجديد.
كما انتظر الشعب المغربي من بنكيران التصدي للفساد بجميع أشكاله وتمظهراته والاقتصاد الريع، وذلك من أجل بناء مجتمع يسوده العدل والمساواة وإعادة الاعتبار للمواطنة الحقيقية وإرساء قواعد اقتصاد وطني قوي لا مكان فيه للامتيازات ولا للهبات من أي نوع.
لكن ما أن اختتمت المرحلة البرلمانية الأولية حيث أصيب الشعب المغربي باحباطات متتالية بمرارة كبيرة.
ذلك أن فريق بنكيران قد أفشل في جميع الملفات التي فتحها في البداية، وبدل كشف المعرقلين والانسحاب كما وعد المصباح في البداية، فقد أعلن ابن كيران رسميا فشله الذريع في محاربة الفساد ولم يكتف بهذا الاعتراف فقط بل إرثئ الاعلان عن العفو عن الفساد والمفسدين وأنه مجرد رئيس حكومة!. أما في المجال الاقتصادي فقد وصل الاقتصاد المغربي إلى مستوى كارثي. إذ تدل كل المؤشرات على أننا بصدد الاعلان عن افلاسنا. حيث توقفت الاستثمارت وتقلصت الصادرات وارتفعت الواردات وانخفضت بشكل مخيف ومهول احتياطاتنا من العملة الصعبة.
ومن جهة أخرى فقد عرفت الفلاحة تراجعا مهولا، خصوصا في مادة الحبوب إذ أصبح الحديث عن بوادر أزمة غذائية خانقة (قد توصلنا إلى ظهور بوادر المجاعة) أمام تراجع انتاجنا من الحبوب وصعوبة استيرادها من الخارج في ظل الارتفاع الصاروخي لأثمنة القمح في الأسواق العالمية. بحيث أصبحنا أمة تستهلك أكثر ولا تنتج شيئا مع أننا بلاد الضيعات الفلاحية الكبيرة وسياسة المليون هكتار والمغرب الأخضر والفوسفاط بامتياز.
ووضعية الفلاحة ليست ظرفية كما قد يعتقد البعض، ولكنها هيكلية عميقة زكتها السياسة الفلاحية المتبعة إلى حد الآن، والمرتكزة أساسا على سيطرة كمشة قليلة من ذوي الامتيازات والانتهازيين على أراضي شاسعة، وعلى الاعتماد المفرط على فلاحة التصدير. وبالإضافة لهذه الأجواء المتأزمة، تم الاعلان رسميا عن الفشل الذريع والمأساوي لنظامنا التعليمي. فإذا كانت أزمة التعليم في بلادنا قديمة فإن تراكماتها بلغت الآن ذروتها مع ما صاحب ذلك من التضحية بأجيال كاملة من أبناءنا ومن إهدار لميزانيات ضخمة، صرفت في الفراغ أو في النزوات الشخصية لبعض مسؤولينا (البرامج الاستعجالية المتتابعة والمستعجلة). وكأننا بهذه الأزمة كانت تؤجل كل مرة إلى حين تفجيرها مع حكومة بنكيران!
بالإضافة إلى ذلك، إن وضعية جاليتنا بالخارج تنذر كذلك بتبيعات كارثية، فإذا كانت هذه الجالية بكدها ومعاناتها، تنعش اقتصادنا بالعملة الصعبة، فإنها تطالب بالمقابل أن تعترف لها الدولة بذلك وأن وتعيد إليها الاعتبار. ويكمن هذا الاعتبار في الدفاع عن مصالحها والوقوف إلى جانبها في ظل الأزمة الخانقة التي تضرب البلدان الأوروبية التي تقيم فيها هذه الجالية (أكثر من مليون مهاجر تعتزم اسبانيا وايطاليا وفرنسا طردهم). فضلا عن ذلك إن جاليتنا بدأت تبلور مطالب سياسية واضحة تكمن في تمثيليتها في مؤسسات بلدنا السياسية. حيث فعلا لا يعقل أن نستمر في اعتبار جاليتنا مجرد رعايا يعملون على إنعاش احتياطاتنا من العملة الصعبة دون أن تقابلها الدولة بأي مجهود (بل تعود هذه العملة الصعبة إلى الخارج لتأدية رسوم الدراسة لأبناء بعض القادرين من المغاربة من الذين لم يجدوا مقعدا لأبنائهم في الجامعات والمعاهد المتخصصة والمتشددة في شروط التسجيل، حيث أصبحت الباكلوريا ونسب معدلاتها غير مؤهلة لمتابعة الدراسة التي أصبحت امتيازا وليس حقا تضمنه القوانين الكونية الارضية والسماوية!).
إذا كان هذا هو رصد لبعض أوضاعنا في المرحلة الماضية، فإن هذا الرصد لا يتضمن أي تحامل أو ديماغوجية.
والآن ونحن على عتبة الدخول في مرحلة مقبلة، نتساءل هل سنعمل على معالجة أزماتنا أم سنتركها تتفاعل وندخل إلى المرحلة المقبلة في ظلالها لكي نستقبل أزمات أخرى تتفرع وتتوالد عنها.
من الملاحظ أن جميع محاولاتنا الاصلاحية باءت بالفشل، إذ أظهرت التجربة أن هذه المحاولات لم تكن صادقة في العمق وكان دائما يتم الالتفاف عليها لكي تعيد انتاج نفس الاخفاقات ونفس الأزمات.
ان مطالب الشعب المغربي لازالت مفتوحة وواضحة (الصحة لمن مرض، العدل لمن ظلم، الشغل لمن بلغ، التعليم لمن ولد والسكن والبيئة والكرامة) إن تحركات شباب 20 فبراير لازالت قوية وستتجدر أكثر، وقد تظهر إلى العلن مواقف أكثر جرأة. فالشعب المغربي لم يعد تكفيه الوعود الفارغة والسياسة الفاشلة، بل إن استقرار وطننا العزيز أصبح متوقفا على النتائج الملموسة والتي لن تتأثى إلا بتنظيم نهم اقتصاد الريع على أرضية التنازل ولو عن بعض امتيازاته، لأن القاعدة الاجتماعية للحكومة (التي هي مجرد حكومة كما قال بنكيران) ومعارضتها البرلمانية (التي تحملها كل نتائج الوضع رغم أنها تعرف أن سلطتها محدودة بحكم التجربة) هي في تقلص مستمر، وأن البركان المقبل لحزب المصباح سيقوي لا محال قاعدة معارضي الحكم وليس الحكومة وهي حركة 20 فبراير والقوى المنخرطة معها وإخواني العدل والاحسان.
فإذا رجعنا إلى الشوط الأول في الحياة السياسية والنيابية التي عرفتها بلادنا، لابد أن تستوقفنا ملاحظة مهمة، وهي أنها تمثل في نفس المدة الزمانية تقريبا، بداية تحمل حزب العدالة والتنمية المسؤولية الحكومية. والكل يعلم أن حزب بنكيران وصل إلى رئاسة الحكومة على أكتاف شباب حركة 20 فبراير. وقد وضع فعلا الشعب المغربي بعض آماله في أصحاب بنكيران من أجل تأصيل الحياة السياسية وتدعيم المؤسسات الدستورية بالقدر الذي يسمح به الدستور الجديد.
كما انتظر الشعب المغربي من بنكيران التصدي للفساد بجميع أشكاله وتمظهراته والاقتصاد الريع، وذلك من أجل بناء مجتمع يسوده العدل والمساواة وإعادة الاعتبار للمواطنة الحقيقية وإرساء قواعد اقتصاد وطني قوي لا مكان فيه للامتيازات ولا للهبات من أي نوع.
لكن ما أن اختتمت المرحلة البرلمانية الأولية حيث أصيب الشعب المغربي باحباطات متتالية بمرارة كبيرة.
ذلك أن فريق بنكيران قد أفشل في جميع الملفات التي فتحها في البداية، وبدل كشف المعرقلين والانسحاب كما وعد المصباح في البداية، فقد أعلن ابن كيران رسميا فشله الذريع في محاربة الفساد ولم يكتف بهذا الاعتراف فقط بل إرثئ الاعلان عن العفو عن الفساد والمفسدين وأنه مجرد رئيس حكومة!. أما في المجال الاقتصادي فقد وصل الاقتصاد المغربي إلى مستوى كارثي. إذ تدل كل المؤشرات على أننا بصدد الاعلان عن افلاسنا. حيث توقفت الاستثمارت وتقلصت الصادرات وارتفعت الواردات وانخفضت بشكل مخيف ومهول احتياطاتنا من العملة الصعبة.
ومن جهة أخرى فقد عرفت الفلاحة تراجعا مهولا، خصوصا في مادة الحبوب إذ أصبح الحديث عن بوادر أزمة غذائية خانقة (قد توصلنا إلى ظهور بوادر المجاعة) أمام تراجع انتاجنا من الحبوب وصعوبة استيرادها من الخارج في ظل الارتفاع الصاروخي لأثمنة القمح في الأسواق العالمية. بحيث أصبحنا أمة تستهلك أكثر ولا تنتج شيئا مع أننا بلاد الضيعات الفلاحية الكبيرة وسياسة المليون هكتار والمغرب الأخضر والفوسفاط بامتياز.
ووضعية الفلاحة ليست ظرفية كما قد يعتقد البعض، ولكنها هيكلية عميقة زكتها السياسة الفلاحية المتبعة إلى حد الآن، والمرتكزة أساسا على سيطرة كمشة قليلة من ذوي الامتيازات والانتهازيين على أراضي شاسعة، وعلى الاعتماد المفرط على فلاحة التصدير. وبالإضافة لهذه الأجواء المتأزمة، تم الاعلان رسميا عن الفشل الذريع والمأساوي لنظامنا التعليمي. فإذا كانت أزمة التعليم في بلادنا قديمة فإن تراكماتها بلغت الآن ذروتها مع ما صاحب ذلك من التضحية بأجيال كاملة من أبناءنا ومن إهدار لميزانيات ضخمة، صرفت في الفراغ أو في النزوات الشخصية لبعض مسؤولينا (البرامج الاستعجالية المتتابعة والمستعجلة). وكأننا بهذه الأزمة كانت تؤجل كل مرة إلى حين تفجيرها مع حكومة بنكيران!
بالإضافة إلى ذلك، إن وضعية جاليتنا بالخارج تنذر كذلك بتبيعات كارثية، فإذا كانت هذه الجالية بكدها ومعاناتها، تنعش اقتصادنا بالعملة الصعبة، فإنها تطالب بالمقابل أن تعترف لها الدولة بذلك وأن وتعيد إليها الاعتبار. ويكمن هذا الاعتبار في الدفاع عن مصالحها والوقوف إلى جانبها في ظل الأزمة الخانقة التي تضرب البلدان الأوروبية التي تقيم فيها هذه الجالية (أكثر من مليون مهاجر تعتزم اسبانيا وايطاليا وفرنسا طردهم). فضلا عن ذلك إن جاليتنا بدأت تبلور مطالب سياسية واضحة تكمن في تمثيليتها في مؤسسات بلدنا السياسية. حيث فعلا لا يعقل أن نستمر في اعتبار جاليتنا مجرد رعايا يعملون على إنعاش احتياطاتنا من العملة الصعبة دون أن تقابلها الدولة بأي مجهود (بل تعود هذه العملة الصعبة إلى الخارج لتأدية رسوم الدراسة لأبناء بعض القادرين من المغاربة من الذين لم يجدوا مقعدا لأبنائهم في الجامعات والمعاهد المتخصصة والمتشددة في شروط التسجيل، حيث أصبحت الباكلوريا ونسب معدلاتها غير مؤهلة لمتابعة الدراسة التي أصبحت امتيازا وليس حقا تضمنه القوانين الكونية الارضية والسماوية!).
إذا كان هذا هو رصد لبعض أوضاعنا في المرحلة الماضية، فإن هذا الرصد لا يتضمن أي تحامل أو ديماغوجية.
والآن ونحن على عتبة الدخول في مرحلة مقبلة، نتساءل هل سنعمل على معالجة أزماتنا أم سنتركها تتفاعل وندخل إلى المرحلة المقبلة في ظلالها لكي نستقبل أزمات أخرى تتفرع وتتوالد عنها.
من الملاحظ أن جميع محاولاتنا الاصلاحية باءت بالفشل، إذ أظهرت التجربة أن هذه المحاولات لم تكن صادقة في العمق وكان دائما يتم الالتفاف عليها لكي تعيد انتاج نفس الاخفاقات ونفس الأزمات.
ان مطالب الشعب المغربي لازالت مفتوحة وواضحة (الصحة لمن مرض، العدل لمن ظلم، الشغل لمن بلغ، التعليم لمن ولد والسكن والبيئة والكرامة) إن تحركات شباب 20 فبراير لازالت قوية وستتجدر أكثر، وقد تظهر إلى العلن مواقف أكثر جرأة. فالشعب المغربي لم يعد تكفيه الوعود الفارغة والسياسة الفاشلة، بل إن استقرار وطننا العزيز أصبح متوقفا على النتائج الملموسة والتي لن تتأثى إلا بتنظيم نهم اقتصاد الريع على أرضية التنازل ولو عن بعض امتيازاته، لأن القاعدة الاجتماعية للحكومة (التي هي مجرد حكومة كما قال بنكيران) ومعارضتها البرلمانية (التي تحملها كل نتائج الوضع رغم أنها تعرف أن سلطتها محدودة بحكم التجربة) هي في تقلص مستمر، وأن البركان المقبل لحزب المصباح سيقوي لا محال قاعدة معارضي الحكم وليس الحكومة وهي حركة 20 فبراير والقوى المنخرطة معها وإخواني العدل والاحسان.