فما هي نتائج قيام الأحزاب على أساس الدين، أو السلطة، أو نفوذ شخص معين؟
إن الحديث عن نتائج قيام أحزاب على أساس الدين، أو السلطة، أو الشخص النافذ، قد يظهر غير ذي جدوى، خاصة، وأن أحزابا من هذا النوع، لا تخرج عن كونها تسعى إلى إعادة إنتاج الواقع كما هو، لا كما يريده كادحو، ومقهورو الشعب المغربي، كما لا تخرج عن كونها تسعى إلى تكريس الاستبداد القائم في الواقع، وتعميق هذا الاستبداد، حتى لا يستنشق الكادحون نسيم الحرية، بكل دلالاتها، لأن الأحزاب المذكورة، هي أحزاب لا ديمقراطية، ولا شعبية، ولا يمكن أبدا أن تقف إلى جانب الشعب، عن طريق السعي إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
وانطلاقا من كون هذه الأحزاب لا تتجاوز أن تعيد إنتاج الواقع، لخدمة مصالح الطبقة الحاكمة، ومصالح التحالف البرجوازي / الإقطاعي / المخزني / السلطوي، وأن تعمل على إعادة إنتاج الاستبداد القائم، حتى وإن ادعت أنها تمارس الديمقراطية، لأن ديمقراطيتها، لا تتجاوز أن تكون ديمقراطية الواجهة، التي تضفي المساحيق على النظام الاستبدادي القائم.
والفرق الذي يمكن أن يميز بين هذه الأنواع من الأحزاب المذكورة، هو القيمة المضافة التي يمكن أن يتميز بها كل حزب على حدة. وهذا الفرق يتمثل في:
أولا: أن الحزب القائم على أساس الدين، الذي يعتبر نفسه وصيا "كاهنا" على الدين، ويؤدلج النص الديني، مما يخدم مصالح المنتمين إليه، يعمل على تجييش المضللين من أتباعه، الذين يعتبرون أن الحزب القائم على أساس الدين، يحمل لواء الجهاد، من اجل حماية الدين، والمحافظة عليه، وبناء النظام السياسي الديني على هذا الأساس. فالتجييش الذي يقوده الحزب، الذي يدعي انه ديني، لا يهدف إلى تحقيق الحرية، بقدر ما يعمل على تكريس الاستعباد باسم الدين، كما لا يهدف إلى تحقيق الديمقراطية، بقدر ما يسعى إلى تكريس الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، حتى يضمن للحزب الديني إمكانية التحكم في الواقع، وجعله في خدمة مؤدلجي الدين، الذين يؤولون النص الديني على هواهم، لتكريس تضليل المتدينين بواسطة ذلك التأويل، الذي يتحول إلى جزء من الدين، مع أنه مجرد تأويل بشري، تصير له الأولوية على النص الديني.
فالتجييش، إذا، هو مجرد وسيلة لظهور الحزب كحزب قوي، سواء كان مواليا للاستبداد القائم، أو كان يعمل على فرض استبداد بديل.
وقوة الحزب الديني عن طريق تجييشه للمضللين من المتدينين، سوف يقف عقبة كأداء أمام كل من يناضل من أجل تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية وأمام الديمقراطية نفسها، باعتبارها ممارسة "مستوردة" و"دخيلة" على المجتمع المتدين، وباعتبارها "بدعة" يجب التصدي لها، ونبذها، وباعتبارها وسيلة لنشر الكفر، والإلحاد، بين المتدينين، الذين يجب أن يتجيشوا وراء الحزب القائم على أساس الدين. وفي حالة قبول هذا الحزب بالانخراط فيما صار يعرف بديمقراطية الواجهة، فإن ذلك لا يكون إلا من باب إيهام الرأي العام بان هذا الحزب ديمقراطي، ومن أجل الوصول إلى مراكز القرار، التي تستغل للانقضاض على الديمقراطية نفسها.
والتجييش، أيضا، هو وسيلة لفرض الالتزام بما صار يعرف ب"الاقتصاد الإسلامي" الذي لا يوصف لا بالرأسمالية، ولا بالاشتراكية، مع أن الاقتصاد هو ممارسة بشرية، لا دين لها، ولا ملة، ولا حزب. ولذلك فلا يصح وصفه بالاقتصاد الإسلامي، أو الاقتصاد الوسيط، لكونه إما أن يكون رأسماليا، أو اشتراكيا.
أما الوسطية، فهي مجرد تضليل، وخاصة في هذا العصر الذي نعيشه، وبالخصوص في البلدان ذلت الأنظمة التابعة، وخاصة المغرب.
ولذلك نرى من الضروري التصدي لممارسة أدلجة الدين، من منطلق أن الدين هو لكل المومنين به، مهما كانت الطبقات التي ينتمون إليها، وتفكيك هذه الأدلجة، واعتبار تأسيس الحزب على أساس الدين مصادرة للدين نفسه، والعمل على تحريفه عن طريق التأويل السياسي،، المفضي إلى قيام نظام ديني يصير مصدرا للحكم باسم الله من اجل تطبيق "شريعته" على الأرض، ومعاقبة كل من يلتزم بنتائج التطبيق، إلى درجة مصادرة الحق في الحياة. هذا التحريف الذي يقتضي وعي المتدينين به، ومواجهته، باعتباره مصادرة للدين، الذي يعد مصدرا للقيم النبيلة، التي يتحلى بها المتدين، بعيدا عن الأدلجة، وعن توظيف الدين في الأمور السياسية.
ثانيا: أن الحزب القائم على أساس السلطة، هو حزب إداري بامتياز، يكون رهن إشارة السلطة، وخدمة مصالحها، مقابل الامتيازات التي تقدمها السلطة إلى المنتمين إلى هذا الحزب، تلك الامتيازات التي تنقلهم، وبالسرعة الفائقة، إلى صيرورتهم جزءا لا يتجزأ من التحالف البرجوازي / الإقطاعي المتخلف.
والحزب الإداري، كما يظهر ذلك من خلال الممارسة اليومية لهذا الحزب، هو الذي يضع نفسه، بأجهزته التنفيذية، والتقريرية، رهن إشارة الطبقة الحاكمة، من جهة، ورهن إشارة الأجهزة الإدارية للسلطة القائمة، وخدمة مصالحها، والالتزام بتوجيهاتها، خاصة، وان الأجهزة الإدارية للسلطة، تقوم بتمكين المنتمين إلى الأحزاب الإدارية، التي تبقى تابعة لها، من الامتيازات المتعددة، التي تساهم في صيرورتهم من التحالف البرجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف. وفي مقدمة هذه الامتيازات: إيصالهم، عن طريق التزوير إلى المجالس الجماعية، وإلى البرلمان، الأمر الذي يترتب عنه قيام الأعضاء الجماعيين، والبرلمانيين، من أجل أن يصلوا جميعا إلى نفس المستولى المادي للتحالف البرجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، الذي كلف، ولازال يكلف المغاربة، المزيد من التضحيات التي تتمثل في انتشار الفقر، والجوع، والمرض، الذي ينتشر بكثافة في صفوف كادحيه.
والحزب الإداري، كالسلطة، وكالحزب القائم على أساس الدين، يعادي الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية؛ لأن الحرية تفسح الطريق أمام إمكانية لجوء المغاربة إلى الحرص على التمتع بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، مما يجعلهم يحرصون على التمتع بكرامتهم الإنسانية، التي تنزههم عن اللجوء إلى ممارسة الإرشاء، والارتشاء، وإلى الحرص على التمتع بالحقوق المذكورة، والى رفض اللجوء إلى المحسوبية، والزبونية، والوصولية، لتحقيق أهداف معينة، أو للحصول على امتيازات معينة. وهو ما لا يجعل المنتمين إلى الأحزاب الإدارية، يعادون إشاعة الحرية في المجتمع المغربي، حتى يبقى أعضاء المجتمع مستعبدين، لا يستطيعون إلا القبول بممارسة الفساد الإداري، والسياسي، الذي لا يخدم إلا مصالح الأجهزة الإدارية للسلطة، والمنتمين إلى صنيعتها الأحزاب الإدارية.
ولأن الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي/ والسياسي، يجعل أفراد الشعب المغربي، الذين تحضر كرامتهم في اللحظة، والتو، يحرصون على تقرير مصيرهم بأنفسهم، مهما كانت الرشاوى التي تقدم لهم، من أجل الخضوع إلى جهة معينة، وخاصة إذا كانت هذه الجهات، هي المنتمون إلى الأحزاب الإدارية، والأجهزة الإدارية للسلطة. ولذلك نجد أن معاداة المنتمين إلى الأحزاب الإدارية للديمقراطية، ناتج عن تناقض الديمقراطية الحقيقية مع مصالحهم، فيلجأون إلى القبول بديمقراطية الواجهة، التي تسهل عليهم إمكانية التزوير لخدمة مصالحهم، عن طريق التواجد في المؤسسات المسماة منتخبة، ولان العدالة الاجتماعية، تؤدي نسبيا إلى التوزيع العادل للثروة، عن طريق مجانية التعليم، والصحة، وعن طريق إيجاد المزيد من مناصب الشغل، وتوفير السكن اللائق، وإعداد المؤسسات الثقافية، ودور الشباب، وغير ذلك، مما يؤدي إلى جعل الثروة الوطنية موزعة بين أفراد المجتمع، انطلاقا من الفهم التقدمي للعدالة الاجتماعية. والمنتمون إلى الأحزاب الإدارية، عندما يعادون إشاعة العدالة الاجتماعية في المجتمع، فلأنها تتناقض مع مصالحهم التي تقتضي عدم إشاعتها في المجتمع، باعتبارها تساهم، بشكل كبير، في تحقيق شيوع الكرامة الإنسانية في المجتمع.
ولذلك فالحزب القائم على أساس السلطة، هو حزب يراهن على انتشار الفساد الإداري، والاجتماعي بين جميع أفراد المجتمع، بالإضافة إلى تجذر الفساد السياسي في النسيج الاجتماعي. وهذه المراهنة، مرتبطة، باستمرار، بوجود الأحزاب المذكورة، وإلا فلا داعي لوجودها في الأصل.
ثالثا: أن الحزب القائم على أساس وجود شخص يتمتع بنفوذ كبير في المجتمع المغربي، مما يجعله مصدرا لمختلف التعليمات التي توجه ممارسة رجال السلطة على المستوى الوطني. ومعلوم أن الشخص النافد، يتحول إلى نجم يلهث وراء الارتباط به كل الذين في نفوسهم مرض، والذين تخلوا عن الأحزاب السياسية / الإدارية، التي كانوا ينتمون إليها، أو إلى تلك المتفرعة عنها، والتحقوا بالشخص النافذ، والتحلق حوله، مما يجعله يلجا إلى اتخاذ إجراءات معينة، من أجل الوصول إلى مرحلة تأسيس حزب معين، تجمع فيه الوافدون من مختلف الأحزاب الإدارية، وحتى من اليسار ذي الطبيعة الانتهازية، ومنهم من كان سجينا خلال سنوات الرصاص، نظرا للأفكار اليسارية التي كان يقتنع بها.
فالحزب القائم على أساس شخص له نفوذ واسع على الأجهزة الإدارية للسلطة، ليس حزبا للمجيشين، كما هو الشأن بالنسبة للحزب القائم على أساس الدين، وليس حزبا للتبع، كما هو الشأن بالنسبة للحزب القائم على أساس السلطة. فهو يختلف عن هذين النوعين من الأحزاب، لأن الذين هرولوا إلى تأسيسه، أو الانتماء إليه، متخلين عن الأحزاب التي كانوا ينتمون إليها، أو عن القيم الشخصية النبيلة، التي كانوا يتحصنون بها، إن كانوا كذلك فعلا، دون أن نتكلم عن أولئك الذين ليسوا من الآتيين من انتماءات مختلفة سابقة، ولا من المتخلين عن قيمهم الشخصية النبيلة.
فالمهرولون الآتون من مختلف الجهات الحزبية، وغير الحزبية، لم يهرولوا بتوجيه من السلطة، أو انطلاقا من إيمان بدين معين، بقدر ما هرولوا، وبالسرعة الفائقة، من كل حدب، وصوب، انطلاقا من انتهازيتهم، التي تدفع بهم إلى الانبطاح، من أجل الاستفادة من امتيازات الشخص النافذ، مهما كان هذا الشخص.
ولذلك، فهم يعتقدون أنه بانتمائهم إلى حزب الشخص النافذ، قد يتحولون إلى أشخاص نافدين، من خلال وصولهم إلى المجالس الجماعية، التي يستغلونها لتحقيق أهدافهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ذات الطبيعة الانتهازية، من أجل تنمية ثرواتهم، والالتحاق بالطبقة التي تستحوذ على معظم الاقتصاد الوطني، عن طريق الاستغلال الفاحش للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وهذا النوع من الانتهازيين المنبطحين، يدعون أنهم يجلبون الحداثة إلى المجتمع؛ لكن:
ما شكل هذه الحداثة؟
وما طبيعتها؟
وهل يمكن أن تؤدي إلى تغيير الواقع لصالح الكادحين اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا؟
إن هذا النوع من الانتهازيين / المنبطحين، لا يهتمون لا بالتقدم، ولا بكرامة المواطنين، ولا بتطوير مختلف مجالات الحياة، ولا بتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بقدر ما يهتمون بتحقيق أهدافهم قبل فوات الأوان، حتى لا يتحول الشخص النافد إلى شخص بدون قيود.
والانتهازيون / المنبطحون، المنتمون إلى حزب الشخص النافد، لا يختلفون عن المنتمين إلى الحزب القائم على أساس الدين، أو على أساس السلطة، وبتوجيه منها، في معاداة الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، نظرا لتناقضها مع مصالحهم التي تقتضي سيادة الاستعباد، وتمكن الاستبداد، وتكريس الاستغلال، حتى يستمروا في تنمية ثرواتهم، التي تتحول إلى قوة مادية، تمكنهم من تسييد سلطة الانتهازيين / المنبطحين، المنتمين إلى حزب الشخص النافذ.
وهكذا يتبين أن تأسيس أي حزب على أساس ديني، أو على أساس السلطة، أو على أساس وجود الشخص النافذ، لا يمكن أن تسعى إلى تحقيق حرية الإنسان في الأرض، ولا إلى تكريس الممارسة الديمقراطية الحقيقية، ولا إلى فرض تحقيق العدالة الاجتماعية؛ بل إن هذه الأحزاب، ومن هذا النوع، لا تعمل إلا على إعادة إنتاج الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي القائم على أساس تكريس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، خدمة لمصالح الطبقة الحاكمة، ومصالح المنتمين إلى هذه الأحزاب.
وإذا كانت الأحزاب القائمة، على غير الأسس المذكورة، تسعى إلى تأطير المواطنين، على أساس انتماءاتهم إلى الطبقات الاجتماعية، والمتناقضة المصالح، فان الأحزاب القائمة على الأسس المذكورة، لا تسعى إلى تأطير المواطنين، انطلاقا من انتماءاتهم الطبقية، بل تعمل على:
1) تجييش المواطنين، من مختلف الطبقات، بالخطاب الديني المؤدلج، والمضلل، الذي ينقل الإنسان من عالم الواقع، إلى الاستغراق في البحث في الغيبيات، التي تجعله بعيدا عن الواقع، وعن ما يفتعل فيه، حتى تتأتى الفرصة لمؤد لجي الدين، من أجل الوصول إلى مراكز القرار، والحكم على الناس، باسم الله، عن طريق ادعاء تطبيق "شريعته" في واقع المجتمع، الذي ليس عليه إلا أن يخضع.
2) تربية المواطنين على التبعية إلى الأجهزة الإدارية للسلطة، تبعا لتبعية الحزب إليها، لتصير هي المبتدأ، وهي المنتهى. والتربية على التبعية لا تعني إلا تضبيع المجتمع، وتخديره، حتى يصير أفراده بدون فكر، يبنون عليه ممارستهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. فكل شيء يجب أن يكون بإرادة السلطة، ولا شيء غير السلطة، التي لها شرف إيجاد أحزاب إدارية تابعة لها.
3) التربية على الانتهازية، والانبطاح، بعد الانتهاء من الهرولة، والتحلق حول الشخص النافذ، مما يجعل الانتهازيين / المنبطحين لا يستطيعون التخلص من انتهازيتهم، وانبطاحهم، الذي يصير، بالنسبة إليهم، مفخرة يعتزون بها، أمام جميع المغاربة، بقطع النظر عن انتماءاتهم، أو عدمها.
فهل نتخلص من تأسيس الأحزاب على أساس ديني؟
وهل تتوقف السلطة عن العمل على تأسيس أحزاب تابعة لها؟
وهل ينتبه المواطنون إلى أن وقوف الأشخاص النافدين وراء تأسيس أحزاب معينة، انطلاقا من نفوذهم، يشكل خطورة على مستقبلهم؟
وهل يتم وضع حد لوقوف السلطة إلى جانب أحزابها، ولانسياقها وراء تعليمات الشخص النافذ؟
وهل يتم ابتعاد السلطة عن الانحياز إلى جهة معينة، من أجل فسح المجال أمام انفراز الأحزاب عن الصراع الطبقي الظاهر، والخفي، بين الطبقات الاجتماعية؟
إننا نتساءل فقط، من أجل إثارة النقاش حول الموضوع، وحول مضامينه.
ابن جرير في: 07 / 01 / 2011
بقلم: محمد الحنفي
إن الحديث عن نتائج قيام أحزاب على أساس الدين، أو السلطة، أو الشخص النافذ، قد يظهر غير ذي جدوى، خاصة، وأن أحزابا من هذا النوع، لا تخرج عن كونها تسعى إلى إعادة إنتاج الواقع كما هو، لا كما يريده كادحو، ومقهورو الشعب المغربي، كما لا تخرج عن كونها تسعى إلى تكريس الاستبداد القائم في الواقع، وتعميق هذا الاستبداد، حتى لا يستنشق الكادحون نسيم الحرية، بكل دلالاتها، لأن الأحزاب المذكورة، هي أحزاب لا ديمقراطية، ولا شعبية، ولا يمكن أبدا أن تقف إلى جانب الشعب، عن طريق السعي إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
وانطلاقا من كون هذه الأحزاب لا تتجاوز أن تعيد إنتاج الواقع، لخدمة مصالح الطبقة الحاكمة، ومصالح التحالف البرجوازي / الإقطاعي / المخزني / السلطوي، وأن تعمل على إعادة إنتاج الاستبداد القائم، حتى وإن ادعت أنها تمارس الديمقراطية، لأن ديمقراطيتها، لا تتجاوز أن تكون ديمقراطية الواجهة، التي تضفي المساحيق على النظام الاستبدادي القائم.
والفرق الذي يمكن أن يميز بين هذه الأنواع من الأحزاب المذكورة، هو القيمة المضافة التي يمكن أن يتميز بها كل حزب على حدة. وهذا الفرق يتمثل في:
أولا: أن الحزب القائم على أساس الدين، الذي يعتبر نفسه وصيا "كاهنا" على الدين، ويؤدلج النص الديني، مما يخدم مصالح المنتمين إليه، يعمل على تجييش المضللين من أتباعه، الذين يعتبرون أن الحزب القائم على أساس الدين، يحمل لواء الجهاد، من اجل حماية الدين، والمحافظة عليه، وبناء النظام السياسي الديني على هذا الأساس. فالتجييش الذي يقوده الحزب، الذي يدعي انه ديني، لا يهدف إلى تحقيق الحرية، بقدر ما يعمل على تكريس الاستعباد باسم الدين، كما لا يهدف إلى تحقيق الديمقراطية، بقدر ما يسعى إلى تكريس الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، حتى يضمن للحزب الديني إمكانية التحكم في الواقع، وجعله في خدمة مؤدلجي الدين، الذين يؤولون النص الديني على هواهم، لتكريس تضليل المتدينين بواسطة ذلك التأويل، الذي يتحول إلى جزء من الدين، مع أنه مجرد تأويل بشري، تصير له الأولوية على النص الديني.
فالتجييش، إذا، هو مجرد وسيلة لظهور الحزب كحزب قوي، سواء كان مواليا للاستبداد القائم، أو كان يعمل على فرض استبداد بديل.
وقوة الحزب الديني عن طريق تجييشه للمضللين من المتدينين، سوف يقف عقبة كأداء أمام كل من يناضل من أجل تحقيق الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية وأمام الديمقراطية نفسها، باعتبارها ممارسة "مستوردة" و"دخيلة" على المجتمع المتدين، وباعتبارها "بدعة" يجب التصدي لها، ونبذها، وباعتبارها وسيلة لنشر الكفر، والإلحاد، بين المتدينين، الذين يجب أن يتجيشوا وراء الحزب القائم على أساس الدين. وفي حالة قبول هذا الحزب بالانخراط فيما صار يعرف بديمقراطية الواجهة، فإن ذلك لا يكون إلا من باب إيهام الرأي العام بان هذا الحزب ديمقراطي، ومن أجل الوصول إلى مراكز القرار، التي تستغل للانقضاض على الديمقراطية نفسها.
والتجييش، أيضا، هو وسيلة لفرض الالتزام بما صار يعرف ب"الاقتصاد الإسلامي" الذي لا يوصف لا بالرأسمالية، ولا بالاشتراكية، مع أن الاقتصاد هو ممارسة بشرية، لا دين لها، ولا ملة، ولا حزب. ولذلك فلا يصح وصفه بالاقتصاد الإسلامي، أو الاقتصاد الوسيط، لكونه إما أن يكون رأسماليا، أو اشتراكيا.
أما الوسطية، فهي مجرد تضليل، وخاصة في هذا العصر الذي نعيشه، وبالخصوص في البلدان ذلت الأنظمة التابعة، وخاصة المغرب.
ولذلك نرى من الضروري التصدي لممارسة أدلجة الدين، من منطلق أن الدين هو لكل المومنين به، مهما كانت الطبقات التي ينتمون إليها، وتفكيك هذه الأدلجة، واعتبار تأسيس الحزب على أساس الدين مصادرة للدين نفسه، والعمل على تحريفه عن طريق التأويل السياسي،، المفضي إلى قيام نظام ديني يصير مصدرا للحكم باسم الله من اجل تطبيق "شريعته" على الأرض، ومعاقبة كل من يلتزم بنتائج التطبيق، إلى درجة مصادرة الحق في الحياة. هذا التحريف الذي يقتضي وعي المتدينين به، ومواجهته، باعتباره مصادرة للدين، الذي يعد مصدرا للقيم النبيلة، التي يتحلى بها المتدين، بعيدا عن الأدلجة، وعن توظيف الدين في الأمور السياسية.
ثانيا: أن الحزب القائم على أساس السلطة، هو حزب إداري بامتياز، يكون رهن إشارة السلطة، وخدمة مصالحها، مقابل الامتيازات التي تقدمها السلطة إلى المنتمين إلى هذا الحزب، تلك الامتيازات التي تنقلهم، وبالسرعة الفائقة، إلى صيرورتهم جزءا لا يتجزأ من التحالف البرجوازي / الإقطاعي المتخلف.
والحزب الإداري، كما يظهر ذلك من خلال الممارسة اليومية لهذا الحزب، هو الذي يضع نفسه، بأجهزته التنفيذية، والتقريرية، رهن إشارة الطبقة الحاكمة، من جهة، ورهن إشارة الأجهزة الإدارية للسلطة القائمة، وخدمة مصالحها، والالتزام بتوجيهاتها، خاصة، وان الأجهزة الإدارية للسلطة، تقوم بتمكين المنتمين إلى الأحزاب الإدارية، التي تبقى تابعة لها، من الامتيازات المتعددة، التي تساهم في صيرورتهم من التحالف البرجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف. وفي مقدمة هذه الامتيازات: إيصالهم، عن طريق التزوير إلى المجالس الجماعية، وإلى البرلمان، الأمر الذي يترتب عنه قيام الأعضاء الجماعيين، والبرلمانيين، من أجل أن يصلوا جميعا إلى نفس المستولى المادي للتحالف البرجوازي / الإقطاعي / المخزني المتخلف، الذي كلف، ولازال يكلف المغاربة، المزيد من التضحيات التي تتمثل في انتشار الفقر، والجوع، والمرض، الذي ينتشر بكثافة في صفوف كادحيه.
والحزب الإداري، كالسلطة، وكالحزب القائم على أساس الدين، يعادي الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية؛ لأن الحرية تفسح الطريق أمام إمكانية لجوء المغاربة إلى الحرص على التمتع بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، مما يجعلهم يحرصون على التمتع بكرامتهم الإنسانية، التي تنزههم عن اللجوء إلى ممارسة الإرشاء، والارتشاء، وإلى الحرص على التمتع بالحقوق المذكورة، والى رفض اللجوء إلى المحسوبية، والزبونية، والوصولية، لتحقيق أهداف معينة، أو للحصول على امتيازات معينة. وهو ما لا يجعل المنتمين إلى الأحزاب الإدارية، يعادون إشاعة الحرية في المجتمع المغربي، حتى يبقى أعضاء المجتمع مستعبدين، لا يستطيعون إلا القبول بممارسة الفساد الإداري، والسياسي، الذي لا يخدم إلا مصالح الأجهزة الإدارية للسلطة، والمنتمين إلى صنيعتها الأحزاب الإدارية.
ولأن الديمقراطية بمضمونها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي/ والسياسي، يجعل أفراد الشعب المغربي، الذين تحضر كرامتهم في اللحظة، والتو، يحرصون على تقرير مصيرهم بأنفسهم، مهما كانت الرشاوى التي تقدم لهم، من أجل الخضوع إلى جهة معينة، وخاصة إذا كانت هذه الجهات، هي المنتمون إلى الأحزاب الإدارية، والأجهزة الإدارية للسلطة. ولذلك نجد أن معاداة المنتمين إلى الأحزاب الإدارية للديمقراطية، ناتج عن تناقض الديمقراطية الحقيقية مع مصالحهم، فيلجأون إلى القبول بديمقراطية الواجهة، التي تسهل عليهم إمكانية التزوير لخدمة مصالحهم، عن طريق التواجد في المؤسسات المسماة منتخبة، ولان العدالة الاجتماعية، تؤدي نسبيا إلى التوزيع العادل للثروة، عن طريق مجانية التعليم، والصحة، وعن طريق إيجاد المزيد من مناصب الشغل، وتوفير السكن اللائق، وإعداد المؤسسات الثقافية، ودور الشباب، وغير ذلك، مما يؤدي إلى جعل الثروة الوطنية موزعة بين أفراد المجتمع، انطلاقا من الفهم التقدمي للعدالة الاجتماعية. والمنتمون إلى الأحزاب الإدارية، عندما يعادون إشاعة العدالة الاجتماعية في المجتمع، فلأنها تتناقض مع مصالحهم التي تقتضي عدم إشاعتها في المجتمع، باعتبارها تساهم، بشكل كبير، في تحقيق شيوع الكرامة الإنسانية في المجتمع.
ولذلك فالحزب القائم على أساس السلطة، هو حزب يراهن على انتشار الفساد الإداري، والاجتماعي بين جميع أفراد المجتمع، بالإضافة إلى تجذر الفساد السياسي في النسيج الاجتماعي. وهذه المراهنة، مرتبطة، باستمرار، بوجود الأحزاب المذكورة، وإلا فلا داعي لوجودها في الأصل.
ثالثا: أن الحزب القائم على أساس وجود شخص يتمتع بنفوذ كبير في المجتمع المغربي، مما يجعله مصدرا لمختلف التعليمات التي توجه ممارسة رجال السلطة على المستوى الوطني. ومعلوم أن الشخص النافد، يتحول إلى نجم يلهث وراء الارتباط به كل الذين في نفوسهم مرض، والذين تخلوا عن الأحزاب السياسية / الإدارية، التي كانوا ينتمون إليها، أو إلى تلك المتفرعة عنها، والتحقوا بالشخص النافذ، والتحلق حوله، مما يجعله يلجا إلى اتخاذ إجراءات معينة، من أجل الوصول إلى مرحلة تأسيس حزب معين، تجمع فيه الوافدون من مختلف الأحزاب الإدارية، وحتى من اليسار ذي الطبيعة الانتهازية، ومنهم من كان سجينا خلال سنوات الرصاص، نظرا للأفكار اليسارية التي كان يقتنع بها.
فالحزب القائم على أساس شخص له نفوذ واسع على الأجهزة الإدارية للسلطة، ليس حزبا للمجيشين، كما هو الشأن بالنسبة للحزب القائم على أساس الدين، وليس حزبا للتبع، كما هو الشأن بالنسبة للحزب القائم على أساس السلطة. فهو يختلف عن هذين النوعين من الأحزاب، لأن الذين هرولوا إلى تأسيسه، أو الانتماء إليه، متخلين عن الأحزاب التي كانوا ينتمون إليها، أو عن القيم الشخصية النبيلة، التي كانوا يتحصنون بها، إن كانوا كذلك فعلا، دون أن نتكلم عن أولئك الذين ليسوا من الآتيين من انتماءات مختلفة سابقة، ولا من المتخلين عن قيمهم الشخصية النبيلة.
فالمهرولون الآتون من مختلف الجهات الحزبية، وغير الحزبية، لم يهرولوا بتوجيه من السلطة، أو انطلاقا من إيمان بدين معين، بقدر ما هرولوا، وبالسرعة الفائقة، من كل حدب، وصوب، انطلاقا من انتهازيتهم، التي تدفع بهم إلى الانبطاح، من أجل الاستفادة من امتيازات الشخص النافذ، مهما كان هذا الشخص.
ولذلك، فهم يعتقدون أنه بانتمائهم إلى حزب الشخص النافذ، قد يتحولون إلى أشخاص نافدين، من خلال وصولهم إلى المجالس الجماعية، التي يستغلونها لتحقيق أهدافهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ذات الطبيعة الانتهازية، من أجل تنمية ثرواتهم، والالتحاق بالطبقة التي تستحوذ على معظم الاقتصاد الوطني، عن طريق الاستغلال الفاحش للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وهذا النوع من الانتهازيين المنبطحين، يدعون أنهم يجلبون الحداثة إلى المجتمع؛ لكن:
ما شكل هذه الحداثة؟
وما طبيعتها؟
وهل يمكن أن تؤدي إلى تغيير الواقع لصالح الكادحين اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا؟
إن هذا النوع من الانتهازيين / المنبطحين، لا يهتمون لا بالتقدم، ولا بكرامة المواطنين، ولا بتطوير مختلف مجالات الحياة، ولا بتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، بقدر ما يهتمون بتحقيق أهدافهم قبل فوات الأوان، حتى لا يتحول الشخص النافد إلى شخص بدون قيود.
والانتهازيون / المنبطحون، المنتمون إلى حزب الشخص النافد، لا يختلفون عن المنتمين إلى الحزب القائم على أساس الدين، أو على أساس السلطة، وبتوجيه منها، في معاداة الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، نظرا لتناقضها مع مصالحهم التي تقتضي سيادة الاستعباد، وتمكن الاستبداد، وتكريس الاستغلال، حتى يستمروا في تنمية ثرواتهم، التي تتحول إلى قوة مادية، تمكنهم من تسييد سلطة الانتهازيين / المنبطحين، المنتمين إلى حزب الشخص النافذ.
وهكذا يتبين أن تأسيس أي حزب على أساس ديني، أو على أساس السلطة، أو على أساس وجود الشخص النافذ، لا يمكن أن تسعى إلى تحقيق حرية الإنسان في الأرض، ولا إلى تكريس الممارسة الديمقراطية الحقيقية، ولا إلى فرض تحقيق العدالة الاجتماعية؛ بل إن هذه الأحزاب، ومن هذا النوع، لا تعمل إلا على إعادة إنتاج الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي القائم على أساس تكريس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، خدمة لمصالح الطبقة الحاكمة، ومصالح المنتمين إلى هذه الأحزاب.
وإذا كانت الأحزاب القائمة، على غير الأسس المذكورة، تسعى إلى تأطير المواطنين، على أساس انتماءاتهم إلى الطبقات الاجتماعية، والمتناقضة المصالح، فان الأحزاب القائمة على الأسس المذكورة، لا تسعى إلى تأطير المواطنين، انطلاقا من انتماءاتهم الطبقية، بل تعمل على:
1) تجييش المواطنين، من مختلف الطبقات، بالخطاب الديني المؤدلج، والمضلل، الذي ينقل الإنسان من عالم الواقع، إلى الاستغراق في البحث في الغيبيات، التي تجعله بعيدا عن الواقع، وعن ما يفتعل فيه، حتى تتأتى الفرصة لمؤد لجي الدين، من أجل الوصول إلى مراكز القرار، والحكم على الناس، باسم الله، عن طريق ادعاء تطبيق "شريعته" في واقع المجتمع، الذي ليس عليه إلا أن يخضع.
2) تربية المواطنين على التبعية إلى الأجهزة الإدارية للسلطة، تبعا لتبعية الحزب إليها، لتصير هي المبتدأ، وهي المنتهى. والتربية على التبعية لا تعني إلا تضبيع المجتمع، وتخديره، حتى يصير أفراده بدون فكر، يبنون عليه ممارستهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. فكل شيء يجب أن يكون بإرادة السلطة، ولا شيء غير السلطة، التي لها شرف إيجاد أحزاب إدارية تابعة لها.
3) التربية على الانتهازية، والانبطاح، بعد الانتهاء من الهرولة، والتحلق حول الشخص النافذ، مما يجعل الانتهازيين / المنبطحين لا يستطيعون التخلص من انتهازيتهم، وانبطاحهم، الذي يصير، بالنسبة إليهم، مفخرة يعتزون بها، أمام جميع المغاربة، بقطع النظر عن انتماءاتهم، أو عدمها.
فهل نتخلص من تأسيس الأحزاب على أساس ديني؟
وهل تتوقف السلطة عن العمل على تأسيس أحزاب تابعة لها؟
وهل ينتبه المواطنون إلى أن وقوف الأشخاص النافدين وراء تأسيس أحزاب معينة، انطلاقا من نفوذهم، يشكل خطورة على مستقبلهم؟
وهل يتم وضع حد لوقوف السلطة إلى جانب أحزابها، ولانسياقها وراء تعليمات الشخص النافذ؟
وهل يتم ابتعاد السلطة عن الانحياز إلى جهة معينة، من أجل فسح المجال أمام انفراز الأحزاب عن الصراع الطبقي الظاهر، والخفي، بين الطبقات الاجتماعية؟
إننا نتساءل فقط، من أجل إثارة النقاش حول الموضوع، وحول مضامينه.
ابن جرير في: 07 / 01 / 2011
بقلم: محمد الحنفي