ما العمل لإدماج كامل للفئة الاجتماعية المتكونة من الشباب الذين يتواجدون خارج النظام التعليمي وخارج سوق الشغل، في النشاط الاقتصادي؟ وما هي الحلول التي ينبغي تقديمها لهؤلاء الشباب لضمان حياة كريمة ومستقبل أفضل؟ إنها أسئلة مشروعة حينما نعلم أننا أمام ظاهرة مجتمعية ليست هامشية. يبلغ عدد هؤلاء الشباب الذين يعبر عنهم باللغة الإنجليزية Neet* مستوى مخيف ألا وهو 4,3 مليون من الشريحة التي يتراوح عمرها بين 15 و34 سنة ومن بين الستة (6) ملايين ممن يتراوح عمرهم بين 15 و24 سنة يبلغ معدل المقصيين من الشغل والتعليم 28%، أي 1,7 مليون شاب وشابة فيما نجد 55%، أي (3,2 مليون) ممن يتابع دراسته أو يوجد في وضعية تدريب أو يتابع تكوينا مهنيا. أما الباقي أي 16,1 % والذي يمثل مليون شاب يمارس مهنة معينة.
وتميز دراسة أنجزها المرصد الوطني للتنمية البشرية بين خمسة أصناف من هؤلاء الشباب: النساء القرويات اللائي يشتغلن في المنزل ويتحملن مسؤولية عائلية ويشكلن الأغلبية 54,3%، الشباب الحضري اليائس من العثور على منصب شغل (25%)، الشباب المتواجد في وضعية انتقالية (7,8%) الفئة التي اختارت بشكل طوعي هذه الوضعية (%7,5)، وأخيرا الشباب الذي يعاني من أوضاع صحية (%5,1). ويتضح أن هذه الظاهرة تهم أساسا العنصر النسوي الذي يمثل 76.4% من المقصيات.
هذه الظاهرة لا تنحصر على المغرب. بل تهم كل البلدان بما فيها البلدان المتطورة وإن كان ذلك بدرجات منخفضة. فعلى سبيل المثال تبلغ نسبة هؤلاء الشباب في فرنسا 14% من الفئة العمرية 15 – 29 سنة وتبلغ في تونس 18%، وتتجاوز 20% في الجزائر. حيث يعبر على هذه الظاهرة «بالحيطيين» (وتعني أولائك الشباب الذين يقضون وقتهم متكئين على الحائط). إن هذه الظاهرة هي نتيجة لأعطاب المنظومة التربوية من جهة والإدماج الضعيف للنظام الاقتصادي من جهة أخرى.
ولذلك وجب توجيه السياسات العمومية لصالح إدماج الشباب في الدورة الاقتصادية، ولكن ليس هناك حل أوحد صالح في جميع الحالات. فكل حالة تتطلب علاجا خاصا. ولذلك ينبغي القيام في البداية بتصنيف الوضعيات حتى نتمكن من تكييف الحلول المقدمة وعقلنة الموارد المعبأة، وينبغي في جميع الحالات اعطاء الأولوية للتدريب والتعلم. حيث من الضروري تمتيع هؤلاء الشباب بكفايات وقدرات تؤهلهم للاندماج في الحياة الاقتصادية إما كمأجورين أو كمقاولين ذاتيين. علينا أن نعيد بصيص الأمل لأولئك الذين أصابهم الإحباط. وعلى هذا المستوى المطلوب من المقاولة أن تلعب دورها كاملا وتتحمل نصيبها من المسؤولية وذلك من خلال تقديم عروض للتدريب مؤدى عنها جزئيا، أما الجزء الآخر فعلى الدولة أن تتحمله كمنح للتكوين. وفي نهاية المطاف جميع الاطراف ستكون رابحة، الشاب الذي تلقى تدريبا سيكتسب قدرات تيسر له الولوج إلى سوق الشغل، والمقاولة من جهتها ستستفيد من مورد بشري مؤهل، والمجتمع برمته سيحسن مستوى رفاهه.
في بعض الحالات يكون المتدرب في حاجة إلى موجه خاص، إذ من المهم أن يستفيد هؤلاء الشباب من دعم خاص مندمج خلال فترة التكوين وذلك لمعالجة بعض الإكراهات الاجتماعية، ومشكلات التحفيز أو انقطاع مفاجئ لعقد التدريب.
وفي حالات أخرى يكفي إضافة بسيطة في مستوى التكوين لإزالة العوائق وذلك من خلال التأثير على معنوية الشباب وتأطيرهم من لدن علماء النفس في مجال الشغل. أو تمتيع الباحثين عن شغل «بمهارات ناعمة» والتي من شأنها مساعدتهم على استعادة الثقة في النفس. كما يستدعي ادماج هؤلاء الشباب في سوق الشغل التزام الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (انابيك) كفاعل عمومي مكلف بالوساطة في سوق الشغل وتحديد السياسات العمومية للتشغيل، إن اختصاصات هذه الوكالة في حاجة إلى توسيع أفقيا وعموديا لتغطية مجموع التراب الوطني وخدمة جميع طالبي الشغل.
كل هذه الاقتراحات وغيرها تهدف إلى حل مشكل هؤلاء الشباب المقصيين بالعدد الموجود اليوم. وذلك بغية ايقاف النزيف ونزع فتيل القنبلة. ولكن ينبغي أساسا علاج الداء من جذوره بالعمل على اجتثاث الأسباب التي تؤدي إلى بروز هذه الظاهرة. لذلك وجب من جهة، محاربة الهدر المدرسي خاصة في صفوف التلميذات القرويات وذلك بضمان الظروف التي تساعدهن على مواصلة دراستهن والسير بعيدا حسب رغبتهن. ومن جهة أخرى ينبغي وضع نظام للتوجيه يوفق بين الكفاءات الذاتية للمتعلمين والمتعلمات وحاجيات الاقتصاد في تخصصات مختلفة. فلا يتعلق الأمر بمجرد ملائمة بين التكوين والتشغيل بشكل سكوني، بل بتحميل المسؤولية للشباب من خلال اشراكه في المسار التربوي. وفي جميع الحالات، ليس هناك أبدا تكوين صالح مدى الحياة. فالتكوين هو سيرورة ومسلسل في تطور دائم، ولا بأس هنا أن نستحضر ما كتبه المرحوم المهدي المنجرة «إننا دائما نتعلم».