الهدر السياسي


المريزق المصطفى
الأربعاء 27 نونبر 2013



كم من الوقت ضاع منا ونحن نتابع مسار حزب وجد نفسه بين عشية وضحاها في سدة الحكم، يحلل و يحرم ما يريد، يسب و يشتم من يشاء، يلهث في النهار و يسبح في الليل، يوهم المغاربة أن الخلاف يدور حول الدين وليس حول مفهوم الدولة وسلطة الحكم ومرجعيتها، يعلق الدستور والقانون لأنه لم يقدم فيهما اجتهادا، يغطي عجزه باللغو ويقمع أي حوار حول البديل، يتجاهل مشاكل الناس ويزعم أن التشبث بالنصوص كاف للحكم على مشكلات المغاربة، يخلط بين القيم السماوية السمحاء من مبادئ و قيم و بين التلاعب بأرواح المسلمين ومصادرة حرياتهم، يستغل المساجد والمآتم وإعذار الأطفال وطقوس الأعياد لإعادة إنتاج التطرف الديني من خلال استقطاب أبناء الوطن إلى فكره بحماسة جارفة وبلا وعي.

هذه بعض الأمثلة على صدقها لم يعد ينكرها أحدا اليوم، خاصة بعد ما تحولت شعارات السيد بنكيران و حزبه إلى الدعابة و المهاترة و الهزل.

و لكن الأمر الذي يجب أن نعيره التفاتا خاصا هو كيف استطاعت بعض الأحزاب الوطنية والتقدمية التعايش مع حزب لا يؤمن بالحداثة وما بعد الحداثة. وفي هذا نشاهد-عابرين- تراجع خطير على مستوى الإيمان بدور الفاعلين السياسيين وبتراكمات الذين أمضوا أزيد من نصف قرن في النضال من أجل الديمقراطية و الحداثة، و كيف اختلطت الأوراق؟

إذ ليست المسألة في التشويش على تجربة سياسة مغلفة بالدين أو عدم ترك أصحابها يشتغلون كما يقال في الشارع العمومي و فوق الأرصفة. المسألة أبعد من ذلك، حيث يتعلق الأمر بنقد جماعة تريد ممارسة السياسة بالفاتحة، أي من دون برنامج واقعي و من دون إستراتيجية سوسيو-إقتصادية، أو كما ما يقال "ممارسة السياسة بلا علوم".

إن الروابط السياسية التي أنتجها السيد رئيس الحكومة وحزبه مع محيطه الاقتصادي والسياسي، لا تنطبق عليها روابط التصورات والآراء التي تنتج الوعي السياسي. كما أن السياسة بوصفها مجالا للعلاقات الطبقية، أضحت في بلادنا فضاء للانفعالات والعواطف وممارسة النفاق الاجتماعي، وماكينة لإعادة إنتاج العلاقات العبودية والتفاوت الاجتماعي وتعزيز سلطة "الدولة السياسية العميقة" و"السلطة الدينية الموازية" وتبرير سيطرتها، مما سيرفع من نسبة الهذر السياسي إلى درجة كبيرة.

إن التغير الذي يعرفه مجتمعنا، والتغيرات التي شهدتها العلاقات السياسية المبتذلة، يتطلب قيادة سياسية جديدة منظمة على أرضية مشروع مجتمعي حداثي وديمقراطي وليس على أرضية مصالح سياسية ظرفية. حيث من المعلوم، ومن أجل بناء الدولة المدنية الحديثة، يتوجب على هذه القيادة الجديدة أن تشد الجماهير الكادحة والفئات المضطهدة وغيرها إلى المساهمة في البناء و توطيد العلاقات السياسية بين المكونات الفاعلة سياسيا و مدنيا.

لاشك، أن بعض العناصر المكونة للحكومة الجديدة ليس لها مبررات تحمل شيئا من العقلانية، و عليها أن تلتحق فورا بالصف الديمقراطي من دون البحث عن تفسيرات ذاتية لإقناعنا.

إن الرصيد العام لأغلب القوى التقدمية الحداثية، ليس رصيد أفراد أو عائلات. والغيرة على الوطن و المستقبل ليست سوداوية، إنها فقط إرادة واقعية وغاية عظمى لن نتخلى عنها مهما كان الثمن، خاصة أمام الاختيارات اللاشعبية واللاديمقراطية التي ينهجها الحزب الأغلبي وحكومته المغلوب على أمرها.

لقد اخترنا طريق التراكم الإيجابي و العمل الميداني بكل مسؤولية و عزم، و مواصلة الثورة الهادئة واضعين نصب أعيننا المصلحة العليا للوطن و حق الشعب المغربي في الحياة الحرة الكريمة. فلن نتردد اليوم، كما لم نتردد بالأمس، في المقاومة و السير بكل ثقة نحو إنقاذ البلاد من التدهور و التفسخ و شق طريق المستقبل بكل عزم و نضالية.

لم يعد هناك ما يغرينا.. جربنا المحن، وتجرعنا المرارة و قسوة النظام. تركنا البكاء و النواح وراءنا، و تملكنا حب الجماهير ونضالاتها اليومية.

المعركة اليوم ضد الهذر السياسي، وضد القيود بكل أنواعها وأشكالها، وما نريده هو أن ننمو بدل أن نثرثر.

نضالنا اليوم يجب أن يكون نضالا وطنيا-ديمقراطيا بامتياز كمرحلة إستراتيجية متكاملة، تسعى لحل التناقض بين قوى الهيمنة و قوى التحرر.

هذه الأبعاد أصبحت اليوم قضية.. و عليه، لا بد من اتساع الحلف الوطني الديمقراطي ضد قوى القهر والاستغلال و التخلف من أجل بناء التنمية و آليات الاستقلال و التحرر.

مقالات ذات صلة