اليسار المغربي بين الوحدة والتشرذم


عبد الناصر بوكا
السبت 29 أكتوبر 2011



خلال السنوات الأولى من استقلال المغرب كان " الحزب الشيوعي المغربي" و " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" المنفصل عن حزب الاستقلال الحزبان اليساريان الرئيسيان المتواجدان على الساحة السياسية، ولقد شكلا قطبا يساريا قويا معارضا لنظام الملك الحسن الثاني الفتي آنذاك. ولكن ومع مرور الوقت وبفعل حركية الحقل السياسي المغربي واحتدام الصراع والمعركة بين النظام والمعارضة انضافت احزاب يسارية أخرى إلى المشهد، احزاب جاءت إلى الوجود بفعل انشقاقات وتشرذمات حاول الاخصائيون حصر أسبابها في ثلاثة نقاط رئيسية :
1) إرادة الدولة في فسح المجال لخلق أحزاب جديدة لمنع الاحتكار الحزبي وإضعاف الأحزاب القوية الاخرى.
2) غياب الأساليب الديمقراطية لفض النزاعات بين التيارات داخل الاحزاب.
3) مبادرات بعض الذين لم يجدوا مكانا لهم داخل الاحزاب الموجودة، ليس لخلق احزاب في حد ذاتها وإنما ليتسنى لهم الوصول إلى الكراسي الوزارية أو البرلمانية عبر انتخابات كانت هي وأسلوب الاقتراع المعمول به.

وهكذا فمن حزبين إلى ما يقرب إثنا عشر حزبا حين وصول الملك محمد السادس إلى الحكم، ومما لاشك فيه ان هذا التشرذم والانفصالات ساهمت بشكل كبير في اضعاف أحزاب اليسار على جميع الأصعدة : القوة الاقتراحية، التجذر داخل الشارع المغربي، البرامج والحلول المقترحة .. إلخ.

ومن زاوية نظر أخرى انقسم اليسار المغربي إلى قسمين : يسار حكومي قبل بالمشاركة السياسية واللعبة القائمة دون ادنى شروط وضمانات، ولقد تطور هذا والاندماج في منطقها ولا شك ان القارئ يتذكر في هذه اللحظة السيد " محمد اليازغي" حين حين قال بأن المخزن قد مات. لقد نالت هذهالمشاركة من رصيد اليسار النضالي، فهو بكل بساطة تورط واصبح شريك النظام في اخطائه بل أصبح من بين أكبر المدافعين عنها والدليل على ما أقول تلك الكذبات الجميلة والمضحكة التي يتحفنا بها وزير العدل " سي محمد بوزبع" من حين إلى آخر على شاشة التلفزة المغربية.
القسم الثاني هو اليسار غير الحكومي الذي رفض المشاركة السياسية منه الحفاظ على ماء وجهه السياسي، لكن ما يعاب عليه هو سطحية شعاراته وتآكلها وانفصاله عن الهموم المباشرة للمواطنين وعجزه عن طرح حلول وبدائل واقعية من شأنها أن تخلصنا من قيود الأزمة الخانقة التي نعيشها.

ولكن ومع مطلع الألفية الثالثة بدا اليسار المغربي يستفيق من غيبوبته السياسية، وذهب يبحث عن إطارات للاندماج والتوحد بغية خلق قطب يساري واحد وموحد يجمع مختلف الفصائل والتيارات، ولقد كانت البداية مع اليسار الاشتراكي الموحد الذي كان نتيجة لتوحد أربع مكونات بعد مفاوضات ماراطونية عسيرة حاولت توحيد الرؤى ولم الشتات، ولا زالت معركة الوحدة هذه مستمرة فهذا الاخير (أي اليسار الاشتراكي الموحد) يسعى إلى عقد مؤتمره الاندماجي مع تيار الوفاء للديمقراطية المنفصل عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إبان تجربة التناوب، وإذا نجحت هذه التجربة – بالرغم من تخوف بعض مناضلي الحزبين معا – ستكون مؤشرا قويا على أن اليسار في طريقه إلى الوحدة وبالتالي خلق قطب يساري قوي من شأنه أن يضخ دماء جديدة في جسم حقلنا السياسي المتسم بالضعف والجمود.

إن تلك الاشطارات الطائشة ساهمت في إضعاف اليسار بشكل وزاده ضعفا فشل تجربة التناوب التوافقي، وكذا تزايد نفوذ الاسلاميين على الساحة خصوصا بعدما حققوا اكتساحا خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة بالرغم من ترشحهم في نصف الدوائر الانتخابية.

إن إعادة الثقة إلى المواطنين في العمل السياسي والمؤسسات الحزبية مسؤولية جميع الاحزاب بدون استثناء وبمختلف مشاربها واطيافها السياسية لأنها هي المسؤولة دون غيرها عن فقدانها، فهل سيستطيع اليسار إعادة أمجاد الماضي وتأطير أوسع فئة من المواطنين ؟ وهل سيستطيع التكفير عن أخطائه التي لا تغتفر بفعل هذه الاندماجات ؟ أسئلة لن تجيبنا عنها سوى الأيام القادمة، ودعوانا بالتوفيق والنجاح لكل من يملك ذرة غيرة على هذا الوطن الذي تلاعبت به الأيادي الفاسدة لطيلة عقود أيادي أتت على الاخضر واليابس ولم تترك لأبناء هذا الوطن شيئا يذكر سوى الاكتوات بلهيب الحاجة والفقر يوميا.

اشارة

في الوضع الحالي للمشهد السياسي ببلادنا يحسب المواطنون ثقتهم من الاحزاب ومن الخطابات الديماغوجية ووصل الشعب إلى حد الابتعاد عن الانخراط في العمل السياسي بحكم الطبيعة الانتهازية للممارسين له. فقد اختلط عليهم الامر بين الاحزاب التي طالما نعتت بالاصلاحية او او الادارية الخارجية من مطبخ العهد المشؤوم لوزارة الداخلية وبين الاحزاب الاخرى التي اختارت لها من الشعارات الثورية " استراتيجية النضال الديموقراطي". إن الاحزاب التي كانت وليدة صناعة وهندسات في أروقة الداخلية مازالت خالدة في تقرير مصير الشعب المغربي، اما الاحزاب التي عانت من الملاحقات البولسية وأدت ضريبة موقف المعارضة والمواقف المعاكسة وذاقت مرارة الملاحقات البولسية وأدت ضريبة موقف المعارضة والمواقف المعاكسة وذاقت مرارة المعتقلات السرية فان هذه الاحزاب ركبت قارب الموت السياسي في اعالي بحار المعضلات المتموجة ! كل هذا وياتي مرشحون بمعطف سياسي جديد ، يحملون صفة سياسي وفي يدهم عصا سحرية لحل مشاكل الدنيا.. إنها صفة حربائية لمن لا مذهب ايديولوجي له ليست له قاعدة جماهيرية وليست له امتدادات في المسالك النضالية وليست له قناعات سياسية ولا يملك برنامجا يتقاطع فيه مع هموم الشرائح الاجتماعية. إنه في كلمة واحدة حزب قائم الذات كذلك يوزع الاحلام والوعود وينصب نفسه البديل التاريخي ليلعب دورا لم تستطع ان تقوم به النخب السياسية المتعاقبة ! اسم على مسمى بمعنى ان الشخص الذي يترشح بهذه الصفة لا ينتمي إلى مشاغل المواطنين العريضة ولا ينتمي غلى التغيير بل هو محارب أعزل إلا من سلاح الديماغوجية يبحث عن ثغرات في جبهة المجتمع عن امراض اجتماعية فتاكة كالفقر والجهل.
إنه العبث بالمارسة السياسية حين يصل بنا الأمر إلى هنا !!.

مقالات ذات صلة