بعض أسباب إخفاق مشاريع التعليم بالمغرب


بوجمعة حدوش
الثلاثاء 6 ماي 2014



من المعلوم أن فساد التعليم وعلمنته وإبعاده عن كل ما له صلة بالإسلام إنما هو فساد للمجتمع بشكل مباشر، ولا يخفى على أحد ما وصل إليه مجتمعنا من تَردٍ في الأخلاق والسلوك والمعاملات خصوصا بين فئة التلاميذ والطلاب وهذا خير شاهد على أن التعليم المغربي لا يقوم بدوره في الإصلاح والتربية والتكوين، لأنه ابتعد كثيرا عن المنهج الصحيح الذي يجعل المتعلم على درجة كبيرة من الأخلاق والوعي والتربية، وبالتالي فإن هذه النتيجة تحكم على تعليم المغرب بالفشل وعدم قدرته على إنشاء جيل متعلم ومتمدرس بالطريقة الصحيحة التي تجعله ينشط في جميع المجالات والعلوم.
كما أن الإحصائيات المتعلقة بالتعليم تحكم عليه كذلك بالإخفاق والفشل،"فقد صنف تقرير معهد "اليونسكو" للإحصائيات لسنة 2011 المغرب في مؤخرة دول العالم سواء المتقدم أو النامي أو الثالث، على مستويات مختلفة، ففيما يتعلق بنسبة التمدرس تقدمت دول عربية وإفريقية عن بلدنا الحبيب، فالمغرب في ذيل دول إفريقية مثل الموزمبيق وتانزانيا والبنين وأوغندا والكاميرون وزامبيا والطوغو، وتفوقت عليه في النسبة الصافية للإلتحاق الأطفال بمرحلة التعليم الإبتدائي الذي لم يتجاوز فيه عتبة 10 في المائة، في حين حققت بعض الدول العربية نسبة المائة في المائة مثل تونس، متبوعة بكل من قطر 98 بالمائة، ومصر 97،5 في المائة، ثم الكويت ب97 في المائة وبعدها البحرين بـ93 في المائة.
والأرقام صادمة في كل المجالات التي تطرق إليها المعهد بالإحصاء، سواء فيما ذكر أو ما يتعلق بمستوى الانتقال من الإبتدائي إلى الإعدادي، أو الإلتحاق بالثانوي أو عدد الخرجين، أو في نسبة المقروءية، فدائما يقبع المغرب في الصف الأخير، خلف دول تعرف مشاكل اجتماعية وأمنية واقتصادية، حتى أن فلسطين المحتلة تقدمت على المغرب بأرقام مهمة رغم الإحتلال."[1]
وليس علمنة التعليم إلا سبب من أسباب هذا الإخفاق، فكلما أُبعد المتعلم عن ثقافته وقيمه والأفكار التي تنسجم مع بيئته إلا وحصد التعليم والمتعلم نتائج سلبية، كما أن إقحام المناهج والمقررات التي لا توافق خصوصيات المتعلم يؤدي إلى هذا الفشل التعليمي.
وقد أشارإلى ذلك قبل سنوات خالد الصمدي رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة المولى إسماعيل بمدينة مكناس لما سئل عن أسباب إخفاق مشروع التعليم بالغرب، حيث قال: "في اعتقادي أن هذا الحكم الذي ذكرتموه أعني إخفاق مشاريع إصلاح التعليم في المغرب يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية:
السبب الأول: هو عدم وضوح الرؤية، وعدم توحدها، في مستقبل النظام التعليمي، بحيث إن الأجندة المتصارعة الأن في الساحة الوطنية هي أجندة أيديولوجية كل منه يرى من زاويته الخاصة الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه المتعلم في المستقبل. إذن ليست هناك رؤية واحدة ومحددة، وهو ما يجعل مشاريع الإصلاح مشاريع غير موحدة بقدر ما تكون مشاريع توفيقية تحاول ما أمكن أن ترضي جميع الأطراف، هذا سبب.
أما السبب الثاني: فيعود إلى عدم الاستقلالية في اتخاذ القرار، واتخاذ الموقف بخصوص الملفات الكبرى. ومنها ملف التعليم... فعلى سبيل المثال: لو أنك قررت مثلا أن تضع في برامج التعليم وفي مادة التربية الإسلامية بوجه خاص مجموعة من المواضيع التي تحرم الخمر، والقمار، والعلاقات الجنسية غير الشرعية، والحال أن الإستثمار الأجنبي والتابع له، سواء في العالم العربي والعالم الإسلامي، يسير في اتجاه تمكين لمجموعة من المؤسسات التجارية التي لا تروج إلا هذا، فإن الجهات الممولة تتدخل لحذف مثل هذه المواضيع من نظامنا التعليمي! حتى تفتح المجال بشكل أوسع للإستثمارات الأجنبية. إذ منطق حالها يقول: لا يمكنني بوصفي مشاركا اقتصاديا، أو مؤسسة منفتحة اقتصاديا، أن أثق في مجال الإستثمار داخل بلد يشتمل نظامه التعليمي على مجموعة من العوائق والمحددات التي لا تفتح المجال أمام الأجيال القادمة للتعامل بحرية مع المنتج الإقتصادي الجديد.
أما النقطة الثالثة التي أسهمت في إخفاق مشاريع إصلاح التعليم بالمغرب، فهي الإرتباط الكبير بالنظام التعليمي الفرنسي القديم، المعروف عالميا أنه من الأنظمة المتخلفة التي لا تنتج إلا التبعية..."(عن جريدة السبيل،ع 15،2006).
وإذا تأملنا النقط الثلاثة التي ذكرها الدكتور خالد الصمدي كأسباب لأخفاق المشروع التعليمي بالمغرب، فإننا نجدها كلها تتعلق بعلمنة التعليم.
فالنقطة الأولى التي تناول فيها عدم وضوح الرؤية لوجود أجندة متصارعة في الساحة الوطنية، فإن المتتبع للشأن التعليمي يعلم أن التيار العلماني من بين هذه الأجندة المتصارعة التي تعمل على زرع أيديولوجياتها في مجال التعليم، فهي تدفع في تجاه الإنفتاح على كل شيء دون قيود ولا ضوابط، بل تحاول التخلص من كل ماله علاقة بالدين في مجال التعليم وغيره.
و النقطة الثانية تطرق فيها إلى عدم الاستقلالية في اتخاذ القرار، فكذلك للعلمانية في هذا نصيب فقد أعطى مثالا على ذلك في أن أي محاولة لوضع برامج تتفق مع قيم وثقافة ودين المجتمع فإن أجندة معينة خارجية وداخلية شعارها "المادة" تتدخل لمنع ذلك بمبرر أنها شريك اقتصادي في البلد، وهذه البرامج تكون معيقا اقتصاديا لها.
والنقطة الثالثة وهي الإرتباط الكبير بالنظام التعليمي الفرنسي، وكذلك هذه النقطة تشير إلى علمنة التعليم، فنحن نعلم أن فرنسا وغيرها من الدول الأوربية قطعت صلتها ــ من زمان ــ عن كل ما له علاقة بالأديان في كل مجالات وميادين حياتها، لذلك فإن نظامها التعليمي نظام علماني، ووجود هذا النظام التعليمي بالمغرب هو علمنة للتعليم.
هكذا تحقق لنا العلمانية مرة أخرى فشلا ذريعا في أرقى المجالات وهو مجال التعليم، فبدل جعل التعليم يتفق مع كل خصوصيات البلد للدفع به إلى الرقي والتقدم، يلصق بالعلمانية فيقبع في مؤخرة دول العالم.

مقالات ذات صلة