بونعيلات رجل في حجم وطن


محمد الحجام
الثلاثاء 3 أكتوبر 2017



تعرفت على المقاوم القائد آجار سعيد الملقب ببونعيلات، في المرحلة الجامعية، في الأدبيات النضالية والأبحاث التاريخية والأكاديمية، قبل أن أتعرف عليه شخصيا في بني ملال.


بعد خروجي من السجن بفاس وعودتي إلى بني ملال، علمت أن بونعيلات يتردد على مقهى السلام الشعبية، حيث ذهبت وسألت النادل عنه، فأشار إلى أن با سعيد هو ذلك الرجل الجالس رفقة ثلاث آخرين، تقدمت إليه وبعد السلام سألته هل هو فعلا بونعيلات؟ فابتسم وأجاب: نعم، استأذنته وجلست، وقدمت نفسي له، كمناضل إتحادي وباحث في تاريخ الحركة الوطنية، حيث تعرفت على الكثير من شخصيته، وأخبرته أنني في حاجة إليه لأنني أحضر للدراسات العليا، استمع إلي طويلا ولم يتكلم إلا قليلا.


ومنذ ذلك الوقت في صيف 1984، لم تنقطع علاقتي بهذا الهرم، ورغم عمق العلاقة والصداقة والود، ومشاركته في حفل تأسيس جريدة ملفات تادلة التي صدر عددها الأول في نونبر 1991، ورغم تلقيني لدروس إضافية بمنزلي لابنيه التوأم علي وعثمان، بقيت دائما لا أستسيغ تلك البساطة والتلقائية والقناعة المادية حد الزهد في اللباس والارتياح لأصدقاء شعبيين من الفلاحين والمهنيين البسطاء، كخصال للرجل، وبين تاريخه وعطاءاته التأسيسية الكبرى في تاريخ المقاومة وحركة التحرر إبان الاستعمار وفي فترة الاستقلال، ليس فقط في المغرب، بل على امتداد الدول المغاربية، فبالإضافة لدوره التأسيسي للمقاومة وجيش التحرير المغربي، أشرف على تأسيس أول خلية لجبهة التحرير الجزائرية بضواحي وجدة، حيث يحظى في الجزائر باستقبال رجل دولة كلما زارها، وقد لعب أدوارا هامة في الدبلوماسية الموازية بين الجزائر والمغرب والتي هيأت ظروف لقاء الملك الحسن الثاني بالرئيس الشادلي بنجديد في الحدود بمنطقة جوج بغال، كما أن الرجل كان هو الذي يشرف على تسلم حمولة السلاح من الباخرة التي يبعثها جمال عبد الناصر، في منطقة الناضور ويوزع على حركات المقاومة نصيب كل بلد المغرب والجزائر وتونس، قرأت وعرفت عن الرجل أنه حكم بالإعدام 3 مرات وأعفى عنه في الأخيرة الراحل الحسن الثاني.


ما كان يعطيني جوابا لكون هذا الرجل البسيط والمتواضع الذي أجالسه، هو نفسه بونعيلات الهرم التاريخي، هي حكمة أن العظماء بطبعهم بسطاء ويحبون الناس وفعل الخير، حيث انه حتى عندما انتقلت العائلة الى الدار البيضاء ،كان يأتي بانتظام لبني ملال التي يحبها، ولا يتوانى في زيارة كل من سمعه مريضا من اصدقائه، وكانت مجالسته لنا كأصدقاء على طاولة مقهى "دنيا داي"، كان الحديث معه يكشف عن امتلاكه لوضوح الرؤية للقضايا الوطنية والاقليمية والدولية، ولا يتكلم الا بالحكمة.


والآن والمناضل بونعيلات طريح الفراش بمستشفى الشيخ خليفة بالدار البيضاء بعد نقله من المستشفى الخاص دار السلام التي نقل إليها وأثناء إجراء عملية السكانير سقط من فوق العربة لأنه لم يتم ربط الأحزمة، أرضا على وجهه ليصاب بردود في الرأس وعلى الوجه وفي الأطراف، وهو في سن 100 تقريبا، ورغم زيارات القيادات والشخصيات المناضلة الكبيرة له، بقي اليوسفي ملازما له يوميا رغم مرضه هو الآخر، وهو الذي أبلغ القصر الذي تكفل بمصاريف علاجه.


ومما ورد في كلام اليوسفي عن قصته مع بونعيلات آجار خصوصا محاولة اغتيال بونعيلات في الجزائر: بعد استقلال المغرب، كان بونعيلات متحفظا على قرار الحكومة المغربية الجديدة، بحل جيش التحرير، ووضع السلاح، لأنه كان يعتبر أن الاستقلال لم يتم بشكل كامل، فأصبح مستهدفا، ففر الى الجزائر وأقامت مدة مع صديقه أحمد بنبلة، الذي كان يخصص له سيارة رئاسية لتنقلاته. يتذكر اليوسفي قصة مثيرة عن تلك الفترة، فقد أرسل الجنرال محمد أفقير، عميلين مغربيين لاغتيال بونعيلات في وهران حيث كان يقيم، لكن بونعيلات نجح في كشف المؤامرة وقتل العميلين في الجزائر، ما أغضب أوفقير." قتلهم قبل أن يصلوا إليه" يقول اليوسفي.


لكن بعد مجيء بومدين لرئاسة الجزائر، غادر بونيعلات الى إسبانيا، فطلب المغرب من سلطات مدريد تسلمه، فوافقت وتم تسليمه، وحكم عليه بالإعدام، لكن يتذكر اليوسفي أن أحكام الإعدام التي صدرت في حق عدد من المناضلين لم تنفذ، بعد وقوع الانقلابين العسكريين الفاشلين في المغرب في 1971 و1972، وبعدها تم الإفراج عنه، وانخرط في مؤسسات تعنى بالمقاومين وجيش التحرير، ليصبح رئيسا للمجلس الوطني للمقاومة ويشتغل الى جانب المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير التي يرأسها مصطفى الكثيري.


والآن هذا الرجل الذي يرقد في غيبوبة. يناديه زواره من داخل غرفة الانعاش محاولين التحدث معه، لكن بونعيلات يكتفي بفتح عينيه ثم إغماضهما ويحرك يديه.. الأطباء يقولون إن وضعه مستقر...


إنه فعلا رجل في حجم وطن وحبه للقيم الإنسانية والكرامة والوطن، نتمنى له الشفاء والتحسن كما نتمنى لوطننا الشفاء من أمراض الفساد والتحسن في أوضاع وخدمات الناس.

مقالات ذات صلة