هناك أمران أساسيان في العملية الانتخابية، التي صار يعرفها المغرب في القرن الواحد والعشرين، ومنذ ظهور ما صرنا نسميه بحزب الدولة من جهة، وما يمكن تسميته بحزب الدين من جهة أخرى، وكلاهما يحكم.
فحزب الدولة، يحكم من خلال تواجد رموز معينة في مراكز القرار المؤثرة، والمتحكمة في الواقع المغربي، وحزب الدين يحكم من خلال ترأسه للحكومة المغربية.
وبطبيعة الحال، فالشعب المغربي، هو المحكوم. والفرق كبير جدا، بين الحاكم، والمحكوم، كالفرق بين من يتمتع بامتيازات لا حدود لها، وبين من يفتقد القدرة على العيش، نظرا للممارسات التي يقوم بها المنتمون إلى حزب الدولة، والمنتمون إلى حزب الدين في نفس الوقت. وحتى إذا التبس على المتتبع العادي، من يحكم بالفعل؟ ومن يحكم بالوكالة؟ فإن حزب الدولة، وحزب الدين، يلتقيان معا في ممارسة الحكم الفعلي، من خلال المجالس المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، التي يتأذى المواطن البسيط بقراراتها، التي تقف وراء الإثراء السريع، والمتفاحش، للبعض، ممن يستغلون نفوذهم كرؤساء لمختلف المجالس، أو كبرلمانيين، أو كوزراء، أو ممن يتمتعون بمختلف أشكال الريع المخزني، الذي لا حدود له، في الوقت الذي يعاني فيه الشعب المغربي الكادح، من كافة أنواع التفقير، والتجهيل، والمرض، وممارسة كافة أشكال التضليل، التي تجعله يفقد بوصلة التوجه نحو النضال الفعلي، من أجل التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وحفظ الكرامة الإنسانية.
فحزب الدولة الحاكم، من خلال رموزه في مراكز القرار، في أجهزة الدولة المركزية / المخزنية، ومن خلال تحكمه في العديد من المجالس الجماعية: المحلية، والإقليمية، والجهوية، لا يهتم بمعاناة الشعب المغربي الكادح، من أجل رفع الحيف عنه، بقدر ما يحرص على جعل كل الإمكانيات المتوفرة على المستوى الوطني، وعلى المستوى الجماعي، في خدمة لوبي الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، لضمان استمرار تحكم ذلك اللوبي في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ومن أجل جعله في خدمة الدولة المخزنية، بمن فيها الرموز المتواجدة في مراكز القرار، الذين يعتبرون جزءا لا يتجزأ من الدولة المخزنية، وفي خدمة النظام الرأسمالي التابع، وفي خدمة الرأسمالية العالمية. والحداثة التي يدعي حزب الدولة أنه يسعى إلى تحقيقها على أرض الواقع، لا تتجاوز أن تصير حداثة الاستغلال المادي، والمعنوي للشعب المغربي، المغلفة بإحياء النعرات القبلية، والطائفية، التي يستفيد منها حزب الدولة، في ترسيخ وجوده على الأرض. ذلك الوجود الذي ارتبط، في الأصل، بمخزنة الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، إلى درجة التطابق بين حزب الدولة، بأجهزته المختلفة، وبين الدولة بأجهزتها المختلفة. وهو ما يعني، في العمق، انتشار تواجد حزب الدولة، بانتشار أجهزة الدولة على المستوى الوطني، ودونما حاجة إلى العمل على إقناع الناس بايديولوجية الحزب، وبمواقفه السياسية؛ لأن هذه المهمة، موكولة إلى الدولة بأجهزتها المختلفة، ولكن بطريقة غير واضحة، وغير مكشوفة، خاصة وأن أيديولوجية الدولة، هي نفسها أيديولوجية الحزب، والمواقف السياسية للدولة، هي نفسها المواقف السياسية للحزب، حتى يصير حزب الدولة، مجالا لاستقطاب مختلف الشرائح المتسلقة، والمنبطحة، والساعية للوصول إلى مراكز القرار، من أجل نهب ثروات الشعب المغربي، في افق تحقيق التطلعات الطبقية، كما يتضح ذلك من خلال النماذج التي كانت عاطلة، أو معطلة، ووصلت عن طريق الوصول إلى مراكز القرار، في مختلف الجماعات، ونهبت ما نهبت، ومارست الارتشاء بشكل فج، من أجل أن تصير من مالكي الثروات المنهوبة، التي تقدر بعشرات الملايين، إن لم تصر مقدرة بالملايير، والتي تتمثل في العقارات المختلفة، التي أصبحت عقارات نوعية، ودون حياء من الجماهير الشعبية الكادحة، التي تتألم من نهب ثرواتها، ومن إرغامها على الإرشاء، في أفق تحقيق فهمهم الخاص للحداثة، التي طرأت على واقعهم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي. أما الجماهير الشعبية الكادحة، فتبقى بعيدة عن الحداثة بمفهومها الصحيح، المتمثل في التطور النوعي للتشكيلة الاقتصادية ـ الاجتماعية، التي تصير في خدمة الكادحين، الذين من مصلحتهم تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية.
أما حزب الدين، فهو الحزب الذي يقود أمينه العام الحكومة المغربية، التي تملك صلاحيات معينة من الحكم. وهو الحزب المشارك للنظام المخزني، وللدولة المخزنية، في الحكم المخزني، الذي يستغل نفوذه المخزني، باعتباره حزبا دينيا، يشارك االمخزن في استغلال الدين: أيديولوجيا، وسياسيا، ليجعل الطبقة الموصوفة بالوسطى في المدن الكبيرة بالخصوص، تصوت على مرشحيه، باعتباره حزبا دينيا، يمكن أن يعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية، التي يعتبرها الحزب الديني، ومن على شاكلته من الأحزاب، والتوجهات السياسية، التي تستغل الدين الإسلامي، جزءا من الدين الإسلامي، الذي يوظف، في مجمله، ليتحول إلى أيديولوجية لهذا النوع من الأحزاب، الذي لا يمكن اعتباره إلا حزبا دينيا. والأيديولوجية الدينية، لا يمكن أن يوظفها إلا الحزب البورجوازي الصغير، الذي لا أيديولوجية له، لإنتاج مواقف سياسية، باسم الدين الإسلامي، ليعتبر من يأخذ بتلك المواقف السياسية مومنا، ومن لم يأخذ بها كافرا، وملحدا، لتتحول استراتيجية الحزب الديني، إلى تقسيم الناس إلى مومن، وإلى كافر. والمومن لا يمكن أن يصوت إلا على الحزب الديني، المومن بتوظيف الدين الإسلامي في الأمور الأيديولوجية، والسياسية. أما الذين يصوتون على الأحزاب الأخرى، سواء باعوا ضمائرهم، أو لم يبيعوها، فهم كفار، كما تقول العديد من فيديوهات فقهاء الظلام، التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، وعلى مدى أيام الحملة الانتخابية، والتي تؤكد على أن من صوت على الحزب الديني: (العدالة والتنمية)، فهو مومن، ومن لم يصوت على الحزب الديني، فهو كافر. وبالتالي، فإن فقهاء الظلام المغاربة، الذين يتطاولون على الله، ويحددون في الحياة الدنيا، من يذهب إلى الجنة، ومن ةيذهب إلى النار، ويقتحمون بذلك علم الغي،ب الذي لا حجة على ما يدعون حوله. وعلم الغيب من علم الله تعالى، الذي لا يعرف إلا بعد البعث والنشور يوم القيامة، وبعد الحساب العسير من الله، كما جاء في القرءان الكريم: (فأما من أوتي كتابه بيمينه، فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه، وأما من أوتي كتابه بشماله، فيقول ياليتني لم أوت كتابيه). ومعلوم أن التطاول على علم الله، والخوض فيه، يتناقض تناقضا مطلقا، مع ما جاء به الدين الإسلامي. وما يبشر به هؤلاء الفقهاء الظلاميون، يدخل في إطار استغلال الدين الإسلامي أيديولوجيا، وسياسيا، لتضليل المسلمين، حتى لا يروا بام أعينهم حقيقة الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وما يعرفه من ترد في ظل حكومة الحزب الديني، أو كما يصطلح عليها ب (حكومة بنكيران)، الذي نال اصوات الطبقة الوسطى، واصوات الفقراء، والمحرومين، من هوامش المدن الكبرى، ليسيطر بذلك على هذه المدن، التي توهم سكانها بأن الحزب الديني، سيعمل على تطبيق (الشريعة الإسلامية)، وضمان الدخول إلى الجنة يوم القيامة، وتجنب الدخول إلى النار .وهي أمور لا علاقة لها بالتطور الذي تعرفه البشرية، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما لا علاقة لها بالانحشار وراء من يدعي علم الغيب، وفي زمن لم يعد فيه لا أنبياء، ولا رسل إلى البشرية من الله تعالى. وعلم الغيب يختص به الله تعالى، وخاصة عندما يتعلق الأمر بيوم البعث، والنشور.
فما هي العلاقة بين حزب الدولة، والحزب الديني، أو حزب الدين؟
إن العلاقة القائمة بين حزب الدولة، وحزب الدين، أريد لها أن تكون علاقة تناقض، كما يظهر ذلك من خلال الصراع المزعوم، على المواقع السياسية: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية. إلا أن الواقع غير ذلك.
فحزب الدولة حزب مخزني، يدعي الأصالة، والمعاصرة، أي يجمع بين التمسك بالتراث، وبين الحداثة بمفهومها الغربي.
والحزب الديني، هو كذلك حزب مخزني، في خدمة الدولة المخزنية، يمتح من الدين الإسلامي أيديولوجيا، وسياسيا، كما تقوم بذلك الدولة المخزنية، التي أعطته الشرعية، مع أن الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي صادق عليها ىالمغرب، تمنع قيام حزب سياسي على أساس ديني.
وحزب الدولة يسعى إلى السيطرة على مختلف المؤسسات (المنتخبة)، حتى يوظفها لخدمة الطبقة الحاكمة، ولخدمة الدولة المخزنية، ليس إلا. أما ادعاء خدمة مصالح الشعب المغربي، فهو من باب التضليل فقط، لجعل الشعب المغربي يحلم بالرجوع إلى الأصل، وباقتحام عالم الحداثة.
والحزب الديني الذي يسعى إلى السيطرة على المؤسسات المنتخبة، لا يسعى إلى ذلك من أجل خدمة مصالح الشعب؛ لأنه لو كان الأمر كذلك، ما تم شراء الضمائر، ولا تم استغلال الدين في الأمور الأيديولوجية، والسياسية.
فشراء ضمائر الناخبين، من قبل حزب الدولة، من أجل الوصول إلى مراكز القرار، في أي مجلس من أجل نهب ثروات الجماعة، في أي من مستوياتها لصالح المعني، أو المعنيين بالوصول إلى مراكز القرار، من أجل الوصول إلى تحقيق أهداف خاصة، تدخل في إطار تحقيق التطلعات الطبقية، بالنسبة إلى البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، ولمضاعفة الثروات، باعتبارها مصدرا للسلطات، بالنسبة إلى التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف.
أما استغلال الدين الإسلامي، من قبل حزب الدين: أيديولوجيا، وسياسيا، ومن خلال توظيف مفهوم الإحسان، الذي تعتمده الجمعيات التابعة للحزب الديني، وعلى مدار السنة، وخاصة السنة التي تجري فيها الانتخابات، فإنه يهدف، كذلك، إلى خلق جيوش من الأتباع، والذين تذهب أصواتهم في الانتخابات إلى الحزب الديني، باعتباره منقذا للدين الإسلامي، ومجددا له، وساعيا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، حتى تعود للدين الإسلامي مكانته، كما تدل على ذلك نماذج ما يجري في سورية، وفي العراق، وفي ليبيا، وفي اليمن، وما يمكن أن يقع في مصر، أو في غيرها من البلدان العربية، ولم لا الإسلامية، مادامت أحزاب الدين قائمة في كل هذه البلدان.
وإذا كان حزب الدولة يمارس كافة اشكال الفساد السياسي، فإن حزب الدين، يمارس كذلك الفساد السياسي. ولكن هذه المرة، بسرقة الدين الإسلامي، الذي هو للمومنين جميعا بهذا الدين، الذي تحول عن طريق حزب الدين إلى أيديولوجية معبرة عن مصالح المنتمين إليه، وإلى مواقف سياسية، لجلب أصوات المضللين من المواطنين المسلمين.
وبالنسبة إلينا فإن الفساد السياسي واحد، سواء كان عن طريق شراء ضمائر الناخبين، أو عن طريق استغلال العاطفة الدينية عند المسلمين المغاربة. والعاطفة الدينية عندما تستغل، يغيب العقل، وتغيب إرادة الناخب، ويغيب البرنامج، ليبقى الفساد الديني معلنا عن نفسه.
وبالنسبة للأحزاب الأخرى، التي تتوسط فيما بين حزب الدولة اليميني، وحزب الدين الأكثر يمينية، فإن هذه الأحراب، تكون إما إدارية، أو ممخزنة. وهي لا تختلف في فسادها، عن حزب الدولة، أو حزب الدين. وما يمكن أن نقف عليه هنا، أن بعض الأحزاب التاريخية الممخزنة، والتي شرعت أبوابها أمام ترشيح الفاسدين، يمكن أن نجد من بين افرادها المرشحين هنا، أو هناك، أناسا نظيفين، لا يمارسون أي شكل من أشكال الفساد السياسي / الانتخابي، الذي يسيء إلى سمعتهم. وهو أمر يجب تسجيله لهم، حتى تتحرر أحزابهم من المخزنة.
والأحزاب التي يمكن أن تبقى نظيفة، وبعيدة عن كل أشكال الفساد السياسي / المالي، أو الفساد السياسي / الديني، هي أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، ما لم تتضمن لوائحها المرشحين الفاسدين، وخاصة إذا التزمت بترشيح مناضليها الأوفياء لليسار، ولبرامج اليسار، وللجماهير الشعبية الكادحة، التي تعمل الأحزاب المكونة لفيدرالية اليسار، على رفع مستوى وعيها بأوضاعها المادية، والمعنوية.
وهذه الأحزاب المشكلة لفيدرالية اليسار الديمقراطي، تقطع مع كل أشكال الفساد، سواء تعلق الأمر بالفساد المالي، أو بالفساد الديني. فهي لا تستغل فقر المواطنين / الناخبين لشراء ضمائرهم، كما لا تدعي أنها أكثر تدينا من المتدينين المومنين بالدين الإسلامي، حتى لا تسقط في ممارسة الفساد باسم الدين. وفي الحالتين معا، نجد أن أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، تتجنب السقوط في الفساد، مهما كان لونه، حتى تحافظ على نظافتها، انسجاما مع طبيعتها اليسارية، ومع برنامجها، ومع الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، لصالح كادحي الشعب المغربي، خاصة، وأنها سعت، وتسعى إل تحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، كأهداف كبرى، تتناقض تناقضا مطلقا مع كل اشكال الفساد، الممارسة أثناء الحملات الانتخابية، والتي يسعى تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي إلى إسقاطها، وإلى إسقاط الاستبداد الذي يقف وراءها، على عكس كل الأحزاب الفاسدة: حزب الدولة والأحزاب الإدارية، والأحزاب الممخزنة، والحزب الديني، أو حزب الدين، إن كان هناك حزب للدين.
فهل يتخلص المجتمع المغربي من الفساد السياسي بنوعيه: المالي، والديني؟
أم أن الأمر سيبقى على ما هو عليه؟
هل تبقى الحرية والنزاهة في الانتخابات مجرد شعارات للاستهلاك الخارجي؟
فالدولة المغربية لا تعمل على وضع آليات علمية دقيقة، لوضع حد للفساد السياسي بنوعيه: المالي، والديني.
فهل تعمل منذ الان، وفي أفق إجراء الانتخابات البرلمانية، على وضع آليات علمية دقيقة، لوضع حد للفساد الانتخابي بنوعيه؟