قد تتغير حياة المرء بين إسدال الليل ستارَ الدجى وانقشاعه بحلول الفجر وإشراقته.
عندما تكون عاطلا عن العمل، تعتاد أن العتمة أمر دائم وأن نور الأمل لا يكاد يكون بارقة قد تخبو بإرادتك ولا تعاود الظهور بإرادتك.. تعتاد فكرةَ أن لا تغيير سيأتي وأن لا شيء في الأفق يوحي بتبدل الأحوال. تتشابه الأيام، وتتزاحم أفكار اليأس كلما تكالبت عليك الهموم. تيأس وتيأس ثم تيأس، وفي غفلة منك تهب رياح التغيير وتمتلئ السماء بأصوات الرعد المدوية وتتهاطل الأمطار الغزيرة زخات تلو زخات إلى أن تحيي الأرض ولو بعد موتها وتغير الحال والأحوال بغيث من الله سبحانه.
كل ذلك.. بين ليلة وضحاها.
قررت أن أبسط لحكايتي ما يكفي من الزمن، لعلها تكون حافزاً لمن بدأ اليأس يدب في نفوسهم؛ معتقداً في البدء أن سردها لن يستقطع من وقتي سوى.. ليلة وضحاها.
ركبت رفقة صديق الطفولة (ر. م.) ذات ليلة صيفية دافئة قطاراً ليس ككل القطارات، قطاراً من زمن آخر. انطلق بنا ليلة 18 يوليو عام 2000 في الساعة التاسعة ليلا من ابن جرير متوجها بنا إلى أعلى نقطة في البلاد. لم يسبق لي حينها أن زرت طنجة، التي لم تكن بالنسبة إلي سوى نقطة في أعلى خريطة بلدي، نقطة يعانق في كنفها المتوسط أمواج المحيط. تذكرت حينها اعتقادي الراسخ أن المحيط ملك لنا بدليل نعته بالأطلسي وأن المتوسط مشترك بيننا وباقي دول الجوار.
تحدثنا خلال الرحلة عن طنجة التي لم نكن نعرفها إلا من خلال بعض الروايات والقصص. استرجعنا بعض ذكريات الدراسة وولعنا -بل هوسنا- بالقضايا اللغوية وكيف كنا نتسابق على ما يتركه المسافرون خلفهم من جرائد ومجلات (وهي الغنيمة الكبرى) بعد وصول القطار إلى محطة مراكش حيث كنا طالبين بجامعة القاضي عياض. ثم تحدثنا عن القطار ذاته الذي يقلنا إلى طنجة إذ تساءلنا عن أسباب تخصيص أسوأ القطارات وأقدمها لهذا الخط. وطبعاً لم يخطر ببالنا ولو لحظة أن طنجة ستحظى بعد أقل من عقدين، أي بين ليلة وضحاها، بالبراق: أفضل قطارات المغرب وأسرعها على الإطلاق. قلت لصديقي متسائلاً: أليس من غريب الصدف أن الخط السككي الذي يسير عليه قطارنا يبتدئ من مراكش وينتهي في طنجة!؟".
حز في نفسي أن أتحدث عن نهاية السير ونهاية المطاف وتحويل النقاش نحو قطار الحياة، لأن صديقي كان قد فقد والده قبل أقل من شهر. من غريب الصدف أن والده ووالدي -شملهما الله بواسع رحمته- كانا يشتغلان معا في المكتب الوطني للسكك الحديدية. قلت في نفسي: "تباً.. أكره تقليب المواجع..". التزمنا الصمت، وإذْ بنا نسمع -من دون قصد- نسوة (أزيد من نصف الركاب) قادمات من مدن مختلفة إلى سبتة المحتلة وهن يقصصن على بعضهن بعضاً حكايات عن زلات أزواجهن ما إن ينطلقن للسفر، وعن النتائج الدراسية لبناتهن وأبنائهن؛ متفاخرات بذكر مغامراتهن وقدراتهن على الجري هربا من أعوان الجمارك أو عناصر الأمن وهن يرتدين أغلب بضائعهن من الأثواب. نسوة تكابد أهوالا من أجل لقمة العيش. إنهن درس في الكفاح الدؤوب.
على قدر ما كنت مولعا بثلاث لغات ومتيماً بها، كنت أكره قضاء الليالي البيضاء أترجم أو أطالع؛ على أن النوم يجافيني عند كل سفر. يعلم من سافر الليل بطوله على متن قطار ملقب بـ "الويسترن" (قطار الغرب الأمريكي) وقاسى من الضجر الذي يتسرب إلى النفوس خلاله، أن السفر على صهوة فرس تماماً كأبطال أفلام الويسترن الأمريكي أهون ولا ريب.
سفر ممل ومضنٍ تزيد من عذابه طقطقة قوية ومرتدة ومتتالية لعجلات القطار الفولاذية، وظلام دامس يحجب ما قد تراه العين وتستأنس به في انتظار الوصول. وبعد طول انتظار، بدت ملامح بزوغ الفجر تتضح وانجلت بروية آخر أسدال الليل. هنالك سمعت أحد الركاب يقول : "لقد اقتربنا من أصيلة". تسمرت عيناي على النافذة ومنيت النفس برؤية هذه المدينة واكتشاف أصالتها. لكني لم أر من بعيد ما يطفئ ظمأ فضولي أو ما يغري الزائر.. إلى أن رأيت الشاطئ، فأيقظت صديقي وكأني أدعوه للنزول. كانت أصيلة آخر محطة قبل محطة نهاية السير، "مغوغة".
مغوغة.. اسم لا يقل غرابة عن غيره من أسماء مناطق أخرى، لكنه كان حينها بالنسبة إلي يزاوج بين الغوص في غياهب المجهول والاستسلام بين براثن الهم.
وصلنا أخيراً. بلغنا وجهتنا.. بين ليلة وضحاها، حقيقةً وليس مجازاً هذه المرة.
كنا في غاية الاندهاش: "هذه ليست طنجة! أين طنجة؟ وأين سواريها العالية؟".
لم تكن محطة "طنجة مغوغة" تمت بصلة لباقي محطات القطار التي نعرفها، وكانت منطقة مغوغة في الساعة السادسة صباحا مكانا موحشا لا ينبض بالحياة. فما إن غادرت آخر سيارة للأجرة، حتى صرنا وحدنا وسط بنايات بيضاء من طابق واحد تتوسطها طريق شبه معبدة. لا أذكر سبب اختيارنا السيرَ مشيا على الأقدام نحو مدرسة الملك فهد العليا للترجمة. كان نسيم الصباح كافياً لينسينا خيبة أمل لقاء طنجة بعد تكبد مشاق السفر. سألنا أحد المارة القلائل في ذلك الصباح عن حي "الشرف". لم يعرف أيٌّ منهم هذا الحي، إلى أن نبهنا أحدهم إلى أننا ربما نقصد حي "الشرف" بتسكين الراء وليس فتحها بعد تشديد الشين.
من أعلى تل "الشرف" تراءى لنا أخيراً البحر والشاطئ وجزء من المدينة. قلت في نفسي: "يا له من مكان خلاب يخطف الفؤاد!". وصلنا إلى المدرسة. ههنا سنجتاز امتحاناً في اليوم التالي.. مباراة أو امتحان، كان الأمر بالنسبة إلي سيان.. محض تجربة لا غير. إذ كان "مفهوم" الامتحان لدي قد فقد مصداقيته منذ أن تأكدت غير ما مرة من نجاح بعضهم في مباريات في قطاعات مختلفة حتى من دون حضورها. يومئذ كانت غيوم البطالة والفساد قد لبّدت سماء المغرب منذ مطلع التسعينيات.
نزلنا معا من أعلى التل ووصلنا بسرعة إلى شاطئ لا حدود بينه وبين المدينة سوى الخط السككي الذي كان في السابق يمكن القطار من التغلغل إلى قلب طنجة ويبلغ محطته الأخيرة والرسمية المتاخمة لباب ميناء المدينة.
وضعنا أمتعتنا وجلسنا على رمال ناصعة البياض.. من دون أن أنبس ببنت شفة. أثارني غياب الأمواج وأوقدت ألوان البحر المتلألئ ذكريات الجزر البعيدة التي قرأت عنها وتعرفت إلى سحرها في مختلف المجلات. كان الأمر برمته فاتناً إلى أبعد الحدود: بواخر ضخمة تغادر الميناء وأخرى تعود إليه.. وأوربا على مرمى حجر. قلت في نفسي وبعدها لرفيقي: "لن أعود إلى الديار. لن أترك هذا المكان أبداً بعد اليوم". رد: هل جننت؟ هل تعي فعلا ما تقول؟". قلت: "لن أعود أبداً إلى الوراء، بدءًا بمغوغة ووحشتها، ومرورا بالقطار ووصولا إلى حر الديار وأيامها المتشابهة". قال: "لكني أعلم أنك لا تمتلك من المال ما يفي لأن تمكث هنا ولو يومين إضافيين". سكت لحظات ثم قلت في نفسي: "سيكون علي حتما أن أتدبر الأمر؛ لكنه قرار لا رجعة فيه. أما الآن لا بد لنا من البحث عن فندق".
بعد السؤال، أخبرنا أحد المارة أن الفنادق المناسبة توجد في "السوق الداخل" بإزاء الميناء. في طريقنا إلى هناك، اندهشنا حد الذهول من العدد الكبير لأفارقة جنوب الصحراء الذين يجوبون الشوارع ويرتادون المقاهي ومخاذع الهاتف، وغيرهم ممن يطلون من نوافذ الفنادق ويتزاحمون في شرفاتها. في مدخل السوق، طالعَنا أولُ نُزل وكان اسمه "النصر". عرض علينا المشرف عليه غرفة لشخصين لقاء سبعين درهما، حسب ما أذكر. لشدة التعب، لم نساوم ولم نجادل ولم نبحث عن عرض غيره؛ وقبلنا الغرفة النظيفة حقا والمطلة على "مصاعد أمريكا" (دروج ميريكان).
بعد ليلة وضحاها، استيقظنا من دون أن ننام حقا. استقر ما لا يقل عن ثلاثين من هؤلاء الأفارقة لدى دروج ميريكان منذ منتصف الليل ولم يكفّوا قط عن الحديث والجدال إلا عند بزوغ الفجر. أذكر أننا لم نسمع منذ الفجر سوى عويل أحدهم، ونظرنا عبر النافذة فرأينا المارة من المغاربة والأجانب يواسون أحد هؤلاء بالتربيث على كتفيه. هنالك أدركنا أن المجموعة الصاخبة ليلًا قد غادرت -بين ليلة وضحاها- آخر معاقل إفريقيا نحو أوربا.. ما عدا صاحبنا المنتحب الذي لم يحالفه الحظ لسبب ما.
غادرنا الغرفة صباحاً باتجاه المدرسة لخوض المباراة. لاحظت خلالها أن عدد المتغيبين مرتفع، وتساءلت مع نفسي قائلاً: "كم منهم سينجح؟". سأعلم بعد شهرين ألا أحد منهم كان ضمن لائحة المقبولين بالمؤسسة. لم يكن ذلك وارداً البتة.
بعدها، مكثت في طنجة أزيد من شهر ونصف الشهر. ومن ثم قررت زيارة أحد الأصدقاء في مدينة الرباط. فور وصولي أخبرني بأن أفراد أسرتي يتساءلون عن زيارتي له من عدمها وأنهم في غاية القلق عن أحوالي وأنهم أخبروه، لتوفرهم على رقم هاتفه الأرضي، بنجاحي في مباراة للترجمة وبضرورة عودتي من أجل جمع الوثائق وإرسالها إلى المدرسة بطنجة. عدت إلى الديار يوماً واحداً ثم قررت الذهاب شخصيا إلى طنجة في رحلة ليلية على متن القطار نفسه لتأكيد التسجيل. قبل ذلك، زرت الصديق (ر. م.) لأزف إليه البشرى وأخبره عن بعض مغامراتي في طنجة، فإذا به يخبرني أيضا بنجاحه في المباراة. لم يؤكد لي، لدواع عدة، إن كان سيتابع فعلا دراسته بالمدرسة.
عدت إلى طنجة في بداية سبتمبر، ثم رحلنا إليها معا في اليوم 17 من الشهر نفسه.. لتنطلق رحلة أخرى. وجدنا أنفسنا في رحاب "فندق ضخم" يسمى المركز التربوي الجهوي، نحتل فيه جناحاً خاصا بنا، وكان السابقون يعلمون كل خباياه، لا سيما الغرف التي ينبغي تفاديها لأنها لا ترى الشمس. أما المدرسة فقد كانت مجتمعاً مصغراً ستتأكد فيه كل القيم والأخلاق التي كنت افتقدتها وسلمت باختفائها من بلادنا، من قبيل النزاهة والاستقامة والاستحقاق. وعلى خلاف المؤسسات الجامعية الأخرى، كانت المدرسة تستقطب طلبة من كافة مدن المغرب وما دونها، وأحيانا من خارجه، بل قد تجد إلى جانبك على مقعد الدراسة طالبة مغربية من أصول روسية وأخرى من أصول ألمانية وطالب من جزر القمر: إنه التعدد اللغوي والثقافي بكل تجلياته. حتى الأساتذة كان منهم المغاربة والأجانب العرب والغربيون الزائرون والمقيمون.
أذكر أمراً ظل عالقاً في ذهني. ففي يوم واحد، صافحت يدي الأستاذ الفلسطيني، عودة عبد الفتاح، والمؤرخ الفرنسي اليهودي، بنيامين ستورا. كان ذلك في أوج الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005). أتذكر أيضاً كيف انتدبني الزملاء في شعبة الفرنسية لأقدم باسمهم هديتنا للأستاذة الراحلة كلود كرول خلال مأدبة غداء استدعتنا إليها في مطعم "طليطلة" بعد ما ينيف على شهر من التحصيل. كنا قد اخترنا لها من الهدايا مرآة ذات باب مقوس بمصراعين مزركش بزخارف عربية واسلامية. لم أكن أتصور أن أقول لها: "أستاذة، هذه هدية بسيطة.. لكن هذا الباب ينفتح على العالم العربي، وما إن تفتحيه حتى تجدين نفسك في قلب هذا العالم. إنه نظير اهتمامك، بل وشغفك باللغة العربية وثقافة أهلها، وعربونا لمحبتنا واعترافا منا بالجميل".
انتهت فترة التكوين وانطلقت معها تطلعات كافة الخريجين. سلك كل منا درباً مغايراً. فضلت البقاء مرة أخرى في طنجة وخضت فيها تجارب أخرى وانتهى بي المقام بالرباط حيث تابعت الدراسة من جديد وخضت غمار تجربة مهنية مغايرة ترضي حلم الطفولة بالتدريس في الجامعة، من دون أن أنسى ممارسة الترجمة التي راكمت فيها من التجارب ما يليق بخبير معتمد لدى مؤسسات وطنية ومنظمات دولية، ثم حصلت على دكتوراه كان موضوعها تدريس الترجمة. شاركت سنة 2010 في تأسيس "تكتيك للاستشارات"، التي أضحت -بين ليلة وضحاها- رائدة في مجال الترجمة.
وإن تساءل بعضكم عن (ر. م.)، فقد خاض تجربة ناجحة في التعليم داخل المغرب وخارجه، ثم تمكن من معانقة ميدان الترجمة من جديد؛ إذ يتولى حاليا إدارة قسم بارز في إحدى أهم المؤسسات الإعلامية بالشرق الأوسط.
عدت إلى طنجة مدعواً من إدارتها يوم 26 ماي من عام 2005 للمشاركة في يوم دراسي تنظمه خلية صلة الوصل بين المؤسسة وخريجيها في اليوم الموالي حول ريادة الأعمال في مجال الترجمة. حجزت المؤسسة لي غرفة في فندق "شهرزاد". وقبل الوصول إليه تساءلت عن رمزية تسمية الفندق وقدرة شهرزاد على النجاة بفضل عدم سكوتها عن الكلام المباح إلى أن يحل الصباح، حكاية كل ليلة وما لاقته من نجاح...كل ذلك بفضل تمكنها من اللغة وتلاعبها بالكلم بين ليلة وضحاها.
لا وجود لاختيارات اعتباطية في هذا السياق...كان اختيار اسم الفندق موفقاً، وموقعه أكثر توفيقاً. كان مطلاً على الشاطئ. طلبت من عون الاستقبال غرفة مطلة عليه بطبيعة الحال. رد : "مع الأسف، كل الغرف المطلة على البحر محجوزة. مدني بمفتاح غرفة من ثلاثة أرقام تبتدئ برقم 6 وقال : "استقل المصعد، الطابق السادس". ما أن فتحت باب الغرفة حتى رأيت البحر من نافذة ممتدة من يمين الغرفة إلى يسارها. تركت أمتعتي وأخرجت رأسي من النافذة الضخمة وتمعنت لمدة في ألوان البحر وامتداد الشاطئ وحركية البواخر... ها هو ذا سر عشقي لطنجة...خصصت صبيحة اليوم الدراسي للمداخلات والمسائية للورشات. أحببت اللقاء بالسيدة المديرة وبأساتذتي السابقين وجالستهم بالقاعة المخصصة للأساتذة، كما أحببت اللقاء بالطلبة الذين استمتعوا بأطوار ورشة كان هدفها التحفيز والتوعية بأهمية التواصل وسحره...وكعادتي قررت ألا أنسحب من طنجة في ليلة وضحاها، وطلبت تمديداً شرط البقاء في نفس الغرفة. تزامن كل ذلك مع انفراج مالي قبل أقل من أسبوع...كنت قد توصلت أخيراً بمستحقاتي الأولى كأستاذ بجامعة القاضي عياض بعد 22 شهراً من الانتظار.
الفرق بين الأمس واليوم كما الفرق بين اليوم والغد ليس سوى ليلة وضحاها...
تلكَ أمور مضت.. قد يتغير العالم بأسره بين ليلة وضحاها عندما تهب رياح التغيير...
ها هي ذي طنجة، مدينة الوصول التي لم تكن تتوفر سنة 2000 ولو على حافلات للنقل الحضري تليق بها، لم تعد اليوم تحظى ببحرين وحسب بل بميناءين، أحدهما يحتل المرتبة الأولى وطنيا من حيث حركة المسافرين والنقل الدولي وأصبحت بالفعل عروساً للشمال يسعى إلى طلب يدها أزيد من نصف المغاربة كلما حل الصيف. وها هي مدينة الانطلاق، ابن جرير، التي كانت تسمى "مدينة المستقبل" في بداية الألفية الثالثة، قد أصبحت قطباً علمياً وطنياً وقارياً، يستقطب أنجب التلاميذ والطلبة من سائر أرجاء الوطن ومن خارجه، بفضل جامعة محمد السادس المتعددة التخصصات التقنية، وثانوية الامتياز الملحقة بها.
بين تلك الرحلة الليلية واليوم، جرت مياه كثيرة تحت جسر الحياة.. مياه جرفت معها سنينًا من العمر لكنها لم تمح من الذهن ذكريات طنجة التي غيرت مجرى حياتي.. بين ليلة وضحاها.
عندما تكون عاطلا عن العمل، تعتاد أن العتمة أمر دائم وأن نور الأمل لا يكاد يكون بارقة قد تخبو بإرادتك ولا تعاود الظهور بإرادتك.. تعتاد فكرةَ أن لا تغيير سيأتي وأن لا شيء في الأفق يوحي بتبدل الأحوال. تتشابه الأيام، وتتزاحم أفكار اليأس كلما تكالبت عليك الهموم. تيأس وتيأس ثم تيأس، وفي غفلة منك تهب رياح التغيير وتمتلئ السماء بأصوات الرعد المدوية وتتهاطل الأمطار الغزيرة زخات تلو زخات إلى أن تحيي الأرض ولو بعد موتها وتغير الحال والأحوال بغيث من الله سبحانه.
كل ذلك.. بين ليلة وضحاها.
قررت أن أبسط لحكايتي ما يكفي من الزمن، لعلها تكون حافزاً لمن بدأ اليأس يدب في نفوسهم؛ معتقداً في البدء أن سردها لن يستقطع من وقتي سوى.. ليلة وضحاها.
ركبت رفقة صديق الطفولة (ر. م.) ذات ليلة صيفية دافئة قطاراً ليس ككل القطارات، قطاراً من زمن آخر. انطلق بنا ليلة 18 يوليو عام 2000 في الساعة التاسعة ليلا من ابن جرير متوجها بنا إلى أعلى نقطة في البلاد. لم يسبق لي حينها أن زرت طنجة، التي لم تكن بالنسبة إلي سوى نقطة في أعلى خريطة بلدي، نقطة يعانق في كنفها المتوسط أمواج المحيط. تذكرت حينها اعتقادي الراسخ أن المحيط ملك لنا بدليل نعته بالأطلسي وأن المتوسط مشترك بيننا وباقي دول الجوار.
تحدثنا خلال الرحلة عن طنجة التي لم نكن نعرفها إلا من خلال بعض الروايات والقصص. استرجعنا بعض ذكريات الدراسة وولعنا -بل هوسنا- بالقضايا اللغوية وكيف كنا نتسابق على ما يتركه المسافرون خلفهم من جرائد ومجلات (وهي الغنيمة الكبرى) بعد وصول القطار إلى محطة مراكش حيث كنا طالبين بجامعة القاضي عياض. ثم تحدثنا عن القطار ذاته الذي يقلنا إلى طنجة إذ تساءلنا عن أسباب تخصيص أسوأ القطارات وأقدمها لهذا الخط. وطبعاً لم يخطر ببالنا ولو لحظة أن طنجة ستحظى بعد أقل من عقدين، أي بين ليلة وضحاها، بالبراق: أفضل قطارات المغرب وأسرعها على الإطلاق. قلت لصديقي متسائلاً: أليس من غريب الصدف أن الخط السككي الذي يسير عليه قطارنا يبتدئ من مراكش وينتهي في طنجة!؟".
حز في نفسي أن أتحدث عن نهاية السير ونهاية المطاف وتحويل النقاش نحو قطار الحياة، لأن صديقي كان قد فقد والده قبل أقل من شهر. من غريب الصدف أن والده ووالدي -شملهما الله بواسع رحمته- كانا يشتغلان معا في المكتب الوطني للسكك الحديدية. قلت في نفسي: "تباً.. أكره تقليب المواجع..". التزمنا الصمت، وإذْ بنا نسمع -من دون قصد- نسوة (أزيد من نصف الركاب) قادمات من مدن مختلفة إلى سبتة المحتلة وهن يقصصن على بعضهن بعضاً حكايات عن زلات أزواجهن ما إن ينطلقن للسفر، وعن النتائج الدراسية لبناتهن وأبنائهن؛ متفاخرات بذكر مغامراتهن وقدراتهن على الجري هربا من أعوان الجمارك أو عناصر الأمن وهن يرتدين أغلب بضائعهن من الأثواب. نسوة تكابد أهوالا من أجل لقمة العيش. إنهن درس في الكفاح الدؤوب.
على قدر ما كنت مولعا بثلاث لغات ومتيماً بها، كنت أكره قضاء الليالي البيضاء أترجم أو أطالع؛ على أن النوم يجافيني عند كل سفر. يعلم من سافر الليل بطوله على متن قطار ملقب بـ "الويسترن" (قطار الغرب الأمريكي) وقاسى من الضجر الذي يتسرب إلى النفوس خلاله، أن السفر على صهوة فرس تماماً كأبطال أفلام الويسترن الأمريكي أهون ولا ريب.
سفر ممل ومضنٍ تزيد من عذابه طقطقة قوية ومرتدة ومتتالية لعجلات القطار الفولاذية، وظلام دامس يحجب ما قد تراه العين وتستأنس به في انتظار الوصول. وبعد طول انتظار، بدت ملامح بزوغ الفجر تتضح وانجلت بروية آخر أسدال الليل. هنالك سمعت أحد الركاب يقول : "لقد اقتربنا من أصيلة". تسمرت عيناي على النافذة ومنيت النفس برؤية هذه المدينة واكتشاف أصالتها. لكني لم أر من بعيد ما يطفئ ظمأ فضولي أو ما يغري الزائر.. إلى أن رأيت الشاطئ، فأيقظت صديقي وكأني أدعوه للنزول. كانت أصيلة آخر محطة قبل محطة نهاية السير، "مغوغة".
مغوغة.. اسم لا يقل غرابة عن غيره من أسماء مناطق أخرى، لكنه كان حينها بالنسبة إلي يزاوج بين الغوص في غياهب المجهول والاستسلام بين براثن الهم.
وصلنا أخيراً. بلغنا وجهتنا.. بين ليلة وضحاها، حقيقةً وليس مجازاً هذه المرة.
كنا في غاية الاندهاش: "هذه ليست طنجة! أين طنجة؟ وأين سواريها العالية؟".
لم تكن محطة "طنجة مغوغة" تمت بصلة لباقي محطات القطار التي نعرفها، وكانت منطقة مغوغة في الساعة السادسة صباحا مكانا موحشا لا ينبض بالحياة. فما إن غادرت آخر سيارة للأجرة، حتى صرنا وحدنا وسط بنايات بيضاء من طابق واحد تتوسطها طريق شبه معبدة. لا أذكر سبب اختيارنا السيرَ مشيا على الأقدام نحو مدرسة الملك فهد العليا للترجمة. كان نسيم الصباح كافياً لينسينا خيبة أمل لقاء طنجة بعد تكبد مشاق السفر. سألنا أحد المارة القلائل في ذلك الصباح عن حي "الشرف". لم يعرف أيٌّ منهم هذا الحي، إلى أن نبهنا أحدهم إلى أننا ربما نقصد حي "الشرف" بتسكين الراء وليس فتحها بعد تشديد الشين.
من أعلى تل "الشرف" تراءى لنا أخيراً البحر والشاطئ وجزء من المدينة. قلت في نفسي: "يا له من مكان خلاب يخطف الفؤاد!". وصلنا إلى المدرسة. ههنا سنجتاز امتحاناً في اليوم التالي.. مباراة أو امتحان، كان الأمر بالنسبة إلي سيان.. محض تجربة لا غير. إذ كان "مفهوم" الامتحان لدي قد فقد مصداقيته منذ أن تأكدت غير ما مرة من نجاح بعضهم في مباريات في قطاعات مختلفة حتى من دون حضورها. يومئذ كانت غيوم البطالة والفساد قد لبّدت سماء المغرب منذ مطلع التسعينيات.
نزلنا معا من أعلى التل ووصلنا بسرعة إلى شاطئ لا حدود بينه وبين المدينة سوى الخط السككي الذي كان في السابق يمكن القطار من التغلغل إلى قلب طنجة ويبلغ محطته الأخيرة والرسمية المتاخمة لباب ميناء المدينة.
وضعنا أمتعتنا وجلسنا على رمال ناصعة البياض.. من دون أن أنبس ببنت شفة. أثارني غياب الأمواج وأوقدت ألوان البحر المتلألئ ذكريات الجزر البعيدة التي قرأت عنها وتعرفت إلى سحرها في مختلف المجلات. كان الأمر برمته فاتناً إلى أبعد الحدود: بواخر ضخمة تغادر الميناء وأخرى تعود إليه.. وأوربا على مرمى حجر. قلت في نفسي وبعدها لرفيقي: "لن أعود إلى الديار. لن أترك هذا المكان أبداً بعد اليوم". رد: هل جننت؟ هل تعي فعلا ما تقول؟". قلت: "لن أعود أبداً إلى الوراء، بدءًا بمغوغة ووحشتها، ومرورا بالقطار ووصولا إلى حر الديار وأيامها المتشابهة". قال: "لكني أعلم أنك لا تمتلك من المال ما يفي لأن تمكث هنا ولو يومين إضافيين". سكت لحظات ثم قلت في نفسي: "سيكون علي حتما أن أتدبر الأمر؛ لكنه قرار لا رجعة فيه. أما الآن لا بد لنا من البحث عن فندق".
بعد السؤال، أخبرنا أحد المارة أن الفنادق المناسبة توجد في "السوق الداخل" بإزاء الميناء. في طريقنا إلى هناك، اندهشنا حد الذهول من العدد الكبير لأفارقة جنوب الصحراء الذين يجوبون الشوارع ويرتادون المقاهي ومخاذع الهاتف، وغيرهم ممن يطلون من نوافذ الفنادق ويتزاحمون في شرفاتها. في مدخل السوق، طالعَنا أولُ نُزل وكان اسمه "النصر". عرض علينا المشرف عليه غرفة لشخصين لقاء سبعين درهما، حسب ما أذكر. لشدة التعب، لم نساوم ولم نجادل ولم نبحث عن عرض غيره؛ وقبلنا الغرفة النظيفة حقا والمطلة على "مصاعد أمريكا" (دروج ميريكان).
بعد ليلة وضحاها، استيقظنا من دون أن ننام حقا. استقر ما لا يقل عن ثلاثين من هؤلاء الأفارقة لدى دروج ميريكان منذ منتصف الليل ولم يكفّوا قط عن الحديث والجدال إلا عند بزوغ الفجر. أذكر أننا لم نسمع منذ الفجر سوى عويل أحدهم، ونظرنا عبر النافذة فرأينا المارة من المغاربة والأجانب يواسون أحد هؤلاء بالتربيث على كتفيه. هنالك أدركنا أن المجموعة الصاخبة ليلًا قد غادرت -بين ليلة وضحاها- آخر معاقل إفريقيا نحو أوربا.. ما عدا صاحبنا المنتحب الذي لم يحالفه الحظ لسبب ما.
غادرنا الغرفة صباحاً باتجاه المدرسة لخوض المباراة. لاحظت خلالها أن عدد المتغيبين مرتفع، وتساءلت مع نفسي قائلاً: "كم منهم سينجح؟". سأعلم بعد شهرين ألا أحد منهم كان ضمن لائحة المقبولين بالمؤسسة. لم يكن ذلك وارداً البتة.
بعدها، مكثت في طنجة أزيد من شهر ونصف الشهر. ومن ثم قررت زيارة أحد الأصدقاء في مدينة الرباط. فور وصولي أخبرني بأن أفراد أسرتي يتساءلون عن زيارتي له من عدمها وأنهم في غاية القلق عن أحوالي وأنهم أخبروه، لتوفرهم على رقم هاتفه الأرضي، بنجاحي في مباراة للترجمة وبضرورة عودتي من أجل جمع الوثائق وإرسالها إلى المدرسة بطنجة. عدت إلى الديار يوماً واحداً ثم قررت الذهاب شخصيا إلى طنجة في رحلة ليلية على متن القطار نفسه لتأكيد التسجيل. قبل ذلك، زرت الصديق (ر. م.) لأزف إليه البشرى وأخبره عن بعض مغامراتي في طنجة، فإذا به يخبرني أيضا بنجاحه في المباراة. لم يؤكد لي، لدواع عدة، إن كان سيتابع فعلا دراسته بالمدرسة.
عدت إلى طنجة في بداية سبتمبر، ثم رحلنا إليها معا في اليوم 17 من الشهر نفسه.. لتنطلق رحلة أخرى. وجدنا أنفسنا في رحاب "فندق ضخم" يسمى المركز التربوي الجهوي، نحتل فيه جناحاً خاصا بنا، وكان السابقون يعلمون كل خباياه، لا سيما الغرف التي ينبغي تفاديها لأنها لا ترى الشمس. أما المدرسة فقد كانت مجتمعاً مصغراً ستتأكد فيه كل القيم والأخلاق التي كنت افتقدتها وسلمت باختفائها من بلادنا، من قبيل النزاهة والاستقامة والاستحقاق. وعلى خلاف المؤسسات الجامعية الأخرى، كانت المدرسة تستقطب طلبة من كافة مدن المغرب وما دونها، وأحيانا من خارجه، بل قد تجد إلى جانبك على مقعد الدراسة طالبة مغربية من أصول روسية وأخرى من أصول ألمانية وطالب من جزر القمر: إنه التعدد اللغوي والثقافي بكل تجلياته. حتى الأساتذة كان منهم المغاربة والأجانب العرب والغربيون الزائرون والمقيمون.
أذكر أمراً ظل عالقاً في ذهني. ففي يوم واحد، صافحت يدي الأستاذ الفلسطيني، عودة عبد الفتاح، والمؤرخ الفرنسي اليهودي، بنيامين ستورا. كان ذلك في أوج الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005). أتذكر أيضاً كيف انتدبني الزملاء في شعبة الفرنسية لأقدم باسمهم هديتنا للأستاذة الراحلة كلود كرول خلال مأدبة غداء استدعتنا إليها في مطعم "طليطلة" بعد ما ينيف على شهر من التحصيل. كنا قد اخترنا لها من الهدايا مرآة ذات باب مقوس بمصراعين مزركش بزخارف عربية واسلامية. لم أكن أتصور أن أقول لها: "أستاذة، هذه هدية بسيطة.. لكن هذا الباب ينفتح على العالم العربي، وما إن تفتحيه حتى تجدين نفسك في قلب هذا العالم. إنه نظير اهتمامك، بل وشغفك باللغة العربية وثقافة أهلها، وعربونا لمحبتنا واعترافا منا بالجميل".
انتهت فترة التكوين وانطلقت معها تطلعات كافة الخريجين. سلك كل منا درباً مغايراً. فضلت البقاء مرة أخرى في طنجة وخضت فيها تجارب أخرى وانتهى بي المقام بالرباط حيث تابعت الدراسة من جديد وخضت غمار تجربة مهنية مغايرة ترضي حلم الطفولة بالتدريس في الجامعة، من دون أن أنسى ممارسة الترجمة التي راكمت فيها من التجارب ما يليق بخبير معتمد لدى مؤسسات وطنية ومنظمات دولية، ثم حصلت على دكتوراه كان موضوعها تدريس الترجمة. شاركت سنة 2010 في تأسيس "تكتيك للاستشارات"، التي أضحت -بين ليلة وضحاها- رائدة في مجال الترجمة.
وإن تساءل بعضكم عن (ر. م.)، فقد خاض تجربة ناجحة في التعليم داخل المغرب وخارجه، ثم تمكن من معانقة ميدان الترجمة من جديد؛ إذ يتولى حاليا إدارة قسم بارز في إحدى أهم المؤسسات الإعلامية بالشرق الأوسط.
عدت إلى طنجة مدعواً من إدارتها يوم 26 ماي من عام 2005 للمشاركة في يوم دراسي تنظمه خلية صلة الوصل بين المؤسسة وخريجيها في اليوم الموالي حول ريادة الأعمال في مجال الترجمة. حجزت المؤسسة لي غرفة في فندق "شهرزاد". وقبل الوصول إليه تساءلت عن رمزية تسمية الفندق وقدرة شهرزاد على النجاة بفضل عدم سكوتها عن الكلام المباح إلى أن يحل الصباح، حكاية كل ليلة وما لاقته من نجاح...كل ذلك بفضل تمكنها من اللغة وتلاعبها بالكلم بين ليلة وضحاها.
لا وجود لاختيارات اعتباطية في هذا السياق...كان اختيار اسم الفندق موفقاً، وموقعه أكثر توفيقاً. كان مطلاً على الشاطئ. طلبت من عون الاستقبال غرفة مطلة عليه بطبيعة الحال. رد : "مع الأسف، كل الغرف المطلة على البحر محجوزة. مدني بمفتاح غرفة من ثلاثة أرقام تبتدئ برقم 6 وقال : "استقل المصعد، الطابق السادس". ما أن فتحت باب الغرفة حتى رأيت البحر من نافذة ممتدة من يمين الغرفة إلى يسارها. تركت أمتعتي وأخرجت رأسي من النافذة الضخمة وتمعنت لمدة في ألوان البحر وامتداد الشاطئ وحركية البواخر... ها هو ذا سر عشقي لطنجة...خصصت صبيحة اليوم الدراسي للمداخلات والمسائية للورشات. أحببت اللقاء بالسيدة المديرة وبأساتذتي السابقين وجالستهم بالقاعة المخصصة للأساتذة، كما أحببت اللقاء بالطلبة الذين استمتعوا بأطوار ورشة كان هدفها التحفيز والتوعية بأهمية التواصل وسحره...وكعادتي قررت ألا أنسحب من طنجة في ليلة وضحاها، وطلبت تمديداً شرط البقاء في نفس الغرفة. تزامن كل ذلك مع انفراج مالي قبل أقل من أسبوع...كنت قد توصلت أخيراً بمستحقاتي الأولى كأستاذ بجامعة القاضي عياض بعد 22 شهراً من الانتظار.
الفرق بين الأمس واليوم كما الفرق بين اليوم والغد ليس سوى ليلة وضحاها...
تلكَ أمور مضت.. قد يتغير العالم بأسره بين ليلة وضحاها عندما تهب رياح التغيير...
ها هي ذي طنجة، مدينة الوصول التي لم تكن تتوفر سنة 2000 ولو على حافلات للنقل الحضري تليق بها، لم تعد اليوم تحظى ببحرين وحسب بل بميناءين، أحدهما يحتل المرتبة الأولى وطنيا من حيث حركة المسافرين والنقل الدولي وأصبحت بالفعل عروساً للشمال يسعى إلى طلب يدها أزيد من نصف المغاربة كلما حل الصيف. وها هي مدينة الانطلاق، ابن جرير، التي كانت تسمى "مدينة المستقبل" في بداية الألفية الثالثة، قد أصبحت قطباً علمياً وطنياً وقارياً، يستقطب أنجب التلاميذ والطلبة من سائر أرجاء الوطن ومن خارجه، بفضل جامعة محمد السادس المتعددة التخصصات التقنية، وثانوية الامتياز الملحقة بها.
بين تلك الرحلة الليلية واليوم، جرت مياه كثيرة تحت جسر الحياة.. مياه جرفت معها سنينًا من العمر لكنها لم تمح من الذهن ذكريات طنجة التي غيرت مجرى حياتي.. بين ليلة وضحاها.