كثيرا ما يتكلم الناس عن الشرعية، وعن غير الشرعية، وكثيرا ما نربط الشرعية، أو غير الشرعية، بنزاهة الانتخابات، أو بعدم نزاهتها. وفي معظم الأحيان، لا نذكر، ولا نجد الشروط الذاتية، والموضوعية، لإيجاد شرعية معينة، دون أن نعمل على تحديد تلك الشروط، كما لا نعمل على أجرأتها على أرض الواقع، مهما كانت التحولات التي يعرفها، بسبب ما يعرفه من تطور اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، وسياسي.
فالواقع ليس ثابتا، والتحولات لا تعرف التوقف أبدا، والتطور يلاحق كل صغيرة، وكبيرة في حياتنا، ودون إرادتنا، شئنا ذلك، أم أبينا، والحياة متغيرة باستمرار، مهما كانت القوالب التي تحكم المجتمعات البشرية جامدة، ما دام الجمود الظاهري، لا يمنع الإنسان من التطور الفكري، والاجتماعي، إلى جانب التطور الاقتصادي، مهما كانت العراقيل التي يضعها العمل السياسي في سبيل ذلك.
ونحن، غالبا ما نحكم على شيء ما، بأنه عمل شرعي، أو غير شرعي. والشرعية عندنا، تعني القبول بالفكر، والممارسة، على أنهما عمل شرعي. وغير الشرعية هنا، تعني عدم القبول بالفكر، والممارسة، على أنهما عمل غير شرعي، أو أن أحدهما شرعي، والاخر غير شرعي، أو أن الشرعي هو ما وافق عليه الشعب، وغير الشرعي هو ما لم يوافق عليه، مهما كانت النتائج المترتبة عنهما معا، أو من أحدهما.
ونحن عندما نحرص على أن يكون الاختيار شرعيا، علينا أن نحرص على أن تكون الشروط الذاتية، والموضوعية، متوفرة، لتحقيق الشرعية المطلوبة؛ لأن الشرعية في حد ذاتها، هي نتيجة لتوافر شروط ذاتية، وموضوعية معينة.
فالشروط الذاتية تقتضي:
1) أن تكون الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات حاسمة مع الفساد، والمفسدين، ومع الاستبداد، والمستبدين، وأن تنخرط في النضال ضد الفساد، والاستبداد، وضد الفاسدين، والمستبدين، وأن تعمل هذه الأحزاب على توعية الجماهير الشعبية الكادحة، بخطورة الفساد، وبخطورة المفسدين، والمستبدين.
2) أن تعمل الدولة على تطهير الإدارة المغربية من الفساد، والمفسدين، حتى تصير علاقتها مع جميع أبناء الشعب المغربي، قائمة على الاحترام المتبادل، وعلى الحق، والقانون، ودون إرشاء، أو ارتشاء، ودون وصولية، أو محسوبية، أو زبونية، حتى لا يترتب عن ذلك، تكريس أي شكل من أشكال الفساد الإداري، الذي يترتب عنه انتشار الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
3) امتناع مختلف الأحزاب، عن ممارسة الفساد السياسي، في مختلف المحطات الانتخابية، وأن لا تعمل على ترشيح الفاسدين، مهما كان لونهم، وكيفما كانت ادعاءاتهم، في أفق إقبار ما صار يعرف بالفساد السياسي، الذي يسيء إلى العملية الانتخابية برمتها، كما يسيء إلى الممارسة الديمقراطية، التي تدعي الدولة المغربية احترامها، في المحطات الانتخابية، التي تبرز الوجه الانتخابي للديمقراطية، دون بقية الأوجه الأخرى.
4) قيام أجهزة الدولة بالمراقبة الصارمة، في حق الأحزاب، والتوجهات المختلفة، التي يعرف عنها ممارستها للفساد، في أفق وضع حد لها، من أجل أن لا تستمر مصدرا للفساد السياسي.
5) امتناع الأحزاب عن توظيف الدين الإسلامي: أيديولوجيا، وسياسيا، كشكل من أشكال الفساد السياسي، الذي يعمل على استحضار الناخبين باسم الدين الإسلامي. وهو ما يمكن اعتباره مسيئا للدين الإسلامي، ومسيئا للمسلمين، ومهينا لكرامتهم، خاصة، وأن الأحزاب الموظفة للدين الإسلامي، تتحول، بفعل ذلك، إلى أحزاب مقدسة، تكفر، وتلحد كل من خالفها الرأي.
6) قيام أجهزة الدولة، بكافة الوسائل الممكنة، بمراقبة الأحزاب المختلفة، التي يمكن أن تلجأ إلى توظيف الدين الإسلامي: أيديولودجيا، وسياسيا، وإذا ثبت ذلك في حق أي حزب، ومهما كان هذا الحزب، تقوم بحظر أنشطته المختلفة، والعمل على حله.
7) منع قيام أحزاب على أساس أدلجة الدين الإسلامي، أو على أساس قبلي / عرقي، أو على أساس لغوي، أو على أساس مذهبي / ديني، حتى لا يتحول المجتمع المغربي، إلى مجتمع طائفي، يصعب فيه التخلص من الطائفية، كما يحصل في لبنان، وفي العراق، وكما يمكن أن يصير إليه الأمر في العديد من بلدان المسلمين.
8) الحرص على أن تصير الدولة المغربية، دولة للحق، والقانون، متجاوزة بذلك الدولة القائمة على أساس ديني، أو قبلي، أو عرقي، أو لغوي، وغير ذلك، مما لا وجود فيه، لا للحق، ولا للقانون، حتى تصير الدولة المغربية، دولة للحق، والقانون، ودولة للشعب المغربي، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، مراعية لتمتيعه بكافة الحقوق، ومطبقة لمختلف القوانين، على جميع المغاربة، مهما كان شأنهم، ومهما كانت مسؤولياتهم في أجهزة الدولة القائمة، أو في القطاع الخاص.
وهذه الشروط التي اعتبرناها ذاتية، لا يمكن أن توتي فعلها، إلا بتفاعلها مع شروط موضوعية، مساعدة على حسم الأحزاب مع الفساد، وعمل الدولة المغربية على تطهير الإدارة المغربية من الفساد.
وامتناع مختلف الأحزاب، عن ممارسة الفساد السياسي، ومراقبة الدولة لممارسة الأحزاب السياسية، وامتناع الأحزاب عن توظيف الدين الإسلامي: أيديولوجيا، وسياسيا، والعمل على مراقبة الدولة لها في هذا الإطار، ومنع قيام أحزاب على أساس ديني، أو قبلي، أو عرقي، أو لغوي، أو على أساس مذهب ديني معين، وتحويل الدولة المغربية إلى دولة للحق والقانون.
وهذه الشروط الموضوعية تتمثل في:
1) سيادة التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يجر المجتمع المغربي إلى الوراء، ويحول دون تقدمه، وتطوره على جميع المستويات، ولا يخدم إلا مصالح المؤسسة المخزنية، والقلة القليلة من البورجوازيين، ومن الإقطاعيين، ومن التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، والمتمتعين بالريع المخزني، الذي يصب في جيوبهم الملايين، والملايير، وناهبي المال العام، أو ثروات الشعب المغربي، وتجار المخدرات، وكل الممنوعات، والمهربين لمختلف البضائع، والسماسرة، وغيرهم، والمستفيدين من التواجد في المجالس الترابية: المحلية، والإقليمية، والجهوية، وفي البرلمان.
2) استمرار انتشار الأمية الأبجدية، وباقي أشكال الأمية الأخرى، بالإضافة إلى تدني المستوى التعليمي، المصحوب بعطالة الخريجين من مختلف المستويات، بما في ذلك حملة الماستر، والدكتوراه. وهو ما ينعكس سلبا على مستوى الشعب المغربي: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.
3) سيادة المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، في العلاقة مع الإدارة المخزنية، وفي مختلف القطاعات، مما يعبر فعله عن عمق تخلف المجتمع المغربي، الذي يفتقد الوعي بالذات، وبدوره في محاربة الفساد الإداري، وبتمتيعه بكافة حقوقه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وبفرضه لدولة الحق، والقانون.
4) إنتاج نفس ممارسة الفساد السياسي، في كل المحطات الانتخابية، مهما كان مستواها، حتى لا تتحول إلى مناسبة للتعبير عن احترام الإرادة الشعبية، ومن أجل تمكين الفاسدين، من مختلف المستويات، من الوصول إلى المؤسسات المسماة منتخبة، والتي لا يمكن أبدا احترام إرادة الشعب المغربي، نظرا للفساد الكبير، الذي يعم، وينتشر في جميع أرجاء تواجد الشعب المغربي.
5) سيادة الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي أصبح جزءا لا يتجزأ في الحياة اليومية، لمعظم أفراد المجتمع، بمن فيهم من تربطهم علاقة بالإدارة المغربية، وبالفاسدين في مختلف المحطات الانتخابية، وبممارسي الوساطة في عملية الإرشاء، والارتشاء، في مختلف الإدارات المغربية، بما فيها الإدارة التعليمية، التي يفترض فيها أن تكون تربوية، وبالإدارة الصحية، التي يفترض فيها أن تكون إنسانية، وبممارسي التجارة في المخدرات، وبمؤدلجي الدين الإسلامي، الذين يتحيزون في حكمهم، إلى ممارسي الفساد، الذين يستأسدون في ظل حكم مؤدلجي الدين الإسلامي، على الشعب المغربي.
6) سيادة الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما جعل قلة قليلة من المجتمع المغربي، تتحكم في كل شيء، وتستبد به. وهو ما جعل الشعب المغربي، محروما من التوزيع العادل للثروات المادية، والمعنوية، ومن تقديم الخدمات بالمجان، في مجالات التعليم، والصحة، بالإضافة إلى حرمان معظم أفراده من السكن اللائق، وحرمان أبنائه، وبناته من إيجاد الشغل المناسب.
7) غياب دستور ديمقراطي شعبي، يمكن جميع أفراد الشعب المغربي من المساهمة الفعلية في تدبير الشأن العام، وتمكين الشعب المغربي من السيادة على نفسه، حتى يتمكن من تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ومن أجل أن يعمل على إيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، لا وجود فيها لشيء اسمه الفساد، ولا وجود فيها للمفسدين، مهما كانت الشروط الذاتية، والموضوعية للشعب المغربي، في أفق مغرب متحرر، وديمقراطي شعبي ،يقطع مع جميع أشكال التبعية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
8) استمرار الفساد الانتخابي، في كل المحطات الانتخابية: البرلمانية، والجماعية، مما يجعل الشعب المغربي محروما من إيجاد مؤسسات تعبر عن إرادته، وتخدم مصالحه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لتصير مجالس الفساد الانتخابي، غير معبرة عن إرادة الشعب المغربي، وفي خدمة المؤسسة المخزنية، والبورجوازية، والإقطاع، والتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، وأصحاب امتيازات الريع المخزني، والأحزاب الرجعية المتخلفة، والمتمخزنة، وناهبي ثروات الشعب المغربي، وكافة مستغلي العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بالإضافة إلى الأحزاب والتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي.
وتفاعل الشروط الذاتية، والموضوعية، لا يمكن أن ينتج إلا أحد أمرين:
الأول: النضال من أجل أن تصير الممارسة الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، محترمة، عن طريق العمل على تغيير الشروط الذاتية، والموضوعية لصالحها، من أجل القطع نهائيا مع كل ما يسيء إلى الشعب المغربي، وإلى كرامة الإنسان المغربي، حتى يصير الشعب المغربي سيد نفسه، ومن أجل أن تعتمد الممارسة الديمقراطية، بمضامينها المذكورة، في حياة هذا الشعب، الذي يتمكن معظم أفراده، من المساهمة في الاختيار الحر، والنزيه، لمن يمثلهم في مختلف المؤسسات، ويخدم مصالحهم، ولمن يحكمهم كذلك.
والثاني: الإبقاء على نفس الشروط، والقبول بالفساد الإداري، والسياسي، والاستمرار في نهب ثروات الشعب المغربي، والاستمرار في حرمان أبنائه من حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية والاستمرار في مركزة الثروات المادية والمعنوية، في أيدي قلة قليلة من المحظوظين، الذين يستبدون بالحكم، وبالثروة، وببيع الخدمات، في جميع القطاعات.
ومن أجل أن يصير الاختيار شرعيا، لا بد من الأخذ بالأمر الأولي، الذي يستحضر مكانة الشعب المغربي في كل شيء، وخاصة في سيادته على نفسه، باعتبار تلك السيادة مصدر كافة السلطات، ومصدر التحرر الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ومصدر الاختيار الحر، والنزيه، لمن يمثل الشعب المغربي، ولمن يخدم مصالحه، ولمن يحكمه، لضمان الشرعية في كل المجالات، وفي جميع مناحي الحياة.