قال مصدر فرنسي كبير حضر زيارة هولاند إلى المغرب لما وراء الحدث، أن المملكة تعيش ترتيبات "حكومة وحدة وطنية" لمواجهة تحديات الاقتصاد وتطورات ملف الصحراء، مضيفا، أن الأزمة التي يتخطاها الطرفان في اللقاء "جعلت الوضع أكبر من التعديل الحكومي".
من جهة لم يرغب فرانسوا هولاند في "التخلي عن واجبه" اتجاه حلفاءه، لكن اللعب في المطبخ المغربي انتهى وعلى الشريك أن يتحمل مسؤولية خياراته، فالمغرب تأخر عن تطوير بنيات الحكم الذاتي وإن كانت الخطوات "حاسمة اتجاه الإصلاح".
من جهة أخرى، لم يناقش المغاربة الفرنسيين في كل خطواتهم بخصوص سياستهم اتجاه الصحراء "الغربية" وعندما قبلت المملكة عودة روس إلى متابعة مهامه لتسريع الحل، دافع المغرب على السرعة لإيجاد حل للقول أن مبادرته وحيدة على الطاولة، والحل فيه ترتيبات.
+++ إدارة الملك لقضية الصحراء كاملة... وحلها مسألة وقت، ومحاكمة المتورطين في إكديم إزيك عجل قرارا أمريكيا يعرفه الساسة المغاربة منذ يناير الماضي
لا يريد حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة أي مسؤولية، وعلى أي مستوى في قضية الصحراء، وترك كل المربع للملك، مما سمح ببعض الوضوح، حيث:
1 ـ قاد ياسين المنصوري عن الاستخبارات جولات التفاوض التي فشلت مع البوليساريو.
2 ـ لم يرغب رئيس الحكومة في إدارة الملف، وانضم سعد الدين العثماني إلى طاقم الملك في إدارة دبلوماسية واحدة ومنسجمة حول الملف، وهو ما دفع إلى مخاطبة طرف واحد ومباشر بخصوص هذه القضية بعد أزمة الثقة في كريستوفر روس.
3 ـ أن الملك قاد قرار عودة كريستوفر روس، وبقي ساهرا على بناء مرجعية جديدة انطلاقا من مكالمته مع بان كي مون، لكن مجلس الأمن مارس صلاحياته كاملة.
+++ حكومة وحدة وطنية تستدعيها اللحظة السياسية طريق للوصول إلى التعديل الحكومي، هدف حزب الاستقلال، وتعزيز المقاربة التشاركية لاحتواء المعارضة لأن الخوف من ارتباك المعارضة (خوفا من ترك الشارع لها) أكبر من ارتباك الحكومة، لرغبة الأحزاب في بقاء الخطاب السياسي ناقدا لاحتواء حركة 20 فبراير قوية وبدون فرامل
يذهب العمل الحكومي باتجاه القبول بالقرار الذي ينطق به الملك، ورئيس الحكومة لا يسعى إلى ولاية ثانية، بل يقبل بحكومة تنال رضى الجميع لإدارة وضعية صعبة تأكد الجميع أن حزبا واحدا لن يديرها أو يتجاوزها، وهذه الرغبة المركبة تهدف إلى مقولة رئيسة:
ـ لا يمكن لأي حزب أن يحكم المغرب، فتحريم الحزب الواحد جزء من أمن اللعبة، والدستور لا يفتح لأي حزب بإدارة الدولة المغربية.
ـ لا يمكن للحكومة أن تتدخل في القرارات الاستراتيجية التي تؤول للملك وحده، في ظل الدستور الجديد، حيث أعطت المرحلة خارطة طريق في إدارة الأزمات.
+++ حكومة وحدة وطنية خيار بيد الملك، وقد أجل هذا الخيار التعديل الحكومي وتقدم إلى القرارات الاستراتيجية للدولة
لم يعد هناك مبرر للقول إن أي قرار استراتيجي بيد رئيس الحكومة، "لقد ظهر واضحا أن رئيس الحكومة يواجه الأزمة الاقتصادية، فيما يواجه الملك أزمة الصحراء"، وهذه القناعة أوحاها تقرير دبلوماسي لدولة أجنبية.
في معرض حديث الفرنسيين، وجد المغرب نفسه أمام رئيس فرنسي يبتسم بصعوبة، ووضع فرنسي لا يمكن أن يكون إيجابيا، لأن الحرب ضد القاعدة في مالي تديرها بالأساس التكنولوجيا والتاكتيك الأمريكي، ولا يمكن لباريس أن تدعي انفرادها بقضية الصحراء ورجليها في رمال مالي.
وغير بعيد عن هولاند، في لحظة مع لحم العجل الذي أبدع في طبخه طاقم الملك، ندد أحد الوزراء بـ"التعذيب العمومي" الذي يمارسه الشعب ضد حكومة "إيرو" ـ بتعبير الفاينشال تايمز ـ تماما كما يمارس جزء من الحكومة، تعذيبه لبن كيران، لأن المغاربة آلفوا (العام زين) وهو تعبير يختزل الدعاية الكبيرة لأي حكومة تنتسب برتوكوليا للملك، وهذه المرة تنتسب له "عمليا" وبطريقة كبيرة.
لم يعد الصمت سيد الغموض في المملكة، ليصبح شيئا آخر: الكل ينتقد الفوضى، لا يتميز المسؤول عنها، وهذه "الفوضى المقصودة" سماها بن كيران لأحد المسؤولين الفرنسيين بالتشويش، "ببساطة المغرب معنا دخل الامتحان، ويريده البعض أن يسقط ونكون نحن المعلمين في القاعة ولا يريد أحد أن يذكر المدير"... تلك قصة جعلت من زيارة هولاند انكشافا لنظام من داخل فوضى التصريحات يكون فيه القرار للقصر ببساطة.
+++ تمرير الأزمة الاقتصادية بإعلان الحكومة المعدلة أو حكومة الوحدة الوطنية لمواجهة المخططات الدولية في الصحراء "الغربية" فيربح المغرب بخيار التأزيم الشامل، وفي حرب وطنية ضد كل أعداءه، إخفاء وتسترا لسائر المسؤولين عن الأزمة الاقتصادية، وأزمة تدبير قضية الصحراء "الغربية" وتبييضهم مجددا لإدارة المرحلة الحالية
هناك سيناريو أحمر يريد أن يدفع المغرب إلى التأزيم الشامل في حرب وطنية ضد العالم من بوابة الصحراء "الغربية" فتربح الرباط إخفاء كل المسؤولين عن الأزمة الاقتصادية وأزمة تدبير قضية الصحراء "الغربية" وتبييضهم مجددا لإدارة المرحلة.
وتدفع أطراف كثيرة نحو الفوضى من داخل الحكومة وخارجها، ومن داخل المعارضة، فالمسألة لا تتعلق بإرباك الحكومة لأنها تعمل، بل بإرباك المعارضة خوفا من حركة 20 فبراير أخرى، أو حركة يديرها الشارع إلى الأمام، ويختلف في دفع ثمنها:
ـ المسؤولون عما وصلت إليه الميزانية العامة.
ـ المسؤولون عما وصل إليه ملف الصحراء.
وتلك قصة يمكن الكشف عنها، عندما يدرك الأجانب أن المغرب:
ـ لا يرغب في بناء "قفزة ديموقراطية سريعة وموحية وقوية" وقد خسر من 2007 إلى منتصف 2012 تاريخ التحول الدولي، حيث طالبت الأمم المتحدة برفض أي تجسس محتمل من القوات المغربية على المينورسو قبل أن تتطور مع مخيم إكديم إزيك إلى المطالبة بتوسيع مهام المينورسو لمراقبة حقوق الإنسان.
رفع الفرنسيون الحظر عن مصطلح الصحراء "الغربية" في 2007، ولم يظهر غير ذلك، لكن المغزى اختلف بين الجغرافي والحقوقي والقانوني، ولم يحسن المغاربة لعبة إرباك الصحراويين، فالربيع الصحراوي ضرب العيون في مخيم إكديم إزيك، ولم يضرب المخيمات ولم يتمكن أحد من الركوب على أمواجه للوصول إلى إدارة "بديلة" للإقليم.
بعد ذلك ظهرت حركة 20 فبراير، وتعاطى الأمن معها كما تعاطى مع الحركة في الجنوب، ففشل الرهان، وفي لحظة وضع المغرب خياره في الثلاجة.
لا يتقدم التدبير الديموقراطي في الصحراء لغيابه في المركز، وإن رسخ الرسميون عبارة "المصداقية والجدية" في حركاتهم نحو الجميع.
قد يريد البعض الوصول إلى حالة إقليمية من عدم الاستقرار، حيث يمتزج الصراع من أجل مستقبل الديموقراطية مع مستقبل الدولة في وحدتها الترابية، ليشكل صراعا بين النوازع الديكتاتورية وبين المجتمع الدولي.
يبدو في الواقع، أن بعض الأطراف لم تفهم لماذا أجل المغرب انتقاله نحو الديموقراطية بطريقة "ممنهجة".
ويخاف العالم حاليا من تجدد الحرب في الصحراء، ويقاوم لأجل ذلك، بضغوط شديدة على الجزائر والمغرب، لأن التقارير الغربية لا تختلف عن مثل هذا الأفق، فالنظام المغربي نجح في حرب الإرهاب، والأمم المتحدة ستنجح في حماية حقوق الإنسان.
وسيكون المزيج الجديد "قويا وفعالا" ففي نهاية المطاف يريد العالم بعد حرب مالي وحل قضية الصحراء بزوغ نظام إقليمي آخر.
"كنا في لحظة صعبة بين نظام مغربي جديد ينبثق من نفسه في انتقال ديموقراطي إرادي قوي وبين نظام إقليمي جديد"، واختارت المملكة أن تغوص في منطقة رمادية.
+++ حكومة وطنية لإدارة المرحلة الصعبة بسبب الانهيار الاقتصادي وعلى صعيد ما يسمى، المس بالأمن الإقليمي المغربي، ولا متسع اليوم، لساسة شاركوا في حكومات سابقة، حيث ترى تقارير دولية أن حكومة كفاءات وطنية حل يمكن أن ينقذ المملكة، حسب رسميين يجدون أن أزمتنا أكبر من تونس التي تدير المرحلة بحكومة مختلطة من قامات وطنية وسياسية
أمام ضعف المعارضة الديموقراطية يقول مارك لينش في كتابه الأخير لم يعد مهما للحكومات سوى أن تمارس ردود المعارضة أيضا، لأن مأساة يسار الوسط العربي معقدة، حيث لاحظنا كيف انتقل حزب الاستقلال مع شباط، وبعد فترة العائلات الفاسية اليمينية إلى اليسار، وأيضا خلق لعنصر تاكتيكه على يسار أحرضان مما وفر جوا إضافيا من الارتباكات المتعددة التي تعمل بوجه معارض:
ـ للفكر الواحد الذي يمثله حزب العدالة والتنمية.
ـ لرفضه إدارة الدولة من طرف حزب، فالذي قاتلت الحركة الشعبية عليه في بدايتها تقاتل عليه الآن، وإن الوضع اختلف.
في وقت يتقدم فيه حزب العدالة والتنمية:
ـ لرفضه أن يكون "كراكيز" مرحلة محددة ولدور محدد.
ـ لرغبته في خلق قيمة مضافة.
لكن الوضع المالي والوضع في الصحراء "الغربية" يتجهان إلى رهان آخر أساسه العمل على "إعادة توجيه الأوضاع" نحو تقديرات و"براديغمات" ـ بتعبير لينش ـ تجعل العمل السياسي ينفصل عن الدولة والسلطة تنفصل عنها أيضا، في قفزة صعبة، حيث يطالب العلمانيون ـ بعد فصل الدين عن الدولة ـ بفصل السلطة التي يديرها الإسلاميون عن الدولة!
وتجد هذه القضية معناها في خلط مقصود بين المعارضة والحكم، ويتساءل المراقبون، هل هناك معنى في هذا الوضع لحكومة وحدة وطنية؟
+++ أمام هذا الارتباك في المعارضة والحكومة، هل هناك معنى لتعديل حكومي أو لحكومة وحدة وطنية، لأن التقديرات الكارثية لا يريد معها أي حزب سوى العدالة والتنمية وقامات وطنية، والملك قبلهم، تحمل مسؤوليتهم التاريخية، فهل يدير بن كيران حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع لإنجاح الرهانات الكبرى
لم يأت ما يسمى الاستقرار سوى بهبوط خطير في مؤشرات التنمية الوطنية وخسارة معركة المغرب في حقوق الانسان وعدم القدرة على تحرير المغاربة للدفاع عن مصالح بلادهم الحيوية لاحتكارها من طرف فئات ولوبيات.
إن الحديث باسم الوطن والديموقراطية لم يعد قاصرا على الذين دفعوا ثمنا لتحولات بلادهم، بل أصبح مفهوم سطحي، يعيد إنتاج السلوك القديم للدولة دون مراعاة للظرفية الحالية، وبالتالي، أصبح من الطبيعي أن يختلف موعدنا مع التغيير.
واليوم:
أ ـ خسر حزب العدالة والتنمية تحالفه مع المحافظين ولم يربح التقدميين لتركه صلاحيات واسعة للقصر.
ب ـ خسر الاسلاميون جزء من المتعاطفين، وعندما قبل بن كيران بدفاع بن عبد الله ـ الشيوعي السابق ـ عن سياسات الحكومة، وبآراء أحمد عصيد لم يعد يتقدم جيدا إلى الأمام في علاقته بالمؤسسات.
هذه القدرة على إعادة التمركز في الوسط، ستدفع ـ حزب العدالة والتنمية ـ إلى بعض التموقع الايجابي الذي يدير معه حكومة "قامات وطنية مستقلة".
+++ خسر المغرب اقتصاده وتدهور في موقعه الدولي بخصوص قضية الصحراء "الغربية"، وحكومة وحدة وطنية مفتاح تاكتيكي لتجاوز هذه الوضعية، لأن بناء مجتمع مدني صحراوي معتدل لم يظهر مفعوله بعد الإدارة السيئة لمخيم إكديم إزيك، وبناء معادلة قبلية تحكم فيها الحسن الثاني والبصري لم تعد ناجحة، والقدرة على إدارة اقتصاد ليبرالي متوحش وفاسد لم يعد ممكنا، كما تمكنت اللوبيات كل يوم من تعقيد الإصلاحات
يقول لينش: لا يمكنك تعليم شخص أن يكون لاعبا كبيرا في كرة السلة من خلال مشاهدة الفيديو، ولكن يتعين عليه المشاركة في مباريات صحيحة ونزيهة، وإلا أصبح فيديو بإخراج فانطازي.
وفي الواقع لا يمكن لحكومة وحدة وطنية أن تكون مفتاحا ميكانيكيا لكل مشاكل سيارة المغرب، لكن الطريقة في الوصول إلى إنجاز المهمة لن يكون دون ترتيبات قديرة تدفع المغرب إلى الأمام بدون اصطدام مع المجتمع الدولي.
ليس طبيعيا أن تقاتل من أجل موقع "مارق" ولا "خارق" للشرعية الدولية، وفي نفس الوقت يجب أن تكون الرباط على قدر إدارة الموقف، فالفاتورة باهظة الثمن، ولم يعد بمقدور أي نظام ديكتاتوري أن يعيش بالسيطرة على عقول الآخرين، في الداخل أو الخارج.
قدرة المغرب كبيرة، ولا تتطلب المرحلة أكثر من "قدرة على اختراق اللحظة" ـ يقول المصدر الفرنسي ـ.
وفي هذا الصدد يقول توماس فريدمان في مقاله الأخير بجريدة "نيويورك تايمز": اختفت مصادر الاستقرار القديمة، ولم تعد هناك قوة خارجية بقبضة حديدية تسعى لاحتلال هذه الدول بعد الآن.
لم يأخذ النظام السياسي المغربي، إلا بالمقولة الثانية التي عنت له ضعف الخارج في التأثير على الخرائط وعدم إمكانية صناعة دول جديدة، لكن مشكل الصحراء تحرك مجددا لأن مصادر الاستقرار القديمة انتهت، وبالطبع فإن الخارطة ستتغير، وفي هذه اللحظة يمكن أن يربح النظام أو يخسر فالفرصة ممكنة.
وبالنظر إلى كل هذا، فإن أقل الخيارات سوءا، تحقيق الديموقراطية كوصفة سريعة لاتنتظر تأويلا "ديموقراطيا" وممارسة ما فوق دستورية لسلطة معينة.
وهناك طريق واحد، هو تغيير قواعد اللعبة في الصحراء والداخل، وإلا فإن الخراب سينتصر على النظرة التقليدية غير القادرة على الرؤية الدولية والإقليمية لمغرب الغد.
من جهة لم يرغب فرانسوا هولاند في "التخلي عن واجبه" اتجاه حلفاءه، لكن اللعب في المطبخ المغربي انتهى وعلى الشريك أن يتحمل مسؤولية خياراته، فالمغرب تأخر عن تطوير بنيات الحكم الذاتي وإن كانت الخطوات "حاسمة اتجاه الإصلاح".
من جهة أخرى، لم يناقش المغاربة الفرنسيين في كل خطواتهم بخصوص سياستهم اتجاه الصحراء "الغربية" وعندما قبلت المملكة عودة روس إلى متابعة مهامه لتسريع الحل، دافع المغرب على السرعة لإيجاد حل للقول أن مبادرته وحيدة على الطاولة، والحل فيه ترتيبات.
+++ إدارة الملك لقضية الصحراء كاملة... وحلها مسألة وقت، ومحاكمة المتورطين في إكديم إزيك عجل قرارا أمريكيا يعرفه الساسة المغاربة منذ يناير الماضي
لا يريد حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة أي مسؤولية، وعلى أي مستوى في قضية الصحراء، وترك كل المربع للملك، مما سمح ببعض الوضوح، حيث:
1 ـ قاد ياسين المنصوري عن الاستخبارات جولات التفاوض التي فشلت مع البوليساريو.
2 ـ لم يرغب رئيس الحكومة في إدارة الملف، وانضم سعد الدين العثماني إلى طاقم الملك في إدارة دبلوماسية واحدة ومنسجمة حول الملف، وهو ما دفع إلى مخاطبة طرف واحد ومباشر بخصوص هذه القضية بعد أزمة الثقة في كريستوفر روس.
3 ـ أن الملك قاد قرار عودة كريستوفر روس، وبقي ساهرا على بناء مرجعية جديدة انطلاقا من مكالمته مع بان كي مون، لكن مجلس الأمن مارس صلاحياته كاملة.
+++ حكومة وحدة وطنية تستدعيها اللحظة السياسية طريق للوصول إلى التعديل الحكومي، هدف حزب الاستقلال، وتعزيز المقاربة التشاركية لاحتواء المعارضة لأن الخوف من ارتباك المعارضة (خوفا من ترك الشارع لها) أكبر من ارتباك الحكومة، لرغبة الأحزاب في بقاء الخطاب السياسي ناقدا لاحتواء حركة 20 فبراير قوية وبدون فرامل
يذهب العمل الحكومي باتجاه القبول بالقرار الذي ينطق به الملك، ورئيس الحكومة لا يسعى إلى ولاية ثانية، بل يقبل بحكومة تنال رضى الجميع لإدارة وضعية صعبة تأكد الجميع أن حزبا واحدا لن يديرها أو يتجاوزها، وهذه الرغبة المركبة تهدف إلى مقولة رئيسة:
ـ لا يمكن لأي حزب أن يحكم المغرب، فتحريم الحزب الواحد جزء من أمن اللعبة، والدستور لا يفتح لأي حزب بإدارة الدولة المغربية.
ـ لا يمكن للحكومة أن تتدخل في القرارات الاستراتيجية التي تؤول للملك وحده، في ظل الدستور الجديد، حيث أعطت المرحلة خارطة طريق في إدارة الأزمات.
+++ حكومة وحدة وطنية خيار بيد الملك، وقد أجل هذا الخيار التعديل الحكومي وتقدم إلى القرارات الاستراتيجية للدولة
لم يعد هناك مبرر للقول إن أي قرار استراتيجي بيد رئيس الحكومة، "لقد ظهر واضحا أن رئيس الحكومة يواجه الأزمة الاقتصادية، فيما يواجه الملك أزمة الصحراء"، وهذه القناعة أوحاها تقرير دبلوماسي لدولة أجنبية.
في معرض حديث الفرنسيين، وجد المغرب نفسه أمام رئيس فرنسي يبتسم بصعوبة، ووضع فرنسي لا يمكن أن يكون إيجابيا، لأن الحرب ضد القاعدة في مالي تديرها بالأساس التكنولوجيا والتاكتيك الأمريكي، ولا يمكن لباريس أن تدعي انفرادها بقضية الصحراء ورجليها في رمال مالي.
وغير بعيد عن هولاند، في لحظة مع لحم العجل الذي أبدع في طبخه طاقم الملك، ندد أحد الوزراء بـ"التعذيب العمومي" الذي يمارسه الشعب ضد حكومة "إيرو" ـ بتعبير الفاينشال تايمز ـ تماما كما يمارس جزء من الحكومة، تعذيبه لبن كيران، لأن المغاربة آلفوا (العام زين) وهو تعبير يختزل الدعاية الكبيرة لأي حكومة تنتسب برتوكوليا للملك، وهذه المرة تنتسب له "عمليا" وبطريقة كبيرة.
لم يعد الصمت سيد الغموض في المملكة، ليصبح شيئا آخر: الكل ينتقد الفوضى، لا يتميز المسؤول عنها، وهذه "الفوضى المقصودة" سماها بن كيران لأحد المسؤولين الفرنسيين بالتشويش، "ببساطة المغرب معنا دخل الامتحان، ويريده البعض أن يسقط ونكون نحن المعلمين في القاعة ولا يريد أحد أن يذكر المدير"... تلك قصة جعلت من زيارة هولاند انكشافا لنظام من داخل فوضى التصريحات يكون فيه القرار للقصر ببساطة.
+++ تمرير الأزمة الاقتصادية بإعلان الحكومة المعدلة أو حكومة الوحدة الوطنية لمواجهة المخططات الدولية في الصحراء "الغربية" فيربح المغرب بخيار التأزيم الشامل، وفي حرب وطنية ضد كل أعداءه، إخفاء وتسترا لسائر المسؤولين عن الأزمة الاقتصادية، وأزمة تدبير قضية الصحراء "الغربية" وتبييضهم مجددا لإدارة المرحلة الحالية
هناك سيناريو أحمر يريد أن يدفع المغرب إلى التأزيم الشامل في حرب وطنية ضد العالم من بوابة الصحراء "الغربية" فتربح الرباط إخفاء كل المسؤولين عن الأزمة الاقتصادية وأزمة تدبير قضية الصحراء "الغربية" وتبييضهم مجددا لإدارة المرحلة.
وتدفع أطراف كثيرة نحو الفوضى من داخل الحكومة وخارجها، ومن داخل المعارضة، فالمسألة لا تتعلق بإرباك الحكومة لأنها تعمل، بل بإرباك المعارضة خوفا من حركة 20 فبراير أخرى، أو حركة يديرها الشارع إلى الأمام، ويختلف في دفع ثمنها:
ـ المسؤولون عما وصلت إليه الميزانية العامة.
ـ المسؤولون عما وصل إليه ملف الصحراء.
وتلك قصة يمكن الكشف عنها، عندما يدرك الأجانب أن المغرب:
ـ لا يرغب في بناء "قفزة ديموقراطية سريعة وموحية وقوية" وقد خسر من 2007 إلى منتصف 2012 تاريخ التحول الدولي، حيث طالبت الأمم المتحدة برفض أي تجسس محتمل من القوات المغربية على المينورسو قبل أن تتطور مع مخيم إكديم إزيك إلى المطالبة بتوسيع مهام المينورسو لمراقبة حقوق الإنسان.
رفع الفرنسيون الحظر عن مصطلح الصحراء "الغربية" في 2007، ولم يظهر غير ذلك، لكن المغزى اختلف بين الجغرافي والحقوقي والقانوني، ولم يحسن المغاربة لعبة إرباك الصحراويين، فالربيع الصحراوي ضرب العيون في مخيم إكديم إزيك، ولم يضرب المخيمات ولم يتمكن أحد من الركوب على أمواجه للوصول إلى إدارة "بديلة" للإقليم.
بعد ذلك ظهرت حركة 20 فبراير، وتعاطى الأمن معها كما تعاطى مع الحركة في الجنوب، ففشل الرهان، وفي لحظة وضع المغرب خياره في الثلاجة.
لا يتقدم التدبير الديموقراطي في الصحراء لغيابه في المركز، وإن رسخ الرسميون عبارة "المصداقية والجدية" في حركاتهم نحو الجميع.
قد يريد البعض الوصول إلى حالة إقليمية من عدم الاستقرار، حيث يمتزج الصراع من أجل مستقبل الديموقراطية مع مستقبل الدولة في وحدتها الترابية، ليشكل صراعا بين النوازع الديكتاتورية وبين المجتمع الدولي.
يبدو في الواقع، أن بعض الأطراف لم تفهم لماذا أجل المغرب انتقاله نحو الديموقراطية بطريقة "ممنهجة".
ويخاف العالم حاليا من تجدد الحرب في الصحراء، ويقاوم لأجل ذلك، بضغوط شديدة على الجزائر والمغرب، لأن التقارير الغربية لا تختلف عن مثل هذا الأفق، فالنظام المغربي نجح في حرب الإرهاب، والأمم المتحدة ستنجح في حماية حقوق الإنسان.
وسيكون المزيج الجديد "قويا وفعالا" ففي نهاية المطاف يريد العالم بعد حرب مالي وحل قضية الصحراء بزوغ نظام إقليمي آخر.
"كنا في لحظة صعبة بين نظام مغربي جديد ينبثق من نفسه في انتقال ديموقراطي إرادي قوي وبين نظام إقليمي جديد"، واختارت المملكة أن تغوص في منطقة رمادية.
+++ حكومة وطنية لإدارة المرحلة الصعبة بسبب الانهيار الاقتصادي وعلى صعيد ما يسمى، المس بالأمن الإقليمي المغربي، ولا متسع اليوم، لساسة شاركوا في حكومات سابقة، حيث ترى تقارير دولية أن حكومة كفاءات وطنية حل يمكن أن ينقذ المملكة، حسب رسميين يجدون أن أزمتنا أكبر من تونس التي تدير المرحلة بحكومة مختلطة من قامات وطنية وسياسية
أمام ضعف المعارضة الديموقراطية يقول مارك لينش في كتابه الأخير لم يعد مهما للحكومات سوى أن تمارس ردود المعارضة أيضا، لأن مأساة يسار الوسط العربي معقدة، حيث لاحظنا كيف انتقل حزب الاستقلال مع شباط، وبعد فترة العائلات الفاسية اليمينية إلى اليسار، وأيضا خلق لعنصر تاكتيكه على يسار أحرضان مما وفر جوا إضافيا من الارتباكات المتعددة التي تعمل بوجه معارض:
ـ للفكر الواحد الذي يمثله حزب العدالة والتنمية.
ـ لرفضه إدارة الدولة من طرف حزب، فالذي قاتلت الحركة الشعبية عليه في بدايتها تقاتل عليه الآن، وإن الوضع اختلف.
في وقت يتقدم فيه حزب العدالة والتنمية:
ـ لرفضه أن يكون "كراكيز" مرحلة محددة ولدور محدد.
ـ لرغبته في خلق قيمة مضافة.
لكن الوضع المالي والوضع في الصحراء "الغربية" يتجهان إلى رهان آخر أساسه العمل على "إعادة توجيه الأوضاع" نحو تقديرات و"براديغمات" ـ بتعبير لينش ـ تجعل العمل السياسي ينفصل عن الدولة والسلطة تنفصل عنها أيضا، في قفزة صعبة، حيث يطالب العلمانيون ـ بعد فصل الدين عن الدولة ـ بفصل السلطة التي يديرها الإسلاميون عن الدولة!
وتجد هذه القضية معناها في خلط مقصود بين المعارضة والحكم، ويتساءل المراقبون، هل هناك معنى في هذا الوضع لحكومة وحدة وطنية؟
+++ أمام هذا الارتباك في المعارضة والحكومة، هل هناك معنى لتعديل حكومي أو لحكومة وحدة وطنية، لأن التقديرات الكارثية لا يريد معها أي حزب سوى العدالة والتنمية وقامات وطنية، والملك قبلهم، تحمل مسؤوليتهم التاريخية، فهل يدير بن كيران حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع لإنجاح الرهانات الكبرى
لم يأت ما يسمى الاستقرار سوى بهبوط خطير في مؤشرات التنمية الوطنية وخسارة معركة المغرب في حقوق الانسان وعدم القدرة على تحرير المغاربة للدفاع عن مصالح بلادهم الحيوية لاحتكارها من طرف فئات ولوبيات.
إن الحديث باسم الوطن والديموقراطية لم يعد قاصرا على الذين دفعوا ثمنا لتحولات بلادهم، بل أصبح مفهوم سطحي، يعيد إنتاج السلوك القديم للدولة دون مراعاة للظرفية الحالية، وبالتالي، أصبح من الطبيعي أن يختلف موعدنا مع التغيير.
واليوم:
أ ـ خسر حزب العدالة والتنمية تحالفه مع المحافظين ولم يربح التقدميين لتركه صلاحيات واسعة للقصر.
ب ـ خسر الاسلاميون جزء من المتعاطفين، وعندما قبل بن كيران بدفاع بن عبد الله ـ الشيوعي السابق ـ عن سياسات الحكومة، وبآراء أحمد عصيد لم يعد يتقدم جيدا إلى الأمام في علاقته بالمؤسسات.
هذه القدرة على إعادة التمركز في الوسط، ستدفع ـ حزب العدالة والتنمية ـ إلى بعض التموقع الايجابي الذي يدير معه حكومة "قامات وطنية مستقلة".
+++ خسر المغرب اقتصاده وتدهور في موقعه الدولي بخصوص قضية الصحراء "الغربية"، وحكومة وحدة وطنية مفتاح تاكتيكي لتجاوز هذه الوضعية، لأن بناء مجتمع مدني صحراوي معتدل لم يظهر مفعوله بعد الإدارة السيئة لمخيم إكديم إزيك، وبناء معادلة قبلية تحكم فيها الحسن الثاني والبصري لم تعد ناجحة، والقدرة على إدارة اقتصاد ليبرالي متوحش وفاسد لم يعد ممكنا، كما تمكنت اللوبيات كل يوم من تعقيد الإصلاحات
يقول لينش: لا يمكنك تعليم شخص أن يكون لاعبا كبيرا في كرة السلة من خلال مشاهدة الفيديو، ولكن يتعين عليه المشاركة في مباريات صحيحة ونزيهة، وإلا أصبح فيديو بإخراج فانطازي.
وفي الواقع لا يمكن لحكومة وحدة وطنية أن تكون مفتاحا ميكانيكيا لكل مشاكل سيارة المغرب، لكن الطريقة في الوصول إلى إنجاز المهمة لن يكون دون ترتيبات قديرة تدفع المغرب إلى الأمام بدون اصطدام مع المجتمع الدولي.
ليس طبيعيا أن تقاتل من أجل موقع "مارق" ولا "خارق" للشرعية الدولية، وفي نفس الوقت يجب أن تكون الرباط على قدر إدارة الموقف، فالفاتورة باهظة الثمن، ولم يعد بمقدور أي نظام ديكتاتوري أن يعيش بالسيطرة على عقول الآخرين، في الداخل أو الخارج.
قدرة المغرب كبيرة، ولا تتطلب المرحلة أكثر من "قدرة على اختراق اللحظة" ـ يقول المصدر الفرنسي ـ.
وفي هذا الصدد يقول توماس فريدمان في مقاله الأخير بجريدة "نيويورك تايمز": اختفت مصادر الاستقرار القديمة، ولم تعد هناك قوة خارجية بقبضة حديدية تسعى لاحتلال هذه الدول بعد الآن.
لم يأخذ النظام السياسي المغربي، إلا بالمقولة الثانية التي عنت له ضعف الخارج في التأثير على الخرائط وعدم إمكانية صناعة دول جديدة، لكن مشكل الصحراء تحرك مجددا لأن مصادر الاستقرار القديمة انتهت، وبالطبع فإن الخارطة ستتغير، وفي هذه اللحظة يمكن أن يربح النظام أو يخسر فالفرصة ممكنة.
وبالنظر إلى كل هذا، فإن أقل الخيارات سوءا، تحقيق الديموقراطية كوصفة سريعة لاتنتظر تأويلا "ديموقراطيا" وممارسة ما فوق دستورية لسلطة معينة.
وهناك طريق واحد، هو تغيير قواعد اللعبة في الصحراء والداخل، وإلا فإن الخراب سينتصر على النظرة التقليدية غير القادرة على الرؤية الدولية والإقليمية لمغرب الغد.