نظمت الودادية الحسنية للقضاة بشراكة مع مجلة سلسلة الاجتهاد القضائي وماستر التوثيق والعقار بكلية الحقوق بمراكش، ندوة علمية حول موضوع: " دور التكوين في إصلاح منظومة العدالة " يومه الأربعاء 17 يوليوز 2013 على الساعة العاشرة والنصف ليلا بقاعة الندوات بمركب الاصطياف التابع للمؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي وزارة العدل والحريات بمراكش.
وعرفت الندوة عدة مداخلات بدءا بالكلمة الافتتاحية للأستاذ عبد العزيز وقيدي الكاتب العام للودادية الحسنية للقضاة وكانت كما يلي:
الكلمة الافتتاحية للأستاذ عبد العزيز وقيدي
الحضور الكريم؛
اسمحوا لي أن أعبر لكم عن اعتزازي الكبير برئاسة هذه الجلسة العلمية الهامة بحضور هذه الثلة الطيبة والنخبة المتميزة من نساء ورجال أسرة العدالة.
هذا اللقاء الذي نعبر من خلاله جميعا عن إحساس كبير بالمسؤولية الوطنية وإرادة جدية من أجل المساهمة في الورش الإصلاحي الكبير الذي وضع أسسه وخارطة طريقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
لا شك أننا نعيش الآن مرحلة جديد ورهانا كبيرا ألا وهو تنزيل مضامين الدستور الجديد وهو ما يقتضي وجود قضاء مستقل، كفؤ، قوي، نزيه.
هذه المعايير والكفاءات لن تتوافر إذا لم نواجه المشاكل التي يثيرها موضوع هذا اللقاء العلمي اليوم أي " التكوين أو التأهيل".
كما لا يخفى عليكم فإننا نواجه اليوم العديد من التحديات والتحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية المتسارعة وظهور مفاهيم ونظريات جديدة ومنازعات ومساطر معقدة وقضايا وجرائم تقنية مركبة، مما يتطلب منه مواكبة مستمرة ومتلاحقة وتكوينا مستمرا في مجالات شتى، حتى لا يصبح مهددا بخطر التجاوز والجهل وعاجزا عن تحقيق النجاعة المطلوبة والأمن القضائي الواجب. ومن هذا المنطلق فإن أغلب التشريعات الوطنية أصبحت واعية بضرورة تأهيل القضاة والمبادرة إلى تكوينهم بما يسمح لهم بتحقيق مجموعة من الأهداف يأتي على رأسها تكريس الثقة لدى المواطن خاصة أمام ما أصبح يعرف اليوم بأزمة مرفق العدالة وظهور بدائل غير قضائية لحل المنازعات.
إذن مسألة التأهيل هاته تطرح العديد من التساؤلات والإشكاليات وتفرض مجموعة من المقاربات والمناهج والحلول، سنحاول من خلال هذا اللقاء العلمي الهام أن نبرز بعض جوانبها ونقدم بعض التصورات والاقتراحات بشأنها قصد المساهمة في بلورة مخطط مضبوط وشامل لإصلاح العدالة ببلادنا.
ويسعدني أن أعطي الكلمة تباعا للسادة المتدخلين الذين شرفونا بالحضور وتكبدوا عناء ومشقة الإعداد لهذا اللقاء ليكون في مستوى التطلعات وأبدأ بالسيد رئيس الودادية الحسنية للقضاة...
مداخلة السيد رئيس ماستر التوثيق والعقار بكلية الحقوق بمراكش الأستاد جمال النعيمي حول موضوع:
" تحديث التكوين كمدخل لإصلاح منظومة العدالة "
لا شك أن انفتاح الودادية الحسنية للقضاة على محيطها العلمي والحقوقي يجعلها منبرا رحبا للتواصل، وفضاء لاحتضان قضاة المملكة، وقوة اقتراحية في مجال تأهيل القضاء، بشكل يساهم بفعالية في إثراء الحقل القضائي، وذلك بتوسيع المدارك العلمية والآفاق الثقافية لمنخرطيها من القضاة والقاضيات من خلال الندوات واللقاءات التي دأبت على تنظيمها في ربوع المملكة.
غير أن أهمية هذا اللقاء تكمن في الطابع الدقيق لموضوع التكوين باعتباره مناط الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، وأن تأهيل الفاعلين في هذا المجال يستلزم مواكبة التطورات الداخلية والانفتاح على التجارب الدولية في ضوء التحولات الاقتصادية والاجتماعية العالمية.
ولعل هذه المبادرة العلمية الطيبة، تعكس الرغبة الحثيتة لكافة المنابر المنظمة لهذا اللقاء في تطوير الشراكات البناءة والهادفة، إيمانا من الجميع بأن أهمية التكوين تظهر جليا من خلال الأحكام القضائية التي تدعم حقوق وحريات المواطنين المكفولة دستويا، وتعتمد على تفسير النصوص بما يحقق العدل والإنصاف والاستقرار داخل المجتمع. لذا فإن هذا التكوين يحتاج دوما إلى تحديثه وتأهيل قضاته حتى يواكب المنتوج القضائي التطور السريع الذي يشهده بلدنا في عدة ميادين، ويحقق النجاعة القضائية من خلال جودة الأحكام ونزاهتها، ويعكس نوعية القضاء المغربي وما يشتمل عليه من اجتهاد في الرأي، وابتكار في التكوين، ويكرس لا محالة الأمن القضائي للمواطن الذي لا يقل أهمية في الظروف الحالية عن الأمن الغذائي والأمن السياسي والأمن الاجتماعي، وهذا ما يحتم على كافة مكونات العدالة الانخراط الذاتي في تحديث التكوين وتطوير شخصية العدالة بشكل يحافظ على مناخ الثقة والمصداقية في السلطة القضائية من طرف المتقاضين داخل المجتمع.
ومن جهة أخرى، فإنه يجب تطوير برامج التكوين الأساسي في الكليات وجعلها مستجيبة لحاجيات منظومة العدالة، على اعتبار أن الجامعات هي القاطرة الأساسية لتكوين أجيال الغد وإعداد أطر المستقبل علميا وأخلاقيا حتى يكونوا مؤهلين لخدمة مصالح المواطن الذي يتطلع دوما إلى عدالة أفضل.
كما أنه يتعين تأهيل المعاهد المتخصصة في مجال التكوين والتدريب، وذلك بتجهيزها بأحدث التقنيات المعمول بها دوليا حتى نرتقي بالقضاء المغربي إلى مصاف الدول المتقدمة وتكريس المكانة الدستورية للسلطة القضائية.
ذلك أن المواطن المغربي يريد تمييزا بين ما هو تقني وفني، وبين ما هو سياسي، وبين ما هو قانوني. فالقضاء مثل أية قضية لا يجب تفرقتها من الناحية المنهجية، فهي في الحقيقة كل متماسك. فعندما يتم الحديث عن إصلاح القضاء، يُطرح السؤال: ما هي الأمور التي يجب أن تحظى بالأولوية في الاصلاح؟
أعتقد أنه يجب الاهتمام بالتكوين كمدخل حقيقي وجوهري للإصلاح، واعتماد المعايير الدولية في الاختبارات الذهنية والفكرية والأخلاقية والنفسية عند اختيار المرشحين لمنصب القضاء وذلك من أجل التأكد من القدرة الفعلية على مزاولة مهامهم، ومدى توفرهم على المناعة ضد الفساد. كما يجب أن تندرج الأخلاق في برامج التكوين المعتمدة في الجامعات، كما هو الشأن بالنسبة لمدونة القيم القضائية التي تدرس بالمعهد العالي للقضاء. هذا فضلا على أن القاضي الجديد يتعين أن يحظى بتأطير ومراقبة مستمرة من حيث الأخلاق والتكوين العملي من طرف المسؤول القضائي للمحكمة التي يشتغل بها حتى يتم مساعدته على صقل وظيفته وتمكنه من صنعة وفقه القضاء من خلال ضبطه لقواعد وتقنيات تحرير الأحكام القضائية التي تعتبر الوسيلة الوحيد لإقناع الخصوم وتحديد مؤشر الثقة في السلطة القضائية.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن القضاء في العالم عرف تطورا كبيرا باستعمال المعلوميات كوسيلة أساسية للبحث والتواصل، لذا فلا يمكن الحديث عن إصلاح القضاء دون الحديث عن إصلاح المحكمة باعتبارها الفضاء الوحيد الذي يعكس مظهر العدالة. فبالرغم من التغييرات التي يمكن القيام بها من طرف وزارة العدل، فإن المواطن لا ينتبه إلا للسير العام بالمحكمة ووتيرته: هل هي بطيئة أم سريعة؟ وهل تم تذليل الصعاب المطروحة بشأن التبليغ والتنفيذ؟ وهل يمكنه سحب نسخة من الحكم فور النطق به أم أنه يتم النطق بالحكم قبل تحريره؟
فذلك هو هاجس المواطن المغربي الذي كلما توجه إلى المحكمة يأمل أن يجد حسن الاستقبال والفعالية في التعامل مع قضيته، وأن يكون الحكم عادلا ومطابقا للقانون، وأن يتمكن من استيفاء حقه من خلال مساطر التنفيذ داخل أجل معقول يعكس عدالة القرب والسرعة، حتى لا يترك المجال للمتربصين بحقل العدالة من الاستفادة من البطء الذي يعرفه مسار القضايا بشكل عام داخل محاكم المملكة.
لذلك، فإنه ينبغي تفعيل مبادئ مدونة القيم القضائية ذات الصلة بالتكوين والأخلاق على مستوى الواقع، والتفكير في إقامة علاقة شفافة بين المبادئ العشرة، باعتبار أن ورش إصلاح القضاء شاق، ولا يتعلق فيه الأمر بوصفة جاهزة من جهة، ومادامت ضرورة الارتقاء بتبني استراتيجية في هذا السياق ليست بالأمر الهين من جهة أخرى، فالتكوين يعتبر أحد القواسم المشتركة لمبادئ مدونة القيم التي تشكل منظومة موحدة تقتضي من الجميع الانخراط الفعلي والتفاعل الإيجابي معها في أفق استشراف غد قضائي واعد، فالأمر يتطلب تعبئة شاملة لا تقتصر على أسرة القضاء ومحيط العدالة، وإنما تعني كل المتتبعين للشأن القضائي بمن فيهم المواطن الذي يجب أن يتشبع بقيم المواطنة التي تستلزم احترام القضاة باعتبارهم حماة الأموال والأعراض والأمن والحريات.
والسلام عليكم ورحمة الله
مداخلة المدير المسؤول عن مجلة سلسلة الاجتهاد القضائي ذ النقيب ابراهيم صادوق المحامي بهيئة مراكش.
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد،
الحضور الكريم،
أود في البداية أن أفتخر من هذا المنبر بالانفتاح الإيجابي للودادية الحسنية للقضاة على كافة الهيئات والمنابر العلمية من أجل تدارس موضوع التكوين ودوره في إصلاح منظومة العدالة.
كما أنوه باستجابة ماستر التوثيق والعقار بمراكش في شخص رئيسه ذ النعيمي لهذه الشراكة التاريخية، وأشيد في نفس الوقت بمجهودات أعضاء مجلة سلسلة الاجتهاد القضائي الذين كان لهم الفضل في الإعداد والتنسيق لهذا اللقاء العلمي الذي يجمع بين نخبة المثقفين والباحثين والممارسين في حقل العدالة.
ولا يخفى على الجميع، إيجابية هذا اللقاء العلمي الذي ينعقد في مرحلة دقيقة بين الحقوقيين والباحثين في الشأن القضائي المناقشة أهمية التكوين في منظومة الإصلاح، وذلك بالنظر للتحولات التي يعرفها المجتمع الدولي، وتفرض لزاما على القاضي والمحامي والباحث وباقي مكونات أسرة العدالة مسايرة تلك المتغيرات والمستجدات حتى يكون كل واحد من موقعه مؤهلا لأن يكون في مستوى مواجهة التحديات.
وجدير بالذكر أن التلازم بين القضاء والدفاع، يفرض على الجهات المعنية تأهيلهما معا من خلال تكوين أساسي جيد في فترة التكوين والتدريب، وتوفير الظروف الملائمة لتكوين مستمر يستجيب لحاجيات جناحي العدالة كما هو الشأن بالنسبة للدول المتقدمة. إذ إن القضاء القوي يحتاج إلى الدفاع القوي حتى يؤدي كل منهما الرسالة الملقاة على عاتقه، وأن هيبة الدولة بكاملها تستمد من هيبة السلطة القضائية، باعتبارها ملاذ الناس في ضمان حقوقهم، وملاذ المظلومين في رفع الظلم عنهم. وأن هذه الصلة المتصلة بين الجمهور والقضاء، وهذا الأمل في الوصول إلى الحق عن طريق القضاء، وهذه الثقة التامة في توزيع العدل بين الناس، وضع القضاء موضوع المهابة والقدسية، وجعل بابه مفتوحا للجميع يلجه كل راغب في التماس الحق مهما كان مركزه حسبما جاء في الخطاب الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مساء يوم الخميس 20 غشت 2009، إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال56 لثورة الملك والشعب الذي ورد فيه ما يلي:
" .... وإننا نعتبر القضاء عمادا لما نحرص عليه من مساواة المواطنين أمام القانون، وملاذا للإنصاف، الموطد للاستقرار الاجتماعي. بل إن قوة شرعية الدولة نفسها، وحرمة مؤسساتها من قوة العدل، الذي هو أساس الملك..." . ( انتهى النطق الملكي ).
وفي هذا الإطار، فإنه يجب الاعتزاز بقضاة المملكة الشريفة نساء ورجالا عن اجتهاداتهم القضائية المتميزة التي تشكل تراثا قضائيا وعلميا رصينا، ومرجعا عمليا لكل ممارس ومتتبع للمسار القضائي المغربي في استنباط الحلول المناسبة للقضايا التي يفرزها واقع المجتمع، ومرآة حقيقية للفكر النير والتأصيل المتحضر المنسجم مع غاية المشرع وروح العصر، مما يعكس حتما سمو ونبل وأخلاق الشرفاء والفضلاء في تقلد رسالة العدل لتحقيق العدالة بين الخصوم وإقناع الجميع بجودة أحكامهم وتكريس مصداقية السلطة القضائية واطمئنان المواطنين إليها وثقتهم فيها.
كما أن تباين المواقف القضائية في بعض المسائل الخلافية لا يمكن اعتباره اضطرابا في الاجتهاد، وإنما هو تنوع في التأصيل والتفسير، والاجتهاد في الرأي والابتكار في التكوين المنفتح داخل مدارس فقه القضاء، من أجل استكمال النقص أو استيضاح الغموض الذي يطال التشريع عن طريق إعمال ضوابط الاجتهاد وأدلة أصول الفقه الإسلامي، والرقي بالاجتهاد القضائي المغربي من دوره التقليدي المتمثل في تحقيق التوازن الطبيعي بين أفراد المجتمع إلى اعتباره أحد الدعائم الأساسية للتنمية الاقتصادية وجعله قريبا من المتقاضين ومؤتمنا على سيادة القانون وإحقاق الحقوق ورفع المظالم.
وإذا كانت جرأة الاجتهاد القضائي المغربي وتعليلات أحكامه تشرف السلطة القضائية من خلال تأسيسها وترسيخها لبعض المبادئ والمفاهيم التي تهدف إلى تحقيق عدالة أفضل، فإنها تجعل من القضاء فعلا لأن يكون مؤتمنا على سمو دستور المملكة، وسيادة قوانينها، وحماية حقوق والتزامات المواطنة، بدليل أن القضاء المغربي عمل على تفعيل مقتضيات الفصل 118 من الدستور لقبول الطعن في قرارات المحافظ العقاري الرافضة للتعرض خارج الأجل، رغم أن هذا النوع من القرارات محصن من الطعن القضائي بصريح الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري.
ولا يفوتنا أن نشير إلى أن اجتهاد قضاء محكمة النقض أسس لمجموعة من القواعد القضائية من بينها أن دعاوى المطالبة بالتعويض عن الاعتداء المادي على عقارات الخواص من طرف الدولة وغيرها من الأشخاص المعنوية العامة لا تخضع لقواعد التقادم، بالنظر إلى افتقارها للشرعية التي يجب أن تسهر الأشخاص المذكورة على احترامها، ما دامت تشكل فعل غصب واعتداء على حق الملكية العقارية المضمون دستوريا، وبالتالي فلا يمكنها الاحتماء بالتقادم لحرمان أصحابها من الحصول على التعويض عن الضرر اللاحق بهم من جراء اعتداءها المذكور.
وفي الختام، فإننا إذ نجدد تشكراتنا للحضور الكريم، وكل من ساهم في تنظيم هذا اللقاء العلمي المتميز، فإنه يتعين علينا جميعا كل من موقعه المزيد من الجهد والتضحية للانخراط في ورش إصلاح منظومة العدالة لكونه مسؤولية وطنية، لتأهيل الفاعلين في ميدان العدالة، مع اعتبار أشغال هذه الندوة مساهمة متواضعة للانخراط في ورش الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، تنضاف إلى المجهودات المبذولة من طرف الهيئة الوطنية للحوار من أجل جعل القضاء منفتحا على محيطه وفي خدمة المواطنين.
ملخص مداخلة الأستاذ محمد الخضراوي منسق لجنة الشباب بالودادية الحسنية للقضاة
أوضح الأستاذ الخضراوي أن اللقاء يكتسي أهمية بالغة سواء على المستوى الدولي أو الوطني، موضحا أن مجموعة من الاتفاقيات الدولية والتنظيمات الأوروبية والعربية والإفريقية تهتم بالإشكاليات التي يطرحها التكوين القانوني والقضائي، معطيا المثال بشبكة لشبونة وبالمجلس الاستشاري للقضاة الأوروبيين والمركز العربي للبحوث القانونية مما يعكس محورية هذا الموضوع في إصلاح منظومة العدالة ببلادنا التي تعرف مرحلة دقيقة الآن خاصة بعد دستور 2011 الذي يؤسس لمجتمع ديموقراطي حداثي يعتبر القضاء أحد أعمدته باعتباره هو الضامن للحقوق والحريات وللمواطنة والمساواة وأنه أصبح على عاتقه الآن الحفاظ على الأمن القضائي مشددا على مسألتين المسؤولية والمحاسبة وعلى دسترة الخطأ القضائي وهي كلها إشكاليات تزداد حدة مع التحديات الجديدة التي تفرضها العولمة وتفرضها جودة الخدمات القضائية.
وقد ركز بعد ذلك بمداخلته على علاقة التكوين بثقة المواطن في المؤسسة القضائية، مقترحا إعادة النظر في شروط ولوج القضاء وعلى ضرورة إدخال مواضيع جديدة في التكوين كالأخلاقيات القضائية وعلم التواصل وعلم الاجتماع والتدبير الإداري.
كما تساءل الأستاذ الخضراوي عن الجهة المسؤولة عن التكوين هل هي الجامعة أم الدولة أم الجمعيات المهنية أم القاضي نفسه أو كل هؤلاء؟
كما طرح إشكالية الحق والواجب خالصا إلى أن الدولة لا بد أن ترصد ميزانية هامة للتكوين وعلى أن القضاة بدورهم لا بد أن يبادروا بتلقائية لتوسيع مداركهم وآفاقهم الثقافية والعلمية والعملية، موضحا أن مسألة الاختيارية والإجبارية في التكوين طرحت على المستوى الأوربي واختلفت بشأنها التجارب والآراء موصيا بالجمع بينهما.
وتناول في الأخير إشكالية فعالية التكوين مبرزا أثر الأزمة الاقتصادية على هذا الموضوع وكذا غياب معايير التقييم والمراقبة، مطالبا في الأخير بضرورة وضع خطة استراتيجية برؤية واضحة وآليات محددة وأهداف مسطرة داخل حيز زمني محدد وبميزانية كافية والكل من خلال مقاربة تشاركية تبدأ من الجامعة والدولة بصفة عامة والجمعيات المهنية، مضيفا أن المهم هو سيادة ثقافة التكوين داخل المجتمع.
واختتمت الندوة ببيان صحفي جاء كما يلي :
البيان الصحفي الختامي
عقدت الودادية الحسنية للقضاة بشراكة مع مجلة سلسلة الاجتهاد القضائي وماستر التوثيق والعقار بمراكش ندوة علمية حول موضوع : " دور التكوين في إصلاح منظومة العدالة " يوم الأربعاء 17 يوليوز 2013 على الساعة العاشرة والنصف ليلا بقاعة الندوات بمركب الاصطياف التابع للمؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي وزارة العدل والحريات بمراكش.
وأشاد كافة المتدخلين بهذه المبادرة العلمية الطيبة التي تدل حقيقة على الإرادة الجادة للودادية الحسنية للقضاة في فتح آفاق التعاون المشترك والاستفادة من كافة المنابر العلمية وتجارب الماستر الرائدة، لا سيما وأن تزامن هذه الندوة مع الذكرى الثانية للدستور المغربي يعكس التفاعل الإيجابي مع مضامينه ويرسخ روابط الشراكة البناءة وتنويع علاقات التبادل العلمي.
وأضاف المتدخلون بأن هذا اللقاء ينعقد في مرحلة دقيقة بين نخبة الحقوقيين والباحثين في الشأن القضائي لتدارس موضوع يكتسي أهمية بالغة في ظل التحولات التي يعرفها المجتمع الدولي، وتفرض لزاما على القاضي والمحامي والباحث وكافة مكونات منظومة العدالة مسايرة تلك المتغيرات والمستجدات حتى يكون كل واحد من موقعه مؤهلا لأن يكون في مستوى مواجهة التحديات، ويعكس رغبة الجميع في الانخراط في ورش إصلاح منظومة العدالة باعتباره مسؤولية وطنية.
وقد أسفرت مداخلات هذا اللقاء وما تلته من نقاشات على تبني إصدار وثيقة تحمل إسم إعلان مراكش، تتضمن التوصيات التالية:
1- وضع خطة استراتيجية شاملة بتصور عام للتكوين ببلادنا يأخذ بعين الاعتبار أولويات المرحلة واحتياجاتها ويوفر له كافة الإمكانات المادية واللوجيستيكية.
2- ضرورة إدراج مادة الأخلاقيات في برامج التكوين المعتمدة في كليات الحقوق حتى يتم تهيئ الطالب بشكل تدريجي في استيعاب القيم والأخلاق المهنية من جهة، والمساهمة في تخليق الحياة العامة من جهة أخرى.
3- التركيز على أهمية مدونة القيم عند انتقاء الملحقين القضائيين، والأخذ بعين الاعتبار ضرورة الاستعانة بالخبراء في علوم النفس والاجتماع والسلوك، مع إعادة النظر في شرط التكوين لقبولهم بالمعهد العالي للقضاء ومدة التكوين وبرامجه وكذا طريقة إدماج المتخرجين في سلك القضاء.
4- وضع المعهد العالي للقضاء تحت إشراف السلطة القضائية وتمكينها من الاستقلال الإداري والمالي من أجل الارتقاء بها إلى مؤسسة علمية حديثة ومنفتحة وقادرة على الاطلاع بالأدوار المنوطة بها.
5- التعجيل بإخراج معاهد تكوين المحامين والموثقين وكافة مكونات أسرة العدالة إلى حيز الوجود حتى يمكنها الاطلاع بدورها في الإشراف على التكوين الأساسي والتخصصي.
6- الاهتمام باللغات وتقنيات المعلوميات والتكوين المستمر لتمكين أسرة العدالة من مواكبة مستجدات القوانين والتشريعات والمساطر القضائية.
7- الدعوة إلى خلق شراكة حقيقية مع كليات الحقوق ليتمكن طلبة الماستر من الاطلاع بالملوس على تجربة المحاكم وعمل كتابة الضبط وتأهيلهم لفتح مسارات علمية واضحة وتنمية مداركهم العلمية.
8- التأهيل العلمي للقضاة وباقي مكونات منظومة العدالة من خلال تسهيل الولوج إلى صف الماستر والدكتوراه عبر شراكات حقيقية وبناءة وهادفة تجسد انفتاح الجامعة على محيط العدالة.
9- تطبيق نظام التقييم والمراقبة، لتقييم فعالية برامج التكوين القضائي لمعرفة مدى مساهمتها في تحسن الأداء القضائي وتحقيق النجاعة القضائية.
10- العمل على تتبع القاضي بعد تعيينه بالمحكمة من خلال التكوين المستمر عبر ندوات وطنية ومحلية ذات الصلة بالشأن القضائي للرفع من جودة الأحكام القضائية.
11- حث المسؤولين القضائيين على مساعدة القاضي الجديد وتأطيره على مستوى الأخلاق والقيم القضائية والتكوين العملي حتى يتمكن من ضبط تقنيات تحرير الأحكام وصقل صنعة وفقه القضاء.
وعرفت الندوة عدة مداخلات بدءا بالكلمة الافتتاحية للأستاذ عبد العزيز وقيدي الكاتب العام للودادية الحسنية للقضاة وكانت كما يلي:
الكلمة الافتتاحية للأستاذ عبد العزيز وقيدي
الحضور الكريم؛
اسمحوا لي أن أعبر لكم عن اعتزازي الكبير برئاسة هذه الجلسة العلمية الهامة بحضور هذه الثلة الطيبة والنخبة المتميزة من نساء ورجال أسرة العدالة.
هذا اللقاء الذي نعبر من خلاله جميعا عن إحساس كبير بالمسؤولية الوطنية وإرادة جدية من أجل المساهمة في الورش الإصلاحي الكبير الذي وضع أسسه وخارطة طريقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
لا شك أننا نعيش الآن مرحلة جديد ورهانا كبيرا ألا وهو تنزيل مضامين الدستور الجديد وهو ما يقتضي وجود قضاء مستقل، كفؤ، قوي، نزيه.
هذه المعايير والكفاءات لن تتوافر إذا لم نواجه المشاكل التي يثيرها موضوع هذا اللقاء العلمي اليوم أي " التكوين أو التأهيل".
كما لا يخفى عليكم فإننا نواجه اليوم العديد من التحديات والتحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية المتسارعة وظهور مفاهيم ونظريات جديدة ومنازعات ومساطر معقدة وقضايا وجرائم تقنية مركبة، مما يتطلب منه مواكبة مستمرة ومتلاحقة وتكوينا مستمرا في مجالات شتى، حتى لا يصبح مهددا بخطر التجاوز والجهل وعاجزا عن تحقيق النجاعة المطلوبة والأمن القضائي الواجب. ومن هذا المنطلق فإن أغلب التشريعات الوطنية أصبحت واعية بضرورة تأهيل القضاة والمبادرة إلى تكوينهم بما يسمح لهم بتحقيق مجموعة من الأهداف يأتي على رأسها تكريس الثقة لدى المواطن خاصة أمام ما أصبح يعرف اليوم بأزمة مرفق العدالة وظهور بدائل غير قضائية لحل المنازعات.
إذن مسألة التأهيل هاته تطرح العديد من التساؤلات والإشكاليات وتفرض مجموعة من المقاربات والمناهج والحلول، سنحاول من خلال هذا اللقاء العلمي الهام أن نبرز بعض جوانبها ونقدم بعض التصورات والاقتراحات بشأنها قصد المساهمة في بلورة مخطط مضبوط وشامل لإصلاح العدالة ببلادنا.
ويسعدني أن أعطي الكلمة تباعا للسادة المتدخلين الذين شرفونا بالحضور وتكبدوا عناء ومشقة الإعداد لهذا اللقاء ليكون في مستوى التطلعات وأبدأ بالسيد رئيس الودادية الحسنية للقضاة...
مداخلة السيد رئيس ماستر التوثيق والعقار بكلية الحقوق بمراكش الأستاد جمال النعيمي حول موضوع:
" تحديث التكوين كمدخل لإصلاح منظومة العدالة "
لا شك أن انفتاح الودادية الحسنية للقضاة على محيطها العلمي والحقوقي يجعلها منبرا رحبا للتواصل، وفضاء لاحتضان قضاة المملكة، وقوة اقتراحية في مجال تأهيل القضاء، بشكل يساهم بفعالية في إثراء الحقل القضائي، وذلك بتوسيع المدارك العلمية والآفاق الثقافية لمنخرطيها من القضاة والقاضيات من خلال الندوات واللقاءات التي دأبت على تنظيمها في ربوع المملكة.
غير أن أهمية هذا اللقاء تكمن في الطابع الدقيق لموضوع التكوين باعتباره مناط الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، وأن تأهيل الفاعلين في هذا المجال يستلزم مواكبة التطورات الداخلية والانفتاح على التجارب الدولية في ضوء التحولات الاقتصادية والاجتماعية العالمية.
ولعل هذه المبادرة العلمية الطيبة، تعكس الرغبة الحثيتة لكافة المنابر المنظمة لهذا اللقاء في تطوير الشراكات البناءة والهادفة، إيمانا من الجميع بأن أهمية التكوين تظهر جليا من خلال الأحكام القضائية التي تدعم حقوق وحريات المواطنين المكفولة دستويا، وتعتمد على تفسير النصوص بما يحقق العدل والإنصاف والاستقرار داخل المجتمع. لذا فإن هذا التكوين يحتاج دوما إلى تحديثه وتأهيل قضاته حتى يواكب المنتوج القضائي التطور السريع الذي يشهده بلدنا في عدة ميادين، ويحقق النجاعة القضائية من خلال جودة الأحكام ونزاهتها، ويعكس نوعية القضاء المغربي وما يشتمل عليه من اجتهاد في الرأي، وابتكار في التكوين، ويكرس لا محالة الأمن القضائي للمواطن الذي لا يقل أهمية في الظروف الحالية عن الأمن الغذائي والأمن السياسي والأمن الاجتماعي، وهذا ما يحتم على كافة مكونات العدالة الانخراط الذاتي في تحديث التكوين وتطوير شخصية العدالة بشكل يحافظ على مناخ الثقة والمصداقية في السلطة القضائية من طرف المتقاضين داخل المجتمع.
ومن جهة أخرى، فإنه يجب تطوير برامج التكوين الأساسي في الكليات وجعلها مستجيبة لحاجيات منظومة العدالة، على اعتبار أن الجامعات هي القاطرة الأساسية لتكوين أجيال الغد وإعداد أطر المستقبل علميا وأخلاقيا حتى يكونوا مؤهلين لخدمة مصالح المواطن الذي يتطلع دوما إلى عدالة أفضل.
كما أنه يتعين تأهيل المعاهد المتخصصة في مجال التكوين والتدريب، وذلك بتجهيزها بأحدث التقنيات المعمول بها دوليا حتى نرتقي بالقضاء المغربي إلى مصاف الدول المتقدمة وتكريس المكانة الدستورية للسلطة القضائية.
ذلك أن المواطن المغربي يريد تمييزا بين ما هو تقني وفني، وبين ما هو سياسي، وبين ما هو قانوني. فالقضاء مثل أية قضية لا يجب تفرقتها من الناحية المنهجية، فهي في الحقيقة كل متماسك. فعندما يتم الحديث عن إصلاح القضاء، يُطرح السؤال: ما هي الأمور التي يجب أن تحظى بالأولوية في الاصلاح؟
أعتقد أنه يجب الاهتمام بالتكوين كمدخل حقيقي وجوهري للإصلاح، واعتماد المعايير الدولية في الاختبارات الذهنية والفكرية والأخلاقية والنفسية عند اختيار المرشحين لمنصب القضاء وذلك من أجل التأكد من القدرة الفعلية على مزاولة مهامهم، ومدى توفرهم على المناعة ضد الفساد. كما يجب أن تندرج الأخلاق في برامج التكوين المعتمدة في الجامعات، كما هو الشأن بالنسبة لمدونة القيم القضائية التي تدرس بالمعهد العالي للقضاء. هذا فضلا على أن القاضي الجديد يتعين أن يحظى بتأطير ومراقبة مستمرة من حيث الأخلاق والتكوين العملي من طرف المسؤول القضائي للمحكمة التي يشتغل بها حتى يتم مساعدته على صقل وظيفته وتمكنه من صنعة وفقه القضاء من خلال ضبطه لقواعد وتقنيات تحرير الأحكام القضائية التي تعتبر الوسيلة الوحيد لإقناع الخصوم وتحديد مؤشر الثقة في السلطة القضائية.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن القضاء في العالم عرف تطورا كبيرا باستعمال المعلوميات كوسيلة أساسية للبحث والتواصل، لذا فلا يمكن الحديث عن إصلاح القضاء دون الحديث عن إصلاح المحكمة باعتبارها الفضاء الوحيد الذي يعكس مظهر العدالة. فبالرغم من التغييرات التي يمكن القيام بها من طرف وزارة العدل، فإن المواطن لا ينتبه إلا للسير العام بالمحكمة ووتيرته: هل هي بطيئة أم سريعة؟ وهل تم تذليل الصعاب المطروحة بشأن التبليغ والتنفيذ؟ وهل يمكنه سحب نسخة من الحكم فور النطق به أم أنه يتم النطق بالحكم قبل تحريره؟
فذلك هو هاجس المواطن المغربي الذي كلما توجه إلى المحكمة يأمل أن يجد حسن الاستقبال والفعالية في التعامل مع قضيته، وأن يكون الحكم عادلا ومطابقا للقانون، وأن يتمكن من استيفاء حقه من خلال مساطر التنفيذ داخل أجل معقول يعكس عدالة القرب والسرعة، حتى لا يترك المجال للمتربصين بحقل العدالة من الاستفادة من البطء الذي يعرفه مسار القضايا بشكل عام داخل محاكم المملكة.
لذلك، فإنه ينبغي تفعيل مبادئ مدونة القيم القضائية ذات الصلة بالتكوين والأخلاق على مستوى الواقع، والتفكير في إقامة علاقة شفافة بين المبادئ العشرة، باعتبار أن ورش إصلاح القضاء شاق، ولا يتعلق فيه الأمر بوصفة جاهزة من جهة، ومادامت ضرورة الارتقاء بتبني استراتيجية في هذا السياق ليست بالأمر الهين من جهة أخرى، فالتكوين يعتبر أحد القواسم المشتركة لمبادئ مدونة القيم التي تشكل منظومة موحدة تقتضي من الجميع الانخراط الفعلي والتفاعل الإيجابي معها في أفق استشراف غد قضائي واعد، فالأمر يتطلب تعبئة شاملة لا تقتصر على أسرة القضاء ومحيط العدالة، وإنما تعني كل المتتبعين للشأن القضائي بمن فيهم المواطن الذي يجب أن يتشبع بقيم المواطنة التي تستلزم احترام القضاة باعتبارهم حماة الأموال والأعراض والأمن والحريات.
والسلام عليكم ورحمة الله
مداخلة المدير المسؤول عن مجلة سلسلة الاجتهاد القضائي ذ النقيب ابراهيم صادوق المحامي بهيئة مراكش.
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد،
الحضور الكريم،
أود في البداية أن أفتخر من هذا المنبر بالانفتاح الإيجابي للودادية الحسنية للقضاة على كافة الهيئات والمنابر العلمية من أجل تدارس موضوع التكوين ودوره في إصلاح منظومة العدالة.
كما أنوه باستجابة ماستر التوثيق والعقار بمراكش في شخص رئيسه ذ النعيمي لهذه الشراكة التاريخية، وأشيد في نفس الوقت بمجهودات أعضاء مجلة سلسلة الاجتهاد القضائي الذين كان لهم الفضل في الإعداد والتنسيق لهذا اللقاء العلمي الذي يجمع بين نخبة المثقفين والباحثين والممارسين في حقل العدالة.
ولا يخفى على الجميع، إيجابية هذا اللقاء العلمي الذي ينعقد في مرحلة دقيقة بين الحقوقيين والباحثين في الشأن القضائي المناقشة أهمية التكوين في منظومة الإصلاح، وذلك بالنظر للتحولات التي يعرفها المجتمع الدولي، وتفرض لزاما على القاضي والمحامي والباحث وباقي مكونات أسرة العدالة مسايرة تلك المتغيرات والمستجدات حتى يكون كل واحد من موقعه مؤهلا لأن يكون في مستوى مواجهة التحديات.
وجدير بالذكر أن التلازم بين القضاء والدفاع، يفرض على الجهات المعنية تأهيلهما معا من خلال تكوين أساسي جيد في فترة التكوين والتدريب، وتوفير الظروف الملائمة لتكوين مستمر يستجيب لحاجيات جناحي العدالة كما هو الشأن بالنسبة للدول المتقدمة. إذ إن القضاء القوي يحتاج إلى الدفاع القوي حتى يؤدي كل منهما الرسالة الملقاة على عاتقه، وأن هيبة الدولة بكاملها تستمد من هيبة السلطة القضائية، باعتبارها ملاذ الناس في ضمان حقوقهم، وملاذ المظلومين في رفع الظلم عنهم. وأن هذه الصلة المتصلة بين الجمهور والقضاء، وهذا الأمل في الوصول إلى الحق عن طريق القضاء، وهذه الثقة التامة في توزيع العدل بين الناس، وضع القضاء موضوع المهابة والقدسية، وجعل بابه مفتوحا للجميع يلجه كل راغب في التماس الحق مهما كان مركزه حسبما جاء في الخطاب الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، مساء يوم الخميس 20 غشت 2009، إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال56 لثورة الملك والشعب الذي ورد فيه ما يلي:
" .... وإننا نعتبر القضاء عمادا لما نحرص عليه من مساواة المواطنين أمام القانون، وملاذا للإنصاف، الموطد للاستقرار الاجتماعي. بل إن قوة شرعية الدولة نفسها، وحرمة مؤسساتها من قوة العدل، الذي هو أساس الملك..." . ( انتهى النطق الملكي ).
وفي هذا الإطار، فإنه يجب الاعتزاز بقضاة المملكة الشريفة نساء ورجالا عن اجتهاداتهم القضائية المتميزة التي تشكل تراثا قضائيا وعلميا رصينا، ومرجعا عمليا لكل ممارس ومتتبع للمسار القضائي المغربي في استنباط الحلول المناسبة للقضايا التي يفرزها واقع المجتمع، ومرآة حقيقية للفكر النير والتأصيل المتحضر المنسجم مع غاية المشرع وروح العصر، مما يعكس حتما سمو ونبل وأخلاق الشرفاء والفضلاء في تقلد رسالة العدل لتحقيق العدالة بين الخصوم وإقناع الجميع بجودة أحكامهم وتكريس مصداقية السلطة القضائية واطمئنان المواطنين إليها وثقتهم فيها.
كما أن تباين المواقف القضائية في بعض المسائل الخلافية لا يمكن اعتباره اضطرابا في الاجتهاد، وإنما هو تنوع في التأصيل والتفسير، والاجتهاد في الرأي والابتكار في التكوين المنفتح داخل مدارس فقه القضاء، من أجل استكمال النقص أو استيضاح الغموض الذي يطال التشريع عن طريق إعمال ضوابط الاجتهاد وأدلة أصول الفقه الإسلامي، والرقي بالاجتهاد القضائي المغربي من دوره التقليدي المتمثل في تحقيق التوازن الطبيعي بين أفراد المجتمع إلى اعتباره أحد الدعائم الأساسية للتنمية الاقتصادية وجعله قريبا من المتقاضين ومؤتمنا على سيادة القانون وإحقاق الحقوق ورفع المظالم.
وإذا كانت جرأة الاجتهاد القضائي المغربي وتعليلات أحكامه تشرف السلطة القضائية من خلال تأسيسها وترسيخها لبعض المبادئ والمفاهيم التي تهدف إلى تحقيق عدالة أفضل، فإنها تجعل من القضاء فعلا لأن يكون مؤتمنا على سمو دستور المملكة، وسيادة قوانينها، وحماية حقوق والتزامات المواطنة، بدليل أن القضاء المغربي عمل على تفعيل مقتضيات الفصل 118 من الدستور لقبول الطعن في قرارات المحافظ العقاري الرافضة للتعرض خارج الأجل، رغم أن هذا النوع من القرارات محصن من الطعن القضائي بصريح الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري.
ولا يفوتنا أن نشير إلى أن اجتهاد قضاء محكمة النقض أسس لمجموعة من القواعد القضائية من بينها أن دعاوى المطالبة بالتعويض عن الاعتداء المادي على عقارات الخواص من طرف الدولة وغيرها من الأشخاص المعنوية العامة لا تخضع لقواعد التقادم، بالنظر إلى افتقارها للشرعية التي يجب أن تسهر الأشخاص المذكورة على احترامها، ما دامت تشكل فعل غصب واعتداء على حق الملكية العقارية المضمون دستوريا، وبالتالي فلا يمكنها الاحتماء بالتقادم لحرمان أصحابها من الحصول على التعويض عن الضرر اللاحق بهم من جراء اعتداءها المذكور.
وفي الختام، فإننا إذ نجدد تشكراتنا للحضور الكريم، وكل من ساهم في تنظيم هذا اللقاء العلمي المتميز، فإنه يتعين علينا جميعا كل من موقعه المزيد من الجهد والتضحية للانخراط في ورش إصلاح منظومة العدالة لكونه مسؤولية وطنية، لتأهيل الفاعلين في ميدان العدالة، مع اعتبار أشغال هذه الندوة مساهمة متواضعة للانخراط في ورش الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، تنضاف إلى المجهودات المبذولة من طرف الهيئة الوطنية للحوار من أجل جعل القضاء منفتحا على محيطه وفي خدمة المواطنين.
ملخص مداخلة الأستاذ محمد الخضراوي منسق لجنة الشباب بالودادية الحسنية للقضاة
أوضح الأستاذ الخضراوي أن اللقاء يكتسي أهمية بالغة سواء على المستوى الدولي أو الوطني، موضحا أن مجموعة من الاتفاقيات الدولية والتنظيمات الأوروبية والعربية والإفريقية تهتم بالإشكاليات التي يطرحها التكوين القانوني والقضائي، معطيا المثال بشبكة لشبونة وبالمجلس الاستشاري للقضاة الأوروبيين والمركز العربي للبحوث القانونية مما يعكس محورية هذا الموضوع في إصلاح منظومة العدالة ببلادنا التي تعرف مرحلة دقيقة الآن خاصة بعد دستور 2011 الذي يؤسس لمجتمع ديموقراطي حداثي يعتبر القضاء أحد أعمدته باعتباره هو الضامن للحقوق والحريات وللمواطنة والمساواة وأنه أصبح على عاتقه الآن الحفاظ على الأمن القضائي مشددا على مسألتين المسؤولية والمحاسبة وعلى دسترة الخطأ القضائي وهي كلها إشكاليات تزداد حدة مع التحديات الجديدة التي تفرضها العولمة وتفرضها جودة الخدمات القضائية.
وقد ركز بعد ذلك بمداخلته على علاقة التكوين بثقة المواطن في المؤسسة القضائية، مقترحا إعادة النظر في شروط ولوج القضاء وعلى ضرورة إدخال مواضيع جديدة في التكوين كالأخلاقيات القضائية وعلم التواصل وعلم الاجتماع والتدبير الإداري.
كما تساءل الأستاذ الخضراوي عن الجهة المسؤولة عن التكوين هل هي الجامعة أم الدولة أم الجمعيات المهنية أم القاضي نفسه أو كل هؤلاء؟
كما طرح إشكالية الحق والواجب خالصا إلى أن الدولة لا بد أن ترصد ميزانية هامة للتكوين وعلى أن القضاة بدورهم لا بد أن يبادروا بتلقائية لتوسيع مداركهم وآفاقهم الثقافية والعلمية والعملية، موضحا أن مسألة الاختيارية والإجبارية في التكوين طرحت على المستوى الأوربي واختلفت بشأنها التجارب والآراء موصيا بالجمع بينهما.
وتناول في الأخير إشكالية فعالية التكوين مبرزا أثر الأزمة الاقتصادية على هذا الموضوع وكذا غياب معايير التقييم والمراقبة، مطالبا في الأخير بضرورة وضع خطة استراتيجية برؤية واضحة وآليات محددة وأهداف مسطرة داخل حيز زمني محدد وبميزانية كافية والكل من خلال مقاربة تشاركية تبدأ من الجامعة والدولة بصفة عامة والجمعيات المهنية، مضيفا أن المهم هو سيادة ثقافة التكوين داخل المجتمع.
واختتمت الندوة ببيان صحفي جاء كما يلي :
البيان الصحفي الختامي
عقدت الودادية الحسنية للقضاة بشراكة مع مجلة سلسلة الاجتهاد القضائي وماستر التوثيق والعقار بمراكش ندوة علمية حول موضوع : " دور التكوين في إصلاح منظومة العدالة " يوم الأربعاء 17 يوليوز 2013 على الساعة العاشرة والنصف ليلا بقاعة الندوات بمركب الاصطياف التابع للمؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي وزارة العدل والحريات بمراكش.
وأشاد كافة المتدخلين بهذه المبادرة العلمية الطيبة التي تدل حقيقة على الإرادة الجادة للودادية الحسنية للقضاة في فتح آفاق التعاون المشترك والاستفادة من كافة المنابر العلمية وتجارب الماستر الرائدة، لا سيما وأن تزامن هذه الندوة مع الذكرى الثانية للدستور المغربي يعكس التفاعل الإيجابي مع مضامينه ويرسخ روابط الشراكة البناءة وتنويع علاقات التبادل العلمي.
وأضاف المتدخلون بأن هذا اللقاء ينعقد في مرحلة دقيقة بين نخبة الحقوقيين والباحثين في الشأن القضائي لتدارس موضوع يكتسي أهمية بالغة في ظل التحولات التي يعرفها المجتمع الدولي، وتفرض لزاما على القاضي والمحامي والباحث وكافة مكونات منظومة العدالة مسايرة تلك المتغيرات والمستجدات حتى يكون كل واحد من موقعه مؤهلا لأن يكون في مستوى مواجهة التحديات، ويعكس رغبة الجميع في الانخراط في ورش إصلاح منظومة العدالة باعتباره مسؤولية وطنية.
وقد أسفرت مداخلات هذا اللقاء وما تلته من نقاشات على تبني إصدار وثيقة تحمل إسم إعلان مراكش، تتضمن التوصيات التالية:
1- وضع خطة استراتيجية شاملة بتصور عام للتكوين ببلادنا يأخذ بعين الاعتبار أولويات المرحلة واحتياجاتها ويوفر له كافة الإمكانات المادية واللوجيستيكية.
2- ضرورة إدراج مادة الأخلاقيات في برامج التكوين المعتمدة في كليات الحقوق حتى يتم تهيئ الطالب بشكل تدريجي في استيعاب القيم والأخلاق المهنية من جهة، والمساهمة في تخليق الحياة العامة من جهة أخرى.
3- التركيز على أهمية مدونة القيم عند انتقاء الملحقين القضائيين، والأخذ بعين الاعتبار ضرورة الاستعانة بالخبراء في علوم النفس والاجتماع والسلوك، مع إعادة النظر في شرط التكوين لقبولهم بالمعهد العالي للقضاء ومدة التكوين وبرامجه وكذا طريقة إدماج المتخرجين في سلك القضاء.
4- وضع المعهد العالي للقضاء تحت إشراف السلطة القضائية وتمكينها من الاستقلال الإداري والمالي من أجل الارتقاء بها إلى مؤسسة علمية حديثة ومنفتحة وقادرة على الاطلاع بالأدوار المنوطة بها.
5- التعجيل بإخراج معاهد تكوين المحامين والموثقين وكافة مكونات أسرة العدالة إلى حيز الوجود حتى يمكنها الاطلاع بدورها في الإشراف على التكوين الأساسي والتخصصي.
6- الاهتمام باللغات وتقنيات المعلوميات والتكوين المستمر لتمكين أسرة العدالة من مواكبة مستجدات القوانين والتشريعات والمساطر القضائية.
7- الدعوة إلى خلق شراكة حقيقية مع كليات الحقوق ليتمكن طلبة الماستر من الاطلاع بالملوس على تجربة المحاكم وعمل كتابة الضبط وتأهيلهم لفتح مسارات علمية واضحة وتنمية مداركهم العلمية.
8- التأهيل العلمي للقضاة وباقي مكونات منظومة العدالة من خلال تسهيل الولوج إلى صف الماستر والدكتوراه عبر شراكات حقيقية وبناءة وهادفة تجسد انفتاح الجامعة على محيط العدالة.
9- تطبيق نظام التقييم والمراقبة، لتقييم فعالية برامج التكوين القضائي لمعرفة مدى مساهمتها في تحسن الأداء القضائي وتحقيق النجاعة القضائية.
10- العمل على تتبع القاضي بعد تعيينه بالمحكمة من خلال التكوين المستمر عبر ندوات وطنية ومحلية ذات الصلة بالشأن القضائي للرفع من جودة الأحكام القضائية.
11- حث المسؤولين القضائيين على مساعدة القاضي الجديد وتأطيره على مستوى الأخلاق والقيم القضائية والتكوين العملي حتى يتمكن من ضبط تقنيات تحرير الأحكام وصقل صنعة وفقه القضاء.