حينما نشرح الواضح ونبسط البسيط، تمتنع الكلمات، وتأبى الفكرة أن تتغلف بصورة الأدب. هي كلمات مندفعة على وزن الألم، هي حواشي لمؤلف كاد أن يموت في العقول، هي شروحات تخاطب الذات قبل أن تتوجه لمن يهمه الأمر. يتساءل كثير من الناس عن أسباب نزول حركة 20 فبراير، بعضهم بسذاجة المظلوم الذي لا يعي .ظلمه، والبعض الأخر بغباء مفتعل يمكن الغاصب من فريسته. هذه بعض الأجوبة، نسوقها تباعا كما أحسسناها، لكنها تلزمنا وحدنا.
لماذا خرجنا ونخرج للشارع؟
لم نخرج لأننا "خوارج" لم نرض بالتحكيم، وهو في هذه الحالة انتخابات تقتضي الاختيار، قاطعناها ودعونا لمقاطعتها لسببين اثنين:
أولهما: الدستور الذي يؤطرها دستور لا يضمن الديمقراطية كما درسوها لنا في مادة التربية على المواطنة، وحلمنا أننا سنعيشها حينما نكبر. ديمقراطية مازلنا نراجع مفاهيمها مع أبنائنا على كراساتهم، فيحرجوننا بسؤالهم الشقي: "حكم الشعب نفسه بنفسه ، وجميع السلطات مصدرها الشعب، والقضاء مستقل، وحرية الرأي والتعبير مكفولة و...لماذا يدرسوننا هذه الأشياء ولا يطبقونها؟ "
نحس بغبن عميق، ونحن نسمع حكايات أهالينا، المهاجرين في أوروبا، كلما عادوا، عن احترام الإنسان هناك، وضمان الحقوق، وتقديس حرية الرأي، وعن محاسبة الرئيس والوزير والموظف، فلا يستقيم لنا بعد ذلك نوم.
الدستور الذي يحكمنا لا يستجيب لأدنى معايير النواميس الديمقراطية لا في الشكل ولا في المضمون، لم يستشرنا أحد في صياغته، واعتمدوا معنا فيه منطق القافلة تسير )عفوا نحن مواطنون أذكياء(، انتهجوا معنا فيه حكمة تقطير الحقوق" جرعة جرعة " وكأننا صغار سنكسر لعبة الديمقراطية إن هم أهدوها لنا دفعة واحدة.
ثانيهما: حتى وإن قبلنا بالدستور، فإن الانتخابات تفترض الاختيار بين رموز تمثل برامج ورؤى يحملها أناس يمتهنون السياسة تطوعا وحبا في خدمة الآخرين. قلبنا أوراقهم المتشابهة في كل شيء إلا في الجودة والألوان، فلم نعثر عما يشفي الغليل أو "يجبر الخاطر" .
زوقوا المدارس والشوارع بعبارة "نحن من نختار" وأوفوا بعهدهم وانتقوا ما تشتهيه أنفسهم ومقاسات المؤسسات التي فصلها الدستور. ولنفرض جدلا أننا معنيون بتلك العبارة، لم يكن أمامنا سوى خياران: إما أن نركب الموجة معهم فنرفض الدستور ب "لا" )فنقبل ضمنا أصحاب وطريقة الصياغة ونرضخ لأغلبية 99٪( ثم نغمض الأعين ونشطب على رمز من الرموز، ونسكن مع البقية غرفة الانتظار التي سكنها آباؤنا فماتوا وفي حلوقهم غصة. وإما أن نقاطع الدستور ومعه الانتخابات، ونحتج سلميا على أمل اليوم الموعود الذي يسكننا.
لم نخرج ونردد شعاراتنا التي أزعجت مؤجري غرفة الانتظار، وأعلنت نفاذ صبر القائمين على أمرهم ليقال: هؤلاء مناضلون أشداء و أبطال مغاوير لا يهابون" البوليس والمخزن" وإنما خرجنا ونخرج:
أولا: لضيق في النفس اشتد أمره، لأنه لن تكتب لنا حياة أخرى فوق الأرض لنعيش حرية غير منقوصة، وكرامة غير مجروحة، وننعم بعدالة تكون لنا وعلينا، إن هي إلا سنوات معدودة غرست في نفوسنا توقا خاصا وشراهية لا متناهية في تنسم ريح الحرية، قد تليها سنوات أخرى، كما قد لا تليها فنتجرع من الغصة ما نال آباءنا.
ثانيا: لنفاد صبر حفر التجاعيد وصبغ الشعور بياضا. صبر تقاسمناه مع كهول وعجائز تقطعت بهم سبل الحياة، منهم من مد يده من اثر الجوع، ومنهم من لا يسأل الناس إلحافا )اسألوا النسوة اللائي يملأن القفة من بواقي الخضر ومتعفن الفواكه يوم الثلاثاء المشهود، واسألوا شيوخا يبيعون السجائر على رصيف الشارع الأنيق(.
صبر عشناه مع فتيات لهن من الذكاء ما يصنع الحاسوب والطائرة، لكنهن يتزوجن قاصرات بعد حصولهن على شهادة الابتدائي لبعد المدارس، وخراب الداخليات والعقول. عشناه مع فتيان لهم من الذكاء ما يسير قارة إفريقيا، لكنهم يرعون الأغنام نهارا، ويدخنون القنب الهندي ليلا لخلو ألقابهم من الراءات الفاسية.
صبر عايشناه مع كثير ممن ابتلى بمرض فمات وهو يعرف طريق الطبيب والدواء، ولكنه لا يملك لهما سبيلا، ومع طوابير المهمشين التي تستجدي" الأسبرين" أمام المجازر الصحية، ومع حوامل قضين حتفهن على ظهور البغال.
صبر خبرناه مع شابات وشبان أفنوا زهرة العمر في الدراسة والتحصيل، ولما طالبوا بحقهم في الشغل كان نصيبهم القمع والتنكيل والنهر والسب والشتم، كأنهم يستجدون نصيبهم من خير الوطن عند أولياء النعمة: لا هم شغلوهم ولا هم وقروهم، سلطوا عليهم زبانية البوليس ممن يسبهم ويلعن إيمانهم ويصفع كرامتهم ويدوس على عنفوانهم، والله على ما نقول شهيد.
ثالثا: لتجبر السلطة والمال على رقابنا: ترى الظالم مظلوما أمام القاضي إن كان ذا مال أو جاه، ترى العمال عبيدا في ضيعات الإقطاع ومعامل أهل الثروة. ترى أشر الأغنياء ممن جمع الثروة سلبا ونهبا، إن لم يرثها مسلوبة منهوبة ،يبيع ويشتري في سوق النخاسة كالداخل سوق الأبقار. ترى أذكاهم يشتري عقود تسيير الشأن العام بالولائم والهدايا المسمومة. أضحى المال مرادفا للسلطة، من يملك الثروة يملك حق سياسة شؤون العباد في البلدية والقروية والإقليم والجهة والوزارة والبرلمان وغيرهم.
رابعا: لغياب العدل، وسياسة تكميم الأفواه: في عصر يمكنك أن تتواصل فيه مع كل العالم )القرية الصغيرة( بنقرة واحدة، لا يمكنك التكلم عن أي شيء وعن أي أحد: رسموا لنا الخطوط الحمراء كأطفال صغار يلعبون "السيس" (La marelle) ،هذا موضوع خطير إدانته سنة، وذاك موضوع أخطر حكمه خمس سنوات، ومن الكلام ما يقتل. حينما يتكلمون يسخرون أبواقهم وإعلامهم ويطلبون منا أن نؤدي مكوس السمع والبصر التافه. وحينما نتكلم يحجزون حناجرنا ويتهموننا بزرع البلبلة والشقاق في نفوس الآمنين المطمئنين.
خامسا: مال الشعب المهدور: في الوقت الذي يموت فيه المواطنون مرضا وجوعا وجهلا، يوغل الماسكون بينابيع الثروة في السخاء مع "الفنانين" الأجانب والمهرجانات الماجنة التي لا تحمل من الثقافة إلا القشور، ويتفنن المؤتمنون على المال العام في نهبه" بشكل قانوني": هذا رئيس جماعة ظاهر ميزانيته طهر ونزاهة على الأوراق، وباطنها ملايير تحت الطاولة تصلح لتشييد المباني الفاخرة وتمويل المشاريع الخاصة، وذاك وزير يتبادل مع صديقه الهدايا بملايين الشعب، وبين هذا وذاك موظفون كبار ومتوسطون يلهفون بالمكنسة. ناهيك عن فبركة الجمعيات وتحويل الاعتمادات وخلق النوادي الرياضية وغير الرياضية إلى جانب الغش المعشعش في أوساط بعض المستثمرين ممن يمد الرسميين بالتجهيزات ومعها الرشاوي صاحبة الكلمة الفيصل.
أما الريع فحدث ولا حرج: لا يستفيد من البحر والبر وباطن الأرض إلا ذوو الحظوة والراسخون في علم التملق والتزلق والقرب من دواليب المفاتيح الكبرى.
سادسا: بنكيرن وإخوانه ومن تبعه بغير إحسان:اقتبسوا )حتى لا ندخل في باب السرقة الأدبية (شعار "إسقاط الفساد والاستبداد"، فقدموا أنفسهم رجال المرحلة بعد أن لعبوا دور حصار الأمان لحراك الشباب. فماذا أنجزوا؟ منهم من تكلم عن التماسيح والعفاريت، ومنهم من أنكر وجود معتقلي الرأي، ومنهم من طبع جزءا من لوائح الريع على سبيل الإشهار ثم توارى، ومنهم من أصلح الإعلام في منامه ثم استيقظ على أصوات أقوى منه فانكمش، ومنهم من لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه، "فهتموني ولا لا !". الدستور يكبلهم والكراسي الوتيرة أنستهم أيام الخطاب والجدال والدفاع والرجاء، صفوا مظلوميتهم، وهم على الكراسي بالنواجد ممسكون. ورقتهم بدأت تحترق لكننا باقون بإذن الله وحوله وقوته.
لماذا خرجنا ونخرج في بلدتنا؟
إضافة لما سبق، أطل علينا رجل وقور، فأغرقنا وعودا حتى ضاقت بها رفوف الجهة والعمالة والبلدية والقرويات والمدارس والمستوصفات...صدقها كثير من أهالينا وأحبابنا فانخرطوا في "الورش الكبير"، أصبح له من الأتباع الكثير: منهم القديم والجديد ومنهم الرجال والنساء. خطب الرجل في أرجاء القبيلة مصحوبا بناس لم نكن نرهم إلا على شاشات التلفاز، لم تشنف سين التسويف أسماعنا لوجود وقر حميد، لكنها أسقطت المهمشين والمحرومين في جرة عسل فارغة، لا هم ذاقوا حلاوتها، ولا هم رأوها تتكسر فينجلي حلمهم الذي ينقلب كابوسا حينما تمنع "كراريسهم" (عرباتهم) المجرورة والمدفوعة والثابتة من أداء مهامها في تأمين لقمة العيش، وكتب الصبيان، وسومة الكراء والماء والكهرباء ومستحقات القروض الصغرى.
أصبح الرجل رئيس حاضرتنا والناطق باسمنا في البرلمان، لكننا لم نر على ارض الواقع غير الإسمنت والإسفلت وشارع جميل قطع رزق محترفي الشواء، ولم يعد يستوعب مرور شاحنتين. ذهب الرجل دون أن يودعنا لكنه ترك ما ترك ومن ترك !! لله في خلقه شؤون.
سألنا الناس في دكالة و عبدة و طنجة و سوس و الصحراء وزيان و...عن أنباء حزب رئيسنا فسمعنا قصصا كقصتنا، فأيقنا أن حكايتنا تصلح لكل المغرب، وأن رواية الرحماني في الرحامنة لم تكن إلا غطاء لشيء كبير أريد للوطن الدخول فيه على حين غرة. هتف الناس ارحل، فهتفنا مع الهاتفين ارحل، فذهب الرجل دون أن يودعنا.
خرجنا في بلدتي لأن "المنتخبين" و"المعينين" كلهم شغفوا حبا بحزب رئيسنا، فلم يعد يشغلهم إلا مصلحته وحمايته، وتأمين نجاحه، و استحواذه على البرلمان والبلدية والجماعات والجمعيات والرياضة و الثقافة والإعلام.
أصبحوا يكرهوننا لأننا نذكرهم كل أحد بالنسوة اللائي يملأن القفة ببواقي الخضر ومتعفن الفواكه، والشيخ الذي يمد يده ، والطفلة والشاب الذكيان، والمعطل الواعي.
يكرهوننا لأننا نلفت انتباههم لمن يسرق "بالقانون" ليدبر حملة انتخابية سابقة لأوانها. اللهم فاشهد.
رجاء افهمونا: لا نستجدي أحدا ولا نزكي أنفسنا، إن هي إلا قلوب تهفو لوطن يسع الجميع ولا يستثني أحدا.
افهمونا أو ارمونا في البحر، فأنياب القرش ارحم مما تصنعون.
وللكلام بقيـــــــــــــــــــــــــــــــة.
لماذا خرجنا ونخرج للشارع؟
لم نخرج لأننا "خوارج" لم نرض بالتحكيم، وهو في هذه الحالة انتخابات تقتضي الاختيار، قاطعناها ودعونا لمقاطعتها لسببين اثنين:
أولهما: الدستور الذي يؤطرها دستور لا يضمن الديمقراطية كما درسوها لنا في مادة التربية على المواطنة، وحلمنا أننا سنعيشها حينما نكبر. ديمقراطية مازلنا نراجع مفاهيمها مع أبنائنا على كراساتهم، فيحرجوننا بسؤالهم الشقي: "حكم الشعب نفسه بنفسه ، وجميع السلطات مصدرها الشعب، والقضاء مستقل، وحرية الرأي والتعبير مكفولة و...لماذا يدرسوننا هذه الأشياء ولا يطبقونها؟ "
نحس بغبن عميق، ونحن نسمع حكايات أهالينا، المهاجرين في أوروبا، كلما عادوا، عن احترام الإنسان هناك، وضمان الحقوق، وتقديس حرية الرأي، وعن محاسبة الرئيس والوزير والموظف، فلا يستقيم لنا بعد ذلك نوم.
الدستور الذي يحكمنا لا يستجيب لأدنى معايير النواميس الديمقراطية لا في الشكل ولا في المضمون، لم يستشرنا أحد في صياغته، واعتمدوا معنا فيه منطق القافلة تسير )عفوا نحن مواطنون أذكياء(، انتهجوا معنا فيه حكمة تقطير الحقوق" جرعة جرعة " وكأننا صغار سنكسر لعبة الديمقراطية إن هم أهدوها لنا دفعة واحدة.
ثانيهما: حتى وإن قبلنا بالدستور، فإن الانتخابات تفترض الاختيار بين رموز تمثل برامج ورؤى يحملها أناس يمتهنون السياسة تطوعا وحبا في خدمة الآخرين. قلبنا أوراقهم المتشابهة في كل شيء إلا في الجودة والألوان، فلم نعثر عما يشفي الغليل أو "يجبر الخاطر" .
زوقوا المدارس والشوارع بعبارة "نحن من نختار" وأوفوا بعهدهم وانتقوا ما تشتهيه أنفسهم ومقاسات المؤسسات التي فصلها الدستور. ولنفرض جدلا أننا معنيون بتلك العبارة، لم يكن أمامنا سوى خياران: إما أن نركب الموجة معهم فنرفض الدستور ب "لا" )فنقبل ضمنا أصحاب وطريقة الصياغة ونرضخ لأغلبية 99٪( ثم نغمض الأعين ونشطب على رمز من الرموز، ونسكن مع البقية غرفة الانتظار التي سكنها آباؤنا فماتوا وفي حلوقهم غصة. وإما أن نقاطع الدستور ومعه الانتخابات، ونحتج سلميا على أمل اليوم الموعود الذي يسكننا.
لم نخرج ونردد شعاراتنا التي أزعجت مؤجري غرفة الانتظار، وأعلنت نفاذ صبر القائمين على أمرهم ليقال: هؤلاء مناضلون أشداء و أبطال مغاوير لا يهابون" البوليس والمخزن" وإنما خرجنا ونخرج:
أولا: لضيق في النفس اشتد أمره، لأنه لن تكتب لنا حياة أخرى فوق الأرض لنعيش حرية غير منقوصة، وكرامة غير مجروحة، وننعم بعدالة تكون لنا وعلينا، إن هي إلا سنوات معدودة غرست في نفوسنا توقا خاصا وشراهية لا متناهية في تنسم ريح الحرية، قد تليها سنوات أخرى، كما قد لا تليها فنتجرع من الغصة ما نال آباءنا.
ثانيا: لنفاد صبر حفر التجاعيد وصبغ الشعور بياضا. صبر تقاسمناه مع كهول وعجائز تقطعت بهم سبل الحياة، منهم من مد يده من اثر الجوع، ومنهم من لا يسأل الناس إلحافا )اسألوا النسوة اللائي يملأن القفة من بواقي الخضر ومتعفن الفواكه يوم الثلاثاء المشهود، واسألوا شيوخا يبيعون السجائر على رصيف الشارع الأنيق(.
صبر عشناه مع فتيات لهن من الذكاء ما يصنع الحاسوب والطائرة، لكنهن يتزوجن قاصرات بعد حصولهن على شهادة الابتدائي لبعد المدارس، وخراب الداخليات والعقول. عشناه مع فتيان لهم من الذكاء ما يسير قارة إفريقيا، لكنهم يرعون الأغنام نهارا، ويدخنون القنب الهندي ليلا لخلو ألقابهم من الراءات الفاسية.
صبر عايشناه مع كثير ممن ابتلى بمرض فمات وهو يعرف طريق الطبيب والدواء، ولكنه لا يملك لهما سبيلا، ومع طوابير المهمشين التي تستجدي" الأسبرين" أمام المجازر الصحية، ومع حوامل قضين حتفهن على ظهور البغال.
صبر خبرناه مع شابات وشبان أفنوا زهرة العمر في الدراسة والتحصيل، ولما طالبوا بحقهم في الشغل كان نصيبهم القمع والتنكيل والنهر والسب والشتم، كأنهم يستجدون نصيبهم من خير الوطن عند أولياء النعمة: لا هم شغلوهم ولا هم وقروهم، سلطوا عليهم زبانية البوليس ممن يسبهم ويلعن إيمانهم ويصفع كرامتهم ويدوس على عنفوانهم، والله على ما نقول شهيد.
ثالثا: لتجبر السلطة والمال على رقابنا: ترى الظالم مظلوما أمام القاضي إن كان ذا مال أو جاه، ترى العمال عبيدا في ضيعات الإقطاع ومعامل أهل الثروة. ترى أشر الأغنياء ممن جمع الثروة سلبا ونهبا، إن لم يرثها مسلوبة منهوبة ،يبيع ويشتري في سوق النخاسة كالداخل سوق الأبقار. ترى أذكاهم يشتري عقود تسيير الشأن العام بالولائم والهدايا المسمومة. أضحى المال مرادفا للسلطة، من يملك الثروة يملك حق سياسة شؤون العباد في البلدية والقروية والإقليم والجهة والوزارة والبرلمان وغيرهم.
رابعا: لغياب العدل، وسياسة تكميم الأفواه: في عصر يمكنك أن تتواصل فيه مع كل العالم )القرية الصغيرة( بنقرة واحدة، لا يمكنك التكلم عن أي شيء وعن أي أحد: رسموا لنا الخطوط الحمراء كأطفال صغار يلعبون "السيس" (La marelle) ،هذا موضوع خطير إدانته سنة، وذاك موضوع أخطر حكمه خمس سنوات، ومن الكلام ما يقتل. حينما يتكلمون يسخرون أبواقهم وإعلامهم ويطلبون منا أن نؤدي مكوس السمع والبصر التافه. وحينما نتكلم يحجزون حناجرنا ويتهموننا بزرع البلبلة والشقاق في نفوس الآمنين المطمئنين.
خامسا: مال الشعب المهدور: في الوقت الذي يموت فيه المواطنون مرضا وجوعا وجهلا، يوغل الماسكون بينابيع الثروة في السخاء مع "الفنانين" الأجانب والمهرجانات الماجنة التي لا تحمل من الثقافة إلا القشور، ويتفنن المؤتمنون على المال العام في نهبه" بشكل قانوني": هذا رئيس جماعة ظاهر ميزانيته طهر ونزاهة على الأوراق، وباطنها ملايير تحت الطاولة تصلح لتشييد المباني الفاخرة وتمويل المشاريع الخاصة، وذاك وزير يتبادل مع صديقه الهدايا بملايين الشعب، وبين هذا وذاك موظفون كبار ومتوسطون يلهفون بالمكنسة. ناهيك عن فبركة الجمعيات وتحويل الاعتمادات وخلق النوادي الرياضية وغير الرياضية إلى جانب الغش المعشعش في أوساط بعض المستثمرين ممن يمد الرسميين بالتجهيزات ومعها الرشاوي صاحبة الكلمة الفيصل.
أما الريع فحدث ولا حرج: لا يستفيد من البحر والبر وباطن الأرض إلا ذوو الحظوة والراسخون في علم التملق والتزلق والقرب من دواليب المفاتيح الكبرى.
سادسا: بنكيرن وإخوانه ومن تبعه بغير إحسان:اقتبسوا )حتى لا ندخل في باب السرقة الأدبية (شعار "إسقاط الفساد والاستبداد"، فقدموا أنفسهم رجال المرحلة بعد أن لعبوا دور حصار الأمان لحراك الشباب. فماذا أنجزوا؟ منهم من تكلم عن التماسيح والعفاريت، ومنهم من أنكر وجود معتقلي الرأي، ومنهم من طبع جزءا من لوائح الريع على سبيل الإشهار ثم توارى، ومنهم من أصلح الإعلام في منامه ثم استيقظ على أصوات أقوى منه فانكمش، ومنهم من لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه، "فهتموني ولا لا !". الدستور يكبلهم والكراسي الوتيرة أنستهم أيام الخطاب والجدال والدفاع والرجاء، صفوا مظلوميتهم، وهم على الكراسي بالنواجد ممسكون. ورقتهم بدأت تحترق لكننا باقون بإذن الله وحوله وقوته.
لماذا خرجنا ونخرج في بلدتنا؟
إضافة لما سبق، أطل علينا رجل وقور، فأغرقنا وعودا حتى ضاقت بها رفوف الجهة والعمالة والبلدية والقرويات والمدارس والمستوصفات...صدقها كثير من أهالينا وأحبابنا فانخرطوا في "الورش الكبير"، أصبح له من الأتباع الكثير: منهم القديم والجديد ومنهم الرجال والنساء. خطب الرجل في أرجاء القبيلة مصحوبا بناس لم نكن نرهم إلا على شاشات التلفاز، لم تشنف سين التسويف أسماعنا لوجود وقر حميد، لكنها أسقطت المهمشين والمحرومين في جرة عسل فارغة، لا هم ذاقوا حلاوتها، ولا هم رأوها تتكسر فينجلي حلمهم الذي ينقلب كابوسا حينما تمنع "كراريسهم" (عرباتهم) المجرورة والمدفوعة والثابتة من أداء مهامها في تأمين لقمة العيش، وكتب الصبيان، وسومة الكراء والماء والكهرباء ومستحقات القروض الصغرى.
أصبح الرجل رئيس حاضرتنا والناطق باسمنا في البرلمان، لكننا لم نر على ارض الواقع غير الإسمنت والإسفلت وشارع جميل قطع رزق محترفي الشواء، ولم يعد يستوعب مرور شاحنتين. ذهب الرجل دون أن يودعنا لكنه ترك ما ترك ومن ترك !! لله في خلقه شؤون.
سألنا الناس في دكالة و عبدة و طنجة و سوس و الصحراء وزيان و...عن أنباء حزب رئيسنا فسمعنا قصصا كقصتنا، فأيقنا أن حكايتنا تصلح لكل المغرب، وأن رواية الرحماني في الرحامنة لم تكن إلا غطاء لشيء كبير أريد للوطن الدخول فيه على حين غرة. هتف الناس ارحل، فهتفنا مع الهاتفين ارحل، فذهب الرجل دون أن يودعنا.
خرجنا في بلدتي لأن "المنتخبين" و"المعينين" كلهم شغفوا حبا بحزب رئيسنا، فلم يعد يشغلهم إلا مصلحته وحمايته، وتأمين نجاحه، و استحواذه على البرلمان والبلدية والجماعات والجمعيات والرياضة و الثقافة والإعلام.
أصبحوا يكرهوننا لأننا نذكرهم كل أحد بالنسوة اللائي يملأن القفة ببواقي الخضر ومتعفن الفواكه، والشيخ الذي يمد يده ، والطفلة والشاب الذكيان، والمعطل الواعي.
يكرهوننا لأننا نلفت انتباههم لمن يسرق "بالقانون" ليدبر حملة انتخابية سابقة لأوانها. اللهم فاشهد.
رجاء افهمونا: لا نستجدي أحدا ولا نزكي أنفسنا، إن هي إلا قلوب تهفو لوطن يسع الجميع ولا يستثني أحدا.
افهمونا أو ارمونا في البحر، فأنياب القرش ارحم مما تصنعون.
وللكلام بقيـــــــــــــــــــــــــــــــة.