صحافة لا أخلاقية في نسخة فاشية


يونس مجاهد
الثلاثاء 22 أبريل 2014



لا يمكن تصور حياة سياسية، و ممارسة ديمقراطية، بدون صحافة جيدة و محترفة، هذا تحصيل حاصل، لأن الدور الذي يلعبه الإعلام في إخبار الرأي العام، و طرح النقاش الحقيقي، الدائر بين الأطراف المختلفة، و عرض مختلف وجهات النظر، و البحث و التقصي في الملفات، واحترام الأخلاقيات… أي الإلتزام بالمهنية، مسألة حيوية جدا في دعم المسار الديمقراطي و تعزيزه.
غير أنه من الممكن أن تكون هذه الصورة مختلفة، إذا كانت الصحافة، أو على الأقل في جزء منها، يسعى إلى لعب دور مضاد لما ينبغي أن تكون عليه الممارسة المهنية، المتسمة بحد أدنى من المصداقية و احترام الأخلاقيات. حتما، ستعمل على تحوير النقاش الحقيقي، في القضايا الجدية للبلاد، و ستبحث أكثر على الإثارة، و ستضرب بكرامة الناس، و خاصة السياسيين، عرض الحائط، و ستستعمل كل الوسائل للرفع من جمهورها، و لو كان ذلك على حساب المصداقية و النزاهة.
لكن ما يهمنا أن نناقش في هذا المقال، هو محاولة تحليل الوسائل و الأساليب التي تستعملها بعض الصحافة، من أجل وأد الممارسة الديمقراطية، و الإجهاز عليها، و كذا المناهج التي تستعملها من أجل الوصول إلى هدفها.
على المستوى النظري، تلجأ هذه الصحافة إلى الشعبوية، بنسختها الفاشية، و من قواسمها المشتركة، احتقار النخبة السياسية، و المثقفين و الفنانين، و العالم الأكاديمي، بصفة عامة، بذلك فهي تنشر خطاب الكراهية لهذه الفئات و تعمم التهم، كما فعل حمادي الجبالي، أول رئيس للحكومة التونسية المؤقتة، و هو منتم لحركة النهضة الأصولية، عندما أطلق قولته الشهيرة “نخبتنا نكبتنا”. و القصد من هذا التبخيس و التعميم ضد كل النخب هو استئصالها معنويا، و تحضير نخبة جديدة، من الأصوليين، مثلا هنا في حالة تونس.
و من السهولة أن نقيس على مثل هذا الخطاب ما تروجه بعض الصحافة من “قذف إجتماعي”، حيث تعتبر، دون تمييز، أن كل السياسيين و النقابيين و المثقفين و الفنانين، “فاسدين“…
و قد عرفت الشعوب مثل هذه الأساليب، و برزت بوضوح في التجارب الفاشية، التي لجأت إلى مهاجمة كل النخب، ومغازلة الرغبات “الأولية” للجمهور، خاصة في وقت الأزمات، حيث يكون محتاجا إلى كبش ضحية، يرمي عليه إحباطاته و مآسيه. و قد لعب أدولف هتلر على هذا الوتر، و وصل به الحد إلى إحراق البرلمان الألماني، قبل استيلائه على السلطة، عن طريق صناديق الإقتراع.
و ستشهد ألمانيا الفيدرالية تجربة أخرى، لصحافة شعبوية فاشية، تمثلت في صحافة أكسيل سبرينغر، التي كانت تقوم بحملات ضد الطلبة في الجامعات، خلال احتجاجاتهم على حرب فيتنام، في نهاية الستينات. و كانت هذه الصحافة تدعي أنها تعبر عن رأي رجل الشارع، ضد “الطلبة الذين لا يشتغلون” و الذين “يأكلون عرق الجماهير العاملة”، كما هاجمت صحافة سبرينغر المثقفين و الفنانين و كل النخب الديمقراطية، و كان شعارها أن القارئ لايريد التفكير. و قد عوضت هذه الصحافة دور الجيش و الأمن في “قمع” المعارضة الجذرية، و من الأساليب التي استعملتها هي شخصنة حركة الطلاب و الديمقراطيين، في اسم زعيمها، و أخدت تسميها باسمه، و نبشت في حياته باحثة عن أي شيء لمهاجمته و التنقيص من قيمته و تبخيس شخصه…
و بمقارنة بسيطة نجد مثل هذه الأساليب في بعض صحافتنا، حيث تسمي التنظيمات السياسية و النقابية باسم رؤسائها، مثل “حزب فلان” أو “نقابة فلان”، حتى تعطي الإنطباع و كأن كل التنظيم لا قيمة له، بأعضائه و هياكله و قوانينه، بل هو في ملكية “الزعيم الفاسد”. كما تعتبر نفسها متحدثة باسم رجل الشارع “المقهور”، ضد “النخبة الفاسدة“…
ومن مناهجها أيضا التعميم، متهمة السياسيين، بصفة عامة، بالفساد، دون تسمية المتهم، و حتى إذا هاجمت شخصا معينا، ففي أغلب الأحيان، دون تقديم حجج، مما يحول الأمر إلى قذف واضح. و في أحسن الأحوال تستند على “مصادر مطلعة”، قد تكون مختلقة، أو على وشاية كاذبة، أو معطيات غير دقيقة، و لا تكلف نفسها عناء البحث و التقصي في التهم التي توجهها.
و قد انضافت إلى هذه الأساليب اللاأخلاقية، ممارسات خطيرة، في بعض الصحافة الإلكترونية، سواء في مضمون “أخبارها” أو تعليقاتها، و لكن الأخطر منها هي تلك التعاليق، المنشورة، من طرف قراء، قد يكونوا حقيقييين أو مفتعلين، و التي تتجاوز كل مقومات الأخلاق، بل تصل إلى حد التكفير، في جريدة إلكترونية، مصنفة أولى في المغرب.
و من الأكيد أن مثل هذه الصحافة، لا يمكن إلا أن تكون وبالا على الممارسة الديمقراطية، لأنها تعيد إنتاج الشعبوية الفاشية، بواسطة الإعلام، و تنطلق من قواسم مشتركة، تتمثل في احتقار الكرامة الإنسانية للأشخاص، و خاصة إذا كانوا من النخبة، و في افتعال و التهديد بالخطر الداهم، الذي لا توضح من أين يأتي، وفي البحث عن كبش ضحية. كما تحتقر المرأة، وتستعمل الدين لتبرير مواقفها، و تعادي العمل النقابي، و تنحاز للمقاولين الرأسماليين…
إنها خصائص معروفة في الفاشية، و يمكن دراستها في أي كتاب تحليلي عنها. و قد عرف المغرب نماذج منها منذ أن تنطلقت حملات القمع على السياسيين و المثقفين الديمقراطيين، في الستينات، و تتواصل اليوم، بأساليب متنوعة، تتجدد و تختلف حسب الأنتماءات الإ يديولوجية أو المصلحية، لكنها معادية للديمقراطية، رغم أنها تدعي الإنتصار لها.

مقالات ذات صلة