في الوضع الحالي للمشهد السياسي ببلادنا أصبح العزوف عن المشاركة السياسية ظاهرة بارزة، فجيل بكامله أصبح يشق طريق العزوف السياسي، حيث أن البطالة والفقر ومظاهر الفساد مازالت تشكل صورة لوضعية معقدة تتحول نتائجها إلى اسلحة فتاكة ضد المشاركة السياسية لكافة المواطنين وبالتالي ضد التنمية وعرقلة البناء الديمقراطي السليم وحقوق الانسان.
فكل ما يحدث في احزابنا اليوم من مسلسلات الانشقاقات ووضعية الديمقراطية الداخلية وحالات التفريخ العشوائي وسلبيات الماضي هو الذي أوصل البلاد إلى هذا المصدر الذي يتباكى عليه الجميع في الظرف الراهن، وضعية لا يمكنها أن تفسح المجال أمام المواطنين وخاصة فئة الشباب للمشاركة السياسية الايجابية، فطبيعي أن يسحب المواطنون ثقتهم من هاته الأحزاب التي لم يعد لها أي دور يذكر من حيث تأطير المواطنين أو السعي في توعية ابناء هذا الشعب نتيجة ضعف الأداء السياسي لهذه الأحزاب المتمثل في لا ديمقراطية الكثير منها وفيما تستند عليه في تنظيماتها من منطق اقصاء الكفاءات والاعتماد على زعامات هرمة تقليدية لا تمثل زعامات سياسية قادرة يمكن للموطنين وللشباب خاصة أن يتخذوا منها مرجعية فكرية، فجل زعماء هاته الاحزاب فقدوا المصداقية والضبط والتحكم وخاصة من خلال نزعة الاعتلاء التي يمارسها السياسي على المواطن، لان الديمقراطية إذا لم تتحقق في الحزب لا يمكنها أن تتحقق في المؤسسات التي يتم التخطيط لها مسبقا.
لذلك فإن عزوف المواطنين عامة والشباب خاصة عن المشاركة في العمل السياسي وفي الانخراط بالأحزاب السياسية وعدم اقبال شريحة هامة في التسجيل باللوائح الانتخابية التي تعتبر المدخل الاساسي للمشاركة السياسية لأكبر فئة ممكنة من المواطنين ألا يعني فقط رفضهم للنهج الذي تتخذه هذه الاحزاب للاستقطاب والتأطير ولكنه أيضا يعني رفضهم أن يكونوا مجرد أصوات توظف في الانتخبات أو من أجل توظيفهم في تحقيق مصالح تتعارض والأفكار التي يحملها الشباب المغربي عن الديمقراطية وعن المشاركة في تدبير الشأن العام.
فمشهدنا الحزبي تحول إلى قماش مرقع يبعث على السخرية، الأمر الذي يتطلب العمل على إعادة ترتيب هيئاتنا السياسية لبيوتها الداخلية لتحرير نظمها العتيقة من الانغلاق على نفسها والتصالح مع الجماهير وتربيتهم على حسن المشاركة في تدبير الشأن العام وتنحوا نحو القضايا الكبرى للمغرب للدخول به إلى مستقبل جديد في مستوى طموح أبنائه الذين يعانون من ممارسات الماضي، ويبقى أن الدولة عليها كذلك مراجعة سياستها اتجاه الأحزاب السياسية التي تقوم فعلا بتنشيط الحياة السياسية وتأطير المواطنين وتنظيمهم.
فالأحزاب السياسية هي مدارس للوطنية، والحياة الحزبية شأن عام يجب أن يهم كل شرائح المجتمع وخاصة الشباب الذي أصبح يتخذ اليوم من منطق الرفض للاهتمام بالحياة الحزبية والاهتمام بانخراطه في الأحزاب السياسية سلاحا له خلافا لما هو معمول به بالدول الديمقراطية، ويظل طوفان العزوف السياسي ببلادنا قادما ولا سبيل للنجاة منه غير ركوب سفينة الديمقراطية.