عبد الحق غريب: هكذا تشجع الدولة على الفساد ونهب المال العام بالجامعات


عبد الحق غريب
الأحد 20 أكتوبر 2024



لا يختلف اثنان في أن الفساد ونهب المال العام بالجامعة العمومية تفشّى واستفحل بشكل صارخ ومخيف وسريع في العقدين الأخيرين.. ولعل من أبرز أسباب ذلك تغييب ربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للوزارة والمفتشية العامة للمالية ترصد خروقات واختلالات مالية خطيرة وأسماء مسؤولين متهمين بارتكاب أفعال تستوجب عقوبات جنائية، ورغم ذلك لا نسمع عن أي متابعة، وفي أحسن الأحوال يتم تحريك إجراء المتابعة ببطء شديد، بعد سنوات وسنوات من التأخير، كما هو حال المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير (ENCG) بسطات.

بالإضافة إلى غياب الإرادة الفعلية لدى المسؤولين لمحاربة الفساد ونهب المال العام، عبر تجميد تقارير لجن التفتيش والمراقبة، يمكن القول إن أغرب ما يقع في هذا المجال ويشجع على الفساد ونهب المال العام هو أن يستمر مسؤول ما في منصب المسؤولية، رغم الاختلالات المالية الخطيرة والأفعال المخالفة للقانون التي رصدتها بشأنه تقارير لجن التفتيش والمراقبة، ورغم الشبهات التي تحوم حوله، نذكر على سبيل المثال حاليتين ضمن حالات عديدة :

1- حالة جامعة الحسن الأول بسطات :

في يناير 2023، قرر الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات متابعة مسؤولين بجامعة الحسن الأول بسطات، لوجود قرائن على ارتكابهم مخالفات في مجال التسيير المالي… من ضمن هؤلاء المسؤولين المتابعين يوجد المدير السابق للمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير (ENCG) بسطات.

المثير في هذا الموضوع والمقلق هو أن المدير السابق لـ ENCG هو النائب الحالي لرئيس جامعة ابن زهر، منذ غشت 2021… أي، رغم إصدار الوكيل العام للملك قرار متابعته في يناير 2023، فإن المتهم استمر في منصب نائب رئيس الجامعة إلى يومنا هذا !!

وللإشارة فقط، فقد حل قضاة المجلس الأعلى للحسابات بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بسطات يوم الإثنين 23 شتنبر 2024، للتدقيق في الاختلالات المالية التي سبق أن رصدها تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم السنوات المالية 2003-2019… وحلت في نفس الأسبوع الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لمواصلة التحقيق القضائي تحت إشراف الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، حيث من المرتقب أن يتم استدعاء نائب رئيس جامعة ابن زهر بأكادير بصفته مديرا سابقا لENCG للاستماع إليه والتدقيق معه.

2- حالة جامعة شعيب الدكالي بالجديدة:

خلال السنة الجامعية 2023-2024، عيّن رئيس الجامعة السابق نائب عميد كلية الحقوق مديرا بالنيابة في المدرسة العليا للتربية والتكوين (ESEF).. وبعبارة أدق، يمكن القول أن رئيس الجامعة قام “بتهريب” نائب العميد من كلية الحقوق إلى المدرسة العليا للتربية والتكوين، بعد أن شاع خبر استدعائه من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء أكثر من مرة للاستماع إلى اقواله والتحقيق معه حول شبهات فساد بالكلية (التسجيل في الماستر، مباريات التوظيف…)… وها هو لا يزال نائبا لمدير ESEF يصول ويجول إلى يومنا هذا !!

قد يقول قائل إن القاعدة تقول إن “المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته”.. هذا صحيح، عندما يتعلق الأمر بمواطن عادي.. اما أن يكون المتهم مسؤولا في الجامعة، فمن باب الأخلاق ان تتم إقالته، حفاظا على صورة ومكانة المنصب ومصداقية وسمعة الجامعة ليكون عبرة لمن يعتبر، وللتعبير عن الإرادة الحقيقية لمحاربة الفساد وتطبيق ربط المسؤولية بالمحاسبة.


مقالات ذات صلة