نعم للمسافة السياسية النقدية ...لا للخدش الأخلاقي
طبعا السيد عبد الرحمان اليوسفي جدير بكل احترام وتقدير كأحد رجالات(نساء) السياسة في وطننا العزيز. فالرجل بقي نزيها ونظيفا وبعيدا عن كل شبهة وشكل إجماعا حوله حتى من طرف ألذ خصومه الذين يكنون لشخصه كل التقدير...في زمن أصبحت السياسة مجالا لتخصيب الانتهازية وانعدام الأخلاق واضمحلال القيم وتراجعها، أصبح رجل مثل اليوسفي يبدو عملة نادرة...فلا هو من فئة "خدام الدولة" ولا هو ممن استفادوا من ريع معين ولا هو ممن انخرطوا في الشأن العام بغاية الاستفادة المادية الشخصية. وهذا شيء لا يجب أن نمر عليه مرور الكرام بل لابد من التنويه به في زمن عز فيه وجود أمثاله.
طبعا، حينما يتم التذكير بهذا الأمر، فهذا لا يعني نهائيا تأليه الرجل وأسطرته...فكأي رجل سياسي عاش طيلة حياته في خضم الحياة السياسية المغربية لا يمكن إلا أن تخضع تجربته للقراءة النقدية، لكن شريطة أن تتوفر المسافة الموضوعية اللازمة والحرص على استحضار كل العناصر التي من شأنها أن تفيد في استنتاج الخلاصات الضرورية من تجربة الرجل في ضوء تجربة النخبة السياسية المغربية عموما. لا يمكن عزل اليوسفي عن سياقه وعن العوامل الموضوعية والذاتية التي أثرت في مختلف الفاعلين الذين جايلوه وعايشهم، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
فالرجل انخرط في النضال ضد المستعمر وهو شاب يافع، ليجد نفسه فيما بعد في قلب النضال الديمقراطي كما كانت تفهمه النخبة السياسية المغربية حينها. عاش في المنفى سنوات طويلة كرسها للنضال الحقوقي، وبعد عودته من المنفى تحمل مسؤوليات تنظيمية مهمة ليصبح بعد وفاة الراحل عبد الرحيم بوعبيد كاتبا أولا لأكبر حزب معارض لنظام الحسن الثاني آنذاك... ثم فيما بعد سيتم التفاوض بين القصر ومكونات الكتلة الديمقراطية من أجل إصلاح دستوري يتوخى التحضير للتناوب الذي ستناط به في إطاره مسؤولية الوزير الأول والتي ستستمر خمس سنوات سيدخل المغرب بعدها عهدا "جديدا" بكل المعاني أدى بالرجل إلى الانسحاب من الحياة السياسية.
هو إذن مسار غني جدا لأحد رجالات المغرب....تحمل خلاله مسؤوليات متعددة ومتنوعة تتطلب بالضرورة قراءتها وتمحيصها ونقدها بل وحتى نقضها والتوقف عند مختلف عناصرها شريطة أن تحكمها خلفية استنتاج الدروس والعبر بما يفيد بناء المستقبل وليس بهدف التشكيك في سمعة الرجل وخدشها.