جريجوري كابوستان
"سحب رمادية تعلو سماء مرّاكش هذا الصّباح، بعد شمس مشرقة البارحة. وها قد تأجّلت حصّتنا التصويرية. انتقلت، بمعية المصوّر بيير فارو من الصّحراء الصّخرية لأكافاي نحو مرّاكش لنشرب قهوة في جامع الفنا الهائجة، الصّاخبة والفاتنة" يقول جريجوري متحدّثا عن نظرته العامّة للأجواء هناك، ويضيف: "على السّاحة الحادية عشر والنّصف كانت السّاحة شبه فارغة ليس كالحال الذي تكون عليه في حدود الثامنة مساءً. لديّ عاداتي الخاصة في مرّاكش، حيث تسكن أسرتي. أتوجه إلى مقهى أركانة، مقهى فرنسا..أثمنته رخيصة، يملكه مغربي وسطحه يمنح رؤية جميلة على السّاحة".
كابوستان عارف بخبايا السّاحة وتفاصيل روّاد مقهى أركانة. "عادة ما يجلس المغاربة في الطابق الأرضي للمقهى ويرتاد الأجانب على الشّرفة في السّطح. على واجهة، تباع المثلجات والحلويات أمام المارّة والسيّارات..". اتّصل جريجوري بزبون له، وهو في المقهى، ليحدّدا موعدا حالا وينتظره هناك؛ لكنّ الزّبون كان مشغولا. شرب الصّديقان (جريجوري وبيير) قهوتهما وكأس عصير قبل أن يغادرا الشّرفة تاركين فيها ما يزيد عن عشر زبائن. "سأعلم فيما بعد بأنّ الإرهابيين شربا نفس الشيء قبل أن يخرجا من المقهى".
ثم يزيد جريجوري بنبرة من الأسى: "وما أزال أتذكّر إمرأة رائعة كانت تصعد درج السّطح عندما كنت نازلا منه". وبعدما دفع هذا الفرنسي المحظوظ الفاتورة، غاص في أزقة المدينة العتيقة لمدّة عشر دقائق قبل أن يسمع انفجارا ضخما جعله يعود أدراجه ليعاين ما حصل. "كانت صديقة تترجم لي ما يقال من كلام متضارب: إنّه انفجار قنينات غاز". وبمجرّد ما وصل الرّجلان إلى عين المكان، شاهدا حجم الدّمار وبدأ بيير في الارتجاف. يقول جريجوري بخوف: "لقد كنّا هنا قبل دقائق".
بعدما التقط المصوّر بيير مشاهد لما حدث، بقي جريجوري يردّد في نفسه: "نعم، لقد كلّمنا الله وأخبرنا بأنّ ساعتنا لم تحن بعد". تبدو قصّة عجيبة، فلو أن زبون جريجوري قبل الدّعوة وجاء إلى مقهى أركانة للقاء به، لكان الثلاثة في عداد الضحايا الآن. ينهي الفرنسي باستغراب: "ما أثر فيّ حقا وما يعلق بذاتي شخصيا أنّي ما أزال حيّا وأن أحتفي بهذا الأمر مع أسرتي. وأيضا صورة تلك المرأة وهي صاعدة إلى الموت ورجل فرنسي مع ابنه، صادفتهما عند بوابة المراحيض، وكذلك ما قاله لي النّادل لآخر مرّة: شكرًا – بونجورني (Bonne journée)".