قراءة في أول بلاغ للجبهة: بدائل و أفكار، قادرة على شق طريق النضال نحو مجتمع الديمقراطية و التنمية.


عبد الرحيم بنشريف.
الأحد 10 يناير 2016








في قراءة لأول بلاغ لها، برسم السنة الجديدة2016، أكدت الأمانة العامة لجبهة القوى الديمقراطية، عن استمرارية اصطفافها ضمن الأولويات، التي تؤرق بال الشعب المغربي، و بخاصة الشرائح الواسعة من المجتمع.

و من هذا المنطلق، توقفت الأمانة العامة للجبهة، و بشكل متأني، عند واحدة من أهم القضايا الآنية، بما تحمله من وقع قاس و مؤثر، على أوساط و طبقات الفلاحين و أسرهم، و على ساكنة البوادي، و الأرياف، و العالم القروي عموما، و المتمثلة في حالة الجفاف، الذي يتهدد المغرب، بتداعياته الاقتصادية و الاجتماعية.

و بعدما عرض بلاغ الأمانة العامة، لقضية تشغل بال المواطن المغربي، تأهبا لموسم فلاحي، ينذر بظروف عصيبة، لا نتمناها لبلدنا، توجه السؤال عريضا، يستفسر الحكومة حول التدابير و الإجراءات الاستعجالية، التي يمليها واقع الحال، لتوفير حاجيات المواطنين، خاصة، و الجميع يعلم أبعاد الخطورة، التي تجسدها سنة فلاحية عجفاء، على الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية، و على المشهد العام للبلاد، و من منا لا يذكر، وقع سنوات الجفاف، عبر تاريخ غير بعيد، على المغاربة.

و لم يقتصر البلاغ على التنبيه، و الاستفسار، بل اتخذ منحى يوجب على الحكومة، إن هي تسعى فعلا لاستتباب مقومات الحفاظ على الأمن و السلم الاجتماعيين، الذين ينعم بهما المغرب، أن تتراجع عن الزيادات، في أسعار المواد الأساسية، التي ستمس بالقدرة الشرائية، لشرائح واسعة من المواطنين، و حتى لا يبلغ التذمر و الاستياء جموع الطبقات المتوسطة و الفقيرة و المعدومة. و هي دعوة صادقة، للوقوف إلى جانب المواطن، في تصريف مثل هذه المحن، و نضال من أجل تحقيق التآزر و التضامن الواقعي و الملموس، مع الطبقات الكادحة، التي لن تزداد أوضاعها إلا مآسي و مكابدات، دون التفكير مليا في بدائل للتخفيف عنها، و أولى البدائل هي التجاوب الحكومي مع مطلب اجتماعي، ليس سوى التراجع عن الزيادات في الأسعار.

و لطالما رفعت الحكومة الحالية، شعارات الوقوف إلى جانب المواطن، في تدبيرها لقضاياه الملحة. واليوم يجسد هذا المطلب محكا حقيقيا،مفصليا، بين نبذ خطاب الشعارات، و نثر الكلام كيفما اتفق، و انتهاج منطق تغليب مصلحة المواطن، خاصة الشرائح المقهورة، المكتوية بنار الزيادات، و المختنقة بكثرة الوعود الكاذبة، و الشعارات الفارغة.

و مع مطلع العام الجديد، جددت جبهة القوى الديمقراطية توجهها الدائم و المستمر، الهادف إلى الانتصار للقضايا المصيرية للوطن و المواطن، انطلاقا من مشروعها المجتمعي، المنبني على النضال، من اجل المساواة و العدالة الاجتماعية، و لتكون الجبهة صوتا، يترجم انشغالات المجتمع، و لسانا ينبض بمطالب مشروعة، لكافة شرائحه، تؤكد في المقام الأول، الحرص على ضرورة توفير أبسط شروط الحياة الكريمة للمواطن.

و في الشق السياسي تضمن البلاغ، مواكبة تستقرئ تطورات المشهد السياسي الوطني، و تستشرف خصوصية سنة2016، بما تحمله من تحديات على مستوى الاستحقاق التشريعي المقبل، و ذلك من خلال الدعوة إلى، تفعيل المقترحات، التي تطالب الجبهة بإدخالها على القوانين الانتخابية، ضمانا لتكون التشريعيات القادمة، منطلقا لإفراز تعددية سياسية، ببرامج و تصورات واضحة، من شأنها هي أيضا، أن تفرز تحالفات حزبية، ذات معاني و دلالات سياسية، قادرة على خدمة التوجه الديمقراطي، التنموي، الذي تحتاجه البلاد، في ظل السياق العام الوطني، و الإقليمي و الدولي.

و انسجاما مع توجهات الجبهة، الرامية إلى ترجمة مبادرتها المرتبطة، بالدعوة إلى تشكيل اتحاد، كان من قبل حلما، و أصبح اليوم ضرورة ملحة، تصطف ضمنه مع باقي الأحزاب و الفرقاء السياسيين، الذين تجتمع و إياهم، في الرؤى و المبادئ و القيم الديمقراطية و الإنسانية النبيلة، فقد تضمن البلاغ تثمينا و مباركة، لمختلف النقاشات و الاتصالات، التي يتداولها الحزب، في هذا الاتجاه، و ذلك وفق ما ينص عليه قانون الأحزاب.

و في الشق الهوياتي و الثقافي، أوضح البلاغ عزم الجبهة، تنظيم ندوة فكرية كبرى، حول الأمازيغية، في إطار تخليدها، للذكرى الثالثة لرحيل الفقيد التهامي ألخياري.

و هي محطة تهمس من خلالها الجبهة في أذن الحكومة، بضرورة تفعيل مضامين الدستور الجديد، خاصة ما يرتبط بالمضامين الراصدة لمكونات الهوية المغربية، في إطار من التنوع و الوحدة و التجانس. خصوصا و أن ترسيم الأمازيغية أضحى مطلبا مجتمعيا، لا يحتمل التماطل و التأخير.

و على مستوى التنظيم الداخلي للجبهة، أشار البلاغ إلى الوقفة المتأنية، المتأملة، التي ركزت فيها الأمانة العامة، على مسار الأنشطة، التي أنجزها الحزب برسم 2015، موضحا حضورها الجدي و المسؤول، في كل المحطات النضالية، التي مرت بها البلاد، بالنظر إلى حجم التحيات و الرهانات، التي حفلت بها السنة المنصرمة.

و ضمن سياق التنظيم الداخلي، أيضا، حمل بلاغ الجبهة، خبر تشكيل لجنة، عهد إليها بترتيب، كافة إجراءات انعقاد الدورة السابعة لمجلسها الوطني يوم17يناير الجاري، و هي محطة هامة، للتقييم و الاقتراح، و استشراف آفاق ضمان الحضور الدائم و المتميز لها، في المشهد السياسي الوطني.

و تأسيسا على أن البلاغ يشكل استحضارا و تمثلا لأنشطة الجبهة، فقد وجب التذكير هنا، و على سبيل المثال، ببعض المعالم البارزة في هذا الحضور، في المشهد السياسي الوطني، على امتداد2015 بدءا من انعقاد الدورتين الخامسة و السادسة للمجلس الوطني، مرورا عبر، دعم الجبهة، لنضالات طبقات الشغيلة، التي خاضت إضرابا وطنيا عاما، و الحركات الاحتجاجية لأسرة المحاماة، و المسيرة الاحتجاجية الكبرى للحركات النسائية، ضد التعاطي اللا مسؤول، و السياسات اللا شعبية للحكومة، مع المطالب المشروعة لمختلف فئات الشعب المغربي. حركات احتجاجية، لازالت أصداؤها تتردد إلى اليوم، و تتجدد مع الوقفات التنديدية، للأطباء و الطلبة المتدربين.

و كانت الجبهة قد عبرت عن استنكارها، لتدني مستوى النقاش، الذي سجله الخطاب السياسي، طيلة السنة الماضية، بما هو تحويل لاهتمام الرأي العام، و الهاء له، عن مناقشة القضايا الكبرى و المصيرية، التي ترهن مستقبل للمغرب، مع حرص الحكومة، على تغييب مقومات الحوار التشاركي، و النقاش الجدي و المسؤول، مع باقي الشركاء السياسيين، و التمثيليات النقابية.

و خلاصة الكلام، لقد جسد أول بلاغ للجبهة، مع مطلع السنة الجديدة، أجمل هدية للوطن و المواطن، يطرح بوعي متقدم، أبعاد الترابط الحتمي، بين السياسي و الاجتماعي، السوسيوثقافي، و التنظيمي، لبلورة خطاب مجتمعي، ينشد القرب و التفاعل، مع قضايا المغاربة، حالا و مستقبلا، و يعطي النموذج، لطرح البدائل و الأفكار، القادرة على شق طريق النضال نحو مجتمع الديمقراطية و التنمية.

مقالات ذات صلة