قـــوة الفسـاد من قــوة المخــزن


ذ.محمد الحجام - مدير نشر جريدة ملفات تادلة
الخميس 19 يوليو/جويلية 2012



قد نتوفر على جميع الأسلحة الممكنة، وقد نرسم جميع الخطاطات الدقيقة لهزم الفساد في بلادنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
هل معنى ذلك أنه أقوى من اللازم، وقادر على المقاومة؟ أم أنه عصي على المواجهة؟.
مما لاشك فيه، أن الفساد في بلادنا يتوفر على مناعة قوية لا تخترق جسده أسلحتنا وسهامنا مهما صوبناها إليه.
لقد عاش الفساد في بلادنا منذ أن وعينا بوجودنا ككيان، وتربى بيننا وحوالينا إلى أن أصبح هو المتحكم الحقيقي فينا وفي مؤسساتنا، وتغلغل في سياستنا وفي اقتصادنا، إلى درجة أن أصبح هو نفسه مؤسسة ضخمة قائمة الذات تلتهم في المهد كل محاولة الوقوف أمامها.
وعندما نتحدث عن الفساد كمؤسسة، فإن ذلك يعني منطقيا، أنه يمتلك جيوشا وأسلحة خاصة به، وإلا ما وقف شامخا بيننا يتحدى الجميع.
فنجده في الإدارة وفي الحزب، في البرلمان وفي الدولة، أي في جميع دواليب الدولة والمجتمع إلى درجة يمكن اعتباره دولة داخل الدولة.
فمنذ التناوب التوافقي، أصبحت محاربة الفساد عنوان المرحلة وشعارا مرفوعا إيذانا بالقطع مع الماضي بكل سلبياته وخروقاته، كان هذا الشعار يرمي إلى التصدي لجميع بؤر الفساد في السياسة وفي الاقتصاد في إطار ما كان يسمى أيام عبد الرحيم اليوسفي بتخليق الحياة العامة.
وما كادت الجهود تتجه في هذا الاتجاه حتى تم رفع شعار مفاده وهو "لا لمتابعة الساحرات" (Non à la chasse aux sorcières)، والترجمة العملية لهذا الشعار المضاد، هو عدم خلخلة الوضع ككل، مما أعطى للفساد مناعة أكبر وقوة أعظم.
وعندما كان اليوسفي يعترف بوجود ما أسماه جيوب المقاومة، فإنه في الحقيقة إعتراف ضمني وصريح باستحالة مقاومة الفساد، رغم حسن النيات والعزائم.
واختتم التناوب التوافقي بوضع ادريس جطو وزيرا أول، في نقض صريح للتداول على السلطة وفق نتائج الصندوق الانتخابي، على أرضية الانتقال من التناوب التوافقي إلى التناوب الحقيقي، فكان إعلان اليوسفي الدبلوماسي الصريح والواضح، بأن الأمر هو خروج عن المنهجية الديمقراطية، في حين قررت قيادة الاتحاد المشاركة في حكومة "كل وجطو" لتكون النتيجة تقلص القاعدة الحزبية، وذبول الوردة بعد بيع رحيقها، باسم استكمال الأوراش التي فتحت وتحويل جطو إلى وزير أول للأغلبية، بل حتى إلى اتحادي !.
وحتى لا نذهب بعيدا، فإن عبد الإله بنكيران المحمول إلى السلطة بفضل الحراك الاجتماعي الذي قادته حركة 20 فبراير، قد رفع بدوره السبق معلنا حربه المقدسة ضد الفساد والمفسدين (في السياسة والاقتصاد)، وضد المستفيدين من اقتصاد الريع بجميع تمظهراته.
لكنه ما كاد يتربع على كرسي رئاسة الحكومة والاستواء عليه، حتى أصبح يتراجع عن مواجهة الفساد خطوة خطوة، إلى أن وصل إلى تضييق الخناق على قوت المغاربة، بالزيادات المهولة التي قررها، أو كلف بتنفيذها وصرفها، بعد طويت كل مبادرات صقور/ وزراء المصباح في محاربة بعض من الفساد في القطاعات التي يتولون تسييرها.
ومرة أخرى خرج الفساد والمفسدون منتصرين مرفوعي الرأس أكثر من ذي قبل.
فهل قدر المغرب أن يظل مهزوما أمام من امتصوا دماءه واستولوا على خيراته وحرموا أبناءه من فرص التعلم والرقي والكرامة الإنسانية؟، بعد تعثر بل إجهاض تجربتين للانتقال الديمقراطي السلمي، من دولة تدار بعقلية مخزنية عتيقة وتقليدية، إلى دولة حديثة تدار بنمط حكم ملكي برلماني.
إذن فكلما تقوى المخزن، تقوى معه الفساد، وهذه الخلاصة لا تثير الاستغراب لأن العلاقة بين الاثنين جدلية بامتياز، ولأن حكم المخزن ودولته تستمد قوتها من ضعف وتفكك ومرض وجهل المجتمع المدني الذي هو مخلوق ليكون في خدمة الدولة، التي تمتلك آلة ضخمة تبتلع كل حزب دخل لعبتها وتصيب قادته بالفساد، ويصبحون تحت رحمة المخزن، وخوفهم منه، بتحريك ملفاتهم ضدهم نتيجة، تغميسهم في طاجين الحكم الداسم، (والمثال الجاري قضية عليوة ومزوار).
أما دولة الحق والقانون والمؤسسات فهي التي تكون في خدمة المجتمع، وتستمد قوتها من قوته.
فما السبيل إذن للانتقال من دولة المخزن إلى دولة المؤسسات؟ ما السبيل لفك لغز الفشل المتكرر للإصلاح؟.
فهل قدرنا هو الإجهاض المتجدد لكل خطوات الإصلاح والانتقال السلمي، حيث تخلق باستمرار شروط تقوية الفساد وما يرتبط به من اقتصاد ريع وسياسة ريع وثقافة خضوع، وهي عوامل ومظاهر ووقائع كلها تسير عكس مجرى التاريخ خصوصا الحديث والحالي، فهل قدرنا البقاء خارج التاريخ والسباحة ضد التيار، ومراكمة الفشل والتأخر والاجهاض والاحباط وتنمية شروط القطيعة المجتمعية المؤدية للصدام؟ !.

مقالات ذات صلة