عندما ننصت إلى ما يدور في المجتمع من أحاديث، سوف نجد أن عقول أفرد المجتمع فارغة، وأن هؤلاء الأفراد، لا يفكرون في أبعد من وضع أقدامهم، وأن ما يروجونه من أفكار بسيطة، لا تتجاوز أن تكون أساسا لقيام الجواسيس بتكوين تصور عن الواقع، وترتيب تلك الأفكار، وإعداد التقارير، ورفعها إلى الأجهزة الموظفة لهم، إلى درجة أن تلك الجهة الداخلية، أو الخارجية، تصير عالمة بالسر، وأخفى، عن المجتمع، أكثر من الأفراد المكونين له، الصانعين لأحداثه، المساهمين في بناء حياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمفكرين في كيفية صياغة مستقبله، كيفما كانت هذه الصياغة، وكيفما كان هذا المستقبل، المربين لأجياله المتعاقبة، إلى غير ذلك، مما يمكن أن يقوم به أفراد المجتمع، الذين يتداولون فيما بينهم أفكارا بسيطة، بساطة الإنسان المغربي، الذي لا يهتم بأي شيء يمكن أن يذهب عنه النوم.
ولكن عندما نستنطق الواقع، نجد أنه يمدنا بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت من الأفكار العميقة، والغنية، عن مختلف الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تعج بالكثير من المشاكل، التي تفتقد الحلول المناسبة، والتي تنعكس سلبا على واقع الإنسان المغربي، المعبر عن تردي مختلف الأوضاع، التي لا تنال اهتمام غالبية أفراد المجتمع، حتى وإن كانوا ضحايا ذلك التردي، نظرا لكونهم نشأوا، وتربوا على اللا مبالاة بما يجري حولهم، خوفا من أن يصيروا موضوع مساءلة من قبل الجهات الاستخباراتية، والأمنية، وغير ذلك.
فماذا يروج أفراد المجتمع؟
وفي ماذا يمكن تصنيفه؟
وبماذا تتعلق الأفكار التي يتداولونها؟
وماذا تخدم تلك الأفكار؟
وما مظاهر انعكاسها على مجموع أفراد المجتمع؟
ومن هي الجهات التي تستفيد من تلك الأفكار؟
وما وجه تلك الاستفادة؟
وما هي الأفكار المستوحاة من الواقع؟
وما هو التصنيف الذي تستحقه؟
وبماذا تتعلق الأفكار المستوحاة من الواقع؟
وماذا تخدم الأفكار المستوحاة من الواقع؟
وما مدى انعكاس أفكار الواقع على أفراد المجتمع، في حالة الاقتناع بإيجابيتها؟
ومن هي الجهات التي تستفيد من تلك الأفكار المستوحاة من الواقع؟
وما وجه تلك الاستفادة؟
وما هي العلاقة القائمة بين أفراد المجتمع، وبين الواقع؟
هل هي علاقة توافق؟
هل هي علاقة تناقض؟
هل هي علاقة جدلية؟
وما نوع العلاقة التي يجب أن تقوم بين أفراد المجتمع، وبين الواقع، حتى يساهموا في تطويره، ومن أجل أن يتطوروا؟
ونحن نستمع إلى ما يروجه الناس فيما بينهم، في المجتمع المغربي، وفي المقاهي، وحتى بين أفراد الأسرة الواحدة، نجد أنهم لا يهتمون إلا باليومي، والآني من الحياة، وبالتوافه من الكلام، وبعورات الأفراد، الذين يعرفونهم، والذين لا يعرفونهم، وبالأمور التي لا تستحق الاهتمام، من أجل قتل الوقت، ومن أجل تشويه صور الأفراد، والجماعات، وإعطاء صورة مشوهة عن الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى لا يعرف كما هو، على الأقل، من أجل أن لا يتصور الناس: كيف يجب أن يكون.
وقد كان المفروض أن يهتم جميع أفراد المجتمع، في المجتمع، وفي المقاهي، وداخل الأسر، وفي المنتديات الخاصة، بالقضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي لها علاقة بالواقع، والمنبثقة عن التفاعلات العميقة، التي يعرفها الواقع في تجلياته المتنوعة، من أجل الوصول إلى رسم صورة متكاملة، وعلمية، ودقيقة عنه، من أجل رسم صورة متكاملة، ودقيقة، لما يجب أن يكون عليه، سعيا إلى تطويره، بما يتناسب مع التصور القائم في البلدان المتقدمة، والمتطورة، والتي لا يهتم أفراد المجتمع فيها، إلا بالقضايا الجوهرية، التي تهم مستقبل بلدانهم المتطورة أصلا، سعيا إلى حماية ذلك التطور، وأملا في الاستمرار على نفس وتيرة التطور، التي تضاعفت، من رفاه الأفراد، والجماعات في تلك البلدان.
وما يهتم به الأفراد، والجماعات، في المجتمع المغربي على المستوى العام، وعلى مستوى الأسر، وفي المقاهي، وفي المنتديات، لا يستحق الاهتمام، ولا يمكن تصنيفه إلا في إطار التوافه، التي كان يمكن أن تصير من المقذوفات في مزابل التاريخ، وفي أماكن جمع قمامة الاهتمام بالتوافه، من أجل التخلص منها، كإرث منحط عن ماضي الأمية، والجهل، والفقر، والمرض، وانعدام الوعي بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وعدم امتلاك تصور عنه، كما يجب أن يصير على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، انطلاقا من مخطط تنموي، يستهدف تطوير المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يتأتى لأفراد المجتمع، أن يعرفوا: ما هي الحياة الكريمة، وكيف يجب أن تتحول إلى رفاهية كريمة، خالية من كل أشكال البؤس، والفقر، والمرض، وغير ذلك، مما تنتجه حياة التخلف، التي يوجد عليها المجتمع المغربي.
والأفكار التي يتداولها أفراد المجتمع تتعلق ب:
أولا: ممارسات الأفراد، والجماعات، غير المنتجة، وغير المفيدة، والمعرقلة لأي تقدم، أو تطور اقتصادي، أو اجتماعي، أو ثقافي، أو سياسي، ما دامت تلك الممارسات، لا تهدف إلى إحداث أي شكل من أشكال التطور، وما دامت مرتبطة باليومي، وبجزئيات الحياة العامة، وما دامت تنحرف عن المسار العام للمسلكية الفردية، والجماعية، وما دامت لا تخدم إلا المصالح الفردية، والآنية، ولا تخدم المصالح الطبقية أبدا.
ثانيا: العمل على تمرير الوقت، بتناول الأحاديث، والأفكار المتنوعة، من أجل تحقيق عدم الإحساس بالزمن، خاصة إذا كانت تلك الأحاديث، وتلك الأفكار، تصرف عن الارتباط بالواقع، كما هو الشأن بالنسبة للفكر الخرافي، الذي يقود إلى التفكير في اللا معقول، وتجنب الخوض في المعقول، حتى وإن كان بسيطا، حتى لا ينشغل الأفراد بما يجري في الواقع، ويسقطوا في التفكير في القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي قد تنتقل بالتفكير إلى مستوى امتلاك الوعي بالواقع، بعد معرفته، وامتلاك تصور عن التحول الذي يجب أن يصير إليه الواقع.
ثالثا: تتبع الممارسات الانتهازية، ومحاولة تمثلها، والعمل على إعادة إنتاجها، سعيا إلى الحصول على مكاسب معينة، تلبي التطلعات الطبقية للأفراد، ذوي النزوعات البورجوازية الصغرى، المريضة بالسعي الدؤوب، إلى تحقيق تطلعاتها الطبقية، التي يصير تحقيقها على حساب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يخضعون للاستغلال الهمجي، الذي تمارسه الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي.
رابعا: الاشتغال على النميمة بين الأفراد، والجماعات، وبين الأفراد، والأفراد، وبين الجماعات، والجماعات، بهدف إفساد العلاقات القائمة، حتى يصير ذلك الإفساد في صالح هذا الفرد، أو هذه الجماعة، على حساب ذلك الفرد، أو تلك الجماعة. ذلك أن النميمة هي الملاذ للذين لا عمل لهم، إلا تتبع عورات الناس، ونواقصهم، والبحث عن المشاكل القائمة في المجتمع، مهما كان هذا المجتمع، من أجل اعتمادها في بناء منظومة النميمة، التي تخدم مصالح معينة.
والخلاصة، أننا إذا خالطنا الناس، وعملنا على أن نتتبع الأفكار التي يعالجونها، ويتداولونها فيما بينهم، سوف نجد أنها أفكار لا تستحق الاهتمام، والتداول؛ لأنها، في معظمها، فارغة. وإذا كان لها دور معين، فإن هذا الدور، لا يتجاوز إفساد العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع، سواء كانت اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو سياسية.
والأفكار التي ذكرناها على سبيل المثال فقط، وليست على سبيل الحصر، حتى لا يعتقد البعض، أنه يمكن تجاوزها، والقضاء عليها، بجعل الأفراد، والجماعات، ينصرفون إلى الاهتمام بالواقع، من أجل الوعي به، والعمل على تغييره.
000000000
وكل الأفكار المتداولة في الواقع، بين الأفراد، والجماعات، أو بين الأفراد، والأفراد، أو بين الجماعات، والجماعات، والتي لا علاقة لها بجوهر الواقع، هي أفكار لا تخدم مصالح المجتمع، ولا مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولا مصالح الأجيال الصاعدة، بقدر ما تخدم مصالح لطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأن الاهتمام بهكذا أفكار لا علاقة لها بالواقع، يجعلنا لا نهتم بما يمارس في هذا الواقع، من استغلال همجي، يأتي على كل شيء، ولا يترك أي شيء، مهما كان هذا الشيء بسيطا، لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وتتمثل مظاهر انعكاسات الأفكار المتداولة في المجتمع، على مجموع أفراد المجتمع، في:
أولا استمرار انتشار الأمية، بمظاهرها المختلفة، وفي مقدمتها: الأمية الأبجدية، التي تشتغل عليها آلاف الجمعيات، المسماة تنموية، والتي ترصد لها أموال طائلة، بدون أن تنعكس تلك الأموال، على التقليص من نسبة الأمية، المتمكنة من المجتمع، والتي تختلف نسبتها حسب الجنس، وحسب المجال، وحسب السن.
ثانيا: الفوارق الطبقية، التي تتعمق باستمرار، بفعل تعميق استغلال الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يذهب مجهودهم إلى جيوب المستغلين، وتابعيهم المستفيدين من الاستغلال.
ثالثا: انعدام الحرية، بمضامينها المختلفة، في المجتمع المغربي، على جميع المستويات، مقابل سيادة الاستعباد، المتمكن من كل أفراد الشعب المغربي، وعلى جميع المستويات، إلى درجة صيرورته بنيويا في المجتمع المغربي.
رابعا: انعدام الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وحرمان المجتمع المغربي منها، في مقابل تكريس الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في الواقع المغربي المتردي.
خامسا: حرمان المغاربة من تحقيق العدالة، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مقابل تكريس الاستغلال، الذي صار بنيويا في علاقات الإنتاج، القائمة في المجتمع المغربي.
وبالنسبة للجهات التي تستفيد من تلك الأفكار، التي يتداولها أفراد المجتمع المغربي فيما بينهم، والتي أشرنا إلى طبيعتها في الفقرات السابقة، فإنها تتكون من:
أولا: الطبقة الحاكمة، التي ينشغل المغاربة بالمشاكل اليومية، عن ممارستها للاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وغير ذلك، مما يجعلها مطمئنة على ثبات حكمها، وعدم التشويش عليها أيديولوجيا، وسياسيا، من قبل الإطارات التي يفترض فيها أن تصير كذلك، من أجل أن تلعب دورا أساسيا، ومركزيا، في مواجهة الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
ثانيا: باقي المستغلين، الذين يدعمون الطبقة الحاكمة، وكل أجهزتها، التي تحرص على جعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يتقبلون الاستغلال الممارس عليهم، ولا يعملون على مقاومته، بأي شكل من أشكال المقاومة.
ثالثا: كل المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، الذين يعيشون على الامتيازات الريعية، التي تقدمها لهم الطبقة الحاكمة، مقابل الانحشار ضمن زمرتها، والانخراط ضمن أجهزة مخبريها.
رابعا: كل أجهزة إدارة الدولة المخزنية، التي تمارس كل أشكال الفساد الإداري، والسياسي، الذي يتم غض الطرف عنه، وعدم الانخراط في محاربته، مما يجعل ذلك الفساد، يستمر في الاستفحال إلى مالا نهاية، مادام المغاربة غير معنيين بالوعي به.
وهذه الجهات المستفيدة من الأفكار التافهة، والمنحطة، التي يتداولها أفراد المجتمع فيما بينهم، وفي إطار الجماعات الني التي ينتمون إليها، ليس من مصلحتها أن يمتلك أفراد المجتمع الوعي بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبالفساد الإداري، والسياسي، وبخطورة الأوضاع المتردية، وكافة أشكال الفساد الإداري، والسياسي، وبخطورة الأوضاع المتردية، وكافة اشكال الفساد الإداري، والسياسي، على مستقبل أبناء الشعب المغربي.
ووجه استفادة الجهات المذكورة، يتمثل، بالخصوص، في مراكمة المزيد من الثروات، على حساب تعميق إفقار العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين قد يصيرون فاقدين للقدرة على الحصول على قوت يومهم، كما يظهر ذلك من خلال الممتلكات، التي صارت في ذمة الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، والممارسين للفساد الإداري، والسياسي، وكما تشهد على ذلك كل الوقائع، التي تجري في المجتمع.
هذا ما يتعلق بالأفكار المتداولة بين أفراد المجتمع، وفي إطار الجماعات، التي ينتمون ، أما الأفكار المستوحاة من الواقع، وفي كل المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، فهي أفكار تقتضي حضور الاهتمام اليومي، والآني بها، وخاصة من قبل أفراد المجتمع، المصنفين من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بمن فيهم الفلاحون الفقراء، والمعدمون، وهذه الأفكار تتمثل في:
أولا: حرمان الجماهير الشعبية الكادحة، من كافة حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وكما هي في المواثيق الصادرة عن منظمة العمل الدولية، التي تهتم بحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر لكادحين، هذا الحرمان من مختلف حقوق الإنسان، بما فيها حقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، هذا الحرمان من حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، صار مكرسا على أرض الواقع المغربي، في الوقت الذي يدعون فيه أنهم أقروا، وصادقوا، ورفعوا التحفظات على المواثيق، والاتفاقيات الدولية، وخاصة بعد تزوير الإرادة الشعبية، في ظل دستور فاتح يوليوز 2011، والذي صار قانونا للدولة، وينص على إقرار حقوق الإنسان، كما هي المواثيق، والاتفاقيات الدولية، ولكن على مستوى الممارسة، فالانتهاكات لا زالت قائمة.
ثانيا: سيادة الخروقات في مجالات عدة، وخاصة في التعليم، والصحة، والسكن، والشغل، وغير ذلك، مما يتناقض مع دستور فاتح يوليوز 2011، ومع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، التي يفترض احترامها، والعمل على أجرأتها، من خلال ملاءمة القوانين الوطنية معها، ومن خلال تشديد الرقابة على المسؤولين، في مختلف القطاعات، ومهما كانت هذه القطاعات، التي ينتمون إليها بسيطة، حرصا على حقوق المواطن البسيط، الذي يتضرر كثيرا من الانتهاكات المرتكبة في حقه.
ثالثا: تفشي ظاهرة الفساد الإداري، والسياسي، الذي صار ينخر كيان المجتمع، وكيان الأجهزة الإدارية المختلفة، التي أصبح المسؤولون عنها لا يهتمون إلا بما يضعونه في جيوبهم، من استدراج المواطنين البسطاء، إلى إرشائهم، إن هم أرادوا الاستجابة إلى مطالبهم، التي هي حق لهم، وفي إطار الخدمات التي تقدمها كل إدارة، إلى كافة المواطنين.
وهذا الفساد الإداري، والسياسي، المتفشي في العلاقة مع الإدارة المغربية، ومع مسؤولي الجماعات المحلية، وفي كل المحطات الانتخابية، وكل الممارسات السياسية العامة، والخاصة، صار مصدرا لتكريس التخلف، في مستوياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعل الشعب المغربي متخلفا عن باقي الشعوب، كما تدل على ذلك لوائح الترتيب، الصادرة عن المنظمات الدولية، والتي تضع المغرب ضمن الدول المتأخرة، في تلك اللوائح، بسبب النهب الممارس عليه، نتيجة لسيادة الفساد الإداري، والسياسي.
رابعا: الأزمة المزمنة، التي تعيشها القطاعات الاجتماعية، كالتعليم، والصحة على سبيل المثال، لا على سبيل الحصر، والتي تفرض حضورها في أذهان جميع أفراد المجتمع، وخاصة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، باعتبارهم معانين من الأزمة، التي تعرفها القطاعات الاجتماعية المختلفة، من أجل إمعان النظر فيها، وامتلاك الوعي بها، وبيان ما يجب عمله من أجل تجاوزها، والانخراط في النضال من أجل ذلك التجاوز؛ لإيجاد حياة اجتماعية، تتوفر لها جودة الخدمات التعليمية، والصحية، والسكنية، وتوفير مناصب الشغل الكافية للعاطلين، والمعطلين، في مختلف المجالات لاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، من أجل الانتقال بالمجتمع المغربي، من مجتمع البؤس، إلى مجتمع الرفاه، وفي إطار تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة بين الجنسين، وقيام الدولة الوطنية الديمقراطية، والعلمانية، باعتبارها دولة الحق والقانون.
000000000
والتصنيف الذي تستحقه الأفكار المستوحاة من الواقع، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، هو أنها أفكار ذات الاهتمام الخاص، والعام. فالاهتمام الخاص، هو الذي يحضر في المنظمات النقابية، والحقوقية، والجمعوية المناضلة، الساعية إلى تحقيق تلك الأفكار على أرض الواقع، من خلال الاستجابة لمطالب النقابات المناضلة، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن خلال فرض احترام حقوق الإنسان، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي تعتبر أرقى ما وصلت إليه الإنسانية، ومن خلال الاستجابة لمطالب الجمعيات الثقافية، والتربوية، وجمعيات الأحياء، من أجل طمأنة الأجيال الصاعدة على مستقبلها، كما يحضر هذا الاهتمام، في ممارسة الأحزاب المناضلة، من أجل تغيير الواقع تغييرا جذريا، في أفق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في إطار قيام الدولة الاشتراكية. أما الاهتمام العام، الذي يجب أن تحظى به الأفكار المستوحاة من الواقع، فيهم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين عليهم أن يستوعبوا تلك الأفكار، والوعي بها، والنضال من أجل تحقيقها على أرض الواقع، من خلال الانخراط في النضالات التي تخوضها النقابات، والأحزاب، والجمعيات الحقوقية، والثقافية، والتربوية، التي تهدف إلى حفظ كرامة الإنسان المادية، والمعنوية، الذي يعاني من التفاوت الطبقي الصارخ، الذي يعم مجموع التراب المغربي، والذي يقف وراء انتشار البؤس، والشقاء، والظلم، والقهر، إلى جانب تكريس الاستغلال الهمجي لأبناء الشعب المغربي، من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
والأفكار المستوحاة من الواقع المغربي، الذي لا ينال اهتمام أفراد المجتمع، اللا مبالين بما يجري في الواقع، الذي يعيشونه، تتعلق ب:
أولا: الوضعية الاقتصادية المتردية، التي لا تخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، وأجهزة دولتها المخزنية، ومصالح باقي الممارسين للاستغلال، ومصالح كافة المستفيدين منه، على جميع الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال المادي، والمعنوي، وخاصة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والفلاحين الفقراء، والمعدمين، الذين يعيشون حياة البؤس، بعد ما سرق منهم المجهود الذي يبذلونه، في عملية الإنتاج الصناعي، والخدماتي، والزراعي.
ثانيا: الوضعية الاجتماعية المتردية، كنتيجة للوضعية الاقتصادية المتردية بدورها، مما يجعل التعليم، والصحة، والسكن، والتشغيل، والترفيه، لا يخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، الذي يستهدف الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال، الذي يستهدف الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال بالتهميش، والإهمال، والبؤس، والحرمان من الحقوق الاجتماعية، وخاصة في ظل خوصصة معظم الخدمات الاجتماعية الحساسة، ليصير الكادحون محرومون منها.
ثالثا: الوضعية الثقافية المتردية، التي تقف وراء سيادة القيم المتردية، التي صارت مرتبطة بالمسلكية الفردية، والجماعية، المنتجة لكل مظاهر الانحراف الأخلاقي / المسلكي، الذي ينعكس سلبا على مظاهر الحياة العامة، والخاصة، وفي مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ليصير معظم أفراد المجتمع يعانون من التخلف، في مظاهره المختلفة، وغير واعين بذلك التخلف، وقابلين بما يمارس في حقهم، على أنه جزء لا يتجزأ من الحياة، في الوقت الذي يعلن فيه الانحراف عن وقوفه وراء كل مظاهر التردي، التي يعاني منها المجتمع، نظرا لتردي القيم الثقافية، التي تلتصق بالمسلكية الفردية، والجماعية.
رابعا: الوضعية السياسية، التي تحولت إلى مجرد منتوج للفساد السياسي، الذي يعم المجتمع المغربي، من خلال المؤسسات التي تفرزها المحطات الانتخابية، الفاسدة أصلا، ومن خلال الحكومة التي تفرزها المؤسسة البرلمانية، ومن خلال تواجد العديد من الأحزاب، التي وقفت الإدارة المخزنية، أو الدولة المخزنية، وراء تشكيلها، ورعايتها، وتزوير الانتخابات، لإيصالها إلى المؤسسات المزورة، وإلى الحكومة، والتي تستغل مختلف المؤسسات، التي تتواجد فيها، لتعميق الفساد السياسي، ولنهب ثروات الشعب المغربي، من أجل توظيفها، لنشر الفساد السياسي، في النسيج الاجتماعي، حتى يصير المغرب مرتعا لهذا الشكل من الفساد، الذي لا يستطيع النظام المخزني المغربي التخلص منه.
خامسا: الوضعية الإدارية المتردية، في مختلف أجهزة الإدارة المغربية، وفي كل أجهزة الجماعات المحلية، التي تعاني من كل أشكال الفساد الإداري، نظرا لسيادة المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، وغير ذلك، مما لا نستطيع الوقوف عليه، مما يجعل الوضعية الإدارية المسؤولة عن كل القطاعات، وخاصة في القطاعات الحيوية، وفي الجماعات المحلية، تنعكس سلبا على الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من أجل أن يصير مجرد إنتاج لذلك الفساد الإداري.
سادسا: الوضعية الحقوقية المتردية، المتسمة بحرمان العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، نظرا لعدم التزام الإدارة باحترام تلك الحقوق، ولعدم قيام مؤسسات الدولة التشريعية، بملاءمة القوانين الوطنية، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى تصير وسيلة لجعل مختلف الحقوق قانونية، ومن أجل أن تصير إدارة الدولة ملزمة باحترام حقوق الإنسان، من خلال تطبيق مختلف القوانين، وفي جميع القطاعات، حتى يشعر كل فرد بأنه ينتمي إلى هذا الوطن، باعتباره وطنا للحقوق.
وهذه الوضعيات، وغيرها، مما لم نذكر، هي التي تتشكل منها الأفكار المستوحاة من الواقع، والتي يفترض فيها أن تصير أساسا لمعرفة الواقع، في تجلياته المختلفة، من أجل الوعي به، وامتلاك تصور لما يجب أن يكون عليه، والنضال من أجل تغييره تغييرا جذريا، حتى يصير مستجيبا لمتطلبات، وحاجيات الشعب المغربي، الذي يعاني أصلا من قهر، وظلم الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
وهذه الأفكار المستوحاة من الواقع، في حالة معرفتها، والوعي بها، وامتلاك تصور عن الواقع البديل، والانخراط في النضال من أجل تغيير الوقع القائم، فإننا نجد أنها تخدم مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إذا تغير الواقع. أما إذا بقي على ما هو علي،ه فإن المستفيد من تردي مختلف الأوضاع، هو الطبقة الحاكمة، وكل المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي للمجتمع المغربي.
وفيما يتعلق بالأفكار المستوحاة من الواقع، في حالة اعتمادها، من أجل تغيير الواقع، تغييرا ينعكس إيجابيا على أفراد المجتمع، وهذا الانعكاس الإيجابي، سوف يجعل الواقع الاقتصادي لأفراد المجتمع يتحسن، ليزداد بذلك الدخل الفردي السنوي، وترتفع أجور العمال الشهرية، ونصف الشهرية، واليومية، وترتفع قيمة الميزانيات المرصودة لمختلف الخدمات الاجتماعية، التي يستفيد منها جميع أفراد المجتمع، كما هو الشأن بالنسبة للتعليم، والصحة، والسكن، والشغل، والترفيه، وغيرها، في أفق الوصول إلى تحقيق مجتمع الرفاه، الذي تسعى إلى تحقيقه الشعوب، بعد تحقيق الحرية، في مقابل القضاء على الاستعباد، والديمقراطية، في مقابل القضاء على كل مظاهر الاستبداد، والعدالة الاجتماعية، في مقابل القضاء على الاستغلال الهمجي الممارس على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. ذلك، أن الأفكار المستوحاة من الواقع، في حالة إيجابيتها، أو سلبيتها، قد تنعكس إيجابا على مجموع أفراد المجتمع، وقد تنعكس سلبيا. وما تعودنا عليه نحن هنا في المغرب، هو أن الأفكار المستوحاة من الواقع، لا تكون إلا سلبية، والوعي بها، وبسلبيتها، لا يكون إلا محدودا، وانعكاسها على أفراد المجتمع، لا يكون إلا سلبيا، وما هو مفترض، أن يدرك أفراد المجتمع، الأفكار المستوحاة من الواقع: الإيجابية، والسلبية على السواء، وإدراك ما يجب عمله لضمان الاستفادة من الانعكاسات الإيجابية، ولتجنب كافة الانعكاسات السلبية، المترتبة عن الأفكار السلبية، المستوحاة من الواقع، وصولا إلى جعل الشعب يتمكن من تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، بناء على الأفكار الإيجابية، المستوحاة من الواقع.
والجهات التي تستفيد من الأفكار المستوحاة من الواقع، تختلف باختلاف إيجابية تلك الأفكار، أو سلبيتها، وفي حالة إيجابيتها، نجد أن الجهات المستفيدة تتمثل في:
أولا: العمال المنتجين، الذين يعانون من الحرمان من كافة حقوقهم، المنصوص عليها في مدونة الشغل، وتلك التي تم التنصيص عليها في مواثيق، واتفاقيات منظمة العمل الدولية، وتلك المضمنة في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان؛ لأن الواقع ينطق، وبأصوات مرتفعة، بمعاناة العمال المنتجين، الذين يناضلون من أجل تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية، ومن أجل تمتيعهم بحقوق الشغل، وبكافة حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.
ثانيا: باقي الأجراء، الذين يعانون، كذلك، من كون أجورهم غير قادرة على مواجهة متطلبات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، التي يصرخ الواقع بمعاناتهم منها عاليا، مما يفرض الاهتمام بأوضاعهم المادية، والمعنوية، وتوعيتهم بضرورة النضال، من أجل ذلك، ومن تمتيعهم بحقوقهم الشغلية، وبحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي أصبحت مقياسا لاحترام، أو لعدم احترام أنظمة الحكم القائمة.
ثالثا: باقي الكادحين، من فلاحين فقراء، ومعدمين، ومعطلين، ومياومين، وغيرهم، من الذين يكدحون سحابة يومهم، من أجل الحصول على القوت اليومي. وهذه الفئة هي الأكثر معاناة من غيرها، والأكثر فقرا من العمال، وباقي الأجراء؛ لأنها غير مضمونة الدخل، وغير مستقرة في حياتها، وهي، كذلك، الأكثر استفادة من الأفكار الإيجابية، المستوحاة من الواقع، في حالة اعتمادها؛ لأنها قد تصير مستقرة، وقد يصير لها دخل قار، وقد تتمتع بحقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة في حالة ملاءمة القوانين الوطنية معها. إلا أن هذه الفئة من باقي الكادحين، غالبا ما تكون فاقدة للوعي بأوضاعها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعلها تتقبل كافة أشكال الاستغلال المباشر، وغير المباشر، الممارس عليها من قبل المستغلين، والمستفيدين من الاستغلال.
000000000
أما إذا كانت الأفكار المستوحاة من الواقع سلبية، فإن الجهات المستفيدة منها، تتمثل في:
أولا: الطبقة الحاكمة، التي تضاعف استغلالها للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل مضاعفة استفادتها منت ذلك الاستغلال، لمراكمة المزيد من الثروات، التي تمكنها من السيطرة على ثروات الشعب المغربي.
ثانيا: أجهزة الدولة المخزنية، الفاسدة أصلا، والتي من مصلحتها: صيرورة الأفكار المستوحاة من الواقع سلبية، حتى تستمر الإدارة المخزنية في ممارسة كافة أشكال الفساد، التي لا يتضرر منها، بالدرجة الأولى، إلا العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
ثالثا: باقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، الذين يعيشون على هامش الطبقة الحاكمة، ويقتاتون من موائد استغلالها، في أفق التمرس على مراكمة المزيد من الثروات، التي تجمع بطرق غير مشروعة.
فالأفكار المستوحاة من الواقع، بإيجابيتها، أو سلبيتها، هي أفكار تعتمد أساسا لمعرفة الواقع، والوعي به، والعمل على الفعل فيه بطريقة ما، سواء كانت سلبية، أو إيجابية، حسب التوجه الفاعل:
هل هو توجه يسعى إلى تخريب الواقع؟
وهل هو توجه يسعى إلى خدمة الواقع خدمة إيجابية، من خلال العمل على تغييره، حتى يصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؟
ووجه الاستفادة من الأفكار المستوحاة من الواقع، قد يكون لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، في حالة إيجابية تلك الأفكار، وقد يكون لصالح الطبقة الحاكمة، وأجهزة الدولة المخزنية القمعية، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، في حالة سلبيتها.
فإذا تحققت الديمقراطية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وتم احترام حقوق الإنسان، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وتم إيجاد دستور شعبي ديمقراطي، يقر الفصل الفعلي بين السلطات، وتم إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، تحت إشراف هيأة مستقلة، وتم إيجاد حكومة بكافة السلطات، من الأغلبية البرلمانية، تكون الاستفادة لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
أما إذا لم يتحقق أي شيء من ذلك، وبقي الوضع على ما هو عليه، وبقي الاستعباد متمكنا من رقاب المغاربة، والاستبداد مسلطا على الاقتصاد، والمجتمع، والثقافة، والسياسة، والاستغلال يستمر في استهداف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فإن الاستفادة تبقى لصالح الطبقة الحاكمة، وأجهزة الدولة المخزنية القمعية، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي لكادحي المجتمع المغربي، وطليعته الطبقة العاملة.
والعلاقة القائمة بين أفراد المجتمع، وبين الواقع، تصير حسب الموقع الذي تحتله كل طبقة اجتماعية، من علاقات الإنتاج. وهذه العلاقة قد تصير علاقة توافق، أو قد تصير علاقة تناقض، أو علاقة جدلية.
فإذا كان نمط الإنتاج السائد مثلا، هو نمط الإنتاج الرأسمالي التبعي، كما هو الشأن بالنسبة لنا في المغرب، فإن علاقة التوافق، هي التي تصير قائمة بين الطبقة الحاكمة، ودولتها المخزنية، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، وبين الواقع الذي يمارس فيه الاستغلال الهمجي، على كادحي المجتمع المغربي. أما إذا كان نمط الإنتاج يسود فيه التوزيع العادل للثروة، في إطار تتحقق فيه الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، فإن علاقة التوافق، كذلك، هي التي تصير قائمة بين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبين الواقع الذي ينتفي فيه الاستغلال، وتسود فيه الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
وبالنسبة للعلاقة القائمة بين نمط الإنتاج الرأسمالي التبعي، فإن علاقة التناقض، هي التي تصير قائمة بين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبين الواقع الذي تنتفي فيه الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، ويسود فيه الاستغلال الهمجي للكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة.
أما بالنسبة لنمط الإنتاج الذي يسود فيه التوزيع العادل للثروة، وينتفي فيه الاستغلال، وتسود فيه الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، فإن علاقة التناقض، هي التي تجمع بين الطبقات الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي للمجتمع، وبين الواقع الذي لا يخدم إلا مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وفيما يخص العلاقة الجدلية القائمة بين أفراد المجتمع، وبين الواقع، فهي علاقة يفترض فيها خدمة الواقع، والاستفادة منه، في إطار قيام تفاعل بين أفراد المجتمع، وبين الواقع، رغبة في تطور المجتمع، بتطور أفراده، وتطور الواقع بتطور مختلف مكوناته، في مختلف المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يصير الواقع في خدمة أفراد المجتمع، وفي خدمة الواقع، باعتباره مشتركا بين جميع أفراده.
غير أن الواقع يختلف من طبقة إلى أخرى، مما يترتب عنه اختلاف في العلاقة الجدلية، كذلك، من طبقة، إلى أخرى، ومن واقع تلك الطبقة، إلى واقع طبقة أخرى.
ولذلك، نجد أن العلاقة الجدلية بين الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، وبين واقع هذه الطبقة، ومن يسبح في فلكها، يتمثل في عملها على تطوير آليات الاستغلال المادي، والمعنوي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل مضاعفة استغلالهم، حتى تتضاعف الفوائد التي تجنيها من وراء الاستغلال. وهو ما يعني: أنه بقدر ما تتطور آليات الاستغلال، بقدر ما ترتفع الفوائد، وبقدر ما تبقى آليات الاستغلال متخلفة، بقدر ما تكون الفوائد، كذلك، متخلفة.
كما نجد أن العلاقة القائمة بين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبين واقعهم، يتمثل في العمل على تطوير النضال المادي، والمعنوي، من أجل تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية. ولذلك، نجد أنه بقدر ما يعمل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، على تطوير الآليات التي تقود نضالاتهم، بقدر ما ينتزعون المزيد من المكاسب المادية، والمعنوية، وبقدر ما تكون تلك الآليات ضعيفة، ومهترئة، بقدر ما تخضع لمضاعفة استغلالها.
والاختلاف من طبقة، إلى طبقة أخرى، تقتضيه طبيعة النظام الرأسمالي التبعي، الذي نخضع له، وخاصة في ظل الدولة المخزنية، باعتبارها دولة التعليمات، وليست باعتبارها دولة للحق، والقانون.
ففي ظل الدولة الرأسمالية التبعية، باعتبارها دولة مخزنية، تتضاعف الامتيازات، ويتضاعف القمع، ويتضاعف الاستغلال، كنتيجة حتمية لمضاعفة الامتيازات، ولمضاعفة القمع.
ولكن عندما تصير الدولة متحررة، وعندما تصير دولة للحق، والقانون، ودولة ديمقراطية، لا وجود فيها لشيء اسمه الامتيازات، تصير العلاقة الجدلية بين الأفراد، والجماعات، وبين الواقع، مختلفة عن العلاقة القائمة بينهما، في إطار الدولة الرأسمالية التبعية، باعتبارها دولة مخزنية، ودولة مانحة لمختلف الامتيازات، التي تدخل في إطار اقتصاد الريع.
وانطلاقا من هذا الاختلاف القائم بين الدولة الرأسمالية التبعية، وبين دولة الحق، والقانون، نجد أن العلاقة الجدلية بين جميع أفراد المجتمع، مهما كانت طبقتهم التي ينتمون إليها أو يصنفون في إطارها، هي علاقة ترتبط بطبيعة القوانين المعمول بها. فإذا كانت هذه القوانين متقدمة، ومتطورة، كانت استفادة جميع أفراد المجتمع متقدمة، ومتطورة، وإذا كانت القوانين متخلفة، كانت الاستفادة أيضا متخلفة، والعلاقة مع الواقع هي علاقة مع الآليات القانونية، التي يناضل الجميع من أجل تطويرها، حتى تصير في خدمة الجميع.
وهكذا، يتبين أن العلاقة التي يجب أن تقوم بين جميع أفراد المجتمع، وبين الواقع، ليست هي علاقة التوافق، وليست هي علاقة التناقض، بل هي علاقة التفاعل، التي لا تتمثل إلا في إطار العلاقة الجدلية، التي تقتضي من الجميع الأخذ، والعطاء، والسعي المستمر إلى مضاعفة العطاء، من أجل مضاعفة الأخذ، الذي يقتضي بذل مجهود مضاعف، من أجل تطوير القوانين المعمول بها، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تصير أكثر خدمة للإنسان، مهما كانت الطبقة التي ينتمي إليها، ما دمنا في دولة الحق، والقانون.
ونحن في ظل الدولة المخزنية الرأسمالية التبعية، نجد أن كلام الناس شيء، والكلام المستوحى من الواقع شيء آخر، ولا وجود لأية علاقة قائمة بين كلام الناس، والكلام المستوحى من الواقع؛ لأن ما يميز كلام الناس، هو الطابع الميتافيزيقي / الغيبي، الذي لا نجد له إلا مبررا واحدا، وهو الهروب من الواقع، الذي لا يستطيع الناس فهمه، واستيعابه، ولا يمتلكون آليات تطويره، حتى يصير في خدمة جميع أفراد المجتمع. أما ما يميز الكلام المستوحى من الواقع، فهو النطق الصارخ بالحجج، وبالوقائع العينية، التي تفصح عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي يعاني منها الكادحون، وطليعتهم الطبقة العاملة، والتي تفرض ضرورة التحرك، من أجل تغيير تلك الأوضاع، حتى تزول معاناة الكادحين.
وهذا الفرق القائم بين كلام الناس، والكلام المستوحى من الواقع، لا يمكن وصفه إلا بالفرق بين الغيبي اللا مجسد، الذي لا يمكن القبض عليه، وبين الواقعي المجسد، الذي يمكن إدراكه بمجموع سماته.
والناس لا يتطورون أبدا، مادام كلامهم غيبيا، وما دامت الأحاديث التي تجري فيما بينهم، ذات مواضيع غيبية، لا تلتمس أن تجد لها مكانا في الواقع، الذي يبقى متخلفا، تخلف العقول التي لا تفكر إلا في الغيب، حتى وإن كان أصحاب تلك العقول، يحملون أعلى الشهادات.
ولكن عندما نستنطق الواقع، نجد أنه يمدنا بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت من الأفكار العميقة، والغنية، عن مختلف الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تعج بالكثير من المشاكل، التي تفتقد الحلول المناسبة، والتي تنعكس سلبا على واقع الإنسان المغربي، المعبر عن تردي مختلف الأوضاع، التي لا تنال اهتمام غالبية أفراد المجتمع، حتى وإن كانوا ضحايا ذلك التردي، نظرا لكونهم نشأوا، وتربوا على اللا مبالاة بما يجري حولهم، خوفا من أن يصيروا موضوع مساءلة من قبل الجهات الاستخباراتية، والأمنية، وغير ذلك.
فماذا يروج أفراد المجتمع؟
وفي ماذا يمكن تصنيفه؟
وبماذا تتعلق الأفكار التي يتداولونها؟
وماذا تخدم تلك الأفكار؟
وما مظاهر انعكاسها على مجموع أفراد المجتمع؟
ومن هي الجهات التي تستفيد من تلك الأفكار؟
وما وجه تلك الاستفادة؟
وما هي الأفكار المستوحاة من الواقع؟
وما هو التصنيف الذي تستحقه؟
وبماذا تتعلق الأفكار المستوحاة من الواقع؟
وماذا تخدم الأفكار المستوحاة من الواقع؟
وما مدى انعكاس أفكار الواقع على أفراد المجتمع، في حالة الاقتناع بإيجابيتها؟
ومن هي الجهات التي تستفيد من تلك الأفكار المستوحاة من الواقع؟
وما وجه تلك الاستفادة؟
وما هي العلاقة القائمة بين أفراد المجتمع، وبين الواقع؟
هل هي علاقة توافق؟
هل هي علاقة تناقض؟
هل هي علاقة جدلية؟
وما نوع العلاقة التي يجب أن تقوم بين أفراد المجتمع، وبين الواقع، حتى يساهموا في تطويره، ومن أجل أن يتطوروا؟
ونحن نستمع إلى ما يروجه الناس فيما بينهم، في المجتمع المغربي، وفي المقاهي، وحتى بين أفراد الأسرة الواحدة، نجد أنهم لا يهتمون إلا باليومي، والآني من الحياة، وبالتوافه من الكلام، وبعورات الأفراد، الذين يعرفونهم، والذين لا يعرفونهم، وبالأمور التي لا تستحق الاهتمام، من أجل قتل الوقت، ومن أجل تشويه صور الأفراد، والجماعات، وإعطاء صورة مشوهة عن الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى لا يعرف كما هو، على الأقل، من أجل أن لا يتصور الناس: كيف يجب أن يكون.
وقد كان المفروض أن يهتم جميع أفراد المجتمع، في المجتمع، وفي المقاهي، وداخل الأسر، وفي المنتديات الخاصة، بالقضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي لها علاقة بالواقع، والمنبثقة عن التفاعلات العميقة، التي يعرفها الواقع في تجلياته المتنوعة، من أجل الوصول إلى رسم صورة متكاملة، وعلمية، ودقيقة عنه، من أجل رسم صورة متكاملة، ودقيقة، لما يجب أن يكون عليه، سعيا إلى تطويره، بما يتناسب مع التصور القائم في البلدان المتقدمة، والمتطورة، والتي لا يهتم أفراد المجتمع فيها، إلا بالقضايا الجوهرية، التي تهم مستقبل بلدانهم المتطورة أصلا، سعيا إلى حماية ذلك التطور، وأملا في الاستمرار على نفس وتيرة التطور، التي تضاعفت، من رفاه الأفراد، والجماعات في تلك البلدان.
وما يهتم به الأفراد، والجماعات، في المجتمع المغربي على المستوى العام، وعلى مستوى الأسر، وفي المقاهي، وفي المنتديات، لا يستحق الاهتمام، ولا يمكن تصنيفه إلا في إطار التوافه، التي كان يمكن أن تصير من المقذوفات في مزابل التاريخ، وفي أماكن جمع قمامة الاهتمام بالتوافه، من أجل التخلص منها، كإرث منحط عن ماضي الأمية، والجهل، والفقر، والمرض، وانعدام الوعي بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وعدم امتلاك تصور عنه، كما يجب أن يصير على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، انطلاقا من مخطط تنموي، يستهدف تطوير المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يتأتى لأفراد المجتمع، أن يعرفوا: ما هي الحياة الكريمة، وكيف يجب أن تتحول إلى رفاهية كريمة، خالية من كل أشكال البؤس، والفقر، والمرض، وغير ذلك، مما تنتجه حياة التخلف، التي يوجد عليها المجتمع المغربي.
والأفكار التي يتداولها أفراد المجتمع تتعلق ب:
أولا: ممارسات الأفراد، والجماعات، غير المنتجة، وغير المفيدة، والمعرقلة لأي تقدم، أو تطور اقتصادي، أو اجتماعي، أو ثقافي، أو سياسي، ما دامت تلك الممارسات، لا تهدف إلى إحداث أي شكل من أشكال التطور، وما دامت مرتبطة باليومي، وبجزئيات الحياة العامة، وما دامت تنحرف عن المسار العام للمسلكية الفردية، والجماعية، وما دامت لا تخدم إلا المصالح الفردية، والآنية، ولا تخدم المصالح الطبقية أبدا.
ثانيا: العمل على تمرير الوقت، بتناول الأحاديث، والأفكار المتنوعة، من أجل تحقيق عدم الإحساس بالزمن، خاصة إذا كانت تلك الأحاديث، وتلك الأفكار، تصرف عن الارتباط بالواقع، كما هو الشأن بالنسبة للفكر الخرافي، الذي يقود إلى التفكير في اللا معقول، وتجنب الخوض في المعقول، حتى وإن كان بسيطا، حتى لا ينشغل الأفراد بما يجري في الواقع، ويسقطوا في التفكير في القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي قد تنتقل بالتفكير إلى مستوى امتلاك الوعي بالواقع، بعد معرفته، وامتلاك تصور عن التحول الذي يجب أن يصير إليه الواقع.
ثالثا: تتبع الممارسات الانتهازية، ومحاولة تمثلها، والعمل على إعادة إنتاجها، سعيا إلى الحصول على مكاسب معينة، تلبي التطلعات الطبقية للأفراد، ذوي النزوعات البورجوازية الصغرى، المريضة بالسعي الدؤوب، إلى تحقيق تطلعاتها الطبقية، التي يصير تحقيقها على حساب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يخضعون للاستغلال الهمجي، الذي تمارسه الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي.
رابعا: الاشتغال على النميمة بين الأفراد، والجماعات، وبين الأفراد، والأفراد، وبين الجماعات، والجماعات، بهدف إفساد العلاقات القائمة، حتى يصير ذلك الإفساد في صالح هذا الفرد، أو هذه الجماعة، على حساب ذلك الفرد، أو تلك الجماعة. ذلك أن النميمة هي الملاذ للذين لا عمل لهم، إلا تتبع عورات الناس، ونواقصهم، والبحث عن المشاكل القائمة في المجتمع، مهما كان هذا المجتمع، من أجل اعتمادها في بناء منظومة النميمة، التي تخدم مصالح معينة.
والخلاصة، أننا إذا خالطنا الناس، وعملنا على أن نتتبع الأفكار التي يعالجونها، ويتداولونها فيما بينهم، سوف نجد أنها أفكار لا تستحق الاهتمام، والتداول؛ لأنها، في معظمها، فارغة. وإذا كان لها دور معين، فإن هذا الدور، لا يتجاوز إفساد العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع، سواء كانت اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو سياسية.
والأفكار التي ذكرناها على سبيل المثال فقط، وليست على سبيل الحصر، حتى لا يعتقد البعض، أنه يمكن تجاوزها، والقضاء عليها، بجعل الأفراد، والجماعات، ينصرفون إلى الاهتمام بالواقع، من أجل الوعي به، والعمل على تغييره.
000000000
وكل الأفكار المتداولة في الواقع، بين الأفراد، والجماعات، أو بين الأفراد، والأفراد، أو بين الجماعات، والجماعات، والتي لا علاقة لها بجوهر الواقع، هي أفكار لا تخدم مصالح المجتمع، ولا مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولا مصالح الأجيال الصاعدة، بقدر ما تخدم مصالح لطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأن الاهتمام بهكذا أفكار لا علاقة لها بالواقع، يجعلنا لا نهتم بما يمارس في هذا الواقع، من استغلال همجي، يأتي على كل شيء، ولا يترك أي شيء، مهما كان هذا الشيء بسيطا، لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وتتمثل مظاهر انعكاسات الأفكار المتداولة في المجتمع، على مجموع أفراد المجتمع، في:
أولا استمرار انتشار الأمية، بمظاهرها المختلفة، وفي مقدمتها: الأمية الأبجدية، التي تشتغل عليها آلاف الجمعيات، المسماة تنموية، والتي ترصد لها أموال طائلة، بدون أن تنعكس تلك الأموال، على التقليص من نسبة الأمية، المتمكنة من المجتمع، والتي تختلف نسبتها حسب الجنس، وحسب المجال، وحسب السن.
ثانيا: الفوارق الطبقية، التي تتعمق باستمرار، بفعل تعميق استغلال الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يذهب مجهودهم إلى جيوب المستغلين، وتابعيهم المستفيدين من الاستغلال.
ثالثا: انعدام الحرية، بمضامينها المختلفة، في المجتمع المغربي، على جميع المستويات، مقابل سيادة الاستعباد، المتمكن من كل أفراد الشعب المغربي، وعلى جميع المستويات، إلى درجة صيرورته بنيويا في المجتمع المغربي.
رابعا: انعدام الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وحرمان المجتمع المغربي منها، في مقابل تكريس الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في الواقع المغربي المتردي.
خامسا: حرمان المغاربة من تحقيق العدالة، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مقابل تكريس الاستغلال، الذي صار بنيويا في علاقات الإنتاج، القائمة في المجتمع المغربي.
وبالنسبة للجهات التي تستفيد من تلك الأفكار، التي يتداولها أفراد المجتمع المغربي فيما بينهم، والتي أشرنا إلى طبيعتها في الفقرات السابقة، فإنها تتكون من:
أولا: الطبقة الحاكمة، التي ينشغل المغاربة بالمشاكل اليومية، عن ممارستها للاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وغير ذلك، مما يجعلها مطمئنة على ثبات حكمها، وعدم التشويش عليها أيديولوجيا، وسياسيا، من قبل الإطارات التي يفترض فيها أن تصير كذلك، من أجل أن تلعب دورا أساسيا، ومركزيا، في مواجهة الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
ثانيا: باقي المستغلين، الذين يدعمون الطبقة الحاكمة، وكل أجهزتها، التي تحرص على جعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يتقبلون الاستغلال الممارس عليهم، ولا يعملون على مقاومته، بأي شكل من أشكال المقاومة.
ثالثا: كل المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، الذين يعيشون على الامتيازات الريعية، التي تقدمها لهم الطبقة الحاكمة، مقابل الانحشار ضمن زمرتها، والانخراط ضمن أجهزة مخبريها.
رابعا: كل أجهزة إدارة الدولة المخزنية، التي تمارس كل أشكال الفساد الإداري، والسياسي، الذي يتم غض الطرف عنه، وعدم الانخراط في محاربته، مما يجعل ذلك الفساد، يستمر في الاستفحال إلى مالا نهاية، مادام المغاربة غير معنيين بالوعي به.
وهذه الجهات المستفيدة من الأفكار التافهة، والمنحطة، التي يتداولها أفراد المجتمع فيما بينهم، وفي إطار الجماعات الني التي ينتمون إليها، ليس من مصلحتها أن يمتلك أفراد المجتمع الوعي بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبالفساد الإداري، والسياسي، وبخطورة الأوضاع المتردية، وكافة أشكال الفساد الإداري، والسياسي، وبخطورة الأوضاع المتردية، وكافة اشكال الفساد الإداري، والسياسي، على مستقبل أبناء الشعب المغربي.
ووجه استفادة الجهات المذكورة، يتمثل، بالخصوص، في مراكمة المزيد من الثروات، على حساب تعميق إفقار العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين قد يصيرون فاقدين للقدرة على الحصول على قوت يومهم، كما يظهر ذلك من خلال الممتلكات، التي صارت في ذمة الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، والممارسين للفساد الإداري، والسياسي، وكما تشهد على ذلك كل الوقائع، التي تجري في المجتمع.
هذا ما يتعلق بالأفكار المتداولة بين أفراد المجتمع، وفي إطار الجماعات، التي ينتمون ، أما الأفكار المستوحاة من الواقع، وفي كل المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، فهي أفكار تقتضي حضور الاهتمام اليومي، والآني بها، وخاصة من قبل أفراد المجتمع، المصنفين من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بمن فيهم الفلاحون الفقراء، والمعدمون، وهذه الأفكار تتمثل في:
أولا: حرمان الجماهير الشعبية الكادحة، من كافة حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وكما هي في المواثيق الصادرة عن منظمة العمل الدولية، التي تهتم بحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر لكادحين، هذا الحرمان من مختلف حقوق الإنسان، بما فيها حقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، هذا الحرمان من حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، صار مكرسا على أرض الواقع المغربي، في الوقت الذي يدعون فيه أنهم أقروا، وصادقوا، ورفعوا التحفظات على المواثيق، والاتفاقيات الدولية، وخاصة بعد تزوير الإرادة الشعبية، في ظل دستور فاتح يوليوز 2011، والذي صار قانونا للدولة، وينص على إقرار حقوق الإنسان، كما هي المواثيق، والاتفاقيات الدولية، ولكن على مستوى الممارسة، فالانتهاكات لا زالت قائمة.
ثانيا: سيادة الخروقات في مجالات عدة، وخاصة في التعليم، والصحة، والسكن، والشغل، وغير ذلك، مما يتناقض مع دستور فاتح يوليوز 2011، ومع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، التي يفترض احترامها، والعمل على أجرأتها، من خلال ملاءمة القوانين الوطنية معها، ومن خلال تشديد الرقابة على المسؤولين، في مختلف القطاعات، ومهما كانت هذه القطاعات، التي ينتمون إليها بسيطة، حرصا على حقوق المواطن البسيط، الذي يتضرر كثيرا من الانتهاكات المرتكبة في حقه.
ثالثا: تفشي ظاهرة الفساد الإداري، والسياسي، الذي صار ينخر كيان المجتمع، وكيان الأجهزة الإدارية المختلفة، التي أصبح المسؤولون عنها لا يهتمون إلا بما يضعونه في جيوبهم، من استدراج المواطنين البسطاء، إلى إرشائهم، إن هم أرادوا الاستجابة إلى مطالبهم، التي هي حق لهم، وفي إطار الخدمات التي تقدمها كل إدارة، إلى كافة المواطنين.
وهذا الفساد الإداري، والسياسي، المتفشي في العلاقة مع الإدارة المغربية، ومع مسؤولي الجماعات المحلية، وفي كل المحطات الانتخابية، وكل الممارسات السياسية العامة، والخاصة، صار مصدرا لتكريس التخلف، في مستوياته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعل الشعب المغربي متخلفا عن باقي الشعوب، كما تدل على ذلك لوائح الترتيب، الصادرة عن المنظمات الدولية، والتي تضع المغرب ضمن الدول المتأخرة، في تلك اللوائح، بسبب النهب الممارس عليه، نتيجة لسيادة الفساد الإداري، والسياسي.
رابعا: الأزمة المزمنة، التي تعيشها القطاعات الاجتماعية، كالتعليم، والصحة على سبيل المثال، لا على سبيل الحصر، والتي تفرض حضورها في أذهان جميع أفراد المجتمع، وخاصة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، باعتبارهم معانين من الأزمة، التي تعرفها القطاعات الاجتماعية المختلفة، من أجل إمعان النظر فيها، وامتلاك الوعي بها، وبيان ما يجب عمله من أجل تجاوزها، والانخراط في النضال من أجل ذلك التجاوز؛ لإيجاد حياة اجتماعية، تتوفر لها جودة الخدمات التعليمية، والصحية، والسكنية، وتوفير مناصب الشغل الكافية للعاطلين، والمعطلين، في مختلف المجالات لاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، من أجل الانتقال بالمجتمع المغربي، من مجتمع البؤس، إلى مجتمع الرفاه، وفي إطار تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة بين الجنسين، وقيام الدولة الوطنية الديمقراطية، والعلمانية، باعتبارها دولة الحق والقانون.
000000000
والتصنيف الذي تستحقه الأفكار المستوحاة من الواقع، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، هو أنها أفكار ذات الاهتمام الخاص، والعام. فالاهتمام الخاص، هو الذي يحضر في المنظمات النقابية، والحقوقية، والجمعوية المناضلة، الساعية إلى تحقيق تلك الأفكار على أرض الواقع، من خلال الاستجابة لمطالب النقابات المناضلة، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن خلال فرض احترام حقوق الإنسان، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي تعتبر أرقى ما وصلت إليه الإنسانية، ومن خلال الاستجابة لمطالب الجمعيات الثقافية، والتربوية، وجمعيات الأحياء، من أجل طمأنة الأجيال الصاعدة على مستقبلها، كما يحضر هذا الاهتمام، في ممارسة الأحزاب المناضلة، من أجل تغيير الواقع تغييرا جذريا، في أفق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في إطار قيام الدولة الاشتراكية. أما الاهتمام العام، الذي يجب أن تحظى به الأفكار المستوحاة من الواقع، فيهم العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين عليهم أن يستوعبوا تلك الأفكار، والوعي بها، والنضال من أجل تحقيقها على أرض الواقع، من خلال الانخراط في النضالات التي تخوضها النقابات، والأحزاب، والجمعيات الحقوقية، والثقافية، والتربوية، التي تهدف إلى حفظ كرامة الإنسان المادية، والمعنوية، الذي يعاني من التفاوت الطبقي الصارخ، الذي يعم مجموع التراب المغربي، والذي يقف وراء انتشار البؤس، والشقاء، والظلم، والقهر، إلى جانب تكريس الاستغلال الهمجي لأبناء الشعب المغربي، من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
والأفكار المستوحاة من الواقع المغربي، الذي لا ينال اهتمام أفراد المجتمع، اللا مبالين بما يجري في الواقع، الذي يعيشونه، تتعلق ب:
أولا: الوضعية الاقتصادية المتردية، التي لا تخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، وأجهزة دولتها المخزنية، ومصالح باقي الممارسين للاستغلال، ومصالح كافة المستفيدين منه، على جميع الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال المادي، والمعنوي، وخاصة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والفلاحين الفقراء، والمعدمين، الذين يعيشون حياة البؤس، بعد ما سرق منهم المجهود الذي يبذلونه، في عملية الإنتاج الصناعي، والخدماتي، والزراعي.
ثانيا: الوضعية الاجتماعية المتردية، كنتيجة للوضعية الاقتصادية المتردية بدورها، مما يجعل التعليم، والصحة، والسكن، والتشغيل، والترفيه، لا يخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، الذي يستهدف الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال، الذي يستهدف الطبقات التي يمارس عليها الاستغلال بالتهميش، والإهمال، والبؤس، والحرمان من الحقوق الاجتماعية، وخاصة في ظل خوصصة معظم الخدمات الاجتماعية الحساسة، ليصير الكادحون محرومون منها.
ثالثا: الوضعية الثقافية المتردية، التي تقف وراء سيادة القيم المتردية، التي صارت مرتبطة بالمسلكية الفردية، والجماعية، المنتجة لكل مظاهر الانحراف الأخلاقي / المسلكي، الذي ينعكس سلبا على مظاهر الحياة العامة، والخاصة، وفي مختلف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ليصير معظم أفراد المجتمع يعانون من التخلف، في مظاهره المختلفة، وغير واعين بذلك التخلف، وقابلين بما يمارس في حقهم، على أنه جزء لا يتجزأ من الحياة، في الوقت الذي يعلن فيه الانحراف عن وقوفه وراء كل مظاهر التردي، التي يعاني منها المجتمع، نظرا لتردي القيم الثقافية، التي تلتصق بالمسلكية الفردية، والجماعية.
رابعا: الوضعية السياسية، التي تحولت إلى مجرد منتوج للفساد السياسي، الذي يعم المجتمع المغربي، من خلال المؤسسات التي تفرزها المحطات الانتخابية، الفاسدة أصلا، ومن خلال الحكومة التي تفرزها المؤسسة البرلمانية، ومن خلال تواجد العديد من الأحزاب، التي وقفت الإدارة المخزنية، أو الدولة المخزنية، وراء تشكيلها، ورعايتها، وتزوير الانتخابات، لإيصالها إلى المؤسسات المزورة، وإلى الحكومة، والتي تستغل مختلف المؤسسات، التي تتواجد فيها، لتعميق الفساد السياسي، ولنهب ثروات الشعب المغربي، من أجل توظيفها، لنشر الفساد السياسي، في النسيج الاجتماعي، حتى يصير المغرب مرتعا لهذا الشكل من الفساد، الذي لا يستطيع النظام المخزني المغربي التخلص منه.
خامسا: الوضعية الإدارية المتردية، في مختلف أجهزة الإدارة المغربية، وفي كل أجهزة الجماعات المحلية، التي تعاني من كل أشكال الفساد الإداري، نظرا لسيادة المحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، وغير ذلك، مما لا نستطيع الوقوف عليه، مما يجعل الوضعية الإدارية المسؤولة عن كل القطاعات، وخاصة في القطاعات الحيوية، وفي الجماعات المحلية، تنعكس سلبا على الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من أجل أن يصير مجرد إنتاج لذلك الفساد الإداري.
سادسا: الوضعية الحقوقية المتردية، المتسمة بحرمان العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وحقوق العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، نظرا لعدم التزام الإدارة باحترام تلك الحقوق، ولعدم قيام مؤسسات الدولة التشريعية، بملاءمة القوانين الوطنية، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى تصير وسيلة لجعل مختلف الحقوق قانونية، ومن أجل أن تصير إدارة الدولة ملزمة باحترام حقوق الإنسان، من خلال تطبيق مختلف القوانين، وفي جميع القطاعات، حتى يشعر كل فرد بأنه ينتمي إلى هذا الوطن، باعتباره وطنا للحقوق.
وهذه الوضعيات، وغيرها، مما لم نذكر، هي التي تتشكل منها الأفكار المستوحاة من الواقع، والتي يفترض فيها أن تصير أساسا لمعرفة الواقع، في تجلياته المختلفة، من أجل الوعي به، وامتلاك تصور لما يجب أن يكون عليه، والنضال من أجل تغييره تغييرا جذريا، حتى يصير مستجيبا لمتطلبات، وحاجيات الشعب المغربي، الذي يعاني أصلا من قهر، وظلم الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
وهذه الأفكار المستوحاة من الواقع، في حالة معرفتها، والوعي بها، وامتلاك تصور عن الواقع البديل، والانخراط في النضال من أجل تغيير الوقع القائم، فإننا نجد أنها تخدم مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إذا تغير الواقع. أما إذا بقي على ما هو علي،ه فإن المستفيد من تردي مختلف الأوضاع، هو الطبقة الحاكمة، وكل المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي للمجتمع المغربي.
وفيما يتعلق بالأفكار المستوحاة من الواقع، في حالة اعتمادها، من أجل تغيير الواقع، تغييرا ينعكس إيجابيا على أفراد المجتمع، وهذا الانعكاس الإيجابي، سوف يجعل الواقع الاقتصادي لأفراد المجتمع يتحسن، ليزداد بذلك الدخل الفردي السنوي، وترتفع أجور العمال الشهرية، ونصف الشهرية، واليومية، وترتفع قيمة الميزانيات المرصودة لمختلف الخدمات الاجتماعية، التي يستفيد منها جميع أفراد المجتمع، كما هو الشأن بالنسبة للتعليم، والصحة، والسكن، والشغل، والترفيه، وغيرها، في أفق الوصول إلى تحقيق مجتمع الرفاه، الذي تسعى إلى تحقيقه الشعوب، بعد تحقيق الحرية، في مقابل القضاء على الاستعباد، والديمقراطية، في مقابل القضاء على كل مظاهر الاستبداد، والعدالة الاجتماعية، في مقابل القضاء على الاستغلال الهمجي الممارس على العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين. ذلك، أن الأفكار المستوحاة من الواقع، في حالة إيجابيتها، أو سلبيتها، قد تنعكس إيجابا على مجموع أفراد المجتمع، وقد تنعكس سلبيا. وما تعودنا عليه نحن هنا في المغرب، هو أن الأفكار المستوحاة من الواقع، لا تكون إلا سلبية، والوعي بها، وبسلبيتها، لا يكون إلا محدودا، وانعكاسها على أفراد المجتمع، لا يكون إلا سلبيا، وما هو مفترض، أن يدرك أفراد المجتمع، الأفكار المستوحاة من الواقع: الإيجابية، والسلبية على السواء، وإدراك ما يجب عمله لضمان الاستفادة من الانعكاسات الإيجابية، ولتجنب كافة الانعكاسات السلبية، المترتبة عن الأفكار السلبية، المستوحاة من الواقع، وصولا إلى جعل الشعب يتمكن من تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، بناء على الأفكار الإيجابية، المستوحاة من الواقع.
والجهات التي تستفيد من الأفكار المستوحاة من الواقع، تختلف باختلاف إيجابية تلك الأفكار، أو سلبيتها، وفي حالة إيجابيتها، نجد أن الجهات المستفيدة تتمثل في:
أولا: العمال المنتجين، الذين يعانون من الحرمان من كافة حقوقهم، المنصوص عليها في مدونة الشغل، وتلك التي تم التنصيص عليها في مواثيق، واتفاقيات منظمة العمل الدولية، وتلك المضمنة في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان؛ لأن الواقع ينطق، وبأصوات مرتفعة، بمعاناة العمال المنتجين، الذين يناضلون من أجل تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية، ومن أجل تمتيعهم بحقوق الشغل، وبكافة حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.
ثانيا: باقي الأجراء، الذين يعانون، كذلك، من كون أجورهم غير قادرة على مواجهة متطلبات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، التي يصرخ الواقع بمعاناتهم منها عاليا، مما يفرض الاهتمام بأوضاعهم المادية، والمعنوية، وتوعيتهم بضرورة النضال، من أجل ذلك، ومن تمتيعهم بحقوقهم الشغلية، وبحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي أصبحت مقياسا لاحترام، أو لعدم احترام أنظمة الحكم القائمة.
ثالثا: باقي الكادحين، من فلاحين فقراء، ومعدمين، ومعطلين، ومياومين، وغيرهم، من الذين يكدحون سحابة يومهم، من أجل الحصول على القوت اليومي. وهذه الفئة هي الأكثر معاناة من غيرها، والأكثر فقرا من العمال، وباقي الأجراء؛ لأنها غير مضمونة الدخل، وغير مستقرة في حياتها، وهي، كذلك، الأكثر استفادة من الأفكار الإيجابية، المستوحاة من الواقع، في حالة اعتمادها؛ لأنها قد تصير مستقرة، وقد يصير لها دخل قار، وقد تتمتع بحقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة في حالة ملاءمة القوانين الوطنية معها. إلا أن هذه الفئة من باقي الكادحين، غالبا ما تكون فاقدة للوعي بأوضاعها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعلها تتقبل كافة أشكال الاستغلال المباشر، وغير المباشر، الممارس عليها من قبل المستغلين، والمستفيدين من الاستغلال.
000000000
أما إذا كانت الأفكار المستوحاة من الواقع سلبية، فإن الجهات المستفيدة منها، تتمثل في:
أولا: الطبقة الحاكمة، التي تضاعف استغلالها للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل مضاعفة استفادتها منت ذلك الاستغلال، لمراكمة المزيد من الثروات، التي تمكنها من السيطرة على ثروات الشعب المغربي.
ثانيا: أجهزة الدولة المخزنية، الفاسدة أصلا، والتي من مصلحتها: صيرورة الأفكار المستوحاة من الواقع سلبية، حتى تستمر الإدارة المخزنية في ممارسة كافة أشكال الفساد، التي لا يتضرر منها، بالدرجة الأولى، إلا العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
ثالثا: باقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، الذين يعيشون على هامش الطبقة الحاكمة، ويقتاتون من موائد استغلالها، في أفق التمرس على مراكمة المزيد من الثروات، التي تجمع بطرق غير مشروعة.
فالأفكار المستوحاة من الواقع، بإيجابيتها، أو سلبيتها، هي أفكار تعتمد أساسا لمعرفة الواقع، والوعي به، والعمل على الفعل فيه بطريقة ما، سواء كانت سلبية، أو إيجابية، حسب التوجه الفاعل:
هل هو توجه يسعى إلى تخريب الواقع؟
وهل هو توجه يسعى إلى خدمة الواقع خدمة إيجابية، من خلال العمل على تغييره، حتى يصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؟
ووجه الاستفادة من الأفكار المستوحاة من الواقع، قد يكون لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، في حالة إيجابية تلك الأفكار، وقد يكون لصالح الطبقة الحاكمة، وأجهزة الدولة المخزنية القمعية، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، في حالة سلبيتها.
فإذا تحققت الديمقراطية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وتم احترام حقوق الإنسان، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، وتم إيجاد دستور شعبي ديمقراطي، يقر الفصل الفعلي بين السلطات، وتم إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، تحت إشراف هيأة مستقلة، وتم إيجاد حكومة بكافة السلطات، من الأغلبية البرلمانية، تكون الاستفادة لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
أما إذا لم يتحقق أي شيء من ذلك، وبقي الوضع على ما هو عليه، وبقي الاستعباد متمكنا من رقاب المغاربة، والاستبداد مسلطا على الاقتصاد، والمجتمع، والثقافة، والسياسة، والاستغلال يستمر في استهداف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، فإن الاستفادة تبقى لصالح الطبقة الحاكمة، وأجهزة الدولة المخزنية القمعية، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي لكادحي المجتمع المغربي، وطليعته الطبقة العاملة.
والعلاقة القائمة بين أفراد المجتمع، وبين الواقع، تصير حسب الموقع الذي تحتله كل طبقة اجتماعية، من علاقات الإنتاج. وهذه العلاقة قد تصير علاقة توافق، أو قد تصير علاقة تناقض، أو علاقة جدلية.
فإذا كان نمط الإنتاج السائد مثلا، هو نمط الإنتاج الرأسمالي التبعي، كما هو الشأن بالنسبة لنا في المغرب، فإن علاقة التوافق، هي التي تصير قائمة بين الطبقة الحاكمة، ودولتها المخزنية، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، وبين الواقع الذي يمارس فيه الاستغلال الهمجي، على كادحي المجتمع المغربي. أما إذا كان نمط الإنتاج يسود فيه التوزيع العادل للثروة، في إطار تتحقق فيه الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، فإن علاقة التوافق، كذلك، هي التي تصير قائمة بين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبين الواقع الذي ينتفي فيه الاستغلال، وتسود فيه الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
وبالنسبة للعلاقة القائمة بين نمط الإنتاج الرأسمالي التبعي، فإن علاقة التناقض، هي التي تصير قائمة بين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبين الواقع الذي تنتفي فيه الحرية، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، ويسود فيه الاستغلال الهمجي للكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة.
أما بالنسبة لنمط الإنتاج الذي يسود فيه التوزيع العادل للثروة، وينتفي فيه الاستغلال، وتسود فيه الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، فإن علاقة التناقض، هي التي تجمع بين الطبقات الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي للمجتمع، وبين الواقع الذي لا يخدم إلا مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وفيما يخص العلاقة الجدلية القائمة بين أفراد المجتمع، وبين الواقع، فهي علاقة يفترض فيها خدمة الواقع، والاستفادة منه، في إطار قيام تفاعل بين أفراد المجتمع، وبين الواقع، رغبة في تطور المجتمع، بتطور أفراده، وتطور الواقع بتطور مختلف مكوناته، في مختلف المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يصير الواقع في خدمة أفراد المجتمع، وفي خدمة الواقع، باعتباره مشتركا بين جميع أفراده.
غير أن الواقع يختلف من طبقة إلى أخرى، مما يترتب عنه اختلاف في العلاقة الجدلية، كذلك، من طبقة، إلى أخرى، ومن واقع تلك الطبقة، إلى واقع طبقة أخرى.
ولذلك، نجد أن العلاقة الجدلية بين الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، وبين واقع هذه الطبقة، ومن يسبح في فلكها، يتمثل في عملها على تطوير آليات الاستغلال المادي، والمعنوي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل مضاعفة استغلالهم، حتى تتضاعف الفوائد التي تجنيها من وراء الاستغلال. وهو ما يعني: أنه بقدر ما تتطور آليات الاستغلال، بقدر ما ترتفع الفوائد، وبقدر ما تبقى آليات الاستغلال متخلفة، بقدر ما تكون الفوائد، كذلك، متخلفة.
كما نجد أن العلاقة القائمة بين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وبين واقعهم، يتمثل في العمل على تطوير النضال المادي، والمعنوي، من أجل تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية. ولذلك، نجد أنه بقدر ما يعمل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، على تطوير الآليات التي تقود نضالاتهم، بقدر ما ينتزعون المزيد من المكاسب المادية، والمعنوية، وبقدر ما تكون تلك الآليات ضعيفة، ومهترئة، بقدر ما تخضع لمضاعفة استغلالها.
والاختلاف من طبقة، إلى طبقة أخرى، تقتضيه طبيعة النظام الرأسمالي التبعي، الذي نخضع له، وخاصة في ظل الدولة المخزنية، باعتبارها دولة التعليمات، وليست باعتبارها دولة للحق، والقانون.
ففي ظل الدولة الرأسمالية التبعية، باعتبارها دولة مخزنية، تتضاعف الامتيازات، ويتضاعف القمع، ويتضاعف الاستغلال، كنتيجة حتمية لمضاعفة الامتيازات، ولمضاعفة القمع.
ولكن عندما تصير الدولة متحررة، وعندما تصير دولة للحق، والقانون، ودولة ديمقراطية، لا وجود فيها لشيء اسمه الامتيازات، تصير العلاقة الجدلية بين الأفراد، والجماعات، وبين الواقع، مختلفة عن العلاقة القائمة بينهما، في إطار الدولة الرأسمالية التبعية، باعتبارها دولة مخزنية، ودولة مانحة لمختلف الامتيازات، التي تدخل في إطار اقتصاد الريع.
وانطلاقا من هذا الاختلاف القائم بين الدولة الرأسمالية التبعية، وبين دولة الحق، والقانون، نجد أن العلاقة الجدلية بين جميع أفراد المجتمع، مهما كانت طبقتهم التي ينتمون إليها أو يصنفون في إطارها، هي علاقة ترتبط بطبيعة القوانين المعمول بها. فإذا كانت هذه القوانين متقدمة، ومتطورة، كانت استفادة جميع أفراد المجتمع متقدمة، ومتطورة، وإذا كانت القوانين متخلفة، كانت الاستفادة أيضا متخلفة، والعلاقة مع الواقع هي علاقة مع الآليات القانونية، التي يناضل الجميع من أجل تطويرها، حتى تصير في خدمة الجميع.
وهكذا، يتبين أن العلاقة التي يجب أن تقوم بين جميع أفراد المجتمع، وبين الواقع، ليست هي علاقة التوافق، وليست هي علاقة التناقض، بل هي علاقة التفاعل، التي لا تتمثل إلا في إطار العلاقة الجدلية، التي تقتضي من الجميع الأخذ، والعطاء، والسعي المستمر إلى مضاعفة العطاء، من أجل مضاعفة الأخذ، الذي يقتضي بذل مجهود مضاعف، من أجل تطوير القوانين المعمول بها، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تصير أكثر خدمة للإنسان، مهما كانت الطبقة التي ينتمي إليها، ما دمنا في دولة الحق، والقانون.
ونحن في ظل الدولة المخزنية الرأسمالية التبعية، نجد أن كلام الناس شيء، والكلام المستوحى من الواقع شيء آخر، ولا وجود لأية علاقة قائمة بين كلام الناس، والكلام المستوحى من الواقع؛ لأن ما يميز كلام الناس، هو الطابع الميتافيزيقي / الغيبي، الذي لا نجد له إلا مبررا واحدا، وهو الهروب من الواقع، الذي لا يستطيع الناس فهمه، واستيعابه، ولا يمتلكون آليات تطويره، حتى يصير في خدمة جميع أفراد المجتمع. أما ما يميز الكلام المستوحى من الواقع، فهو النطق الصارخ بالحجج، وبالوقائع العينية، التي تفصح عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي يعاني منها الكادحون، وطليعتهم الطبقة العاملة، والتي تفرض ضرورة التحرك، من أجل تغيير تلك الأوضاع، حتى تزول معاناة الكادحين.
وهذا الفرق القائم بين كلام الناس، والكلام المستوحى من الواقع، لا يمكن وصفه إلا بالفرق بين الغيبي اللا مجسد، الذي لا يمكن القبض عليه، وبين الواقعي المجسد، الذي يمكن إدراكه بمجموع سماته.
والناس لا يتطورون أبدا، مادام كلامهم غيبيا، وما دامت الأحاديث التي تجري فيما بينهم، ذات مواضيع غيبية، لا تلتمس أن تجد لها مكانا في الواقع، الذي يبقى متخلفا، تخلف العقول التي لا تفكر إلا في الغيب، حتى وإن كان أصحاب تلك العقول، يحملون أعلى الشهادات.