باسم الله الرحمن الرحيم؛
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛
أتوجه في البداية بالشكر لمنتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال، ولأمينه العام على دعوتهم الكريمة، وهي مناسبة لتهنئتهم على تنظيم هذا المنتدى في دورته الثانية، باعتباره يشكل مجمعا لنخب الإعلام والصحافة في المنطقة وفي العالم من مختلف الدول، وتجاوز أن يكون مجرد محطة للاحتفال أو الاحتفاء، بل محطة للعمل وإطلاق مبادرات عملية ترسم الطريق لنضال مستمر دفاعا عن القدس وفلسطين في الواجهة الإعلامية.
لقد استطاع المغرب، ولله الحمد، أن يشق مسارا مميزا في تفاعله مع القضية الفلسطينية، وذلك طيلة العقود الماضية. وقد انطلق هذا المسار بشكل أساسي في نهاية الستينيات باجتماع المؤتمر التأسيسي لمنظمة التعاون الإسلامي، وبعده التئام وإطلاق الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني. منذ ذلك الحين، برز دور مفصلي للمغرب في دعم فلسطين، وتأسست لجنة القدس برئاسة جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، وبموازاة ذلك انطلق عمل مدني استطاع أن يجمع كافة الطيف المغربي من مختلف التوجهات والتيارات، حتى أننا كنا ولا زلنا نقول على أنه إذا واجهتنا مشاكل فلنذهب إلى فلسطين لحلها. وبالفعل، لا زالت فلسطين تجمعنا وتمثل في المملكة المغربية إطارا مرجعيا، حيث أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رئيس لجنة القدس، في افتتاح الدورة العشرين للجنة القدس يوم 17 يناير 2014، بمراكش، على "أن قضية القدس أمانة على عاتقنا جميعا، حيث جعلناها في نفس مكانة قضيتنا الوطنية الأولى، وأحد ثوابت سياستنا الخارجية". وقد جدد جلالته هذا الموقف في خطابه الموجه إلى القمة الثالثة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي، في 14 أبريل 2016، بإسطنبول، عندما أكد جلالته على أنه "من منطلق مسؤولياتنا كعاهل للمملكة المغربية وبصفتنا رئيسا للجنة القدس المنبثقة عن المنظمة فإننا نؤكد تجند المغرب ملكا وحكومة وشعبا للدفاع عن القدس وفلسطين بمختلف الوسائل السياسية والقانونية والعملية المتاحة".
واذ أعود لأشكر المنتدى على تكريمه للتجربة المغربية، وهو تكريم له دلالته في تجسيد متانة هذا الارتباط، كما هو مناسبة للتوقف عند سمات التجربة الإصلاحية المغربية وعلى تميز نموذجها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة.
لقد تأسس هذا النموذج على رؤية إصلاحية استباقية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وعلى حيوية التعددية الحزبية وعلى مجتمع مدني نشيط، وإعلام حر، وحركة شبابية، ومجمل ذلك يمثل عناصر التميز والنجاح التي جعلت المغرب نموذجا خط لنفسه مسارا مختلفا مستقرا وإصلاحيا، ونجح في ترجمته عمليا وذلك بعد حوالي خمس سنوات على ما اصطلح عليه بالربيع العربي. وهي العناصر التي جعلت من المغرب يرفض، ويعلنها جهارا، على أنه ليس محمية لأحد، وأنه لا يمكن لأحد أن يقرر مكانه، وهي الرسالة التي نوجهها للعالم العربي بأكمله ولكل دوله وشعوبه، وما تفرضه من تعزيز قيم الثقة في الذات وقيم تحمل المسؤولية من أجل بناء مستقبل ديمقراطي ومزدهر.
إن العالم يعيش اليوم حالة تحول، ليس فقط في منطقتنا، بل هو تحول تحكمه ثورة تكنولوجيا المعلومات وتحكمه تغيرات الاقتصاد، وتحولات موازين القوى في العلاقات الدولية، كما تحكمه تحولات ديمغرافية نتجت عن صعود قوي لا يمكن تصور إيقافه وارتبط بالشباب الصاعد الذي انفتحت أمامه إمكانات التواصل والتأطير والتكوين. لكن بالرغم من حدة وعمق وسرعة هذه التحولات، إلا أنها لا يمكن أن تخفي الثوابت المؤسسة لهويتنا وتاريخنا، وفلسطين هي إحدى أهم هذه الثوابت. رغم كل هذه التحولات، تظل فلسطين بوصلة للدفاع عن استقلال الأمة، وبوصلة للدفاع عن حرية وكرامة الأمة، وبوصلة للدفاع عن وحدة الأمة العربية والإسلامية ضد كل سياسات التقسيم والتجزئة والتفريق التي نشهدها والتي استعرت في السنوات الأخيرة وفتحت المجال لمخططات تقسيم جديدة، في السودان، وليبيا والعراق وسوريا وعدد من الدول. ومسؤوليتنا اليوم، هي أن الوعي الذي نشرته فلسطين قبل عقود من أن النضال من أجل فلسطين هو نضال من أجل الوحدة، عليه أن يتجدد اليوم، لاسيما مع مناورات التزييف والتشويه والتظليل والتحريف لتاريخ المنطقة المغاربية ولتاريخ المغرب والتي تخدم دعاوى الانفصال في جنوبه. والمغرب حاسم في مواجهة ذلك، ونستمد هذا الحسم ضد التقسيم من تاريخ الأمة المغربية، كما نستمده من نضالات شعوب الأمة العربية ضد التجزئة.
هي مناسبة أيضا اليوم، للتوقف عند ما تحقق في المغرب على مستوى النضال من أجل حرية الصحافة واستقلالية مؤسساتها وكرامة نسائها ورجالها، وهو نضال تحقق بفضل مقاربة تشاركية جمعت المهنيين والناشرين والسلطة التنفيذية ممثلة في وزارة الاتصال. وهو عمل تشاركي أفضى في مرحلة أولى إلى اعتماد قانون خاص بمجلس وطني للصحافة مستقل ومنتخب، وإلى اعتماد قانون يضمن كرامة الصحافيين واستقلاليتهم، ثم نتقدم اليوم في اتجاه اعتماد قانون خاص بالصحافة والنشر يُلغي العقوبات السالبة للحرية وإصلاح ثان للقانون الجنائي نأمل أن يسير نحو الاتجاه الأمثل.
وهي مناسبة لأوجه الشكر للمهنيين من ناشرين وصحافيين، لأنه بدونهم لم يكن من الممكن أن نتقدم في هذا الإصلاح، وبدون صلابة مواقفهم وغيرتهم على المهنة لم يكن من الممكن أن نصل إلى مستويات متقدمة فيه، ولقد حرصنا على الانفتاح على مقترحاتهم وآرائهم. وهو الشيء الذي أدعو الى تنميته، إذ لا يمكن أن نتقدم بالإقصاء وعدم الإنصات والاستئثار وعدم القبول بالاختلاف. كما لا يمكن أن نعتبره نجاحا نهائيا، بل هو مسار مستمر وتصاعدي وغير جامد ومفتوح على المستقبل، إذ مازالت هنالك تحديات ومازالت هنالك إصلاحات مطروحة أمامنا وما زالت الإشكاليات قائمة في البعض منها. لكن وبفضل الإرادة السياسية والتشاركية والتعاون، هناك تقدم من أجل أن نحفظ للمواطن حقه في الخبر، ونحفظ للتعددية السياسية والثقافية مكانتها في المشهد الإعلامي، ونتقدم من أجل أن نحفظ للصحافي كرامته ضد ما يستهدفه من اعتداء واحتقار وإهانة. ونعتقد على أن هذه الإرادة حققت لنا إنجازات معتبرة ولا زلنا في حاجة لها من أجل أن نحقق المزيد.
هي مناسبة أيضا لنشيد بموقف النخب الفلسطينية، التي وهي تناضل من أجل قضية فلسطين لا تنسى أن تناضل من أجل قضايا الأمة العربية بما فيها قضايا الأمة المغربية وضمنها قضية الصحراء المغربية، وقد كنت في غاية السعادة وأنا أكرم قبل سنتين السفير الفلسطيني بمهرجان أصيلة للفيلم الوثائقي، أن أشير للإنتاج الوثائقي الذي صدر حول العائدين إلى أرض الوطن في الصحراء المغربية لمبدعة فلسطينية وهي تقدم قضية الصحراء المغربية للنخب الفلسطينية.
أجدد التحية لكم، وأتمنى لأشغال مؤتمركم كل التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.