كلمة السيد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال فى المؤتمر الوطني السابع للنقابة الوطنية للصحافة المغربية


حقائق بريس
الاثنين 9 يونيو/جوان 2014



السلام عليكم ورحمة الله؛

ينعقد مؤتمركم السابع في مدينة طنجة، المدينة التي كان لها السبق في إطلاق النهضة الإعلامية في بلادنا منذ حوالي قرن ونصف، مدينة طنجة المعروفة بدورها في سيادة السيادة الإعلامية، ولقد كان الإعلام هنا منطلقا لسيادة السيادة الوطنية والدفاع عن استقلال الوطن والبلاد.

عناية ملكية مستمرة بقطاع الصحافة والإعلام

نتوقف في هذه المدينة عند العناية الملكية السامية المستمرة لنصرة الصحافة والإعلام والتي برزت في محطات متعددة، آخرها تدشين بيت الصحافة بطنجة، وقبلها الرسالة الملكية بمناسبة اليوم الوطني للإعلام، وبعدها إطلاق منظومة وطنية للدعم العمومي للصحافة، ثم إرساء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري واعتماد مقتضيات قانونية تؤطر مفهوم الخدمة العمومية على مستوى السمعي البصري، ثم إرساء الجائزة الوطنية للصحافة.

المقتضيات الدستورية المرتبطة بالصحافة والإعلام

وأبرزها المقتضيات الدستورية التي نص عليها الدستور الجديد والتي جعلت البرلمان يختص حصريا بالتشريع في القضايا المرتبطة بالصحافة، وأرست مبدأ حرية الوصول إلى المعلومة وحرية الإبداع والتعبير ونصت على أن حرية الصحافة مضمونة، لا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، ونصت على أن الدولة تشجع التنظيم الذاتي للمهنة بكيفية مستقلة وديمقراطية ونصت على قواعد التعددية اللغوية والثقافية والسياسية، كما ارتقت بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري إلى مصافي المؤسسة الدستورية التي تسهر على احترام هذه التعددية، طبقا للفصل 165 من الدستور، كما تسهر على شفافية المعلومة في إطار احترام القيم الحضارية وقوانين المملكة.

إشادة عالية بعطاءات نساء ورجال الإعلام

أهنئكم مجددا بهذا المؤتمر، وبمرور 50 سنة على انطلاق النقابة الوطنية للصحافة المغربية.

إنه عمر من العطاء من أجل الحرية والمهنية، وعمر من النضال من أجل حق المجتمع والنخب والفاعلين في الخبر والمعلومة التي تمكن من المشاركة المواطنة كما تمكن من الرقابة الفعلية على الفاعلين في تدبير الشأن العام. لقد شكلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية فاعلا أساسيا في مختلف محطات النضال السياسي والإصلاح الديمقراطي في بلادنا، ولم تخلف موعدها مع التاريخ في لحظات صعبة، خاصة في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وتجدد ذلك في السنوات الأخيرة.

ولهذا أهنئكم، وأستغل هذه المناسبة لأحيي العطاءات الصحفية في بلادنا، وأجدد لها التحية لمرابطتها طيلة عقود في تمكين المجتمع والنخب من صحافة وطنية مسؤولة تتطلع إلى تقديم منتوج مهني وتنافسي، وتسعى إلى التجديد المستمر في إمكاناتها ومواردها وقدراتها وطاقاتها، ولا تخشى من الاعتراف بمكامن الخلل ومواطن القصور ونقط الضعف، بل إنها تتحمل مسؤوليتها في النقد الذاتي، وفي السعي إلى العمل المشترك مع باقي الفاعلين من هيئات حقوقية ونسائية وجمعوية ومدنية وسياسية وبرلمانية وحكومية لمواجهة تلك النقاط.

لا ديمقراطية بدون صحافة حرة ومسؤولة ونزيهة

وإنني إذ أوجه هذه التحية، أؤكد على أنه لا ديمقراطية بدون صحافة حرة ومسؤولة ونزيهة، وتحقيق ذلك هو مسؤولية جماعية ولا يمكن ربطه بمرحلة، بل إن الإصلاح في هذا القطاع انطلق قبل مجيء هذه الحكومة، وارتبط بنضالاتكم وبنضالات باقي القوى الحية، وسيستمر بعد هذه الحكومة. هو مسلسل مستمر من النضال والعمل المشترك والجماعي الذي يمكن من إرساء صحافة حرة ومسؤولة ونزيهة، وتحقيق ذلك مسؤولية جماعية، لا يمكن ربطها بهذا الطرف أو ذاك.

تحديات الصحافة الوطنية

إن علينا الاعتراف بمكامن الخلل في مواردنا البشرية، حيث ما زلنا لم نتجاوز عتبة الثلاثة آلاف صحفي مهني في مجتمع يتجاوز عدد سكانه ثلاثة وثلاثين مليون نسمة، كما أنه علينا الاعتراف بالخلل على مستوى التقدم في إرساء وترسيخ الأخلاقيات المهنية، وهو تحد كبير لا يمكن ربحه بدونكم، بل إن العمود الفقري لربحه هو أنتم، باعتبار أن خدمة الحقيقة والارتباط بالقارئ هو جوهر الممارسة الصحفية، ولا يمكن ربح ذلك بدون أخلاقيات الدقة والإنصاف والتعددية.

كما علينا الاعتراف بالخلل في تنافسية إعلامنا وهي تنافسية تواجه تحديات كبيرة، إن على المستوى التكنولوجي والرقمي أو على المستوى التعددي أو على مستوى الاستعمال المكثف للوسائط الحديثة من أجل مواكبة حاجيات الأجيال الجديدة لشبابنا وشاباتنا.

تعزيز استقلالية الإعلام أحد الأوراش الأساسية

كما نواجه تحديات على مستوى استقلالية الإعلام. نحتاج اليوم ونحن نشتغل بشكل جماعي من أجل إطلاق الجيل الثاني من الإصلاحات في القطاع السمعي البصري وفي الصحافة المكتوبة بعد مرور حوالي اثنى عشر سنة على انطلاق الجيل الأول من خلال اعتماد قانون الصحافة في سنة 2002 وصدور الظهير المنظم للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في نفس السنة، نحتاج ونحن ننطلق في الجيل الثاني أن نضع نصب أعيننا هدف تعزيز استقلالية الإعلام.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحول الإعلام العمومي إلى إعلام حكومي أو إعلام حزبي، لأن ذلك من المكتسبات التاريخية التي ناضل من أجلها الجميع، وأرستها المقتضيات الدستورية وأكدها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في الظهير المحدث للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ليكون هذا الإعلام إعلاما عموميا للمجتمع المغربي بكل مكوناته وفئاته.

وفي نفس الوقت، إن استقلالية الإعلام العمومي تبقى مشروطة ومرتبطة باحترام أخلاقيات المهنة وخضوعه لقواعد التعددية اللغوية والثقافية والسياسية والانخراط الواعي والمسئول في الانفتاح الجاد على الثقافات والشعوب، بما يمكن بلادنا من سيادة إشعاعها الحضاري المستند على هويتها الوطنية والحضارية المتعددة المكونات والروافد.

وفي هذا الصدد، نؤكد على أن التقدم في إرساء قواعد الخدمة العمومية والتقدم في تقوية الحكامة، سواء على مستوى القطاع العام والقطاع الخاص، يمثل أحد الأوراش الأساسية لتجسيد مقتضيات الاستقلالية.

الجيل الثاني من الإصلاحات، جيل ثان من الأولويات والأهداف

فضلا عن ذلك، نحتاج أن نؤخذ بعين الاعتبار أن الجيل الثاني من الإصلاحات يعني جيل ثان من الأولويات والأهداف الإصلاحية الفعلية، ومن ذلك الحماية القضائية لسرية المصادر وإرساء الضمانات القانونية لحرية الوصول إلى المعلومة وتعزيز الحماية القضائية لاستقلالية الصحف، بعد اعتماد نظام التصريح لدى القضاء قبل عقود، لنتقدم نحو اعتماد الحماية القضائية التي تجعل من المصادرة أو المنع أو التوقيف قرارا بيد القضاء وليس الإدارة.

كما نحتاج في هذا الجيل الثاني من الإصلاحات أن يكون من أهدافه اعتماد منظومة للعقوبات البديلة عن العقوبات الحبسية ، وأيضا تحقيق الاعتراف القانوني الكامل بالصحافة الالكترونية باعتبارها أحد مستجدات الفضاء الإعلامي.

ورش الإصلاح القانوني

وهي عناصر تقتضي منا تعميق الإصلاح القانوني وعدم الاستعجال في صياغة مدونة حديثة وعصرية، وهو استعجال أدى بنا قبل سنوات إلى أن نضطر مباشرة بعد اعتماد القانون في التفكير في ضرورة إصلاحه.

ولهذا أوجه التحية، لأستاذنا ونقيبنا السيد محمد العربي المساري الذي ترأس اللجنة العلمية للتشاور حول قوانين الصحافة والنشر، كما أوجه التحية لكم، على المذكرات المستمرة التي ما فتأتم توجهونها من أجل تطوير مشاريع مدونة الصحافة والنشر، وآخرهما المذكرتين التي جرى التوصل بهما هذا الأسبوع.

وأخبركم بأن عددا من القضايا والمقترحات الواردة، إن لم أقل غالبيتها، وخاصة المتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة تعبر عن غيرة وتطلع لإحداث مجلس مستقل ومنتخب قادر على النهوض بأخلاقيات المهنة، وعلى حماية المهنة، وعلى الارتقاء بها، باعتبار أن ذلك المجلس سيشكل أحد مداخل تعزيز استقلالية الصحفيين، خاصة وهو الهيئة التي ستصبح مخولة بتقنين الولوج إلى المهنة ومنح البطاقة المهنية، التي لا زالت تمنح من قبل الإدارة وهو الأمر الذي قد يشوش على استقلالية الصحف.

إن الإصلاحات الكبرى تشكل الإطار للاستجابة للانتظارات المشروعة للمهنيين والناشرين مما يقتضي منا جميعا أن نكثف المجهود في الأشهر المقبلة حتى ننجح التشاور حول عناصر ومحاور هذا الإصلاح القانوني، سواء تعلق الأمر بمدونة الصحافة والنشر أو بقانون الاتصال السمعي البصري، أو تعلق الأمر بالمقتضيات القانونية الخاصة بالمجال السينمائي أو حقوق المؤلفين أو المجال المرتبط بوكالة المغرب العربي للأنباء. وهي مقتضيات قانونية تواكب هذه التوجهات الإصلاحية الكبرى وإن كانت توجد في قطاعات حيوية ومصيرية بالنسبة للممارسة المهنية.

تحسين مناخ الممارسة الصحفية والإصلاح القضائي

وإننا نعتبر أن الإصلاح القانوني يبقى حلقة ضمن حلقات في النهوض بالصحافة الوطنية بمختلف وسائطها ومكوناتها، نهوض يقتضي منا أن نعمق العمل لتحسين مناخ الممارسة الصحفية وإنهاء كل حالات الاعتداء على الصحفيين التي نعتبرها غير مقبولة وغير مشرفة ومخالفة لأحكام الدستور.

وأن نطور من العمل المطلوب على مستوى الممارسة القضائية والمؤسساتية، بما يحمي الممارسة الصحفية ويحمي الصحفيين من التنصت، ويؤدي إلى إرساء قواعد قضائية تمكن من توفير المعلومة للصحفيين على المستوى القضائي وتمكن من إرساء غرف متخصصة وقضاة متخصصين في قضايا النشر والإعلام.

تحسين البيئة الاقتصادية والاجتماعية وتأهيل المقاولة الصحفية

بالإضافة إلى حلقة ثالثة وتهم تحسين البيئة الاقتصادية والاجتماعية، وإننا نعتقد أن مرور عشر سنوات على الاتفاقية الجماعية التي جمعت الصحفيين بالناشرين مدة كافية من أجل تقييمها وإعادة النظر في مقتضياتها، بما يراعي التحولات التي عرفها المجال.

ويقتضي منا ذلك أن نعمل معا، بدعم من الوزارة من أجل اتفاقية جماعية جديدة تستجيب لانتظارات المهنيين، وتراعي أوضاع المقاولة الصحفية التي يواجه عدد منها تحديات اقتصادية ومقاولاتية لا يمكن أن نغفلها.

وندعوكم في مؤتمركم هذا، أن تطوروا مقترحات مسئولة لتدعيم عمل المقاولة الصحفية والتي تعاني تحديات على مستوى المقروئية، وتكافؤ الفرص في الإشهار والتوزيع والانتشار.

أخبركم في هذا الصدد، أن العمل مكثف مع الناشرين من أجل أجرأة مقتضيات عقد البرنامج الجديد والذي حمل مستجدات منها تخصيص دعم تكميلي للصحف ذات المداخيل الإشهارية الضعيفة كما هو معمول به في الدول الديمقراطية من أجل حماية استقلالية خطها التحريري عن جماعات المصالح والمال والضغط، وتخصيص دعم مالي إضافي يتجه مباشرة إلى التكوين ودعم الموارد البشرية ودعم تطبيق الاتفاقية الجماعية، وتخصيص دعم مالي إضافي من أجل التوزيع ونقل الصحف إلى الخارج.

وهي إجراءات أصبحنا الآن بمقتضى عقد البرنامج الجديد تخضع لافتحاص سنوي من قبل المفتشية العامة للمالية، افتحاص يهم مدى أثر الدعم على أوضاع الصحافة والصحفيين.

كما أخبركم أن الوزارة قررت إحالة كل ملفات الدعم منذ سنة 2005 إلى سنة 2013 من أجل الافتحاص.

وإن هذا المجهود سواء على المستوى القانوني أو على مستوى تحسين الدعم سيمثل بالنسبة إلينا ورشا جماعيا ومسئولا تم الإنطلاق فيه قبل مدة، وبدأنا نرى ثماره الأولية، ونعتبر أن النجاح فيه لا يمكن أن يتحقق دون شراكة مسؤولة وواعية بالاختلاف ومقدرة للتفاوت في وجهات النظر.

أهنئكم مجددا، وأتمنى لمؤتمركم النجاح ولأشغالكم التوفيق.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.



مقالات ذات صلة