كلمة السيد وزير العدل و الحريات خلال اللقاء التواصلي مع السادة المسؤولين القضائيين يوم 29 شتنبر 2014


حقائق بريس
الاثنين 29 شتنبر 2014



باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين


السيد المحترم الرئيس الأول لمحكمة النقض ؛
السيد المحترم الوكيل العام لمحكمة النقض ؛
السيدات والسادة المسؤولون القضائيون المحترمون

اسمحوا لي في البداية أن أعبر لكم عن عظيم سعادتي وبالغ سروري بمناسبة هذا الجمع المبارك، الذي يضم ثلة خيرة من قضاة المملكة تتولى مهمة تدبير شؤون العدالة في مختلف مجالاتها.

كما أود بهذه المناسبة أن أغتنم الفرصة لأهنئ السادة المسؤولين القضائيين الذين تولوا المسؤولية لأول مرة و كذا للسادة المسؤولين القضائيين الذين تمت ترقيتهم للقيام بمهام أكبر على الثقة المولوية التي حظوا بها ، فتمنياتي لكم جميعا بالتوفيق في مهامكم الجديدة.

حضرات السيدات والسادة الافاضل
إن انعقاد هذا اليوم التواصلي يأتي في إطار السنة الحميدة التي دأبت عليها الوزارة من أجل التواصل مع مختلف مكونات منظومة العدالة، وخاصة ّإذا تعلق الأمر بالسادة المسؤولين القضائيين، فأنتم قاطرة كل إصلاح و عماده ، والمعول عليكم في تنزيل وتنفيذ مشاريع إصلاح منظومة العدالة، وهنا لابد من أشيد بالدور الذي ساهم به السادة المسؤولون القضائيون خلال كافة أطوار الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، الذي أفضى إلى إصدار ميثاق وطني حول إصلاح منظومة العدالة حظي بالموافقة الملكية السامية.


وها نحن اليوم بعد مرور ما يزيد عن السنة من انتهاء الحوار نعمل على تنزيل توصيات الميثاق ، ومما لاشك فيه أنه ما زلت تنتظرنا استحقاقات زمنية ينبغي فيها تنزيل توصيات الميثاق وهو أمر نعتقد بأنه لا يمكن أن يتأتى إلا إذا تجندنا له جميعا بكل عزم وإرادة حقيقية، بكل عطاء وتضحية ، وفي هذا الإطار لابد من التأكيد على الدور المحوري الذي يمكن أن يضطلع به السادة المسؤولون القضائيون على اختلاف درجاتهم ومواقع مسؤولياتهم من أجل تحقيق الأهداف المنشودة.
حضرات السيدات والسادة
يعتبر الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة خارطة طريق حددت معالمها التوصيات التي انتهى إليها الميثاق والتي تهم عدة محاور كبرى تخص منظومة العدالة في شموليتها ، و في هذا الاطار يعتبر الاصلاح التشريعي من بين الأوراش الكبرى التي تعكف عليها الوزارة حاليا ، في مقدمة ذلك القوانين التنظيمية المرتبطة بضمان تكريس استقلال السلطة القضائية ويتعلق الأمر بالقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي صادق عليه مجلس الحكومة مؤخرا والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة كما أعدت الوزارة مشاريع تشريعية أخرى تهم مجال الحقوق والحريات، في مقدمتها مسودة مشاريع قوانين المسطرة الجنائية و القانون الجنائي والطب الشرعي والمرصد الوطني للإجرام والنظام المطبق على مراكز حماية الطفولة.
ومن أجل تحقيق النجاعة القضائية عملت الوزارة في هذا الصدد على إعداد عدة مشاريع قوانين من شأنها أن تساهم في تحقيق هذا الهدف، وفي مقدمة هذه النصوص مسودة مشاريع قوانين المسطرة المدنية والتنظيم القضائي والكتاب الخامس من مدونة التجارة الذي أحيل على الأمانة العامة للحكومة مؤخرا .
إن الورش التشريعي الذي تقوده الوزارة لا يقتصر على النصوص التشريعية المشار إليها فحسب، بل ما زالت تنتظرنا استحقاقات تشريعية أخرى تتعلق بالنصوص القانونية المتعلقة بالمهن القضائية وفي مقدمتها مهنة المحاماة، المفوضون القضائيون، الموثقون، العدول، النساخة، و في هذا الصدد بادرت الوزارة إلى عقد عدة اجتماعات مع ممثلي بعض المهن في أفق صياغة تصور مشترك.




حضرات السيدات والسادة

يعتبر الورش المتعلق بتحديث منظومة العدالة من بين الاوراش الكبرى التي تعكف عليها الوزارة ، وفي هذا الإطار لابد من التأكيد على أهمية تحديث عدالتنا، بل لن أبالغ إن قلت بأن كسب هذا التحدي هو الذي سيعطي عنوانا لنجاحنا أو فشلنا في ورش إصلاح منظومة العدالة، وهنا أود أن أؤكد بأن غالبية التجارب الناجحة والرائدة التي عرفتها الدولة في مجال العدالة هي تلك التي اعتمدت على التحديث وتوظيف الوسائل التكنولوجيا الحديثة في منظومتها القضائية ولا حاجة للتذكير بالآثار الإيجابية التي يمكن أن تحققها عملية التحديث، إنها بكل خلاصة ربح للوقت، اختصار للإجراءات وتبسيطها، رفع من عناء عمل الإدارة القضائية ومردودية التدبير، تطوير لجودة الخدمة القضائية، تدعيم لأسس الشفافية.

و في هذا الاطار بادرت وزارة العدل والحريات منذ مدة إلى وضع برامج معلوماتية تتوخى تحديث آليات العمل داخل المحاكم، و جندت الإمكانيات البشرية و التقنية اللازمة لذلك، و في مقدمة هذه البرامج ما نعتبره من أساسيات التحديث ، ونعني بذلك التضمين الالكتروني للقضايا والتحيين الفوري للإجراءات، فعلى الرغم من المجهودات المبذولة فإن نسب التحديث تظل متواضعة ، فعلى سبيل المثال 62 % من محاكم المملكة فقط من فاقت فيها نسبة تضمين الملفات المدنية 90% ، بينما بلغت هذه النسبة 83 % بالنسبة للقضايا الزجرية.
وهنا لا بد من أن أؤكد على الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه المسؤول القضائي في كسب هذا الرهان، وإنجاح عملية التحديث عبر الاشراف المباشر واليومي على تنفيذ برامج التحديث .


حضرات السيدات والسادة الأفاضل
إن الرقي بعدالتنا لا يمكن أن يكتمل إلا عبر توفير بنايات مشرفة كفيلة بالاستجابة لمتطلبات تصريف القضايا، وفي هذا الاطار نؤكد عزمنا على تحسين البنيات التحتية للمحاكم من خلال رصد الامكانيات اللازمة لجعل بنايات المحاكم في المستوى اللائق برسالة القضاء، وفي هذا الاطار نتمنى أن نكون في سنة 2006 قد انتهينا من أشغال البناء أو في طور إنهاء الأشغال ، على أن تكون سنة 2018 سنة انتهاء كافة أشغال البناء .
وفي إطار سعي هذه الوزارة لضمان تتبع و مواكبة تنفيذ مشاريع البناء، عملت الوزارة على إعادة النظر في طريقة تدبير مديرية التجهيز والممتلكات لتلك المشاريع حيث عرفت في المرحلة السابقة عجزا في الأداء، وسيأتي الدور لاحقا على المديريات الفرعية حتى تكون في مستوى متطلبات المرحلة.
و في إطار حرصنا الشديد على أن يتم تنفيذ تلك المشاريع في المواعيد المحددة لها ، فإنني أعقد لقاءات مباشرة مع المهندسين والأطر المتحملة بمشاريع البناء وذلك سعيا لتحقيق الفعالية والسرعة المطلوبة في إنجاز هذه المشاريع.
وبهذه المناسبة أؤكد أن الوزارة تقوم بشكل يومي بتتبع تنفيذ مشاريع البناء وأنها لن تتهاون مع أي مخالفة في دفتر التحملات أو أي حالة غش ، وأنها ستعمل على اتخاذ الاجرات اللازمة في حق كل مخالف ، و في هذا الصدد أصدرت الوزارة في الأسبوع المنصرم بلاغا في هذا الشأن.
حضرات السيدات والسادة

إن الرفع من النجاعة القضائية كأحد الأهداف الكبرى التي سعى الميثاق إلى تحقيقها تحتاج إلى الرفع من أداء الإدارة القضائية التي يعتبر العنصر البشري المحور الرئيسي لأي إصلاح يتحقق بصلاحه الاصلاح وبعكسه يتكرس الفشل ،وفي هذا الاطار يتعين إيلاء الأهمية الخاصة للتكوين الأساسي والمستمر لفائدة مختلف مكونات منظومة العدالة حتى تكون في مستوى ما تتطلعه إليه عدالتنا.
إن تأهيل الموارد البشرية لا ينحصر على مستوى التدبير الاداري والأداء الوظيفي ، فالتأهيل لا يكتمل إلا إذا تم تخليق المنظومة البشرية و تعزيز قيم النزاهة داخل مرفق العدالة، ولابد هنا من أن أشير إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه المسؤول القضائي في هذا الشأن عبر إعطاء القدوة الحسنة والتأطير اليومي للموارد البشرية العاملة تحت إشرافه.



حضرات السيدات والسادة
إن فعالية منظومة أي عدالة رهين بتنفيذ الأحكام التي تصدرها المحاكم، وفي هذا الإطار يعتبر موضوع التحصيل من بين التحديات التي ما زالت تواجه نظام عدالتنا حيث حظي هذا الموضوع باهتمام وافر خلال أشغال الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، فعلى الرغم من المجهودات المبذولة من طرف المحاكم في هذا المجال، فإنه مع الأسف يلاحظ بأن التكفلات المتعلقة بالغرامات والإدانات النقدية بدون تحصيل، بقيت في تزايد مستمر منذ إحداث الحساب المرصد لأمور خصوصية إلى غاية يومنا حيث بلغت مجموع التكفلات الباقية بدون تنفيذ منذ سنة 1993 إلى غاية شهر غشت 2014 حوالي 35. 198. 4.583.327 درهم.

وترجع محدودية التحصيل إلى عدة إكراهات بعضها مرتبط بالجانب القانوني بسبب عدم مسايرة هيكلة مكتب التبليغ والتنفيذ الزجري بالمحاكم للمستجدات التي جاءت القوانين المرتبطة بالتحصيل فضلا عن تشتت الترسانة القانونية المعتمدة في مجال تحصيل الغرامات والصوائر والمصاريف القضائية. أما الشق الآخر من الاكراهات فمرتبط بغياب المراقبة بالشكل المطلوب بالمكاتب الحسابات والصندوق ومكاتب التبليغ والتنفيذ الزجري بالمحاكم، هذا بالإضافة إلى كثرة المتدخلين في عملية تحصيل الغرامات الإدانات النقدية والصوائر والمصاريف القضائية المحكوم بها من طرف المحاكم.

حضرات السيدات والسادة
كما تعلمون، فقد أكد جلالة الملك في خطابه السامي بتاريخ 20 غشت 2009، على ضرورة التعبئة الشاملة لإنجاح الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، ودعا جلالته الجميع إلى الانخراط الفعال في كسب هذا الرهان الحيوي الذي يندرج في مسار استكمال بناء مغرب المستقبل حيث تكون العدالة فعالة ومؤهلة.
إن تفعيل إصلاح منظومة العدالة يعتبر تحديا يتجلى فيه الدور المحوري الحيوي الذي يمكن أن يلعبه السادة المسؤولون القضائيون في سبيل تنزيل وتنفيذ لبنود هذا الاصلاح، فهم المعول عليهم بحكم وجودهم اليوم في رحاب المحاكم، وإن لنا كامل اليقين بجدارتهم وقدرتهم على تحمل هذه المسؤولية الجليلة.


حضرات السيدات والسادة
لا يسعني ختاما إلا أن أجدد الترحاب بكم في هذا اللقاء التواصلي الذي أتمنى أن تتواصل حلقاته في المستقبل لكونه يشكل فرصة للحوار والنقاش الجاد والمثمر، وإني لعلى يقين بأن ما يتحلى به السادة المسؤولون القضائيون من وعي ومسؤولية، و إدراك لجسامة المهام المنوطة بهم لكفيل بأن يساهم في كسب رهان تنزيل بنود الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة حتى نكون عند ظن صاحب الجلالة.
وفقنا الله وإياكم لما فيه خير بلادنا، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

مقالات ذات صلة