كيف مر عام 2023 في الخليج؟


بي بي سي العربية
الأحد 31 دجنبر 2023



شهد عام 2023 سطوع نجمي بلدين خليجيين على صعيد الدبلوماسية الإقليمية والدولية، إذ حاولت السعودية وقطر تثبيت مكانتيهما وثقليهما في المحافل الدولية وإظهار نفسيهما كلاعبين أساسيين من خلال أدوار بارزة على صعيد أكثر من ملف

السعودية ...حراك دبلوماسي على أكثر من جبهة
ستة ملفات كبرى تعاملت معها السعودية بشكل ملفت، بعضها كان على صلة مباشرة بها، وأخرى لعبت فيها دور الوسيط.

الملف الأول: عودة العلاقات مع إيران بعد قطيعة دبلوماسية استمرت سبع سنوات، وقد جرت العودة برعاية صينية، وتلتها زيارات متبادلة من الجانبين السعودي والإيراني أفضت إلى إعادة فتح البعثات الدبلوماسية وتبادل رسائل إيجابية بين البلدين.

وكان يرجى من وراء هذه الخطوة خلق هدوء في اليمن وسوريا والعراق ولبنان.

الملف الثاني: عودة العلاقات مع سوريا بعد قطيعة دامت أكثر من عقد، إذ شارك الرئيس السوري بشار الأسد لأول مرة منذ بدء الحرب في بلاده، في القمة العربية في دورتها الثانية والثلاثين التي عقدت في جدة، وقد حضر القمة أيضا الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي.

الملف الثالث: استضافت جدة قمة من أجل أوكرانيا شاركت فيها أكثر من 40 دولة (بغياب روسيا) في محاولة واضحة من الرياض ليس لفرض نفسها كقوة إقليمية فحسب، بل أيضا كقوة دولية وسيطة في أكثر الملفات سخونة وهي الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ شباط / فبراير 2022، وذلك انطلاقا من علاقتها "الحيادية" مع كل من موسكو وكييف.

ولعبت الرياض لعبت أيضا دورا بارزا في تسهيل عمليات تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا.

الملف الرابع: في إطار سياسة الوساطة أيضا، استضافت جدة "محادثات جدة" بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في محاولة لوقف إطلاق النار. المحادثات لم تؤت ثمارها حتى يومنا هذا.

الملف الخامس: لأول مرة منذ بدء الحرب في اليمن، زار وفد من حركة أنصار الله الحوثية الرياض بشكل علني.

وتمت الزيارة بوساطة عمانية واستمرت خمسة أيام وُصفت بالجادة والإيجابية من قبل الطرفين.

الملف السادس: مع استمرار الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، استضافت الرياض قمة إسلامية عربية مشتركة حول غزة، وشارك في القمة لأول مرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بعدما أعادت بلاده العلاقات الدبلوماسية مع السعودية.

إضافة إلى ما سبق، توقع مراقبون أن ينتهي عام 2023 بوضع الخطوط العريضة لاتفاقية تطبيع بين السعودية وإسرائيل، وهو ملف شغل البيت الأبيض بقوة في النصف الثاني من العام 2023.

تزامن هذا الأمر مع رسائل إيجابية من كلا الطرفين: السعودية وإسرائيل.

غير أن الرياض كانت واضحة في موقفها: لا تطبيع قبل إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت العربية عام 2022.

هذا الاستعداد السعودي للتطبيع مع إسرائيل عبّر عنه صراحة رئيس مجلس الوزراء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حين قال في مقابلة تلفزيونية إن بلاده أقرب من أي وقت مضى من توقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل.

وترافق هذا الكلام مع إشارات كانت توحي بجدية حدوث التطبيع بشكل فوري كالزيارتين العلنيتين لكل من وزيري السياحة والاتصالات الإسرائيليين إلى السعودية للمشاركة في فعاليات دولية.

لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ جَمّدت الحرب في غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 كل تلك المشاريع وجعلت من اتفاق التطبيع أمرا صعب التحقق.

قطر .. قوة تفاوضية نجحت حيث أخفق آخرون

لمع اسم قطر كقوة تفاوضية كبرى في عام 2023 إذ تمكنت الدولة الخليجية الصغيرة من معالجة ملفات أخفق آخرون في إيجاد حل أو تسوية لها.

الملف الأول: لعل هذا هو الملف الأبرز لدور الدبلوماسية القطرية خلال عام 2023 إذ قادت قطر مفاوضات الهدنة وإطلاق سراح السجناء والرهائن بين إسرائيل وحركة حماس، بدعم مصري وأمريكي. وبالفعل، نجحت الدوحة بتمديد الهدنة الإنسانية أكثر من مرة، قبل أن تعود الأمور إلى نقطة الصفر مرة جديدة.

قطر التي تستضيف قيادات من حركة حماس على أراضيها منذ أكثر من عشر سنوات، زارها رئيس الموساد مع رئيس الاستخبارات الأميركية مرات عدة، وذلك في إطار مفاوضات الهدنة الإنسانية.

وبعد توقف الهدنة في غزة بأيام وعودة الأعمال العسكرية، انتشرت صورة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر سلاما باليد بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في افتتاح فعاليات مؤتمر كوب 28 للمناخ في دبي في الإمارات العربية المتحدة. صورة لم تعلق عليها الجهات الرسمية القطرية فيما وصفها صحفيون إسرائيليون بـ "الصورة التاريخية".

استضافت الدوحة القمة الخليجية الرابعة والأربعين بمشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
بعد الصورة بأيام، استضافت الدوحة القمة الخليجية الرابعة والأربعين بمشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي خرج عنها إعلان الدوحة الذي أكد وحدة الصف الخليجي حيال القضية الفلسطينية وضرورة وقف إطلاق النار وإطلاق العملية السياسية وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة بيروت العربية.

الملف الثاني: عملت قطر على إنجاح وساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران أفضت إلى تحرير أموال إيرانية كانت مجمّدة في كوريا الجنوبية. هذه الأموال التي تقدّر قيمتها بنحو 6 مليار دولار أمريكي تم إيداعها في المصارف القطرية مقابل إفراج طهران عن خمسة سجناء أمريكيين، وإفراج واشنطن عن خمسة سجناء إيرانيين.

الملف الثالث: تمكّنت قطر من إقناع روسيا بالموافقة على إطلاق سراح أطفال أوكرانيين والسماح لهم بالعودة إلى أسرهم في أوكرانيا. جهود تطلبت أشهرا من العمل خلف الكواليس بين الدوحة وكييف وموسكو.

الملف الرابع: استضافت الدوحة محادثات إيرانية أميركية غير مباشرة في محاولة منها لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني وذلك برعاية منسق الاتحاد الأوروبي.

أما فيما يخص عودة العلاقات مع سوريا، وعلى عكس الرياض، كانت الدوحة واضحة برفضها ذلك لأنها لا تريد الخروج عن الإجماع العربي في هذا الشأن، واعتبرت أن أي خطوة في اتجاه عودة العلاقات مع سوريا مرهونة بالتقدّم نحو حل سياسي شامل للأزمة السورية.

لم يكن عام 2023 عاما عاديا بالنسبة للدولتين الخليجيتين الغنيتين بالنفط والغاز: السعودية وقطر.

عام مليء بالوساطات والتحركات الدبلوماسية على أكثر من جبهة، تحركات تنذر ببعد دولي للدبلوماسية الخليجية، يتخطى حدود الخارطة العربية.

مقالات ذات صلة