لنجعل مراكش محطة تاريخية وليس كذوب 22


محمد الحجام
الخميس 3 نونبر 2016








أكيد أن مدينة مراكش ستبهر المشاركين في قمة المناخ بين 7 و 18 نونبر، بحسن التنظيم وتوفير شروط العمل والإقامة لكل المشاركين المقدر عددهم ب30 ألف مدعو، اعتبارا لما راكمته هذه المدينة من خبرة في احتضان منتديات دولية كبيرة، والاستعدادات التي بدلت في مختلف المدن المغربية في كل المؤسسات الرسمية والمنتخبة والمجتمع المدني والشركات، إلا أن ما يميز هذا المنتدى عن سابقيه، كثير ونوعي، لأنه سيجمع شخصيات وازنة في صنع القرار من كل دول العالم، ولأن موضوعه يهم البشرية كلها بمختلف شرائحها الاجتماعية والجغرافية والجنسية والعمرية، ولأنه محطة لتفعيل وترجمة منتدى باريس، ولأنه منتدى مستقبل البشرية والكرة الأرضية وكل ما تضمه من كائنات ونباتات، ولأنه وباختصار ملتقى عالمي حول الحياة ككل حاليا ومستقبلا.

موضوع ملتقى كوب 22 هذا، هو العمل على نقصان درجتين من حرارة الكون، بتحديد آليات لتقليص الانبعاثات الغازية، وذلك باعتماد 100 مليار دولار من الدول المصنعة/ الملوثة، على امتداد 4 سنوات، نصفها مخصص لدعم/ قرض مشاريع التكيف ونصفها الآخر مخصص لدعم/ قرض مشاريع الطاقة الخضراء والتنمية المستدامة.

طبعا سبقت هذه القمة/ الملتقى، منتديات دولية نذكر منها كيوطو، ريوديجينيرو، كوب نهاكن، ناقشت كلها الأخطار التي تتهدد الكوكب نتيجة تزايد التلوث والتخريب البيئي في الهواء والسماء والأرض والبحار، وخلصت إلى توصيات، كانت القوى الرأسمالية الصناعية الكبرى غالبا ما ترفض الالتزام بها، بل تمت تصفية عدة علماء أنجزوا بحوثا دقيقة حول خطورة جرائم التلوث الصناعي على الكوكب وحياة كل ما فيه.

لقد أجمع أغلب علماء الفيزياء الجيولوجية بمختلف تخصصاتهم، أن المدة الافتراضية لتشكل كوكب الأرض، تتراوح ما بين 5 و6 ملايير سنة، وأن ظهور الحياة بكوكب الأرض يقدر بحوالي 3 مليار سنة، في حين ظهر الإنسان منذ حوالي 2 و3 مائة سنة.

هذا الإنسان/ البشر في تاريخ علاقته بالبيئة أنجز الثورة الزراعية والرعوية، والتي شكلت نقلة نوعية في استقرار وعمران وازدهار البشر، دون الإضرار بالبيئة، وفي أواخر القرن 18، وبالضبط مع اكتشاف الآلة البخارية من طرف الإنجليزي ذو الأصل الاسكتلندي جيمس واط سنة 1782، حيث شكل هذا الحدث بداية الثورة الثانية وهي الثورة الصناعية، المبنية أساسا على استخراج واستعمال الطاقة الأحفورية الملوثة كأرضية لهذه الثورة، وما حملته من تشكلات اجتماعية طبقية جديدة، وإخضاع الطبيعة والبيئة ككل للاستغلال والاستنزاف المتزايد، بوثيرة كبيرة كبر نهم القوى الصناعية والرأسمالية المسيطرة، والتي وصلت الفئة المهيمنة داخلها إلى التحكم في العالم تحت اسم النظام العالمي الجديد.

وهكذا في ظرف قرنين ونيف ألحقت البشرية عبر تورتها الصناعية المدمرة، بالكرة الأرضية إخلالا وتشوها قاتلا لم تعرفه الحياة والبيئة منذ ملايير السنين، مما دفع مناهضي العولمة من جمعيات أطاك وتنظيمات السلام الخضر، والذين في غالبهم كانوا مناضلي اليسار الاشتراكي، وطبيعي أن يكونوا في مقدمة المناهضين لأن العدو الطبقي باللغة الاشتراكية، هو نفسه الرأسمالي الامبريالي الملوث والمهدد هذه المرة للحياة كلها، وليس فقط استغلال المنتجين والعمال.

إن مهام كوب 22 بمراكش تأتي في هاته المرحلة، بمهمة تقليص الانبعاثات الغازية الملوثة للهواء وتحقيق ناقص درجتين من الحرارة، لهي مهمة نبيلة، ولكن صغيرة حتى وإن تم الالتزام من طرف المانحين الملوثين للفقراء الغير الملوثين، بل ضحايا التلوث، مثل القارة الإفريقية والزحف السريع للتصحر على أراضيها والنقص المتفاقم للماء والنبات وتلوث الهواء.

مهمة كوب 22 صغيرة أمام سرعة وثيرة إنتاج التلوث وبطء وثيرة مقاومته أو حتى الحد منه.

إن البشرية عليها مهمة إنجاز ثورة ثالثة كبيرة، للطاقة الخضراء ضد الترسانة الكبيرة للصناعة الملوثة للدول الكبرى المهيمنة، والتي تعرف خطورة الآتي ولا تريد التنازل عن ترسانتها الصناعية الملوثة، وتكتفي بمنح قروض على شكل إعانات للدول الغير الملوثة للحد من التلوث.

إن قمة المناخ بمراكش هي امانة اخلاقية ومصيرية وقمة تاريخية، لأن المغرب يمثل فيها ليس محتضنا ومنضما فقط، بل كذلك ممثلا للقارة الإفريقية وكل الدول الغير الصناعية، والتي هي مؤهلة لإنجاز الطاقة الخضراء، لأنها لا تملك ترسانات صناعية ضخمة يصعب التخلي عنها، ولكي يرسخ المغرب تاريخية قمة مراكش، عليه طبعا تنفيذ وتفعيل توصيات كوب 21 بباريس، وإضافة بيان/ صرخة مراكش بالتأكيد وبوضوح أن الحل أو الحلول الجارية غير قادرة على تجنيب الكوكب كارثة الدمار الكامل في أفق بدأ يحسب بالقرن، وأنه وجب الاستنفار وإنجاز الثورة البشرية الثالثة الخضراء، رغم المعرفة المسبقة بأن القوى الكبرى لن تقبل، ومع ذلك على المغرب مسؤولية ليس فقط إنجاح القمة، بل كذلك قول الحقيقة/ الصرخة، لتخلد مراكش في التاريخ البشري الذي لا نتمنى أن يدمر بسرعة التلوث أمام بطء قرارات كوب 22 او كذب 22 وما قبلها.

مقالات ذات صلة