لا شك أن لندن كانت حاضرة من بداية المشهد و ليس فى منتصفه كما أنها لم تكن فى جميع تطورات الاحداث بليبيا كرد فعل بل كانت دائما فى موقف صاحب الخطوة الاولى، و مع انهاء كلا من رئيس فرنسا السابق نيكولا ساركوزي و رئيس وزراء أيطاليا الاسبق سيلفيو برلسكوني مراسم دفن رأئحتهم و صفحاتهم السوداء بعد مقتل معمر القذافي كانت بريطانيا تفتح صفحات أشد سواد و لكن فى تلك المرة لم تكن لرئيس فرنسا او رئيس وزراء ايطاليا الاسبق و لا لاي رئيس أوربي أخر و لكن للدولة الليبية نفسها، نعم فقد عزمت كلا من لندن و واشنطن فى ترسيم جديد لليبيا فور أنهيار مؤسسات الدولة الليبية بعام 2011م، و لكن تطورات الاحداث بالمنطقة و ما حدث بمصر فى الثلاثين من يونيو جعل كلا من لندن و واشنطن تعول على تحميل ليبيا العديد من الاجراءات التى تكفى ليس لاغراق الدولة الليبية نفسها لسنوات فى الفوضى و الدمار بلا لاغراق محيطها و جيرانها بالكامل بكل موجات الدم و الخراب لعقود طويلة و ليس لسنوات .
و كما نعلم دور قطر و تركيا فى دعم ارهابيين ليبيا و هو الامر الذى تحدثنا عنه كثيرا مع التوضيح، فكلا من الدوحة و أسطنبول يتحرك بناء و على وفق الخريطة المرسومة من قبل واشنطن و لندن، و لا يستطيع احد الخروج عن المسار المرسوم له .
و مع زيادة أطلاق الحمم الارهابية المتفجرة من البركان الليبي بدء البعض سواء من كان فى الشرق أو الغرب يطالب بتحجيم الارهاب و الجماعات الاسلامية بليبيا حتى خرجت كلا من باريس و روما عن السرب الغربى الذى كان يدعم الارهاب، و بات جانب اخر من الدول الالتزام الصمت بعد التأييد علنا للجماعات المتطرفة بدعوى الديمقراطية و الحريات ... الخ
و بدء كلا باريس و روما و عواصم اوربية اخرى تطالب بحل جذرى للقضاء على الارهاب بليبيا، و برغم ذلك بقيت لندن اكثر الدول عناد و فجرا فى دعم الجماعات الاسلامية المتطرفة فى جميع المحافل الدولية علنا و بدعمهم فى السلاح بالخفاء و عدم الاكتفاء بدعم المتطرفون عبر كلا من الوسطاء فى المخابرات القطرية و التركية و لكن باتت لندن نفسها و عبر سفنها العسكرية من خلال قواعدها العسكرية المتواجدة بالبحر المتوسط تدعم بشكل مباشر الجماعات الارهابية بليبيا، و هنا يجب أعادة النظر فى التحركات البريطانية بالبحر المتوسط منذ الثلاث الشهور الاخيرة بالعام الماضى و الدور المشبوه التى لعبته القاعدة البريطانية بمالطا و هو المشهد الذى تجلى فى توجه سفينة " ما في هالت " العسكرية من القاعدة البريطانية بمالطا تجاه طرابلس فى بداية ديسمبر الماضى، بالتزامن مع دعم لندن المباشر لحكومة عمر الحاسي .
و برغم قيام عقيلة قويدر رئيس المجلس الليبي بترقية اللواء خليفة حفتر الى رتبة فريق و تعيينه قائدا عام للجيش الوطني الليبي الا أن ذلك لم يجعل كلا من لندن و واشنطن أن يكفو و لو للحظة واحدة عن الهجوم الحاد على الجيش الليبي بعد أتباع عملية تهميش ممنهجة من الاعلام الغربي لكل المؤسسات الشرعية المنتخبة بالدولة الليبية و الاصرار على بقاء جماعة الاخوان المسلمون و أجناحتهم العسكرية فى المشهد بشتى الطرق بالتزامن مع اتباع منهج مشابه مع الملف المصرى لاعاد جماعة الاخوان الى المشهد من خلال أنجاحهم بالانتخابات البرلمانية المقبلة و لذلك سبب تأجيل الانتخابات البرلمانية بمصر بعد حكم المحكمة الدستورية حالة أرباك للعديد من أوراق أتباع الاتحاد الاوربى و البيت الابيض بمصر .
و طفحت رائحة السياسة الخارجية البريطانية الكريهة التأمرية بعد سلسلة التصريحات المتتالية للسفير مايكل آرون و ما يقوم به من ضغوط على داعمي الجيش الليبي بالمنطقة أو بليبيا نفسها حتى أكتمل المشهد الانجليزى بتصريحات مارك غرانت مندوب بريطانيا لدى الامم المتحدة الذى تجاهل دور الجيش الليبي فى ردع الارهاب و حماية أمن و استقرار الدولة و بات يثني فقط على دور جماعة فجر ليبيا بعد أن زعم أن فجر ليبيا وحدها من يحارب الارهاب .
نعم هذا هو الدور البريطانى التأمري المتعاظم فى الاراضى الليبية و تلك هى خطة واشنطن لحصار مصر من الشرق، و تلك كانت خطوات أعادة حلم الهيمنة البريطانية على الشرق، فالمملكة البريطانية الان أصبحت لا تكتفى فقط بالتواجد على الرقعة الليبية و أستنزاف ثرواتها بل ان يصبح المربع الليبي فعال على لوح شطرنج الصراع بالشرق الاوسط، و ان يكون نقطة انطلاق لما هو أبعد من ذلك، فبالصحراء الليبية تتضح ملامح صراع أقليمي لا يقل شراسة عن ما يدور من صراع فوق الاراضى السورية .