محمد زيان رسول الله؟


عبد الرحيم الوالي
الأربعاء 20 يوليو/جويلية 2011


وجهت قبل أيام دعوة إلى الأستاذ محمد زيان، زعيم الحزب الليبرالي المغربي، على الموقع الاجتماعي "فيسبوك". و قد تفضل السيد زيان بقبول دعوتي لينضم إلى قائمة أصدقائي على هذا الموقع.


لم تكن غايتي هي أن يصبح زيان صديقا لي في الحياة، و لا حتى في "فيسبوك". بل كنت أريد فقط أن ينظر زيان إلى نفسه في أحد أشرطة الفيديو المنشورة على موقع يوتوب، و الذي يمكن للجميع مشاهدته من هنا:

http://www.youtube.com/watch?v=mml5-VW6mzw

في هذا الفيديو، الذي يعود لأيام حملة الاستفتاء الدستوري الأخير، يظهر السيد زيان في تجمع خطابي نظمه حزبه لتعبئة الناس من أجل قول "نعم" لمشروع الدستور. و منذ بداية خطبته في هذا التجمع أصر زيان على أن ينصب نفسه ناطقا باسم الله. فالله ـ حسب زيان ـ أراد أن يضحي شباب تونس لإسقاط بنعلي، و أن يضحي شباب مصر لإسقاط مبارك، و أن يضحي شباب ليبيا لإسقاط القذافي…إلخ. لكنه، سبحانه، أراد لنا ـ نحن المغاربة ـ أن ننجز ثورتنا بهدوء، دون قطرة دم واحدة.

إلى هذا الحد يمكن أن نغفر لزيان استعماله لله في السياسة. لكن زيان، الذي نصب نفسه ناطقاً باسم الله، لم يقف عند هذا الحد و أصرَّ على أن يبلغ مناضلي 20 فبراير بأن الله ساخط عليهم. و عندها برز أمامه أحد هؤلاء المناضلين ليطلب منه مناظرة، و ليقول له بأنه هو مَنْ قامَ بتهجير المناضل أبراهام السرفاتي. و هنا ثارت ثائرة زيان و انتقل من "كلام الله" إلى "كلام الزنقة"، و أصر على أن يقول كلَّ السباب و الشتم الذي أمطر به السرفاتي، و 20 فبراير، و حزب النهج الديموقراطي، و ذلك المناضل الذي طلب منه مناظرة، في مكبر الصوت ليسمعه الملأ الذي كان جالسا أمامه.

زيان، زعيم الحزب الليبرالي المغربي، برلماني سابق، و نقيب سابق لهيئة المحامين بالرباط، و وزير سابق لحقوق الإنسان، لا يقبل أن يطلب منه أحد مناظرة، أو ينتقده في موقف، و كانت جملة واحدة كافية لكي تجعله ينتقل من النطق باسم الله إلى النطق باسم الشيطان. و لو كان زيان في تلك اللحظات يملك سلطة إعدام ذلك المناضل الشاب، و حركة 20 فبراير، و حزب النهج الديموقراطي، لما تردد ثانية واحدة، و لفعل كل ذلك باسم الله أيضا، بل لو كان بإمكانه أن يعيد المناضل أبراهام السرفاتي إلى الحياة ليعدمه هو الآخر لما انتظر طرفة عين.

و زيان نفسه، الذي حضر لقاء تلفزيونيا بمناسبة الحملة على الاستفتاء، دعا الناس إلى أن يقوموا ليناضلوا لكي يحتل حزبه المرتبة الأولى في الانتخابات، و يتولى رئاسة الحكومة، لأن الليبرالية هي الحل.

لا يهمنا هنا أن زيان استغل الحملة الاستفتائية ليقوم بدعاية انتخابية سابقة لأوانها لفائدة حزبه، في الإعلام العمومي، و هو ما يجرمه القانون و يعاقب عليه. بل يهمنا لو أن زيان فعلاً استطاع أن يحمل حزبه إلى المرتبة الأولى في انتخابات ما من انتخاباتنا القادمة، و أصبح رئيسا للحكومة. و سنتصور ـ أكثر من ذلك ـ أن وصول زيان إلى رئاسة الحكومة تم في ظل ملكية برلمانية كاملة يسود فيها الملك و لا يحكم، و يملك فيها زيان كل سلطات القرار التنفيذي. فآنذاك لن يقف أمام زيان الليبرالي معارض، و لا صحافي يحمل أسئلة مشاكسة، و لا فبرايري مشاغب يذكره بملف السرفاتي، و لن يبقى هناك وجود لكل حزب ينتمي إلى فصيلة الأحزاب التي قال زيان إنه "يتغوط عليها".

هذه هي ليبرالية محمد زيان. فهي ـ عكس الليبرالية في الغرب ـ ليست فكرا بشريا و إنما هي تنزيل من الله، صاحبها يبلغ الناس إرادة الله و غضبه، و يدعوهم إلى اتباعه لأنه يجسد "إرادة الله" على الأرض. و كل مَنْ يختلف مع زيان و حزبه فهو "مارق" عن "إرادة الله" و يستحق السب و "التغوط" اللفظي، طالما أن زيان عاجز عن التغوط فعلا على الناس و لا يملك حتى الآن سلطةً لجعل أفواه معارضيه مرحاضاً لمؤخرته. و هي ليبرالية تخول لداعيتها الأول في المغرب التهجم على الأموات أيضا و سبَّ أصول الأحياء الذين يختلفون معه و يطلبون فقط مناظرته، و ينتقدون مواقف سابقة أعلنها هو نفسُه أمام الملأ. إنها، باختصار، ليبرالية لا علاقة لها بقولة فولتير الشهيرة: "قد لا أتفق معك فيما تقول لكني مستعد للموت دفاعاً عن حقك في قوله". فهذه ليبرالية مصدرها الإنسان، أي ذلك الكائن الذي لا يمتلك حقيقة مطلقة، و يؤمن بالنسبية و الاختلاف. أما ليبرالية زيان فهي ليبرالية يأتيه بها الوحي من عند الله، و بالتالي فهي "ليبرالية" مقدسة لا تقبل أي نقد أو رأي مخالف. و بذلك لم يعد بعض الإسلاميين وحدهم يحتكرون النطف باسم الله، و الدعوة إلى تطبيق "شرع الله"، و إنما صار هناك أيضا "ليبراليون" يستمدون ليبراليتهم أيضا من السماء. و ربما يخرج علينا غداً "اشتراكيون" و "قوميون" يتحدثون هم أيضا باسم الله. و طالما أن فصلاً حقيقيا بين مجال الدين و مجال السياسة لم يتم في المغرب، فسيكون هناك كثير من الناطقين باسم الله، الذين تُخفي صدورُهم ما لا يطفو على ألسنتهم إلا في حالة انفلات اللاوعي كما حصل لزعيم حزب "السَّبُع".

و بالمناسبة، فوحده حزب زيان اختار شعاراً له ذلك "السَّبُع" الشبيه بسَبُع آخر كان شهيرا في مغرب السبعينيات و الثمانينيات لأنه كان مرسوماً على علبة أعواد الثقاب المُشَمَّعَة التي كان يستهلكها خصوصا مدخنو القنب الهندي (الكيف)، و ما يزال كثير منهم يذكرونها الآن بحنين كبير لأنها كانت بطيئة الانطفاء و قوية الاشتعال. و ربما كان من غريب الصدف أن نيران محمد زيان هي الأخرى قوية الاشتعال و بطيئة الانطفاء مثل أعواد الثقاب تلك، من محاكمة نوبير الأموي، إلى ملف تهجير السرفاتي، إلى حملة محاربة التهريب، و أخيرا إلى عربدته أمام الملأ و تلفظه بألفاظ لا تليق إلا بمدمني أقراص الهلوسة.

طبعاً، لا أحد سينتظر من زيان تغيير سلوكه لأن من شب على شيء شاب عليه كما يقول العرب. لكنَّ زيان عليه أن يعرف أن الساحة السياسية ساحة عامة تقتضي احترام النظام العام، و الأمن العام، و الحياء العام، و لا تحتمل أن ينطق فيها أحد باسم الله، خاصة إذا كان هذا الأحد ينطق بما يُغضبُ الله و الناس.
طبعا، بعد ثمانية و أربعين ساعة من نشر هذا المقال سأحذف زيان من قائمة أصدقائي على فيسبوك، بعد أن يكون على الأرجح قد قرأه. هذا، ما لم يسبق هو إلى حذفي من قائمته، و ربما إمطاري بشيء من غائطه اللفظي.

مقالات ذات صلة