مخاطر الدعم العربي للهجوم الإسرائيلي..


طارق ليساوي
الخميس 10 أكتوبر 2024



أشرت في مقال “على خلفية خطاب المرشد الإيراني: حلم الصـهاينة يتجاوز حدود فلسـطين و يشمل كامل المنطقة و شعوبها من طنجة إلى جاكارتا…” إلى أن موقف إيران يستحق منا الإشادة و التنويه و بخاصة الخطبة التاريخية التي ألقاها المرشد الإيراني بالعاصمة ظهران يوم 04-10-2024، تأبينا لزعيم حزب الله حسن نصر الله ، فمن خلال تتبعي للخطبة و دلالاتها الرمزية و اللغوية ، فإن الرجل لم يقل إلا صدقا و موقفه من فلسطين و المسجد الاقصى و المـقـاومة مشرف جدا و خطابه يحمل إشارات طيبة و تصالحية ينبغي البناء عليها للخروج من دورة الخلافات الهامشية ، و إنقاذ المنطقة من هجوم صهيو-صليبي يستهدف كامل المنطقة و شعوبها و مواردها، و اتفق مع المرشد في قوله بأن ” كل ضـربة تنزل بالكـيان الغاصب هي خدمة للمنطقة ولكل الإنسانية” و أن “هدف امريكا تحول الكـيان الصهيـوني الى بوابة لتصدير الطاقة من المنطقة الى بلاد الغرب واستيراد البضائع من الغرب للمنطقة.. السلوك السفاح والوقح للكيان ناجم عن تحقيق هذا الهدف”..
تفجير حرب إقليمية
فمصلحة الكيان الصهيوني إشعال المنطقة و تفجير حرب إقليمية تكون بأموال و دماء أبناء المنطقة، مستغلا حالة الصراع و الخلاف الطائفي بين قطبي الأمة الإسلامية، فمنصات الكيان الإعلامية و ذبابه الإلكتروني يستثمر بكثافة في إشعال فتيل الفتنة المذهبية، و تجييش السنة ضد الشيعة، و الواقع أننا في هذه المرحلة الفاصلة أمام مذهبين لا ثالث لهما إما مذهب المقاومة أو مذهب الصهيونية، و لا وسط بين المذهبين ، و أرى أن انخراط بعض النظم العربية في هذه الأجندة يضر بأمنها و استقرارها، خاصة و ان الكيان الصهيوني و قادته يصرحون بأن بلدان عربية مشاركة في القصف الذي تعرضت له اليمن و أيضا مشاركة في أي رد على ايران..

حماية الكيان:
و قد رأينا كيف أن الدفاعات الجوية الأردنية قد قامت بإعتراض بعض الصواريخ الإيرانية المتجهة لفلسطين المحتلة، و عرضت مواطنيها للخطر، و نتساءل هل هذه الدفاعات ستعمل لمواجهة الصواريخ أو الطائرات الصهيونية التي تخترق المجال الجوي الأردني في حالة قيامها بهجمات مضادة باتجاه إيران، و قد رأينا كيف سرب الطيران الصهيوني صورا للسعودية و هو في طريقه لقصف ميناء الحديدة قبل أيام..

موقف الحياد:
و نخشى أن تنجر بلداننا العربية و البلدان الخليجية لهذه المواجهة ، فمصلحة المنطقة تقتضي الابتعاد و معارضة الاجندة الصهيونية، و إذا كانت عاجزة عن تقديم الدعم المباشر للمقاومة و الدفاع عن غزة و لبنان بالوسائل السياسية و الدبلوماسية و الإعلامية المتاحة و الممكنة، فعلى الأقل تتبنى موقف الحياد و الابتعاد عن تقديم الدعم المباشر او غير المباشر للصهاينة..

خارطة أهداف إسرائيل:
ف”النتنياهو” بعد هجمات إيران بالصواريخ الباليستية و الفرط صوتية، و بعد فشل القبة الحديدية في التصدي للهجمة، و نجاح أغلب الصواريخ الإيرانية في قصف أهدافها بدقة شديدة، ف”النتنياهو” يهدد بالرد و يقول بأن خارطة الأهداف المقبلة ، المنشئات النفطية و المنشئات النووية الإيرانية، و أي تهور من هذا القبيل كفيل بإشعال حرب إقليمية واسعة ..

مخاطر مؤكدة:
فقصف المنشئات النفطية سيؤدي حتما إلى اشتعال في أسعار الطاقة على المستوى العالمي ، و هذا الأمر سيفيد و يقوي روسيا و يضر بمصالح إمريكا خاصة في لحظة السباق الانتخابي..و يدخل الاقتصاد العالمي في أزمة عالمية غير مسبوقة ، خاصة و ان هذا الاقتصاد لازال لم يتعافى من دورة الازمات المتتالية، و هجوم كهذا سيؤدي إلى رد فعل إيراني ، و بنظري النفط الخليجي سيكون نقطة الاستهداف ، و إيران تملك القدرة على الرد و ستملك المبرر القانوني و الشرعي للرد ، و في حالة إستهداف البنية التحتية النفطية في الخليج ، فهذا الأمر كفيل برفع سعر البرميل إلى أزيد من 200 دولار ..هذا إلى جانب الاضرار بالبلدان الخليجة المنتجة التي ستكون أول المتضررين ، لإعتماد ميزانياتها على عائدات النفط ، كما أن مشاريعها تقوم على فرضية الأمن و الاستقرار، و أي هزة تصيب المنطقة ستعرضها لدورة أزمات و من غير المستبعد أن تقود لقلاقل إجتماعية ستقود إلى الإطاحة بنظم سياسية، خاصة و ان حدة الغضب المكتوم قد بلغت ذروتها، فمن غير المقبول لا عقلا و لا واقعيا أن تكون الشعوب خليجية مغيبة عن الجرائم الوحشية التي ترتكب في غزة و لبنان، و هذه الشعوب كانت إلى وقت قريب أهم داعم للمقاومة و القضية الفلسطينية..

الحكمة الإيرانية :
و إلى حدود الساعة فإن الرد الإيراني لا زال في حدوده الدنيا ، و القيادة الإيرانية تعمل على إرسال رسائل لمن يهمهم الأمر بأنها لا تسعى لتوسيع دائرة الحرب ، و ردها يستهدف حماية ماء الوجه و الرد في إطار ما يتيحه القانون و الأعراف الدولية ، و أنها تعمد و تحرص على جعل الأضرار البشرية و المادية في صفوف الكيان في حدودها الدنيا، و ليس في ذلك عجز إيراني و إنما الرد الإيراني الأخير مدروس بدقة و يعبر عن ذهنية القيادة الإيرانية المتخوفة من خروج المواجهة عن السيطرة ..

التهور الصهيوني:
لكن في الضفة الأخرى نجد أن القيادة الصهيونية متطرفة إلى أبعد حد ، و تحلم بكسح و تحييد أعدائها في دفعة واحدة، و إنهاء كل تهديد إقليمي أني أو مستقبلي ، وترى بأن الفرصة سانحة لمواجهة إيران و قص أظافرها، و الواقع أن إدارة بايدن تدرك خطورة التهور الصهيوني، فهي تحاول فرملته بإبعاد التهديد عن المنشئات النفطية و النووية، و في حالة قصف المنشئات النووية الإيرانية، فإن هذا السلوك سيكون من نتائجه المؤكدة إحراق الأخضر و اليابس في عموم المنطقة، فإيران بتبنيها سياسة المهادنة و خفض التصعيد ، تحاول تجنيب البلاد من التهديد الأكبر ، و لا تهديد أكبر من قصف الحلم النووي الإيراني ، الذي قدمت فيه إيران قيادة و شعبا موارد و تضحيات هائلة، و في حالة قصفه فإن هذا الحدث الدرامي سيؤدي إلى إبادة الكيان و حلفاءه في المنطقة..

القنبلة النووية الإيرانية:
هذا إذا لم تكن إيران أصلا قد نجحت في الحصول على القنبلة النووية، لكنها لا زالت مترددة في الإعلان عن ذلك، خاصة و أن القنبلة النووية لوحدها غير ذات أهمية ما لم تتوفر على صواريخ و لوجستيك لحمل الرؤوس النووية إلى أهدافها ، و علينا إستحضار تجربة كوريا الشمالية ، و أعتقد ان إيران تسير على نفس خطى كوريا الشمالية..

و إذا لم تتمكن إيران بعد من الحصول على القنبلة النووية ، فإن أي هجوم موسع ، سيدفع القيادة الإيرانية إلى تسريع خطواتها لتفجير قنبلتها النووية، للخروج من دورة التهديدات الغير مسبوقة التي تحاصر إيران..و إذا حصلت إيران على القنبلة النووية و نجحت في الحصول على سلاح الردع النووي ، فإن البلدان العربية بدورها ستصبح مطالبة بالحصول على القنبلة النووية، و ستشهد المنطقة سباقا نوويا غير مسبوق..

أُكِلْتُ يوم أُكِل الثور الأسود:
إن موقف البلاد العربية و الإسلامية على وجه العموم، هو تجسيد للمثل الشائع ” أُكِلْتُ يوم أُكِل الثور الأسود..” إن تفريط البلاد العربية في أمن بعضها البعض، و تحالفها مع قوى أجنبية ضد بني جلدتها جعلها مجالا مفتوحا لكل أشكال الابتزاز، كما أن اعتماد النظم الحاكمة على المظلة الخارجية للبقاء في كراسي الحكم و معاداتها لشعوبها، جعل موقف هذه الأنظمة ضعيفا من ناحيتين:

أولا- فهي أنظمة عارية من كل شرعية، لذلك لا تستطيع مواجهة الأجنبي الذي يدرك افتقارها لحاضنة شعبية تحميها ضد ابتزازت “ترامب” و “بوش” و “بوتين” و “نتنياهو” …

ثانيا- أنها فاقدة للإرادة فهي لا تستطيع العودة لشعوبها، فالشعوب فقدت الثقة في هذه الأنظمة و تنتظر لحظة زوالها بفارغ الصبر..

بدائل تدعو إلى التفاؤل:
من دون شك، أن الوضع الحالي للمنطقة العربية جد معقد و أن حجم التهديدات يتسع، لكن مع ذلك هناك بدائل تدعو إلى التفاؤل، إن قوة المنطقة اليوم ليس فيما تملكه من أسلحة.. فمهما يكن حجم هذه الأسلحة فهو لن يضاهي ما تتوفر عليه القوى العظمى. لكن قوتها – المنطقة العربية – تكمن في إرادة الشعوب و ثباتها العقائدي، فشعوب المنطقة رغم حالة التجهيل و التفقير الممارس عليها من قبل أنظمة غاشمة تحظى بغطاء أجنبي .. إلا أن هذه الشعوب لازالت تؤمن بأحقيتها في تقرير مصيرها و هذا ما تأكد بعد معركة و ملحمة طوفان الأقصى ..

الخروج من حالة الوهن:
نود حقيقة أن تخرج المجتمعات العربية و الإسلامية من حالة الوهن الراهن، وان تصبح سيدة قرارها داخليا و خارجيا، قد يبدو هذا الأمر بعيد المنال في ظل الوضع الراهن، لكن ليس هناك مستحيل أمام إرادة الشعوب. فإذا خلصت النوايا و رجع حكام المنطقة عن غيهم و تصالحوا مع شعوبهم يمكن تغيير واقع المنطقة، و في كل الأحوال فان وضع الاستبداد لن يدوم طويلا فلإرادة التغيير قوة دافعة إذا انطلقت من الصعب إرجاعها عن مسارها..

تغيير قواعد اللعبة:
فالتحدي أصبح بين أيدي الشعوب التي بإمكانها تغيير قواعد اللعبة محليا و دوليا، والتحدي الذي يواجه المنطقة هو تحصين الجبهة الداخلية وتحرير الإرادة الشعبية وبناء نظم اقتصادية وسياسية و اجتماعية عادلة و معبرة عن إرادة الناس، و نبذ الفرقة المصطنعة بين الشعوب العربية والإسلامية ففي الوحدة و التكتل الاقتصادي و العسكري قوة، و بمثل هذا المجهود الجمعي يمكن بناء عناصر القوة التي بمقدورها وقف كل قوة معادية..

مصالح الإقليم:
فمصالح بلدان الاقليم هو خلق بيئة سلمية على امتداد الإقليم العربي و الإسلامي ، و تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي و مكافحة الفقر و التهميش، بدلا من إنفاق ملايير الدولارات من أموال هذه الشعوب المغلوب على أمرها، من أجل تكديس أسلحة ، نعلم جميعا أنها لن تحقق الأمن و السلم بل الأدهى أنها أصبحت تستعمل في حماية العدو الأول و الأخطر للأمة…

اللحظة الراهنة أيضا تقتضي تجاوز بذور الشقاق و الخلاف الطائفي و المذهبي و الحرص على تغليب القواسم المشتركة بين شعوب و دول المنطقة و أهم قاسم مشترك العدو الصهيوني الذي لا يميز بين سني و شيعي و ملحد و بين عربي و إيراني و باكستاني و تركي.. و ينبغي ان تتجه أسلختنا إلى هذا العدو حصرا و تحديدا و الابتعاد عن كل دعوات مواجهة إيران بالسلاح فهذه الدعوات صهيونية الهدف و المصدر …

تحييد الخطر الإيراني يكون بتغليب منطق الوحدة و الحوار ، و تعزيز التعاون العربي –عربي و العربي – إسلامي، وبدلا من إنفاق الملايير في تكديس الأسلحة وطلب الحماية الأمريكية و الصهيونية، نتمنى تفعيل التعاون الإقليمي و احترام قواعد الجوار..فأين المشكلة بالنسبة لنا كعرب و مسلمين إذا حصلت إيران على سلاح نووي؟

فمادام الكيان الصهيوني يتوفر على هذا السلام فمن حق إيران أن تحصل عليه تأمينا لأمنها و ردعا لكل تهديد ، و قياسا على ذلك من حق السعودية و مصر و المغرب و الجزائر الحصول على نفس السلاح و السوق مفتوح و الدولارات متوفرة، فهل الأمر جائز لإسرائيل و حرام على إيران أو السعودية او مصر…؟؟ فالعداء العربي – الايراني عداء غير ذا معنى.. و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ..

كاتب و أستاذ جامعي

مقالات ذات صلة