مؤسسات ومراكز شيعية وأنشطة في مواجهة مقاربة تقليدية في التأطير الديني لمغاربة المهجر
يعود الحديث عن التشيع في أوساط الجالية المغربية بأوربا مع عودة المهاجرين المغاربة إلى أرض الوطن، وتعود معه الأسئلة حول وسائل الاستقطاب التي بسببها تحول العديد من المغاربة إلى اعتناق المذهب الشيعي، كما يطرح تغلغل المد الشيعي إشكاليات تتعلق في مجملها بمشاكل الهوية والاندماج وسياسات المغرب في مجال التأطير الديني ، بمقابل وجود خطاب تروج له مؤسسات دينية تابعة للمذهب الشيعي.
ترصد "الصباح" من خلال هذا التحقيق كيف ساهمت مراكز ومؤسسات شيعية في الترويج لأفكار ومعتقدات غريبة على ثقافة المغاربة، وتقدم رؤية أحد الأصوات البارزة للشيعة المغاربة بأوربا، والحلول التي يقترحها المهتمون لتصحيح المقاربة التقليدية في التأطير الديني بما يواكب التحولات الديموغرافية والسوسيوثقافية في أوساط الجاليات المغربية بالخارج.
بلجيكا عاصمة المتشيعين المغاربة
تتوزع عبر عدد من الدول الأوربية، وبالأخص بلجيكا وهولندا وألمانيا مراكز وجمعيات تحت مسميات مختلفة تقوم بالترويج للمذهب الشيعي بطرق مباشرة وغير مباشرة، ومن هنا تبدو آليات الاختراق الشيعي لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج مرتكزة بشكل كبير على القرب من المدن التي تحتضن أكبر عدد من أفراد الجالية.
يقدر عدد الشيعة في بلجيكا وحدها بحوالي 30 ألف شيعي من مختلف الجاليات المسلمة، خاصة من المتحدرين من لبنان والعراق وسوريا وإيران وتركيا والمغرب، ويتمركز معظمهم في بروكسيل وانتويربن، وتعتبر تقارير غير رسمية أن المغاربة يتصدرون قائمة الشيعة في بلجيكا، ويناهز عددهم 20 ألفا، وهو رقم مرشح للتزايد حسب قائمين على حركات وجمعيات تعنى بأحوال المغاربة الشيعة ببلجيكا. وتظهر معطيات استجمعتها "الصباح" أن مئات من المغاربة قد "اهتدوا إلى عقيدة آل البيت عليهم السلام في بداية الثمانينات إثر انتصار الثورة الإسلامية المباركة"، وأن أغلبهم يسكن في بروكسيل وضواحيها، كما أن بضع عشرات من المغاربة قد تشيعوا "بفعل النشاط الإعلامي والدعوة إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام".
تعد العاصمة بروكسيل المدينة الأولى من حيث النشاط "الدعوي" الشيعي ببلجيكا، وينشط بها لتحقيق هذه الغاية عدد من الجمعيات والمراكز الشيعية منها المركز الإسلامي الثقافي الشيعي ـ أهل البيت (عليهم السلام)، ومكتبة بيروت، وجمعية الهادي المغربية، كما تظم المدينة عددا من المساجد الخاصة بالشيعة ضمنها مسجد خاص بالأتراك الشيعيين وهو مسجد يؤمه كثير من المغاربة لأداء صلواتهم. وبمدينة أنتويربن إحدى المدن البلجيكية التي تحتضن عددا كبيرا من أفراد الجالية المغربية توجد جمعيات تعمل بنشاط على نشر العقيدة الشيعية بينهم، ومن بين تلك الجمعيات "جمعية الرضا عليه السلام" و"جمعية الزهراء" أو "حسينية الزهراء" و"جمعية الغري".
وتقوم هذه الجمعيات والمراكز الشيعية بتنظيم أنشطة "دعوية" متنوعة خصوصا مجالس شهر رمضان ومجالس نهاية كل أسبوع، وأيضا بتزامن مع الاحتفال بالمناسبات الشيعية و"الشعائر الحسينية"، فضلا عن سلسلة من الدروس والخطب المروجة للمذهب الشيعي...
وعلاقة بإقبال المغاربة على التشيع ببلجيكا، يورد موقع إحدى الفضائيات العراقية ذات التوجه الشيعي أن "الغالبية من أتباع أهل البيت في هذا البلد من أصول مغاربية، خاصة من المملكة المغربية"، ويضيف الموقع أن مجالس ليالي بلجيكا لا تقتصر على العاصمة بروكسيل بل تتعداها إلى المدن الأخرى وان "الجالية المغربية في مدينة أنتويربن البلجيكية تقيم إلى جانب بقية الجاليات الأخرى مجالس سيد الأحرار و أبي الشهداء بمركز الغري".
مراكز لاستقطاب المهاجرين المغاربة
على غرار بلجيكا، يوجد بهولندا الدولة المجاورة والتي تعرف وجود نسبة مهمة من المهاجرين المغاربة من أصول شمالية، يتوزع عدد من المؤسسات الشيعية على كامل التراب الهولندي، ومن بين تلك المؤسسات على سبيل المثال لا الحصر "البرلمان الشيعي الهولندي" بروتردام، المركز الثقافي الإسلامي بأوتريخت، مركز أهل البيت بمدينة الميرا، مؤسسة الكوثر الثقافية بدنهاخ، ومؤسسة فاطمة الزهراء بأمستردام، كما يمتلك الشيعة عددا من المساجد يقارب العشرين وذلك بكل من دنهاخ، روتردام، ايندهوفن، آسن، أمستردام، ودوردرخت.
وتورد المعطيات التي حصلت عليها "الصباح" أن الخدمات التي تقدمها المراكز والجمعيات الشيعية تتنوع بين كونها تحتضن مساجد أو مكتبات أو تقوم بتوزيع كتب مجانية ومنشورات تحت غطاء الدعوة الإسلامية والأعمال الخيرية، وتتنوع أنشطة هذه المؤسسات ما بين الأعمال الاجتماعية والندوات الدينية والثقافية الموجهة للجاليات المختلفة، وتقديم دروس في اللغة العربية والقرآن الكريم، بالإضافة إلى إحياء المناسبات والطقوس الشيعية.
ولا تقتصر هذه الأنشطة على فئة دون أخرى إذ تنظم برامجها النساء والشباب وأيضا برامج خاصة موجهة إلى الأطفال، لكن هذه المؤسسات نفسها تعمل من خلال ذلك إلى استقطاب "المستبصرين" أي المتشيعين الجدد وتجنيدهم للترويج للمذهب الشيعي بين الجاليات التي ينتمون إليها.
وبألمانيا كذلك يوجد عدد مماثل من المؤسسات والجمعيات الشيعية تنتشر بأغلب المدن الألمانية، ومن أهمها على سبيل المثال جمعية الطالب الإسلامية بإيسن، معهد التعليم الإسلامي بهانبورغ ومؤسسة تراث أهل البيت ببرلين... ولا تختلف الأدوار والأنشطة التي تقوم بها هذه المؤسسات عن مثيلاتها ببلجيكا وهولندا.
ومما يمكن استنتاجه أن تركيز المؤسسات الشيعية في الدول المشار إليها يوازيه أن تلك الدول هي التي تحتضن العدد الأكبر من أفراد الجالية المغربية والتي يشكل المتحدرون من الأقاليم الشمالية للمغرب الغالبية بينهم.
بمقابل النشاط الملفت للمراكز الشيعية في مجال استقطاب متشيعين جدد، يصعب تحديد أرقام دقيقة لعدد المغاربة الذين تحولوا إلى المذهب الشيعي، وذلك بسبب اعتماد هؤلاء على مبدأ التقية، وهو مبدأ يسمح "للمستبصرين" الكذب وإخفاء النوايا الحقيقة على من يخالفونهم في المذهب أو الدين أو الرأي، في حين تؤكد معطيات غير رسمية أن عدد المغاربة ممن تحولوا إلى المذهب الشيعي بأوربا يقدر بالآلاف.
مساجد تحت سيطرة جماعات متطرفة
يطرح التغلغل الشيعي في أوساط الجالية المغربية المقيمة بالخارج أسئلة جدية ومحرجة في الوقت ذاته حول قضايا التأطير الديني لأفراد الجالية، وأيضا إشكالية اكبر تتعلق بتكوين كفاءات علمية مؤهلة قادرة على تبليغ خطاب ديني سليم وفق المذهب المالكي المتسم بالوسطية والاعتدال.
في هذا المنحى، يرى الباحث المغربي في قضايا الهجرة والهوية، أحمد سراج، أن خصوصيات الأجيال الجديدة وثنائية مرجعيتها الهوياتية والثقافية، إضافة إلى مختلف خصوصيات السياقات التي يعيشون فيها في بلدان الإقامة تطرح تحديات كبرى على السياسات العمومية من اجل تقديم الأجوبة على انتظارات المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج.
ويخلص الباحث المغربي إلى أن "خطر التشيع بات أكثر حضورا، خاصة أن بعض المساجد المغربية في بلجيكا، مثلا، ما فتئت تكرس الخطاب الشيعي، كما أن العديد من المساجد في العديد من الدول الأوربية أصبحت خاضعة لتأثير جماعات متطرفة".
ويثير مثل هذا الوضع المقلق إشكالية النتائج المحصل عليها من الجهود التي تبذلها الدولة المغربية لتوفير تأطير ديني ملائم للجالية المغربية بالخارج، لكن هذه "النتائج لا ترقى إلى مستوى الانتظارات، فإذا كانت الحكومة المغربية تخصص 120 مليون درهم للتأطير الديني الموجه إلى الجالية المغربية، فإن هذا الاستثمار لم يؤد إلى النتائج المتوخاة، كما يبرز ذلك من خلال جملة من الوقائع".
ومن الاقتراحات التي يقدمها أحمد سراج لمواكبة التحولات التي تعرفها الجالية المغربية، ضرورة مبادرة الدولة إلى مراجعة سياستها الخاصة بتدريس اللغات والثقافات الوطنية لأبناء الجاليات المغربية بالخارج على مستوى مضامين التكوينات المقترحة، وبرامج التدريس ومناهجه، والبيداغوجيا والحكامة، سعيا إلى ضمان جودة ونجاعة التكوين، وملاءمته مع واقع الأطفال المغاربة بالخارج، حتى يستجيب بذلك للانتظارات الحقيقية للفئات المستهدفة.
وحول رهانات المرحلة الحالية، التي تتميز بوجود تحولات ديمغرافية وسوسيوثقافية في أوساط الجاليات المغربية بالخارج، يدعو الباحث إلى إعادة النظر في الخدمات التي توفرها الدولة لمغاربة العالم بشكل يسمح بجعلها أكثر استجابة لحاجيات تلك الجاليات، وأكثر استشرافا للتطورات التي ستعرفها مستقبلا.
ويضيف الباحث المغربي أن "كل معالجة لهذا العرض والتفكير في مستقبله يجب أن يأخذ بعين الاعتبار ثلاثة مكونات، هي انتظارات الجاليات المغربية المقيمة في الخارج على ضوء دينامياتها المتواصلة، والتأمل في الحصيلة العددية والنوعية لما يقرب من ربع قرن من السياسة المتبعة في هذا المجال، والتأمل في السياق العام الحالي المتميز بتحولات فضاء الهجرة ومواقف دول الإقامة من تعليم اللغة والثقافة الأصلية للمتمدرسين المتحدرين من المغرب.
عزالدين لغميش...لسان الشيعة ببلجيكا
يشرح عزالدين لغميش، أحد الأصوات البارزة للشيعة المغاربة ببلجيكا ورئيس جمعية الثقلين الثقافية في أحد حواراته الصحافية أسباب إقبال المغاربة على التشيع في المهجر، معتبرا أن مسألة التشيع نابعة من حياة دينية وتبلور ثقافي واجتماعي في فكر المسلم المغربي، ولا يتعلق الأمر بظاهرة، بل بواقع كان منذ قرون عديدة، يجد أساسه في توجه أصحاب الفكر الحر، بحسبه، إلى مناهج أخرى وتجارب أخرى والى مرجعية أساسية، وهي دينهم وتاريخهم للبحث عن أجوبة لكثير من الأسئلة.
يعد لغميش خريج الجامعة المغربية قبل التحاقه بالديار الأوربية، ويشغل في الوقت الراهن مهمة المسؤول الثقافي بمسجد الرضا ببروكسيل، وهو المسجد الذي شهد في مارس من السنة الماضية حادث تصفية إمامه المغربي الأصل عبد الله الدهدوه من قبل متطرف قيل إنه من السلفيين.
وعن تجربته الخاصة، يوضح لغميش، أنها بدأت قبل اقل من عشرين سنة أثناء فترة دراسته بالجامعة المغربية في مرحلة التسعينات، غير أن المتحدث ذاته يرجع انتقاله إلى مذهب آل البيت إلى تفرغه لقراءة القرآن والسنة والتاريخ...، من هنا يخلص إلى القول انه يجب التمييز بين التشيع المذهب والتشيع السياسي، "فحينما نسمع احد الأشخاص قد تشيع نرى يمينا الجمهورية الإسلامية لإيران وجهة الشمال حزب الله ...لكن العاقل يقول إن الدين الإسلامي دين سبق شيعة لبنان أو العراق أو إيران..، ونحن تشيعنا لأننا وجدنا في هذا المذهب أجوبة كافية شافية لمجموعة من الأسئلة".
لا يملك لغميش أرقاما محددة حول عدد المغاربة المتشيعين ببلجيكا، في غياب إحصائيات مؤسساتية قامت بها الحكومة البلجيكية، لكن الظاهر - بحسبه - يبين أن الشيعة أقلية، مقارنة بالطوائف الأخرى، والأقلية الشيعية هي متممة لهذه اللوحة الحضارية والدينية والثقافية، والحكمة كما يقول قيادي شيعة المغاربة ببلجيكا، لا تؤخذ بالكم بل بالكيفية، "وهذه الأقلية في تزايد مستمر في المستقبل، تؤشر عليه الأرقام، وهذا يبشر بالخير"، على حد قوله.
يعود الحديث عن التشيع في أوساط الجالية المغربية بأوربا مع عودة المهاجرين المغاربة إلى أرض الوطن، وتعود معه الأسئلة حول وسائل الاستقطاب التي بسببها تحول العديد من المغاربة إلى اعتناق المذهب الشيعي، كما يطرح تغلغل المد الشيعي إشكاليات تتعلق في مجملها بمشاكل الهوية والاندماج وسياسات المغرب في مجال التأطير الديني ، بمقابل وجود خطاب تروج له مؤسسات دينية تابعة للمذهب الشيعي.
ترصد "الصباح" من خلال هذا التحقيق كيف ساهمت مراكز ومؤسسات شيعية في الترويج لأفكار ومعتقدات غريبة على ثقافة المغاربة، وتقدم رؤية أحد الأصوات البارزة للشيعة المغاربة بأوربا، والحلول التي يقترحها المهتمون لتصحيح المقاربة التقليدية في التأطير الديني بما يواكب التحولات الديموغرافية والسوسيوثقافية في أوساط الجاليات المغربية بالخارج.
بلجيكا عاصمة المتشيعين المغاربة
تتوزع عبر عدد من الدول الأوربية، وبالأخص بلجيكا وهولندا وألمانيا مراكز وجمعيات تحت مسميات مختلفة تقوم بالترويج للمذهب الشيعي بطرق مباشرة وغير مباشرة، ومن هنا تبدو آليات الاختراق الشيعي لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج مرتكزة بشكل كبير على القرب من المدن التي تحتضن أكبر عدد من أفراد الجالية.
يقدر عدد الشيعة في بلجيكا وحدها بحوالي 30 ألف شيعي من مختلف الجاليات المسلمة، خاصة من المتحدرين من لبنان والعراق وسوريا وإيران وتركيا والمغرب، ويتمركز معظمهم في بروكسيل وانتويربن، وتعتبر تقارير غير رسمية أن المغاربة يتصدرون قائمة الشيعة في بلجيكا، ويناهز عددهم 20 ألفا، وهو رقم مرشح للتزايد حسب قائمين على حركات وجمعيات تعنى بأحوال المغاربة الشيعة ببلجيكا. وتظهر معطيات استجمعتها "الصباح" أن مئات من المغاربة قد "اهتدوا إلى عقيدة آل البيت عليهم السلام في بداية الثمانينات إثر انتصار الثورة الإسلامية المباركة"، وأن أغلبهم يسكن في بروكسيل وضواحيها، كما أن بضع عشرات من المغاربة قد تشيعوا "بفعل النشاط الإعلامي والدعوة إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام".
تعد العاصمة بروكسيل المدينة الأولى من حيث النشاط "الدعوي" الشيعي ببلجيكا، وينشط بها لتحقيق هذه الغاية عدد من الجمعيات والمراكز الشيعية منها المركز الإسلامي الثقافي الشيعي ـ أهل البيت (عليهم السلام)، ومكتبة بيروت، وجمعية الهادي المغربية، كما تظم المدينة عددا من المساجد الخاصة بالشيعة ضمنها مسجد خاص بالأتراك الشيعيين وهو مسجد يؤمه كثير من المغاربة لأداء صلواتهم. وبمدينة أنتويربن إحدى المدن البلجيكية التي تحتضن عددا كبيرا من أفراد الجالية المغربية توجد جمعيات تعمل بنشاط على نشر العقيدة الشيعية بينهم، ومن بين تلك الجمعيات "جمعية الرضا عليه السلام" و"جمعية الزهراء" أو "حسينية الزهراء" و"جمعية الغري".
وتقوم هذه الجمعيات والمراكز الشيعية بتنظيم أنشطة "دعوية" متنوعة خصوصا مجالس شهر رمضان ومجالس نهاية كل أسبوع، وأيضا بتزامن مع الاحتفال بالمناسبات الشيعية و"الشعائر الحسينية"، فضلا عن سلسلة من الدروس والخطب المروجة للمذهب الشيعي...
وعلاقة بإقبال المغاربة على التشيع ببلجيكا، يورد موقع إحدى الفضائيات العراقية ذات التوجه الشيعي أن "الغالبية من أتباع أهل البيت في هذا البلد من أصول مغاربية، خاصة من المملكة المغربية"، ويضيف الموقع أن مجالس ليالي بلجيكا لا تقتصر على العاصمة بروكسيل بل تتعداها إلى المدن الأخرى وان "الجالية المغربية في مدينة أنتويربن البلجيكية تقيم إلى جانب بقية الجاليات الأخرى مجالس سيد الأحرار و أبي الشهداء بمركز الغري".
مراكز لاستقطاب المهاجرين المغاربة
على غرار بلجيكا، يوجد بهولندا الدولة المجاورة والتي تعرف وجود نسبة مهمة من المهاجرين المغاربة من أصول شمالية، يتوزع عدد من المؤسسات الشيعية على كامل التراب الهولندي، ومن بين تلك المؤسسات على سبيل المثال لا الحصر "البرلمان الشيعي الهولندي" بروتردام، المركز الثقافي الإسلامي بأوتريخت، مركز أهل البيت بمدينة الميرا، مؤسسة الكوثر الثقافية بدنهاخ، ومؤسسة فاطمة الزهراء بأمستردام، كما يمتلك الشيعة عددا من المساجد يقارب العشرين وذلك بكل من دنهاخ، روتردام، ايندهوفن، آسن، أمستردام، ودوردرخت.
وتورد المعطيات التي حصلت عليها "الصباح" أن الخدمات التي تقدمها المراكز والجمعيات الشيعية تتنوع بين كونها تحتضن مساجد أو مكتبات أو تقوم بتوزيع كتب مجانية ومنشورات تحت غطاء الدعوة الإسلامية والأعمال الخيرية، وتتنوع أنشطة هذه المؤسسات ما بين الأعمال الاجتماعية والندوات الدينية والثقافية الموجهة للجاليات المختلفة، وتقديم دروس في اللغة العربية والقرآن الكريم، بالإضافة إلى إحياء المناسبات والطقوس الشيعية.
ولا تقتصر هذه الأنشطة على فئة دون أخرى إذ تنظم برامجها النساء والشباب وأيضا برامج خاصة موجهة إلى الأطفال، لكن هذه المؤسسات نفسها تعمل من خلال ذلك إلى استقطاب "المستبصرين" أي المتشيعين الجدد وتجنيدهم للترويج للمذهب الشيعي بين الجاليات التي ينتمون إليها.
وبألمانيا كذلك يوجد عدد مماثل من المؤسسات والجمعيات الشيعية تنتشر بأغلب المدن الألمانية، ومن أهمها على سبيل المثال جمعية الطالب الإسلامية بإيسن، معهد التعليم الإسلامي بهانبورغ ومؤسسة تراث أهل البيت ببرلين... ولا تختلف الأدوار والأنشطة التي تقوم بها هذه المؤسسات عن مثيلاتها ببلجيكا وهولندا.
ومما يمكن استنتاجه أن تركيز المؤسسات الشيعية في الدول المشار إليها يوازيه أن تلك الدول هي التي تحتضن العدد الأكبر من أفراد الجالية المغربية والتي يشكل المتحدرون من الأقاليم الشمالية للمغرب الغالبية بينهم.
بمقابل النشاط الملفت للمراكز الشيعية في مجال استقطاب متشيعين جدد، يصعب تحديد أرقام دقيقة لعدد المغاربة الذين تحولوا إلى المذهب الشيعي، وذلك بسبب اعتماد هؤلاء على مبدأ التقية، وهو مبدأ يسمح "للمستبصرين" الكذب وإخفاء النوايا الحقيقة على من يخالفونهم في المذهب أو الدين أو الرأي، في حين تؤكد معطيات غير رسمية أن عدد المغاربة ممن تحولوا إلى المذهب الشيعي بأوربا يقدر بالآلاف.
مساجد تحت سيطرة جماعات متطرفة
يطرح التغلغل الشيعي في أوساط الجالية المغربية المقيمة بالخارج أسئلة جدية ومحرجة في الوقت ذاته حول قضايا التأطير الديني لأفراد الجالية، وأيضا إشكالية اكبر تتعلق بتكوين كفاءات علمية مؤهلة قادرة على تبليغ خطاب ديني سليم وفق المذهب المالكي المتسم بالوسطية والاعتدال.
في هذا المنحى، يرى الباحث المغربي في قضايا الهجرة والهوية، أحمد سراج، أن خصوصيات الأجيال الجديدة وثنائية مرجعيتها الهوياتية والثقافية، إضافة إلى مختلف خصوصيات السياقات التي يعيشون فيها في بلدان الإقامة تطرح تحديات كبرى على السياسات العمومية من اجل تقديم الأجوبة على انتظارات المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج.
ويخلص الباحث المغربي إلى أن "خطر التشيع بات أكثر حضورا، خاصة أن بعض المساجد المغربية في بلجيكا، مثلا، ما فتئت تكرس الخطاب الشيعي، كما أن العديد من المساجد في العديد من الدول الأوربية أصبحت خاضعة لتأثير جماعات متطرفة".
ويثير مثل هذا الوضع المقلق إشكالية النتائج المحصل عليها من الجهود التي تبذلها الدولة المغربية لتوفير تأطير ديني ملائم للجالية المغربية بالخارج، لكن هذه "النتائج لا ترقى إلى مستوى الانتظارات، فإذا كانت الحكومة المغربية تخصص 120 مليون درهم للتأطير الديني الموجه إلى الجالية المغربية، فإن هذا الاستثمار لم يؤد إلى النتائج المتوخاة، كما يبرز ذلك من خلال جملة من الوقائع".
ومن الاقتراحات التي يقدمها أحمد سراج لمواكبة التحولات التي تعرفها الجالية المغربية، ضرورة مبادرة الدولة إلى مراجعة سياستها الخاصة بتدريس اللغات والثقافات الوطنية لأبناء الجاليات المغربية بالخارج على مستوى مضامين التكوينات المقترحة، وبرامج التدريس ومناهجه، والبيداغوجيا والحكامة، سعيا إلى ضمان جودة ونجاعة التكوين، وملاءمته مع واقع الأطفال المغاربة بالخارج، حتى يستجيب بذلك للانتظارات الحقيقية للفئات المستهدفة.
وحول رهانات المرحلة الحالية، التي تتميز بوجود تحولات ديمغرافية وسوسيوثقافية في أوساط الجاليات المغربية بالخارج، يدعو الباحث إلى إعادة النظر في الخدمات التي توفرها الدولة لمغاربة العالم بشكل يسمح بجعلها أكثر استجابة لحاجيات تلك الجاليات، وأكثر استشرافا للتطورات التي ستعرفها مستقبلا.
ويضيف الباحث المغربي أن "كل معالجة لهذا العرض والتفكير في مستقبله يجب أن يأخذ بعين الاعتبار ثلاثة مكونات، هي انتظارات الجاليات المغربية المقيمة في الخارج على ضوء دينامياتها المتواصلة، والتأمل في الحصيلة العددية والنوعية لما يقرب من ربع قرن من السياسة المتبعة في هذا المجال، والتأمل في السياق العام الحالي المتميز بتحولات فضاء الهجرة ومواقف دول الإقامة من تعليم اللغة والثقافة الأصلية للمتمدرسين المتحدرين من المغرب.
عزالدين لغميش...لسان الشيعة ببلجيكا
يشرح عزالدين لغميش، أحد الأصوات البارزة للشيعة المغاربة ببلجيكا ورئيس جمعية الثقلين الثقافية في أحد حواراته الصحافية أسباب إقبال المغاربة على التشيع في المهجر، معتبرا أن مسألة التشيع نابعة من حياة دينية وتبلور ثقافي واجتماعي في فكر المسلم المغربي، ولا يتعلق الأمر بظاهرة، بل بواقع كان منذ قرون عديدة، يجد أساسه في توجه أصحاب الفكر الحر، بحسبه، إلى مناهج أخرى وتجارب أخرى والى مرجعية أساسية، وهي دينهم وتاريخهم للبحث عن أجوبة لكثير من الأسئلة.
يعد لغميش خريج الجامعة المغربية قبل التحاقه بالديار الأوربية، ويشغل في الوقت الراهن مهمة المسؤول الثقافي بمسجد الرضا ببروكسيل، وهو المسجد الذي شهد في مارس من السنة الماضية حادث تصفية إمامه المغربي الأصل عبد الله الدهدوه من قبل متطرف قيل إنه من السلفيين.
وعن تجربته الخاصة، يوضح لغميش، أنها بدأت قبل اقل من عشرين سنة أثناء فترة دراسته بالجامعة المغربية في مرحلة التسعينات، غير أن المتحدث ذاته يرجع انتقاله إلى مذهب آل البيت إلى تفرغه لقراءة القرآن والسنة والتاريخ...، من هنا يخلص إلى القول انه يجب التمييز بين التشيع المذهب والتشيع السياسي، "فحينما نسمع احد الأشخاص قد تشيع نرى يمينا الجمهورية الإسلامية لإيران وجهة الشمال حزب الله ...لكن العاقل يقول إن الدين الإسلامي دين سبق شيعة لبنان أو العراق أو إيران..، ونحن تشيعنا لأننا وجدنا في هذا المذهب أجوبة كافية شافية لمجموعة من الأسئلة".
لا يملك لغميش أرقاما محددة حول عدد المغاربة المتشيعين ببلجيكا، في غياب إحصائيات مؤسساتية قامت بها الحكومة البلجيكية، لكن الظاهر - بحسبه - يبين أن الشيعة أقلية، مقارنة بالطوائف الأخرى، والأقلية الشيعية هي متممة لهذه اللوحة الحضارية والدينية والثقافية، والحكمة كما يقول قيادي شيعة المغاربة ببلجيكا، لا تؤخذ بالكم بل بالكيفية، "وهذه الأقلية في تزايد مستمر في المستقبل، تؤشر عليه الأرقام، وهذا يبشر بالخير"، على حد قوله.