مرونة تطبيق الحكم الذاتي بأقاليمنا الجنوبية


الدكتورة سعيدة العزيزي
الأربعاء 23 فبراير 2011



يعتبر مصطلح الحكم الذاتي من المفاهيم أو الإجراءات التي لا يمكننا ضبطها بتحديد دقيق و نهائي، انه مفهوم زئبقي ، ضيق و متسع ، فعلى المستوى التاريخي يعد نمطا مختارا لحياة بعض المجتمعات الإنسانية ، و القوميات و المجتمعات العرقية.

لكن من هذه التعاريف تبقى غير موحدة أمام التطورات ، و التراكمات النوعية و الكمية التي تعرفها الأمم.

من هنا فالنظر إلى المفهوم من زاوية كونه أو اعتباره توجه بنيوي ، مرن ، متطور ، خير خيار ، لأنه يتأسس بشبكة من العلاقات المتفاعلة ، الجدلية ، و الفاعلة في جوهر الحياة البشرية بكل معانيها المختلفة ، ففيه يتعالق السياسي مع الحقوقي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي انه خيار استراتيجي حيوي يصب في مشارب متعددة و هنا نسجل القيمة المهمة الواسعة لهذا الحل ، فهو يعزز الديمقراطية و يثبت قيم حقوق الإنسان و يحقق التنمية اعتمادا على تدبير الموارد الخاصة ، كما يخلق جوانب التنافسية النفعية الهادفة بالإضافة الى النجاعة الاقتصادية والاستدامة و الانصاف الاجتماعي و محاربة التهميش سواء تعلق الامر بالإنسان أو المكان تم التوزيع المتكافئ للثروات ..

تاريخيا نجد أن مفهوم الحكم الذاتي اتخد أشكالا متعددة ، و واكب مسار التفكير البشري فكريا و فلسفيا ، بل لعب أدوارا تاريخية مزج فيها بين المدلول السياسي و القانوني بل و حتى الإداري....

وتطور المفهوم انطلاقا من الشروط التاريخية و الفكرية للمجتمعات ففي العصور الحديثة غدا نظاما سياسيا إداريا و اقتصاديا و اقتصاديا يحصل فيه الإقليم أو الأقاليم داخل دولة معينة على صلاحيات واسعة تدير من خلالها شؤونها من انتخاب الحاكم و التمثيل في مجلس منتخب يضم كل الأقاليم و بمساواة قد تطرح في هذا الإطار العلاقة بين الفيدرالية و الحكم الذاتي حيث يتضح أنها جزء متطور و متقدم من نمادج الحكم الذاتي ، و هذا نقيض للمركزية .
واذا كانت مجموعة من الدول تمارس هذا الاختيار و التدبير . شكل اسبانيا و فرنسا و الصين و فنزويلا و روسيا و الولايات المتحدة فان هذا النمط يختلف من دولة لأخرى حسب المعطيات الخاصة بها و حسب حجم الصلاحيات التي تمنح الأقليم تم مدى قابليتها للتطور.

من هنا يعد المشروع و المقترح الذي قدمه المغرب مبادرة لحل نزاع الصحراء ، توجها واعيا متعدد الأبعاد و الصلاحيات و من أهم ميزاته انه لا يهم المغرب فقط لتدبير إقليم من أقاليمه أي الصحراء المغربية ، بل نجده متعدد الأبعاد فبالإضافة إلى تعزيز الديمقراطية سياسيا و حقوقيا فانه يسعى إلى اخراج اتحاد المغرب العربي من بوتقة الجمود و التمزق إلى الاندماج و الفاعلية و الدينامية ، و هذا المطلب ضروري أمام التوجه العالي حاليا و أمام تحديات العولمة، كما يعد نمطا استراتيجيا لاستتباب الأمن و الاستقرار خاصة في منطقة الساحل و الصحراء ، هذا إضافة إلى كونه رافعة للتنمية بالمنطقة الواسعة بل على مستوى الإفريقي خاصة ، هذا المجال الغني بموارده الطبيعية و خيراته المتعددة. فبالرجوع إلى النماذج السابقة نذكرعلى المستوى الدولي و التي انتقلت بتجارب رائدة في هذا المجال نجدها حققت نجاحا كبيرا الشئ الذي ساعدها في تدبير أزماتها و كل هذا في ظل الحكم الذاتي كخيار و منهج تطبيقي متطورا وان كان السبب الرئيسي في الاختيار ينحصر في التهديدات و الأخطار و الصراعات على حدود أو الصرعات الدينية .

عند قراءتنا لتدبير الحكم بالمغرب عبر العصور نقف عند بعض الشهادات منها ما جاء به صاحب المعسول العلامة المختار السوسي في حديثه عن ما سمى بمجلس الأربعين المكون من أعيان القبائل الصحراوية الذين يختارون بالانتخاب رئيسهم بعد تزكيته بالطابع السلطاني بناء على شرط البيعة بل الأكثر من هذا أن السلاطين كانوا يعطون صلاحيات متعددة لرعاياهم في الصحراء لتدبير شؤونهم بأنفسهم مع الالتزام بشروط الطاعة و الولاء ، إنما أكده المختار السوسي لم يكن في الجنوب الصحراوي بل حتى في شمال المعرب و شرقه ( تجربت محمد بركاش مثلا) عندما عينه السلطان مولاي الحسن نائبا عنه على طنجة.

إن الحل الذي اقترحه المغرب في صحرائه توجه جاد و حضاري ، بل انه منعطف تاريخي مهم ، منعطف يسعى إلى لم الشمل و تجنب إراقة الدماء ، و الابتعاد عن التوترات ، و تحقيق الاندماج المغاربي خاصة في محيطه المتوسطي أو في الساحل الإفريقي الذي غدا مطمعا للإرهاب الدولي و الارتزاق.
انه السبيل لكسر حواجز الخبث و الانفصال ، و الحقد الذي زرعته جنرالات الجزائر ، و بعض منافقي حقوق الإنسان الذين يكيلون بمكيالين و يرجحون كفة الانتهازية ، و الشوفينية ، و العنصرية على المبادئ والقيم الحقيقية لحقوق الإنسان و خير مثل على هذا ما وقع لمصطفى سلمى الذي يعد جناية دولية إنسانية في حق إنسان اعزل أراد أن يعبر عن اختيار و رأي خاص به فزج في زنازن الغدر و الخيانة ، و لنقارن هذا مع النجمة الاصطناعية داعية الانفصال و الحقوقية المزيفة امنتو حيدر ، فلماذا لم يتعامل بعض علوج الانسان مع مصطفى كما تعاملوا مع دف الخديعة والاستلاب و القهر امنتو حيدر !!! إنها أخطاء تاريخية خندقتنا فيها أطراف لا تبغي الازدهار أو الرقي للعالم العربي قاطبة .

إن متابعة دقيقة و قراءة متأنية للعناصر الأساسية للمقترح المغربي يبين سبب الاستجابة الكبيرة الدولية لهذا المقترح ، فهو لا يخرج عن مقترحات الأمم المتحدة و لا عن الضوابط و المعايير المتفق عليها على المستوى الدولي .

فسكان جهة الحكم الداني يخول لهم ممارسة عدة اختصاصات وفق القواعد و المبادئ الديمقراطية و بهيئات تنفيذية و تشريعية و قضائية ، هذا في جل الميادين سواء منها الإدارات المحلية ، و الشرطة ، و محاكم الجهة ، أو على المستوى الاقتصادي بالتخطيط الجهوي و التجارة والصناعة و السياحة و الفلاحة ... و ميزانية الجهة كالضرائب هذا بالإضافة إلى الماء و الكهرباء ( البنية التحتية) تم المستوى الاجتماعي ( الصحة السكن التعليم ) و التنمية الثقافية خاصة الاهتمام بالمكون التراثي الحساني.

و في مقابل كل هذا تحتفظ الدولة المركز باختصاصات، كمقومات السيادة المغربية (لاسيما العلم – النشيد الوطني – العملة ، و المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية و الدينية للملك ( صاحب الجلالة نصره الله و أيده) بصفته أمير المؤمنين و الحامي لحرية ممارسة الشعائر الدينية و الحريات الفردية و الجماعية تم العلاقات الخارجية و الدفاع.

إن هذه المبادرة نقلة نوعية متطورة من خلالها و بطريقة واعية يمكن لسكان أقاليمنا الجنوبية تحقيق الاندماج الفعال و الحيوي و الكامل لتدبير شؤونهم و الانخراط في مسلسل التغيير الديمقراطي في إطار نظام جهوي وطني.

انه ورش للإصلاح و التفاعل يقودنا حتما إلى تحقيق مجتمع حداتي ديمقراطي متطور و مواكب للركب العالمي.

مقالات ذات صلة