من أجل عهد تعليمي جديد


الأستاذ عبدالكبير مولوع
السبت 31 أغسطس/أوت 2013



للدخول المدرسي هذه السنة نكهة خاصة. العائدون من عطلة الصيف إلى مقرات عملهم وأقسام دراستهم يترقبون الجديد بعد الخطاب الملكي الاستثنائي الخاص بأوضاع التربية والتعليم في بلدنا بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب. وسيكون تساؤل الجميع عمن ستؤول إليه المسؤولية ويناط به تحمل وزر الاصلاحات المنشودة في ظل عهد تعليمي لا مناص من أن يكون جديدا على كل الأصعدة، المادية منها والتربوية والتعليمية.
هل سيبقى الحال على ما هو عليه فيما يخص البنيات التحتية للمؤسسات التعليمية وما تتطلبه من تجهيزات متطورة؟ وهل ستبقى العلاقات التربوية ما بين كل الأطراف خاضعة لعقلية التسيب؟ وهل ستبقى العملية التعليمية أسيرة النظرة التقليدية المنطلقة من حصر ما يتعلمه التلاميذ في نفس المواد الباعثة على الملل والنفور الدراسي الكثيرة والمكثفة، والتي أغلبها لا طائل منه ويدعو لكراهية عالم الدراسة بالطرق والمناهج التي تخنق التلميذ وتجعله جالسا ينتظر رنين جرس الخروج للانعتاق من أجواء مكره على العيش فيها دون رغبة؟
نعم هي الرغبة في الدراسة لدى التلميذ ولدى كل متعلم هي نقطة الارتكاز التي سَيُتَوصَلُ إلى إدراك أهميتها القصوى أثناء التفكير في إصلاح التربية والتعليم.
لابد أن كل المشتغلين من المدرسين والأساتذة في المؤسسات التعليمية والآباء أيضا يشاطرونني الرأي بأن المشكلة الأساس هو فقدان هذه الرغبة لدى تلامذتنا وأبنائنا... كل الذين نجحوا في دراستهم عن جدارة واستحقاق إن بحثت عن السر ستجده في قوة رغبتهم في التحصيل والمعرفة، ولا أقصد هنا الذين ينجحون بمعدلات متفوقة ولكن أقصد الذين ينجحون في حياتهم الدراسية وحياتهم العامة والذين لا تكون غايتهم الانتقال من قسم إلى قسم أعلى أو الحصول على الشواهد، بل الذين تكون غايتهم في أطوارهم الدراسية تحصيل المعرفة التي تجعلهم متميزين عن غيرهم بإبداعهم وعقولهم الفذة. مما يعطي للتعليم والدراسة معناهما الحقيقي.
كم من أب وأم حين يأخذان بيد ابنهما ليتم تسجيله في المدرسة، يراودهما حلم أن يريا ابنهما في المستقبل شخصية عظيمة بالعلم والمعرفة. وهو حلم مشروع إلى أن يلغيه واقع التعليم في بلدنا الذي أصبح على العكس مؤسسة لتعليم كل السلوكات التي تبعث على الخوف من الأبناء وهم يحرقون سنوات تعلم طرق الانحراف والتشبع بقيم العنف بكل أنواعه اللفظي والجسدي، ويتولد عن كره المتعلمين للدراسة ازدراؤهم لها والعبث بكل ما له صلة بها.
هي ردة الفعل المقيتة التي كهربت الأجواء التعليمية والدراسية. أصبحت العلاقة بين التلاميذ والمؤسسة التعليمية مبنية على الكراهية والازدراء، والعبث والحط من قيم العمل الجاد والاجتهاد والصبر في التحصيل والفوز بالمراتب المعتبرة واكتساب المعارف الضرورية في شتى المعارف، من لغة وآداب وفلسفة وتاريخ وجغرافيا وعلوم الحياة والأرض والفيزياء وسائر العلوم.
لم يعد التلميذ يولي اهتماما ولم يعد يعطي أهمية لكل هذا، ولا يضيره في شيء أن يؤنبه أستاذه أو ولي أمره، يواجه التأنيب والعقاب بالضحكات الحمقاء والمواقف اللامسؤولة.
أجواء العبث هاته هي ما أصبح يحز في النفس. وميزانيات ضخمة تصرف ومجهودات جبارة تبذل من الدولة ومن الآباء. والنتيجة هذا التلميذ الذي ينتقل من قسم إلى آخر حتى يصل إلى قسم الباكالوريا ولم يتمكن بعد من التخلص من ارتكاب أخطاء في اللغة والتعبير في كل اللغات ولم يتمكن معرفة أدنى ما هو مطلوب من شخص متعلم في سنه، ولم يعد يقدر على ممارسة السلوك السليم والسوي سواء في البيت أو المدرسة أو الشارع.... يتحول إلى عالة على الجميع، إلى آفة محدقة بالسلم والنظام العام.
وحين يحين وقت التعبير عن مطالبه بعد أن يصبح شابا تنادي عليه المسؤولية، لا يجد غير الاحتجاج الأهوج والصراخ في وجه أبويه والمسؤولين في الدولة والبرلمان. حينئذ تصبح الحاجة ماسة لتعلم أساليب الاحتجاج وإذا لم ينفع فالحاجة تكون ماسة أكثر لتعلم أساليب الارهاب والجريمة حيث يجد أجواء الاستقطاب مهيأة...
وتقديرا لحجم وخطورة الأمر ووعيا بما للإهمال من تداعيات خطيرة ومن أجل عهد تعليمي جديد يتوق إليه الجميع. لابد من استدراك الوضع بكل الوسائل وبكل الصدق وبكل المسؤولية التاريخية، والبداية لتدشين هذا العهد الجديد تكون بالتفكير في تعليم باعث على الرغبة لدى التلاميذ وفلذات الأكباد.
إنه أعظم مشروع بأكبر تكلفة وأضخم مجهود يمكن أن يبذله القادمون إلى ورش الاصلاح الكبير.

مقالات ذات صلة