هذه الحكاية.
لعل من مزايا ضيق الخاطر، وقلق النفوس، مزية الرغبة الحادة في حدوث التغيير الملموس على الأرض وفي كبد شمس الوعي والذهن لطرد ملامح وجه سماء واقعنا الغائم العبوس، ولا تغيير بدون إرادة تبديل خِرَقِ الأفكار والرؤى والمشاعر السائدة الطاغية والبالية وهجر الركون والجمود والجلوس. فإلى متى البقاء على الحال..لقد طال الانتظار ولابد من التغيير ولابد من رؤية الأفق الآخر، فلأغادر..فها قد حان المساء باحمرار وجنتي السماء حين تحولت الشمس إلى كرة حمراء يغري شكلها الأطفال ولونها النساء. وحين أرخى شفق متوهج سدائل من ضوء احمر توجت هامات النجيل بتيجان ذهبية، وألقت علي السطوح ستائر أرجوانية فبدت في جثومها منازل المدينة الحمراء كهوادج نزلت عند المغيب في عرض صحراء.
انتهت إلى مسمعه طرطقات أحذية نسوية فسقط القلم من يده، وقفز القلب من صدره واشرئب ببصره عبر نافدة القاعة، صفقت المكلفة حان إذن موعد إغلاق قاعة المطالعة ..حملوا كتبهم وانصرفوا نحو نافدة استلام الكتب…
ليت هؤلاء العائدين إلى منازلهم يأخذون معهم قلبه..ليتهم يحملون سمعه وبصره وفؤاده ويبعدونهم عنه، ليتهم يعلمون النار المضرمة في أحشائه، ليتها تأتي الآن، ليتهم يعلمون.
وينزل الجميع مع الدرج يحمل كل منهم في رأسه ما تناول من أفكار أو أشعار وينزل هو حاملا في اليد وردة وفي القلب نجمة…
ولأول مرة أحس وهو يسير في هذا الممر المؤدي إلى الباب بالوحدة والغربة والوحشة، ووقف خارج أسوار الحي الجامعي يناجي مكتئبا حمرة الشفق، وخضرة النخيل، وفجأة سقطت صورة من ذكرياته القريبة..تكسر زجاجها وداعب سمعه وبصره شيء بديعي الصدى قمري الوجه، غابوي العينين هداه ودعاه ...
في جامع الفنا التقي مرة أخرى مع الذين يحبهم من ساكنيه، من كل الوجوه والأصوات التي يملأ عبقها السحري جوانحه كلما انهار أو حار أو خذله نهار الجامعيين في الحي، فيأتي مسرعا إلى أصدقائه هؤلاء القاطنين بهذه الساحة، بهذا الجامع، بهؤلاء الجامعيين البسطاء الطيبين والأوفياء من كل مشارب واتجاهات العالم السفلي الضاج بأصوات الدراويش، وأصحاب الأدعية، والناطقين بالحكمة الشجية، وانساق مع صوت فتاة بديعة القوام، شعرها غجري مشدود الخصلات على الجبين بمنديل، عيناها متعبتان نصف مغمضتين، وجهها صافي السمرة صدرها الخافق توقفت عنده أعين المتفرجين المتحلقين :
حبيبي أنا مهبول
يسڭي الماء في الشواري
حبيبي أنا مخدول
مفرش السما ومغطي بنهاري
حبيبي أنا مفتول العضل كان
ورجع في زمان مسمار يدڭ في السواري
يقف الكوامنجي على قدميه وقد ازدادت نشوته وبدأ يخطو خطوات راقصة ورأسه إلى السماء مرفوع وبصوت غليظ ردد :
حبيبي أنا مهبول
يسڭي الماء في الشواري
إلتف الناس بكثرة حول الجوق الثلاثي ورؤوسهم تتمايل مع تمايل رأس المغنية السمراء الشيء الذي نشط "الطعارجي" فشمر عن ساعديه من جديد وشرع في التنقير على البندير وهو يردد بدوره بصوت أرق من صوت الفتاة:
حبيبي أنا مجدول الحرير كان
ورجع في زمان حمال بشواري
تنط الفتاة وسط الحلقة، وتشرع في الطواف راقصة على نغمات الكمان و البندير وفي يدها منديل تلوح به على الحاضرين في جامع الفنا، ثم استقرت واقفة أمام زوجين شابين أجنبيين، و هي تلوح بالمنديل وخصلات شعرها الأمامية تنط هي كذلك على صفحة جبينها. كانت عيناها لا تزالان تبدوان متعبتين حتى أوشكتا أن تغمضا. حملقت فيها الشابة الأجنبية ثم تبسمت فضحكت وأبانت من أسنان بيضاء كالثلج ولسان أحمر كورد النعمان. التفتت الشابة إلى أحد مصاحبيها تريد منه أن يشرح لها كلام المغنية التي كانت لاتزال مسترسلة في غنائها ورقصاتها:
حبيبي أنا مفتول
حبيبي أنا مهبول
نعاسو بنهار وصحوو بالليالي
حبيبي أنا مجدول الحرير كان
ورجع في زمان...ڭواد بشواري
تبتسم المغنية للشاب مظهرة أسنانا أفسد بياضها دخان السجائر الرخيصة ثم تحزم رأسها بالمنديل، حينئذ تقدم أحد الرجال فألصق تحت المنديل ورقة مالية مما زاد الكوامنجي وصاحبه حيوية ونشوة ونشاطا واسترسلا في عملهما بسرعة فائقة انبثق عنها ايقاع مؤثر ومحرك مما جعل المغنية ترفع يديها وتزغرد وتصيح بأعلى صوتها :
باردة باردة
اللي ما حماها تقطع يدو
باردة باردة
اللي ما حماها تقطع يدو
يجتمع المطربون الثلاثة، حيث اختلط لديهم الرقص بالغناء، بينما المغنية تصعد فوق كرسي صاحب البندير حاملة هذه المرة منديلا عريضا تلوح به على الزوار والمارة و أصحاب الدكاكين:
باردة باردة
اللي ما حماها تقطع يدو
من كل مكان ترى الناس يهرعون نحو المغنية، وبدأ المتحلقون يشرئبون بأعناقهم من أجل رؤية صاحبيها وهما يرددان كلامها و العرق يتصبب من عنقيهما، حتى المشعوذون والمهرجون لم يستطيعوا البقاء في أماكنهم دون الإتيان لمشاهدة ما يجري في وسط هذه الحلقة العجيبة.
تنزل المغنية من جديد من فوق الكرسي كإمام من فوق منبر، مشيرة للناس بيدها حين ترجم أحد المتفرجين إشارتها بقوله :
-"وسعو, الحلقة الله يخليكم "
اتسعت دائرة الحلقة بتراجع المتفرجين إلى الوراء خطوتين أو ثلاث، واتسعت معها عيونهم، وهم يشاهدون المغنية تصعد فوق كتفي صاحب البندير بسرعة عجيبة كحمامة متوحشة تحرك رأسها يمينا وشمالا، وتصيح من جديد بأعلى صوتها :
حبيبي أنا مهبول
حبيبي أنا مخدول
حبيبي أنا مفتول
حبيبي أنا مهمول
حبيبي أنا مجدول الحرير كان
ورجع في زمان ڭواد بشواري
حبيبي أنا مجدول الحرير كان
ورجع في زمان...حمال بشواري
حبيبي أنا مفتول العضل كان
ورجع في زمان... مسمار يدڭ في السواري
بصوتها العذب الرقيق، ولحنها الشجي، ونغمها استطاعت أن تأسر لب كل متفرج وتهيجه حيث بدأت دقات قلوب المتحلقين تتوالى بسرعة توالي دقات البندير.. تقفز المغنية من فوق كتفي الرجل وتشرع في الطواف من جديد، تقف هذه المرة أمام شاب مفتول العضلات يحمل بين يديه صندوقا صغيرا يحتوي على بعض العلب من السجائر، كان مشغولا وقتئذ بتقديم سيجارة لأحد الفتية في الوقت الذي ضربته المغنية على هامة رأسه حتى التفت التفاتة المُفاجَئ المذعور, فحملق فيها وهو يبتسم بفمه وعينيه. ثم وضعت المغنية سبابتها تحت ذقنه وهزته بعض الشيء، ثم وبالموازاة مع دقات البندير دقته دقتين خفيفتين على رأسه ثم توجهت نحو حمال مفتول العضلات ودقته هو كذلك دقتين على كتفه ثم استرسلت في الغناء الذي اتخذ إيقاعا جديدا تتدفق فيه النغمات والدقات تدفقا يوازي حركاتها وشطحاتها :
حبيبي هاني
في حيرة ثاني
جاياك بهدية
حبيبي هاني
في جدبة ثاني
جياك بغنية
وردة من الورود
عكيكة من العقود
في راحة إيديك
يا مول المزية
ما إن شرعت المغنية في إعادة ترديد أغنيتها الجديدة، حتى بدأ الفتية الذين يتقدمون الكبار في الحلقة في ترديد كلامها المنغوم، ثم أخذت إحدى النساء تزغرد، فردت عليها أخرى فردت عليهما أخريات.
شرع بعض الشبان في التصفيق فتبعه الاخرون، حثى الكبار على اختلاف أصنافهم وأعمارهم لم يستطيعوا البقاء متفرجين فقط، ولم يتمالكوا أنفسهم وشرعوا هم أيضا في تأدية نفس الايقاع:
حبيبي هاني
في حيرة ثاني
جياك بغنية
ثم وبعد أن امتزج صوت المغنية بأصوات المتفرجين، ودقات البندير بتصفيقاتهم تولد عن هذا الامتزاج إيقاع جديد أكثر وقعا واشد تأثيرا مما أدى ببعض الفتية إلى الدخول إلى وسط الحلقة، حيث ارتمى على صدر المغنية وعانقها وشرع في الرقص معها والدموع تسيل من عينيه من شدة التأثر فتبعه آخرون لم يتمالك بائع السجائر نفسه وكذا الحمال، حيث رميا ما بأيديهما و تعانقا هما الاثنان و شرعا في الرقص.
لم يكن بد من الانخراط في هذه التظاهرة الغنائية الجامعية مع المغنية ورواد حلقتها... تقدم في استسلام برأس منحنية وذراعين ممدودتين إلى الأمام ويدين مرتخيتين تشيران بأصبعين متوازيين.. يثني ركبة، يضرب الأرض بالقدم ويطوف... يطوف... لعل الطواف يشفي النفس أو يزيد في تأجيج ثورتها
لعل من مزايا ضيق الخاطر، وقلق النفوس، مزية الرغبة الحادة في حدوث التغيير الملموس على الأرض وفي كبد شمس الوعي والذهن لطرد ملامح وجه سماء واقعنا الغائم العبوس، ولا تغيير بدون إرادة تبديل خِرَقِ الأفكار والرؤى والمشاعر السائدة الطاغية والبالية وهجر الركون والجمود والجلوس. فإلى متى البقاء على الحال..لقد طال الانتظار ولابد من التغيير ولابد من رؤية الأفق الآخر، فلأغادر..فها قد حان المساء باحمرار وجنتي السماء حين تحولت الشمس إلى كرة حمراء يغري شكلها الأطفال ولونها النساء. وحين أرخى شفق متوهج سدائل من ضوء احمر توجت هامات النجيل بتيجان ذهبية، وألقت علي السطوح ستائر أرجوانية فبدت في جثومها منازل المدينة الحمراء كهوادج نزلت عند المغيب في عرض صحراء.
انتهت إلى مسمعه طرطقات أحذية نسوية فسقط القلم من يده، وقفز القلب من صدره واشرئب ببصره عبر نافدة القاعة، صفقت المكلفة حان إذن موعد إغلاق قاعة المطالعة ..حملوا كتبهم وانصرفوا نحو نافدة استلام الكتب…
ليت هؤلاء العائدين إلى منازلهم يأخذون معهم قلبه..ليتهم يحملون سمعه وبصره وفؤاده ويبعدونهم عنه، ليتهم يعلمون النار المضرمة في أحشائه، ليتها تأتي الآن، ليتهم يعلمون.
وينزل الجميع مع الدرج يحمل كل منهم في رأسه ما تناول من أفكار أو أشعار وينزل هو حاملا في اليد وردة وفي القلب نجمة…
ولأول مرة أحس وهو يسير في هذا الممر المؤدي إلى الباب بالوحدة والغربة والوحشة، ووقف خارج أسوار الحي الجامعي يناجي مكتئبا حمرة الشفق، وخضرة النخيل، وفجأة سقطت صورة من ذكرياته القريبة..تكسر زجاجها وداعب سمعه وبصره شيء بديعي الصدى قمري الوجه، غابوي العينين هداه ودعاه ...
في جامع الفنا التقي مرة أخرى مع الذين يحبهم من ساكنيه، من كل الوجوه والأصوات التي يملأ عبقها السحري جوانحه كلما انهار أو حار أو خذله نهار الجامعيين في الحي، فيأتي مسرعا إلى أصدقائه هؤلاء القاطنين بهذه الساحة، بهذا الجامع، بهؤلاء الجامعيين البسطاء الطيبين والأوفياء من كل مشارب واتجاهات العالم السفلي الضاج بأصوات الدراويش، وأصحاب الأدعية، والناطقين بالحكمة الشجية، وانساق مع صوت فتاة بديعة القوام، شعرها غجري مشدود الخصلات على الجبين بمنديل، عيناها متعبتان نصف مغمضتين، وجهها صافي السمرة صدرها الخافق توقفت عنده أعين المتفرجين المتحلقين :
حبيبي أنا مهبول
يسڭي الماء في الشواري
حبيبي أنا مخدول
مفرش السما ومغطي بنهاري
حبيبي أنا مفتول العضل كان
ورجع في زمان مسمار يدڭ في السواري
يقف الكوامنجي على قدميه وقد ازدادت نشوته وبدأ يخطو خطوات راقصة ورأسه إلى السماء مرفوع وبصوت غليظ ردد :
حبيبي أنا مهبول
يسڭي الماء في الشواري
إلتف الناس بكثرة حول الجوق الثلاثي ورؤوسهم تتمايل مع تمايل رأس المغنية السمراء الشيء الذي نشط "الطعارجي" فشمر عن ساعديه من جديد وشرع في التنقير على البندير وهو يردد بدوره بصوت أرق من صوت الفتاة:
حبيبي أنا مجدول الحرير كان
ورجع في زمان حمال بشواري
تنط الفتاة وسط الحلقة، وتشرع في الطواف راقصة على نغمات الكمان و البندير وفي يدها منديل تلوح به على الحاضرين في جامع الفنا، ثم استقرت واقفة أمام زوجين شابين أجنبيين، و هي تلوح بالمنديل وخصلات شعرها الأمامية تنط هي كذلك على صفحة جبينها. كانت عيناها لا تزالان تبدوان متعبتين حتى أوشكتا أن تغمضا. حملقت فيها الشابة الأجنبية ثم تبسمت فضحكت وأبانت من أسنان بيضاء كالثلج ولسان أحمر كورد النعمان. التفتت الشابة إلى أحد مصاحبيها تريد منه أن يشرح لها كلام المغنية التي كانت لاتزال مسترسلة في غنائها ورقصاتها:
حبيبي أنا مفتول
حبيبي أنا مهبول
نعاسو بنهار وصحوو بالليالي
حبيبي أنا مجدول الحرير كان
ورجع في زمان...ڭواد بشواري
تبتسم المغنية للشاب مظهرة أسنانا أفسد بياضها دخان السجائر الرخيصة ثم تحزم رأسها بالمنديل، حينئذ تقدم أحد الرجال فألصق تحت المنديل ورقة مالية مما زاد الكوامنجي وصاحبه حيوية ونشوة ونشاطا واسترسلا في عملهما بسرعة فائقة انبثق عنها ايقاع مؤثر ومحرك مما جعل المغنية ترفع يديها وتزغرد وتصيح بأعلى صوتها :
باردة باردة
اللي ما حماها تقطع يدو
باردة باردة
اللي ما حماها تقطع يدو
يجتمع المطربون الثلاثة، حيث اختلط لديهم الرقص بالغناء، بينما المغنية تصعد فوق كرسي صاحب البندير حاملة هذه المرة منديلا عريضا تلوح به على الزوار والمارة و أصحاب الدكاكين:
باردة باردة
اللي ما حماها تقطع يدو
من كل مكان ترى الناس يهرعون نحو المغنية، وبدأ المتحلقون يشرئبون بأعناقهم من أجل رؤية صاحبيها وهما يرددان كلامها و العرق يتصبب من عنقيهما، حتى المشعوذون والمهرجون لم يستطيعوا البقاء في أماكنهم دون الإتيان لمشاهدة ما يجري في وسط هذه الحلقة العجيبة.
تنزل المغنية من جديد من فوق الكرسي كإمام من فوق منبر، مشيرة للناس بيدها حين ترجم أحد المتفرجين إشارتها بقوله :
-"وسعو, الحلقة الله يخليكم "
اتسعت دائرة الحلقة بتراجع المتفرجين إلى الوراء خطوتين أو ثلاث، واتسعت معها عيونهم، وهم يشاهدون المغنية تصعد فوق كتفي صاحب البندير بسرعة عجيبة كحمامة متوحشة تحرك رأسها يمينا وشمالا، وتصيح من جديد بأعلى صوتها :
حبيبي أنا مهبول
حبيبي أنا مخدول
حبيبي أنا مفتول
حبيبي أنا مهمول
حبيبي أنا مجدول الحرير كان
ورجع في زمان ڭواد بشواري
حبيبي أنا مجدول الحرير كان
ورجع في زمان...حمال بشواري
حبيبي أنا مفتول العضل كان
ورجع في زمان... مسمار يدڭ في السواري
بصوتها العذب الرقيق، ولحنها الشجي، ونغمها استطاعت أن تأسر لب كل متفرج وتهيجه حيث بدأت دقات قلوب المتحلقين تتوالى بسرعة توالي دقات البندير.. تقفز المغنية من فوق كتفي الرجل وتشرع في الطواف من جديد، تقف هذه المرة أمام شاب مفتول العضلات يحمل بين يديه صندوقا صغيرا يحتوي على بعض العلب من السجائر، كان مشغولا وقتئذ بتقديم سيجارة لأحد الفتية في الوقت الذي ضربته المغنية على هامة رأسه حتى التفت التفاتة المُفاجَئ المذعور, فحملق فيها وهو يبتسم بفمه وعينيه. ثم وضعت المغنية سبابتها تحت ذقنه وهزته بعض الشيء، ثم وبالموازاة مع دقات البندير دقته دقتين خفيفتين على رأسه ثم توجهت نحو حمال مفتول العضلات ودقته هو كذلك دقتين على كتفه ثم استرسلت في الغناء الذي اتخذ إيقاعا جديدا تتدفق فيه النغمات والدقات تدفقا يوازي حركاتها وشطحاتها :
حبيبي هاني
في حيرة ثاني
جاياك بهدية
حبيبي هاني
في جدبة ثاني
جياك بغنية
وردة من الورود
عكيكة من العقود
في راحة إيديك
يا مول المزية
ما إن شرعت المغنية في إعادة ترديد أغنيتها الجديدة، حتى بدأ الفتية الذين يتقدمون الكبار في الحلقة في ترديد كلامها المنغوم، ثم أخذت إحدى النساء تزغرد، فردت عليها أخرى فردت عليهما أخريات.
شرع بعض الشبان في التصفيق فتبعه الاخرون، حثى الكبار على اختلاف أصنافهم وأعمارهم لم يستطيعوا البقاء متفرجين فقط، ولم يتمالكوا أنفسهم وشرعوا هم أيضا في تأدية نفس الايقاع:
حبيبي هاني
في حيرة ثاني
جياك بغنية
ثم وبعد أن امتزج صوت المغنية بأصوات المتفرجين، ودقات البندير بتصفيقاتهم تولد عن هذا الامتزاج إيقاع جديد أكثر وقعا واشد تأثيرا مما أدى ببعض الفتية إلى الدخول إلى وسط الحلقة، حيث ارتمى على صدر المغنية وعانقها وشرع في الرقص معها والدموع تسيل من عينيه من شدة التأثر فتبعه آخرون لم يتمالك بائع السجائر نفسه وكذا الحمال، حيث رميا ما بأيديهما و تعانقا هما الاثنان و شرعا في الرقص.
لم يكن بد من الانخراط في هذه التظاهرة الغنائية الجامعية مع المغنية ورواد حلقتها... تقدم في استسلام برأس منحنية وذراعين ممدودتين إلى الأمام ويدين مرتخيتين تشيران بأصبعين متوازيين.. يثني ركبة، يضرب الأرض بالقدم ويطوف... يطوف... لعل الطواف يشفي النفس أو يزيد في تأجيج ثورتها