نهاية موسم سيدي الدستور


يوسف صبري
الاثنين 4 يوليو/جويلية 2011



إنتهى التصويت على الدستور كما شاءت الدولة حين جلبت بخيلها ورجلها من أجل ذلك ، وليس كما شاء المواطن والمواطنة ، انتهى زمن بكل تلك السخافات التي سجلناها ونحن ننظر أو نتصفح الجرائد أو نتابع بأنفسنا على ممرات الطرقات ، حيث كان الجهلة المدفوع لهم كل مساء والسكارى والمعتوهين والصبيان يركبون العربات ويرددون نعم للدستور.. نعم للدستور ،كان إعلامنا رديئا أو إعلام من زمن آخر ، ولك أن تتصور نفسك في هذا المغرب من غير قنوات إخبارية أخرى ، فسيحصل معك كالذي حصل مع أهل الكهف في رواية القران ، دستور المغرب هذا العام وفي اعتقادي الشخصي كان صعب على المخزن تمريره ، فهو ليس كمراجعة عام 96، هناك لم تكلف الدولة عناء أكبر لفعل ذلك، مما يعكس أن المستقبل في هذا البلد سيكون صعبا وأن بين الأمس واليوم أمورا حدثت غيرت كل شيء وقد يكون المخزن مايزال بعيدا عن استيعاب قدرات الناس ، اغتنمت الدولة كل الوسائل في الوقت الذي حرمت فيه الآخر الذي وسعه قول لا..لا. كان على الأقل إعطاء الناس الفرصة للتعبير بحرية عن تعاقد جديد ولو بكل أشكال غموضه ونصوصه الجاهزة ومنحته ، ومؤسف أنني لم أشهد في هذا البلد منحة غير منحة الدساتير فقط .

استعمل البوتشيشيون ورجال الدين والفقهاء والأئمة والشرطة والإشهار وكل ما يملأ البر والبحر، استعملت كل المقدرات وكل الأدوات والأماكن والإذاعات ولم يبقى للصوت الآخر من بد سوى الذوبان ، والحقيقة فإن المخزن فوت فرصة ذهبية على نفسه وبالمقابل فوت دستوره بمرارة كلفته كثيرا و بصعوبات بالغة مما يعد بغد ستكبر فيه التحديات.

بإمكاني أن أكون متشائما وحزينا حيال مستقبل كنت أرى أنه يمكن بواسطة دستور جديد يعكس إرادة الناس أن يعد لمغرب لن يكون بمقدوره العودة إلى الوراء ، وإذ بنا نكتب هذه الصفحة على موقع "حقائق بريس "فإننا نؤرخ لوجع سيمتد بنا في الآفاق الواسعة مفاده أن الدولة لا تريد بحال من الأحوال التخلي عن الماضي العتيق وأساليبه الموغلة في المراوغة ،أرى أن ما وفرته من الجهد والإمكانيات وما دفعته للأحزاب وللأفراد والهيئات وما وفرته من قريب أو بيع يعني بأن هناك معضلة كبرى لا يمكن السكوت عنها والشرخ سيكبرفي المستقبل .

أليس عيبا أن ننتظر من الغرب الغاشم وجهة نظره في أفعالنا ؟ وهو الذي لا يريد لنا سوى أن نبقى على مستوى واضح لرؤيته حتى يضمن حدود حركتنا ، هل كل مبادرات أوروبا تنتظر وجهة نظرنا حتى تكون جاهزة للتطبيق على مواطن فرنسا و بلجيكا مثلا ؟ هناك أخطاء ترتكب ويعاد ارتكابها لتدجين الداخل فقط ، في فرنسا مثلا لا يمكن لرئيس الجمهورية أن ينتظر وجهة نظرنا وبوق إعلامنا حيال أمور بلده ، إن الشعب هناك والقوى الحية هي من تقرر بعيدا عن أراء المتخلفين .

لاتتوفربعد النوايا الحسنة ،ويجهل المخزن بعقيدة التحدي إلى أي حد صار المغربي يفهم كثيرا في طقوس الحق والباطل ؟ إن الدستور الجديد ما لبت أن نحت اسم دولة مخزنية جديدة ستحفر على جباه الناس لأميال من المسير في المستقبل لن تنتهي إلا كما ينتهي بجوارنا اليوم وخز المتحدين . قد نكون محتاجين إلى وقت حتى تكتمل اللفة، لفة الثوب الذي يغطس في البنزين ...
سننتظر زمن الإنتخابات وسننظر كيف سيدفع الناس مرة أخرى للخروج ، فالخروج أصبح بالمقابل . لقد ألف الشعب الورق- ورق المال- لضمان استمرار إرادة الدولة ، دفع مال كثير هذا العام من أجل الدستور وسويت الاتفاقات مع الأحزاب العابثة بمصير هذا البلد لأزيد من أربعين عام ، كنا نمشي في الأزقة وتخيفنا تلك الجيوش من الشباب البائس المنحط الأخلاق العاري الصدور السكران وهو يهتف باسم الدستور. والحقيقة كان يجب أن يحدث العكس، أن يخرج شباب أنيق هادئ يعرف ماذا يريد وتؤطره الأحزاب، لقد أبانت هذه الأيام أنه في حالة الفوضى فإنك لن تستطيع مد رأسك من وراء حجارة بيتك ، أمر محزن أن تكون هناك أحزاب ما يزال يؤمن بها المخزن وما يزال يخولها تلك المكانة وقد أمنت هي نفسها أنها لم تعد تمثل إلا زمنا غابرا إسمه الأحزاب أولنقل الخراب. خراب القيم وضياع فرص التغيير وخراب الأجيال التي ملأت الدنيا ضجيجا ليس بضجيج الثوار ولكنه ضجيج من ينعق بما لايسمع .


مقالات ذات صلة