قبيل مغادرته البيت الأبيض، أهدى الرئيس الأميركي، ترامب، هدية ملغومة إلى المغرب، من خلال اعترافه بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المغرب وجبهة بوليساريو، مقابل تطبيع العلاقات بين الرباط وتل أبيب. وبذلك أصبح المغرب رابع دولة عربية تلتحق هذا العام بموكب التطبيع الذي بدأته وتقوده دولة الإمارات، وتدفع نحوه اللوبيات الصهيونية في أميركا، بمباركة وتزكية من واحد من أكثر الرؤساء الأميركيين عنصرية وحقدا واحتقارا للعرب ولقضاياهم. ترامب الذي لم يكن يولي السياسة الخارجية لبلاده اهتماما كبيرا، ونسي ثلاث سنوات أن يعيّن سفيرا لإدارته في المغرب، هو نفسه من انتظر حتى ربع الساعة الأخيرة من ولايته المضطربة، ليستنجد بالتاريخ، ويتذكر أن المغرب أول دولة اعترفت باستقلال بلاده قبل مائتي عام، ويقرّر، بتغريدة، مكافأته على جميله المنسي باعتراف مقابل بسيادة الرباط على إقليم الصحراء!
لقد حقّق ترامب، بقراره هذا، فوزًا آخر لإدارته الساعية إلى فرض حليفتها إسرائيل قوة مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي المقابل، نحج المغرب في انتزاع اعتراف ثمين من أقوى دولة في العالم بسيادته على الأرض التي يعتبرها جزءا من امتداده الجغرافي والتاريخي، وهو ما دفع محللين كثيرين إلى وصف ما حصل بأنه صفقة مقايضة، الرابح الكبير فيها هي إسرائيل الساعية إلى اختراق الدول العربية، والخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني وقضيته التي تحولّت إلى عملة بخسة، تقايض بها الأنظمة العربية كسب ود اللوبيات الصهيونية التي تتحكّم في قرارات الساكنين في البيت الأبيض.
ومنذ إعلان القرار الأميركي، انقسم الشارع المغربي إلى مؤيدين للاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، ومندّدين بقرار التطبيع مع دولة إسرائيل. وفيما سمحت السلطة في المغرب للمؤيدين بالخروج إلى الشوارع للتعبير عن فرحتهم، وتنظيم تظاهراتٍ تخترق قواعد التدابير الصحية التي يفرضها انتشار فيروس كورونا، منعت السلطة نفسها، وبالقوة، وقفة رمزية احتجاجية دعت إليها هيئات مغربية معارضة للتطبيع، في خرقٍ واضحٍ للحق في التظاهر وحرية التعبير التي ينص عليها الدستور المغربي، لتكشف السلطة في المغرب، مرّة أخرى، عن وجهها القاسي في التعامل مع معارضيها، عندما يتعلق الأمر بفرض قراراتٍ يتم اتخاذها بصفة فردية، بعيدا عن المؤسسات المفترض فيها تمثيل الشعب.
تتطلب القراءة الموضوعية لما حصل الوقوف عند القرارين معا ومقابلتهما، قرار الاعتراف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه، وقرار تطبيع المغرب علاقاته مع إسرائيل. ففيما طغى قرار الاعتراف الأميركي هذا على الإعلام المغربي الرسمي وشبه الرسمي، وهيمن على النقاش في وسائل التواصل الاجتماعي داخل المغرب، ركّزت وسائل الإعلام العالمية الكبرى على قرار التطبيع، لما له من انعكاساتٍ مستقبليةٍ جيوستراتيجية على المنطقة وعلى قضاياها المصيرية. وفي القرارين، ما جرى هو تحصيل حاصل، لأن الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على إقليم الصحراء كان موجودا ضمنا، ويتمثل في عدم اشتراط الكونغرس الأميركي حجب المساعدات التي يقدمها سنويا للمغرب عن الإقليم المتنازع عليه، وما حصل هو إعلان هذا الاعتراف رسميا، لأن السلطة في المغرب كانت تحتاج إليه. أولا، لتحقيق نصر دبلوماسي رمزي في قضية مصيرية، وأيضا لتهدئة الرأي العام الشعبي الذي يعارض التطبيع الكامل مع إسرائيل. كما أن إعادة تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية هو فقط رفع للغطاء عما كان معروفا ومتداولا منذ سنوات، لأن هذه العلاقات لم تتوقف قط بين تل أبيب والرباط، والوفود الإسرائيلية الشعبية والرسمية كانت تزور المغرب باستمرار سرّا وعلانية، وعلاقات البلدين الاقتصادية هي الأكثر ازدهارا في منطقة شمال أفريقيا. ولكن إدارة ترامب كانت في حاجةٍ إلى إعلان هذا التطبيع رسميا، لإضافته إلى انتصاراتها في اختراق العالم العربي، وتعزيز موقف حليفتها إسرائيل، وحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية تحتاجه أكثر لتلميع أوراق اعتمادها حكومةً تسعى إلى السلام مع جيرانها العرب، فيما تنتهك أبسط حقوق الشعب الفلسطيني.
وبالتالي، الرابح الكبير من هذه الصفقة هي إسرائيل وحكومتها اليمينية، وعلى رأسها سياسي عنصري ومجرم ومتعجرف، هو نتنياهو الذي يحصل كل يوم على تزكيةٍ عربيةٍ لجرائمه في حق الشعب الفلسطيني. أما الانتصار الرمزي الذي حققته الرباط في قضيتها الوطنية، فمن غير الواضح أنه سيقلب موازين القوى لصالح المغرب، وربما قد يؤدي انحياز أميركا إلى جانب طرف في النزاع على حساب طرفٍ آخر إلى تعقيده، وإطالة أمده الذي تجاوز أربعة عقود ونصف العقد، خصوصا وأن البيت الأبيض ربط اعتراف رئيسه بحثّ طرفي النزاع على الدخول في مناقشاتٍ “من دون إبطاء على أساس خطة المغرب للحكم الذاتي إطارا للتفاوض”، وهو ما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي تدعو إلى إيجاد حل سياسي متوافق عليه من أطراف الصراع.
لذلك، هدية ترامب إلى المغرب ملغومة، لا يهم صاحبها منها سوى ما سوف تحققه له من مكاسب شخصية، تتمثل في إرضاء اللوبي الصهيوني الذي يدعمه بزعامة صهره جاريد كوشنر. وفي الوقت نفسه، سوف تزيد من خلط الأوراق لخلفه جون بايدن الذي ستجد إدارته نفسها مكبّلة بإعلان سياسي رئاسي، قد يثير نقضُه حفيظة إسرائيل واللوبي القوي الذي يمثلها داخل أميركا. أما المغرب الذي يعتقد أنه انتزع اعترافا ثمينا من دولة عظمى، بسيادته على إقليم يعتبره جزءا من وحدته الترابية، فيجب التأكيد على أن هذا الاعتراف لا يعني أن المشكل على وشك أن ينتهي، لأنه لن يغير كثيرا في وضعه القانوني داخل أروقة الأمم المتحدة، بل وسيزيد هذا القرار المفاجئ من تعميق المأزق الذي دخله الصراع في الفترة الأخيرة، وهو ما سيطرح صعوبةً أكبر على مساعي الأمم المتحدة لإيجاد حلٍّ لواحد من أكثر الصراعات الإقليمية تعقيدا في العالم، وأقدمها داخل القارة السمراء.
ويبقى الجانب المؤلم والمحزن والمدان في هذه الصفقة الملغومة، التطبيع، فهو الغابة التي يريد الكل أن يخفيها وراء كثبان صحراء متحرّكة. مؤلمة لأنها تأتي من المغرب الذي يترأس ملكه لجنة القدس، ويقود حكومته حزب إسلامي، لطالما اعتبر فلسطين والقدس قضيته المقدّسة. ومحزنة لأنها لا تراعي مشاعر أغلبية المغاربة الذي يعتبرون فلسطين قضيتهم الثانية بعد قضية الصحراء، ويرفضون كل أشكال التطبيع مع إسرائيل، خصوصا في ظل وجود حكومة يمينية متطرّفة على رأسها سياسي عنصري مجرم ومتعجرف. وهي مدانة لأنها تأتي على حساب النضال التاريخي للشعب الفلسطيني، المستمر منذ ستة عقود، وتزكّي جرائم إسرائيل وظلمها التاريخي شعبا احتلت أرضه واغتصبت حقوقه، لكنها فشلت في قتل إرادته في الحياة وفي النضال.
لقد حقّق ترامب، بقراره هذا، فوزًا آخر لإدارته الساعية إلى فرض حليفتها إسرائيل قوة مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي المقابل، نحج المغرب في انتزاع اعتراف ثمين من أقوى دولة في العالم بسيادته على الأرض التي يعتبرها جزءا من امتداده الجغرافي والتاريخي، وهو ما دفع محللين كثيرين إلى وصف ما حصل بأنه صفقة مقايضة، الرابح الكبير فيها هي إسرائيل الساعية إلى اختراق الدول العربية، والخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني وقضيته التي تحولّت إلى عملة بخسة، تقايض بها الأنظمة العربية كسب ود اللوبيات الصهيونية التي تتحكّم في قرارات الساكنين في البيت الأبيض.
ومنذ إعلان القرار الأميركي، انقسم الشارع المغربي إلى مؤيدين للاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، ومندّدين بقرار التطبيع مع دولة إسرائيل. وفيما سمحت السلطة في المغرب للمؤيدين بالخروج إلى الشوارع للتعبير عن فرحتهم، وتنظيم تظاهراتٍ تخترق قواعد التدابير الصحية التي يفرضها انتشار فيروس كورونا، منعت السلطة نفسها، وبالقوة، وقفة رمزية احتجاجية دعت إليها هيئات مغربية معارضة للتطبيع، في خرقٍ واضحٍ للحق في التظاهر وحرية التعبير التي ينص عليها الدستور المغربي، لتكشف السلطة في المغرب، مرّة أخرى، عن وجهها القاسي في التعامل مع معارضيها، عندما يتعلق الأمر بفرض قراراتٍ يتم اتخاذها بصفة فردية، بعيدا عن المؤسسات المفترض فيها تمثيل الشعب.
تتطلب القراءة الموضوعية لما حصل الوقوف عند القرارين معا ومقابلتهما، قرار الاعتراف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه، وقرار تطبيع المغرب علاقاته مع إسرائيل. ففيما طغى قرار الاعتراف الأميركي هذا على الإعلام المغربي الرسمي وشبه الرسمي، وهيمن على النقاش في وسائل التواصل الاجتماعي داخل المغرب، ركّزت وسائل الإعلام العالمية الكبرى على قرار التطبيع، لما له من انعكاساتٍ مستقبليةٍ جيوستراتيجية على المنطقة وعلى قضاياها المصيرية. وفي القرارين، ما جرى هو تحصيل حاصل، لأن الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على إقليم الصحراء كان موجودا ضمنا، ويتمثل في عدم اشتراط الكونغرس الأميركي حجب المساعدات التي يقدمها سنويا للمغرب عن الإقليم المتنازع عليه، وما حصل هو إعلان هذا الاعتراف رسميا، لأن السلطة في المغرب كانت تحتاج إليه. أولا، لتحقيق نصر دبلوماسي رمزي في قضية مصيرية، وأيضا لتهدئة الرأي العام الشعبي الذي يعارض التطبيع الكامل مع إسرائيل. كما أن إعادة تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية هو فقط رفع للغطاء عما كان معروفا ومتداولا منذ سنوات، لأن هذه العلاقات لم تتوقف قط بين تل أبيب والرباط، والوفود الإسرائيلية الشعبية والرسمية كانت تزور المغرب باستمرار سرّا وعلانية، وعلاقات البلدين الاقتصادية هي الأكثر ازدهارا في منطقة شمال أفريقيا. ولكن إدارة ترامب كانت في حاجةٍ إلى إعلان هذا التطبيع رسميا، لإضافته إلى انتصاراتها في اختراق العالم العربي، وتعزيز موقف حليفتها إسرائيل، وحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية تحتاجه أكثر لتلميع أوراق اعتمادها حكومةً تسعى إلى السلام مع جيرانها العرب، فيما تنتهك أبسط حقوق الشعب الفلسطيني.
وبالتالي، الرابح الكبير من هذه الصفقة هي إسرائيل وحكومتها اليمينية، وعلى رأسها سياسي عنصري ومجرم ومتعجرف، هو نتنياهو الذي يحصل كل يوم على تزكيةٍ عربيةٍ لجرائمه في حق الشعب الفلسطيني. أما الانتصار الرمزي الذي حققته الرباط في قضيتها الوطنية، فمن غير الواضح أنه سيقلب موازين القوى لصالح المغرب، وربما قد يؤدي انحياز أميركا إلى جانب طرف في النزاع على حساب طرفٍ آخر إلى تعقيده، وإطالة أمده الذي تجاوز أربعة عقود ونصف العقد، خصوصا وأن البيت الأبيض ربط اعتراف رئيسه بحثّ طرفي النزاع على الدخول في مناقشاتٍ “من دون إبطاء على أساس خطة المغرب للحكم الذاتي إطارا للتفاوض”، وهو ما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي تدعو إلى إيجاد حل سياسي متوافق عليه من أطراف الصراع.
لذلك، هدية ترامب إلى المغرب ملغومة، لا يهم صاحبها منها سوى ما سوف تحققه له من مكاسب شخصية، تتمثل في إرضاء اللوبي الصهيوني الذي يدعمه بزعامة صهره جاريد كوشنر. وفي الوقت نفسه، سوف تزيد من خلط الأوراق لخلفه جون بايدن الذي ستجد إدارته نفسها مكبّلة بإعلان سياسي رئاسي، قد يثير نقضُه حفيظة إسرائيل واللوبي القوي الذي يمثلها داخل أميركا. أما المغرب الذي يعتقد أنه انتزع اعترافا ثمينا من دولة عظمى، بسيادته على إقليم يعتبره جزءا من وحدته الترابية، فيجب التأكيد على أن هذا الاعتراف لا يعني أن المشكل على وشك أن ينتهي، لأنه لن يغير كثيرا في وضعه القانوني داخل أروقة الأمم المتحدة، بل وسيزيد هذا القرار المفاجئ من تعميق المأزق الذي دخله الصراع في الفترة الأخيرة، وهو ما سيطرح صعوبةً أكبر على مساعي الأمم المتحدة لإيجاد حلٍّ لواحد من أكثر الصراعات الإقليمية تعقيدا في العالم، وأقدمها داخل القارة السمراء.
ويبقى الجانب المؤلم والمحزن والمدان في هذه الصفقة الملغومة، التطبيع، فهو الغابة التي يريد الكل أن يخفيها وراء كثبان صحراء متحرّكة. مؤلمة لأنها تأتي من المغرب الذي يترأس ملكه لجنة القدس، ويقود حكومته حزب إسلامي، لطالما اعتبر فلسطين والقدس قضيته المقدّسة. ومحزنة لأنها لا تراعي مشاعر أغلبية المغاربة الذي يعتبرون فلسطين قضيتهم الثانية بعد قضية الصحراء، ويرفضون كل أشكال التطبيع مع إسرائيل، خصوصا في ظل وجود حكومة يمينية متطرّفة على رأسها سياسي عنصري مجرم ومتعجرف. وهي مدانة لأنها تأتي على حساب النضال التاريخي للشعب الفلسطيني، المستمر منذ ستة عقود، وتزكّي جرائم إسرائيل وظلمها التاريخي شعبا احتلت أرضه واغتصبت حقوقه، لكنها فشلت في قتل إرادته في الحياة وفي النضال.