هذه مكاسب المغرب من انعقاد منتدى كرانس مونتانا بالداخلة


صبري الحو
السبت 14 مارس 2015







تسعى منظمة كرانس مونتانا إلى نشر قيم السلم العالمي والمساهمة في خلق عالم أكثر إنسانية، وهي في ذلك تشارك مجموعة من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجموعة من المنظمات والتجمعات الإقليمية والجهوية في هذا المبتغى النبيل. وقد استطاعت هذه المنظمة أن تستقطب مجموعة من الشخصيات العالمية في كل الميادين والمجالات سياسية اقتصادية وثقافية ورياضية لتكون رسولا للسلم والأمن والتعاون العالمي، وتحولت بذلك إلى علامة كبرى تتنافس الدول لاحتضان أعمالها وأشغالها، لما يخلقه الحدث من اهتمام و دعاية وإشعاع دولي لمكان وبلد الانعقاد وشهادة له بالأمن والاستقرار، ومن تم تأتي أهمية احتضان المغرب لهذا المنتدى و الداخلة على الخصوص. فحق طرح السؤال عن ما ذا ينتظر المغرب من عائد سياسي على القضية الوطنية واقتصادي للأقاليم الجنوبية من انعقاد هذا المنتدى به؟

العائد السياسي من انعقاد كرانس مونتانا بالداخلة

لعل المتتبع لقمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة المنعقدة في أديس أبابا والزوبعة التي أثارها حول نية ممثلي منظمة كريس مونتانا عقد أشغاله بمدينة الداخلة وقبول المغرب بذلك. ودعوة وتحريض الاتحاد الإفريقي للدول الإفريقية لمقاطعة هذا المنتدى وعدم حضور أشغاله، سيطلع وسيكتشف كيف تحولت منظمة إقليمية في مستوى الاتحاد الإفريقي إلى أداة طيعة بيد الجزائر تسخرها لخدمة مآرب لا علاقة لها بأهدافها، وتعتبر محاولة بينة للتدخل في شؤون وسيادة بلد ليس عضوا في الاتحاد الإفريقي من جهة أخرى ويتناقض مع مبادئ الاتحاد من جهة أخرى.

وهنا يظهر العائد السياسي الأساسي الذي يربحه المغرب ويجنيه من انعقاد هذا المنتدى، في أنه يجسد به المغرب ممارسته المطلقة لسيادته على أقاليم الصحراء دون وجود متحفظ ولا معارض ولا منازع لذلك داخليا، وانعقاده في حد ذاته، هو مظهر من مظاهر تلك السيادة وانتصار لها .

انعقاد منتدى كرانس مونتانا رغم معارضة محور الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا ودعوة الاتحاد الإفريقي للدول الإفريقية أعضاؤه لمقاطعته و ممارسة الضغط على مجموعة من الدول في إفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية من أجل عدم إقامته وعدم احتضانه بالداخلة. وحضور هذه الدول لهذا الملتقى يشكل فوزا دبلوماسيا مغربيا على الاتحاد الإفريقي وعلى محور الجزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا وباقي الدول الإفريقية المتأثرة بالمرافعات الجزائرية مثل الموزمبيق وأنكولا.

كما أن محاولة رئيس نيجيريا إجراء مكالمة مع الملك ورفض الأخير لذلك وحضور وفد من حزب زوما الحاكم في جنوب إفريقيا إلى للمغرب، ينبئ بتفكك المحور المذكور وتصدأ في إطاره، واهتراء في حلقاته غير المنسجمة إيديولوجيا ولا ثقافيا ولا تاريخيا ولا جغرافيا ولا دينيا ولا عرقيا، وغير المبنية على أسس عادلة ومنصفة ولا قانونية، بل اجتمعوا ضلالا وخدمة لأهداف مغرضة شراء لذممهم من طرف الجزائر، من أجل معاكسة حقوق المغرب والتشويش على سيادته بمرافعات مغلوطة وبدفوعات مشبوهة وعدائية ومزيفة.

أضف إلى ذلك، فان انعقاد منتدى كرانس مونتانا هو بمثابة شهادة تقدير واعتراف عالمي بمستوى ودرجة الأمن والاستقرار بالمغرب وفي أقاليم الصحراء، وإقرار منها بمجهودات ومساهمات المغرب في مجال السلم العالمي وبمشاركاته في الجهود الدولية للقضاء على الإرهاب والتعصب، وفق ما سبق أن أكده الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في مكالمته مع الملك بتاريخ 23 يناير 2015، والتي توجهت بقبول المغرب بعودة التعامل مع مسؤولي الأمم المتحدة ذوي الصلة بملف نزاع الصحراء.

انعقاد كرانس مونتانا بالداخلة ومعاينة المشاركين لمستوى تنمية إقليم الداخلة وجهة لكويرة ووادي الذهب، ونهضته عمرانيا وتوفره على بنية تحتية مهمة ومتنوعة ومتقدمة، يدحض به المغرب مزاعم إقصاء المناطق الصحراوية من أوراش ومشاريع التنمية، ويؤكد المغرب للعالم أنها تستفيد من عائدات مواردها الطبيعية وأكثر، خلافا لما ترافع من أجله الجزائر والبوليساريو ومن ولاها من الدول في إفريقيا وأمريكا الجنوبية.

كرانس مونتانا منبر لفضح انتهاك الجزائر للقانون الدولي لحقوق الإنسان

لقد أوصدت الجزائر حدودها وأبوابها أمام المنظمات الحقوقية الأجنبية وأمام المقررين الدوليين ولجان المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ولا تسمح لها بدخول مخيمات اللجوء في تندوف لإجراء تحقيق حول حقائق الانتهاكات والخروقات لحقوق الإنسان، أو حتى من أجل معاينة مدى تطبيق الجزائر كدولة اللجوء للمعايير الدولية لحقوق الإنسان الخاصة باللجوء، وللوقوف عند مدى اضطلاع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بدورها في توفير الحماية للاجئين. إلا أن هذا المنع لم يحل دون اطلاع المجموعة الدولية بوجود انتهاكات وخروقات جسيمة لحقوق الإنسان تتعداها أحيانا إلى جرائم الاختلاس والاختطاف والتعذيب، وعدم احترامها لقانون اللجوء منها:

أولا: إن وصف اللجوء أطلق على سكان المخيمات جزافا ودون احترام للمسطرة المنصوص عليها في القانون الدولي المتعلق باللجوء، إذ أطلق على جماعة فيها المجبر والمكره على مغادرة وطنه ومسكنه من طرف البوليساريو، وفيها المغرر به، المكره معنويا، وفيها المقتنع بطلب الانفصال ورغبته في الاستقلال عن المغرب، ولو احترمت المسطرة والإجراءات القانونية الخاصة باللجوء، بالبث في حالة بحالة، وليس إطلاق الوصف على جماعة خلافا لاتفاقية جنيف، لاكتشف الإكراه والتغرير من أجل اللجوء.

ثانيا: إن وضع اللجوء يفرض على الجزائر واجبات بمثابة حقوق للاجئين، منها ضمان حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، وهي الحرية التي لا يسمح بها خارج دائرة المطالبة بالانفصال والاستقلال والاستفتاء. ويمكن الإشارة إلى أصوات وإرادات أثبتت هذه الحقيقة مثل، قمع مصطفى سلمى ولد مولود وقمع صوت شباب التغيير.

ثالثا: إن وضع اللجوء يضع على عاتق الجزائر واجب ضمان حرية التنقل للاجئين، وهي في ذلك ليست مجبرة على تمكين اللاجئين من بطاقة الهوية لإثبات هويتهم وحسب، بل في تمكينهم من جواز سفر جزائري ليتمكنوا من حق التنقل والسفر بحرية ودون تقييد داخل وخارج الجزائر، وهو الحق الذي تخرقه الجزائر وتمنعه على جل سكان المخيمات باستثناء قادة البوليساريو وإفراد عائلاتهم. ولا تسمح به للباقي سوى فقط في اتجاه موريتانيا أو اتجاه الصحراء في إطار برنامج تبادل الزيارات.

رابعا: إن وضع اللجوء يجعل الجزائر المؤهلة وحيدة ودون غيرها ووفقا للقانون الدولي في إدارة المخيمات ويضع عليها واجب الحفاظ على الطابع المدني للمخيمات وتطبيق قانونها الوطني فيها واحتكام اللاجئين لفض نزاعاتهم إلى تنظيمها القضائي، إلا أن الواقع يدل على خلاف كل ذلك. فالبوليساريو هي التي تدير المخيمات بموافقة ودعم من الجزائر ويطبق فيها قانون غير جزائري وأمام محاكم لا ينص عليها التنظيم القضائي الجزائري. كما أن المخيمات معسكرة بمختلف أنواع الأجهزة الأمنية من درك وشرطة ومديرية المستندات وعسكر . وكلها ممارسات لا تتطابق ووصف اللجوء ولا تنسجم مع قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان.

خامسا: إن وضع اللجوء يفرض على دولة اللجوء، الجزائر والمفوضية السامية لغوث اللاجئين واجب إحصاء اللاجئين ومعرفة عددهم بدقة، وهو ما تمتنع عن إجرائه الجزائر ولم تستطع المفوضية السامية المكلفة باللاجئين من فرضه رغم أنه أساسي في عملها، والكل لبقاء العدد مجهولا ولتوظيفه سياسيا، ومن أجل التلاعب به في طلب المساعدات الأجنبية برفع العدد.

كرانس مونتا محكمة لإدانة الجزائر والبوليساريو بسرقة مساعدات اللاجئين

إن التزام إحصاء اللاجئين وإعلان عددهم بدقة ومرامي تلكؤ الجزائر عن تنفيذه يحيلنا إلى تقرير الوكالة الأوروبية لمحاربة الغش، الذي تورطت فيه الجزائر وقادة البوليساريو في جريمة اختلاس وتحويل مساعدات اللاجئين، وهو تقرير يؤكد به المغرب من جهة عدم صحة عدد اللاجئين المعلن عنه من طرف الجزائر ويعطي مصداقية للمغرب والحجة لمرافعاته بتوظيف العدد سياسيا ويضع الجزائر والبوليساريو في مواجهة مباشرة مع الاتحاد الأوروبي المانح، إذ وثق هذا التقرير عمليات تحويل المساعدات الأوروبية منذ 2003 و إلى غاية 2007، بتضخيم في عدد اللاجئين على أساس أنه يربو على 150 ألفا، والحال أن العدد لا يتجاوز 91 ألفا. واعتمد الاتحاد الأوروبي في ذلك على معطيات تقنية مصدرها الأقمار الصناعية .

ليبقى اللغز فقط في تفسير السؤال صمت الاتحاد الأوروبي عن جريمة يعلم به منذ 2007، وفي استمراره دفع المساعدات على أساس 150 ألفا وهو يعلم انه عدد غير حقيقي ولم يقلص منها؟ ولماذا لم يطالب باسترداد مبالغ المساعدات؟ وتقديم الجناة أمام المحاكم؟

هي أسئلة وغيرها سيتولى البرلمان الأوروبي البحث عنها نهاية شهر مارس، استجابة لتقرير للنائبة الألمانية تانبورغ كراسي. والثابت أن ذلك يجعل الجزائر والبوليساريو أمام مساءلة وفي قفص الاتهام بجريمة تمس بالشرف والمروءة.

أخيرا، انه وضع اللجوء يفترض ثلاث حلول دائمة ثلاثة معروفة في القانون الدولي لإنهاء حالة اللجوء ووضع حد للمعاناة، هي العودة إلى الوطن أو إعادة التوطين أو الانصهار في بلد اللجوء الجزائر بعد إثبات إقامة اللاجئين لمدة سبع سنوات وفقا لقانون الجنسية الجزائري، وهي حلول ترفض الجزائر الاستجابة لأي منها وتمنع اللاجئين منها، الشيء الذي يجعل وضعهم لا يخرج عن وضع الاحتجاز وفي أقل تعبير عن الإقامة الإجبارية. فإن كان القانون الدولي شعاد ومبدأ الجزائر في دعمها واحتضانها للبوليساريو فبالأحروى أخلاقيا تطبيقه واحترامه قبل مطالبة المغرب بذلك.

فهل سيرافع المغرب في منتدى كريس مونتانا لفضح هذه الانتهاكات انسجاما مع هدف المنتدى في جعل العلاقات الدولية ذات بعد أكثر إنساني؟؟.

كرانس مونتانا والعائد الاقتصادي على الداخلة

لا شك أن أعين العالم والفاعلين الاقتصاديين منصبة ومتجهة على إقليم جهة وادي الذهب لكويرة بمناسبة انعقاد منتدى كريس مونتانا بعاصمته الداخلة، ولا مراء في أن جميع المتتبعين يضطلعون لاكتشاف هذه المنطقة جغرافيا كباب واسع إلى الصحراء وإفريقيا وانفتاح كبير حول العالم عبر المحيط الأطلسي من جهة، ويطلع لمعرفة المزيد عنها وعن مؤهلاتها الاقتصادية، ومواردها الطبيعية المتنوعة والمختلفة بدءا من الصيد البحري إلى الزراعة والفلاحة والسياحة والى مناخها متنوعا والواعد لإنتاج الطاقة المتجددة عبر الرياح والشمس وأمواج البحر، وهو مجال غني ثقافيا لإنجاح مشاريع سياحية كبرى لها علاقة بالرياضات البحرية والسباقات على الصحراء، أو تلك المرتبطة بتاريخ المدينة أو بجمالها أو بغناء تراثها. وسيعاين أن ثروتها البشرية معظمها من الفئات الشابة واليد العاملة المؤهلة تنتظر تلاقحا مع الفرصة لتنفجر إبداعا وعطاء.

ويعتبر انعقاد المنتدى بمدينة الداخلة فرصة ليظهر المغرب لكل مستثمر وفاعل اقتصادي أو سياسي من ضيوف المؤتمر ومشاركيه أو من الذين يتابعونه إعلاميا عن هذه المؤهلات، كما سيعاين استقرار وأمن وهدوء المنطقة، ووجود أمن قضائي وقانوني يحمي الاستثمارات والمستثمرين وإعفاءات ضريبية للمستثمرين، ونية المغرب في تطبيق استراتيجية محكمة لتنمية الأقاليم الجنوبية. كل ذلك عوامل تؤهل المغرب والمنطقة لجلب الاستثمارات. والمنتدى مناسبة أيضا لمدراء الشركات وممثلي الحكومات لوضع قيد الامتحان والمناقشة إستراتيجيتهم ودعم علاقاتهم وفرصة لكسب مزيد من التجارب وربط علاقات للتعاون لإنجاح العلاقات الإفريقية البينية، شعار المنتدى جنوب-جنوب وفي هذا إشارة إلى كون القارة الإفريقية قادرة لتحقيق نهضتها وتقدمها وتنميتها عبر هذه العلاقات، وما اختيار المغرب إلا دليل على نجاح ما جنح إليه من اهتمام بالعمق الإفريقي عبر استثمارات همت المواصلات والاتصالات والمعادن وصناعة الإسمنت وغيرها.

ويبقى السؤال أيضا عن مدى توفر المغرب على منظور علمي ومهني احترافي لتسويق هذه العوامل الايجابية لجلب الاستثمارات لتنمية المنطقة؟ فالمناسبة قائمة والفرصة سانحة والظروف مواتية فهل لمرافعة من أجل التسويق ..؟!




مقالات ذات صلة