و تستمر ملحمة الاستقلال: مشعل الجهاد الأكبر من محمد الخامس إلى محمد السادس


حقائق بريس
الجمعة 18 نونبر 2011



في يوم 16 نونبر 1955 عاد جلالة المغفور له محمد الخامس من المنفى بعد ان كلل نضاله المتسق مع نضال شعبه الوفي بالانتصار و بطلان معاهدة الحماية و اعتراف فرنسا باستقلال المغرب . وهو بذلك يكون قد بر بوعده في خطاب طنجة ليوم 10 ابريل 1947 عندما قال " ثم إذا كان ضياع الحق في سكوت أهله عنه فما ضاع حق ورائه طالب . إن حق الامة المغربية لا يضيع و لن يضيع . فنحن – بعون الله و فضله – على حفظ كيان البلاد ساهرون و لضمان مستقبلها الزاهر المجيد عاملون ، و لتحقيق تلك الامنية التي تنعش قلب كل مغرب سائرون ... " . كما لبى مطالب الحركة الوطنية الواردة في وثيقة الاستقلال ليوم 11 يناير 1944 ، و بالفعل و بفضل ثورة الملك و الشعب تحققت تلك الامنية و هي عودة الامور الى نصابها ، وعودة الملك الى عرشه و استعادة الشعب لكرامته ، و قد كان زعماء العالم يعرفون ان المغرب سينال ما يريد بفضل هذا الالتحام ، فهذا الامبراطور غيوم الثاني قد خاطب الالمانيين سنة 1905 قائلا : " ان المغرب بلد مستقل انه مستقل و اؤكد انه سيبقى مستقلا "، منددا بذلك بالاطماع الفرنسية و الاسبانية ، و هذا الرئيس الامريكي فرانكلان روزفيلت و على هامش مؤتمر انفا استقبل جلالة الغفور له محمد الخامس يوم الجمعة 22 يناير 1943 فيلا السعادة بالدار البيضاء ، و صرح ( حسب كتاب التحدي لجلالة المغفور له الحسن الثاني ) بتطلعه الى اليوم الذي سيصل فيه المغرب بيسر الى الاستقلال وفقا لمبادئ الحلف الاطلسي .

ولم يكن جلالة المغفور له محمد الخامس يكل من المطالبة بالاستقلال فهو مثلا عند استقباله لسفراء الدول الاجنبية بتاريخ 11 ابريل 1947 في لقاء حبي قال : " من الحق ان ينال الشعب المغربي حقوقه الشرعية و ان يقع تحقيق ما نتمناه و يتمناه الشعب المغربي من المطامح التي نتوق اليها كسائر الامم".

و في اكتوبر 1950 شد جلالته الرحال الى فرنسا من اجل مفاوضات سياسية تحدد مصير المغرب ، و تحدثت اذاك الصحف الباريسية عن ملتمس السلطات بفتح حوار مثمر حول استقلال المغرب ، و لكن فرنسا اكتفت بتحقيق بعض المطالب منها التقليص من تعسفات المقيم العام ، مما اضطر سيدي محمد بن يوسف الى تقديم ملتمس آخر في 2 نونبر 1950 يطالب فيه بإلغاء معاهدة فاس و الاعتراف باستقلال المغرب ، و هو مطلب أكده في خطاب العرش يوم 18 نونبر 1950 . كما ان مطالب المغرب نالت الشرعية الدولية حيث ان محكمة العدل الدولية بلاهاي أصدرت في 27 ابريل 1952 قرارا يؤكد استمرار شخصية المغرب السياسية بالرغم من خضوعه لنظام الحماية ، و أنه يشكل من الناحية القانونية دولة ذات سيادة . و تواثرت الاحداث و كان إغتيال الزعيم التونسي فرحات حشاد مناسبة لانفجار الشعب المغربي ضد تماطلات فرنسا فشن إضرابا عاما ، واغتنمتها الاقامة العامة فرصة لاطلاق حملتها القمعية (6-10 دجنبر 1952) ، واستمر الامر هكذا الى ان جاءت مؤامرة النفي يوم 20 غشت 1953 ، و انطلقت شرارة المقاومة المسلحة و الكفاح المستمر الى ان عاد الملك الهمام الى ارض الوطن يوم الاربعاء السادس عشر من نونبر 1955 و القى اول خطاب للعرش بعد رجوعه من المنفى يوم 18 نونبر 1955 . و لقد دارت المفاوضات الفرنسية المغربية بين غشت 1955 و اكتوبر 1956 انتهت الى استقلال المغرب و توحيد المنطقتين الفرنسية و الاسبانية و منطقة طنجة الدولية . ففي 2 مارس 1956 استعاد المغرب استقلاله و لكن صلاحياته الدولية لم يباشرها الا في 28 ماي 1956 إذ نصت المعاهدة الفرنسية على فترة انتقال انتهت بتوقيع معاهدة ديبلوماسية يوم 28 ماي 1956 تقضي بالتشاور بين البلدين و تقديم فرنسا المساعدة الى المغرب . و في 8 اكتوبر 1956 عقد في فضالة ( المحمدية) مؤتمر انتهى بضم طنجة الى باقي المملكة .

و هكذا انتهت ملحمة التحرير المحمدية بعودة الكرامة الى المغاربة و انتهى الجهاد الاصغر ليبتدئ الجهاد الاكبر الذي واصله جلالة المغفور له الحسن الثاني بكل نجاح و تسلم مشعله جلالة الملك محمد السادس لتستمر بذلك ملحمة البناء و استشراف المستقبل.

مقالات ذات صلة