HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

حماية الفساد جريمة في حق البلاد


البدالي صافي الدين
الجمعة 3 ماي 2024




حماية الفساد جريمة في حق البلاد
حينما تجد بلدا يخرج من دائرة التخلف إلى مربع الدول المتقدمة، فاعلم بأنه قد قطع مع الفساد و مظاهره وحسم مع حماته و من تبعهم . لكن حينما تجد بلدا لا زال يبحث عن مخرج من دائرة التخلف بحثا عن سبل التنمية دون أن يحققها، فاعلم بأن الفساد لا زال يعيش و ينتعش بين ظهرانيه ،و له حماته و أتباعهم . و من هنا نطرح السؤال: لماذا فشل المغرب في كل برامجه التنموية منذ عقدين من الزمان ؟ و لماذا لا يزال يحتل الرتب الدنيا على سلم التنمية المستدامة وعلى مستوى تحقيق الرفاهية للشعب على غرار الدول المتقدمة ،بل حتى في بعض الدول الخليجية ؟ لماذا تراجع ترتيب المغرب في مؤشر التنمية البشرية من المرتبة الـ 122 سنة 2020 إلى المرتبة الـ 123 خلال سنة 2021، من بين 191 دولة عبر العالم. حسب مؤشر التنمية البشرية، الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي يعتمد في مؤشراته على متوسط العمر المتوقع و على التعليم و جودته و على المستوى المعيشي ؟
إن هذه الأسئلة تقودنا إلى طرح السؤال : ما هي الأسباب الرئيسية التي أدت بالمغرب إلى عدم تحقيق تنمية بشرية مرجوة؟ ثم ما هي العلاقة بين التنمية البشرية و الفساد من جهة وعلاقتها بالمناخ الديمقراطي من جهة ثانية ببلادنا .
1 - الفساد والتنمية :
إن ما يعرفه المغرب من اعطاب اقتصادية واجتماعية هو نتيجة تفشي مظاهر الفساد ، لأنه إذا عم الفساد تصاب البلاد بكل أشكال التخلف عن الركب الإقتصادي العالمي و عن أية تنمية مستدامة ، لأن الفساد هو إرهاب في حد ذاته يصيب المجتمع في استقراره الغذائي والمعيشي و في أخلاقه . و لقد عرف " صامويل هنتنجتون وهو باحث وكاتب أمريكي " على أن الفساد هو أحد المعايير الدالة على غياب المؤسسة السياسية الفاعلة التي شهدها عصرنا الحالي، وعليه فإن الفساد ليس نتيجة لانحراف السلوك عن الأنماط السلوكية المقبولة فحسب، بل إنه نتيجة لانحراف الأعراف والقيم ذاتها عن أنماط السلوك القائمة والمعهودة” و في هذا السياق تشير أغلب الدراسات العلمية إلى أن الآثار السلبية التي يخلفها الفساد، تتمثل فيما يلي:
-نقص على مستوى معدل النمو ،
- تخلف الكفاءات و سوء تدبير الموارد البشرية و الموارد المالية،
- نقص في الاستثمار المحلي والأجنبي،
- نقص في الإنفاق على التعليم والصحة لحساب الإنفاق على التسليح و على البرامج والأنشطة التي تساعد على ممارسات الفساد،
- عدم استقلالية القضاء وضعفه وضعف أدائه على أحسن وجه ، مما يشجع على انتشار الفساد و نهب المال العام بالبلاد .
و لهذا فإن الفساد في بلادنا كان له تأثيرات سلبية على التنمية البشرية،لأنه يساهم في التخلي تدريجيا على الإنفاق العام على التعليم والصحة و على الحماية الاجتماعية والأمن الغذائي ، و بالتالي يضر بالمشاريع الاجتماعية من خلال رفع تکاليفها و ضرب المقاولات الصغرى في غياب المنافسة الشريفة و الشفافة ، كما أن مظاهر الفساد تتسبب في ارتفاع معدلات الفقر (1،2 في المئة سنة 2022 إلى6،6 في المئة سنة 2023 ) وذلك بسبب تفشي مظاهر الفساد الإداري والمالي و الاخلاقي ،و لأنه يحول دون التوزيع العادل للثروة و يحول دون تحقيق الدولة الديمقراطية و المناخ الديمقراطي الحقيقي .
2 - الفساد و الحماية الحكومية :
لقد توصلت مجموعة من الدراسات القياسية (منهج العالم أفلاطون و منهج العالم غروشيسوس ) ، التي تم تنفيذها على عدد من الدول العربية إلى" أن التنمية البشرية لها ارتباط جدلي بجودة التعليم والخدمات الصحية و الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة و بالقطع مع مظاهر الفساد الإداري و الفساد السياسي والفساد المالي و الاقتصادي و نهب المال العام والقطع مع اقتصاد الريع الذي يشكل عائقا أمام التنمية، حيث أن الدولة المغربية ، على سبيل المثال، تنازلت في العام 2011 وحده عن 32 مليار درهم (أي ما يُعادل 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي)، من خلال تقديم إعفاءات ضريبية لعدد من القطاعات، بما في ذلك أنشطة تطوير العقار و الأنشطة الزراعية التي تدرّ على أصحابها أرباحاً طائلة و مستفيدين من الإعفاءات الضريبية .و تستمر الدولة المغربية في تقديم عشرات المليارات من الدراهم التي يتم اقتطاعها من الموازنة العامة تحت ذريعة المساعدات المباشرة إلى مشاريع خاصة.
إن استمرار الدولة المغربية في رعاية الفساد وحمايته وحماية المفسدين و حماية اقتصاد الريع و القطاع غير المهيكل إنما هو أمر يضرب في العمق العدالة الجبائية و يحول دون تحقيق تنمية شاملة و دون بناء دولة الحق و القانون و لا الدولة الاجتماعية، بالإضافة إلى استمرارية الفوارق الطبقية و الاجتماعية والمجالية و هو ما يعتبر جريمة في البلاد و في حق المغاربة المسلوبة إرادتهم .

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير