لم تحظ اية مسألة من المسائل المطروحة حاليا على الساحة الوطنية مثل ما تحظى به الجهوية من اهتمام ومتابعة، ليس فقط لانها تاتي في خضم تجربة اكتسبها النظام اللامركزي، وينظر الى ايجابياتها أكثر من سلبياتها، ولكنها تمثل في تفكير السلطات والقوى السياسية والفعاليات الاقتصادية والهيئات التمثيلية على الصعيد المحلي الامل الاكبر الذي يستطيع المغرب بفضله أن يؤسس لمرحلة تنموية جديدة، ومناهج جديدة ...
سؤال عريض يطرح حين الحديث عن الخيار الجهوي، في هذا الظرف بالذات، وهو: هل كان المغرب مضطرا للانتظار طويلا قبل طرح المشروع؟ أو كان عكس ذلك يمهد الطريق لقيام البرنامج، من خلال اتاحة الفرصة أمام نظام الحكم المحلي لاكتساب التجربة، باعتبارها الاساس الذي ينبثق منه التوجه الجهوي، والضمانة الحقيقية لنجاحه؟
الحقيقة التي تستخلص من الدراسات والتجارب الاولية في هذا النطاق، أن الجهوية شأنها في ذلك شأن الخيارات التي تعتمد التمثيل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمهني. نظام بقدر ماهو فعال وديناميكي، بقدر ماهو نظام يقتضي جملة من المبادئ والقواعد والاليات، يصعب التحكم فيها واستيعابها، من دون قناعة دستورية وسياسية واقتصادية بجدوى الجهوية وحتميتها بالنسبة لمستقبل البلاد.
ويبدو واضحا أن المغرب قد بلغ حاليا، بعد اكثر من ثلاثة عقود من الممارسة على المستوى المحلي، درجة تؤهله للرهان على الجهوية سيما وان ذات الممارسة اثبتت بصورة لاتقبل الجدل ان الهاجس المخيف الذي هيمن على الشأن العام في كل مرة تناقش فيها المخططات والاستراتيجيات يتمثل في ان التنمية تكون فاشلة ومتعثرة حينما يكون التخطيط منطلقا من المركز وموجهت الى الصعيد اللامركزي. وتكون بطيئة ومحدودة في الزمان والمكان اذا كان ذات التخطيط بعيدا عن الالمام بالمعطيات الحقيقية لكل منطقة من مناطق البلاد.
من هذا الاساس اصبح الاقتناع بالنهج الجهوي خيارا لا محيد عنه، واضحى ضرورة قصوى للدفع بمستوى التنمية، ولتداراك الخصاص الكبير الذي عانى منه المغرب على مستوى ضعف مشاركة الطاقات المحلية والجهوية في الاستثمار، وفي بلوغ ما يمكن من التوازن بين الجهات والفئات.
كان ظهور أول مصطلح للجهوية بالمغرب في أول مخطط خماسي (60/1964)، راهن انذاك على ملاءمة التخطيط على الصعيد المركزي والتخطيط على المستوى المحلى. وتواصلت محاولات تكريس الفكرة التي لم تاخذ شكلها الواضح والقانوني الا مع صدور ظهير 16 يونيو 1971، الذي بقي تطبيقه مع ذلك متعثرا، لان التجربة لم تكن عندئذ كافية و قادرة على رسم الجهوية كاطار للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، مما منع من اضفاء طابع السياسية الجهوية على نفس التخطيط وعلى التنمية.
ويمكن القول أن الرسالة الملكية الموجهة الى الوزير الاول بخصوص اعداد مخطط مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية (1988/1992) انطلاقة جديدة للسياسة الجهوية وللتخطيطات التي يجب أن تكون كما قال جلالة الملك (المعفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه) في نفس الرسالة: "... تخطيطات على مستوى الجهة، لانها الخلية التي تلائم وتناسب بلادنا ما يطبعها من تنوع. وموازاة لذلك ستواصل الجهود المبذولة في مجال التخطيط الجهوي في اطار تشاور واسع تشارك فيه جميع الاطراف الاقتصادية والاجتماعية ..." وقد استهدفت التوجيهات الملكية في هذا الصدد بلوغ جملة من الغايات الاساسية ومنها على الخصوص تقليص الفوارق الجهوية وتنمية الوسط القروي، وتوسع مشاركة الجماعات المحلية في خلق الظروف الموضوعية للتمنية، والبحث عن لامركزية صناعية واستثمارية بخلق اقطاب جديدة لنشاط السكان، واخيرا تنظم التراب المحلي والجهوي والمحافظة على البيئة الطبيعية.
بيد ان الانطلاقة الحقيقية للسياسة الجهوية هي التي تتمثل في انتقال الجهة الى مستوى مؤسسة قائمة الذات، نص عليها دستور 1996، واقتضت من المشرع ايجاد الاطار القانوني لها، من حيث هياكلها واختصاصاتها ومكوناتها واهدافها وتطلعاتها.
والى حين قيام هذا البناء الشامخ الذي لاشك انه سيحدث قطيعة مع الموروثات السلبية التي ورثها التخطيط على المستوى المركزي يجوز القول ان مطمح التنمية قد اصبح أكثر من اي وقت مضى أقرب الى الواقع منه الى التمني. ذلك أن الجهات الجديدة التي تضمنها مشروع التقطيع الجديد الذي يراهن دائما على المركز، بل بالمفهوم الحديث المتطور الذي يعني أن الجهوية اداة برغماتية وواقعية لتحقيق التمازج بين الديمقراطية والتنمية، عن طريق احداث مجموعات ترابية واقتصادية وحضارية، منسجمة، تهدف الى ضمان التكامل بين ما هو اقتصادي واداري وتنموي، انطلاقا من تسخير المؤهلات وتوظيف الطاقات وتوجيه الامكانيات لفائدة الانسان.
وفي ظل النظام الجهوي سيبقي المستفيد الاكبر من الخيار هي الجماعات المحلية أي المسلسل اللامركزي فيما سينصرف اهتمام التخطيط المركزي الى القضايا الاستراتيجية الكبرى، أما القطاع الخاص، باعتباره طرفا ثالثا في الجهد التنموي فسيجد نفسه اكثر من ذي قبل في وضع جديد يحتم عليه مضاعفة مشاركته ومساهمته في صيانة مصالحه والمصالح العليا للبلاد.
سؤال عريض يطرح حين الحديث عن الخيار الجهوي، في هذا الظرف بالذات، وهو: هل كان المغرب مضطرا للانتظار طويلا قبل طرح المشروع؟ أو كان عكس ذلك يمهد الطريق لقيام البرنامج، من خلال اتاحة الفرصة أمام نظام الحكم المحلي لاكتساب التجربة، باعتبارها الاساس الذي ينبثق منه التوجه الجهوي، والضمانة الحقيقية لنجاحه؟
الحقيقة التي تستخلص من الدراسات والتجارب الاولية في هذا النطاق، أن الجهوية شأنها في ذلك شأن الخيارات التي تعتمد التمثيل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمهني. نظام بقدر ماهو فعال وديناميكي، بقدر ماهو نظام يقتضي جملة من المبادئ والقواعد والاليات، يصعب التحكم فيها واستيعابها، من دون قناعة دستورية وسياسية واقتصادية بجدوى الجهوية وحتميتها بالنسبة لمستقبل البلاد.
ويبدو واضحا أن المغرب قد بلغ حاليا، بعد اكثر من ثلاثة عقود من الممارسة على المستوى المحلي، درجة تؤهله للرهان على الجهوية سيما وان ذات الممارسة اثبتت بصورة لاتقبل الجدل ان الهاجس المخيف الذي هيمن على الشأن العام في كل مرة تناقش فيها المخططات والاستراتيجيات يتمثل في ان التنمية تكون فاشلة ومتعثرة حينما يكون التخطيط منطلقا من المركز وموجهت الى الصعيد اللامركزي. وتكون بطيئة ومحدودة في الزمان والمكان اذا كان ذات التخطيط بعيدا عن الالمام بالمعطيات الحقيقية لكل منطقة من مناطق البلاد.
من هذا الاساس اصبح الاقتناع بالنهج الجهوي خيارا لا محيد عنه، واضحى ضرورة قصوى للدفع بمستوى التنمية، ولتداراك الخصاص الكبير الذي عانى منه المغرب على مستوى ضعف مشاركة الطاقات المحلية والجهوية في الاستثمار، وفي بلوغ ما يمكن من التوازن بين الجهات والفئات.
كان ظهور أول مصطلح للجهوية بالمغرب في أول مخطط خماسي (60/1964)، راهن انذاك على ملاءمة التخطيط على الصعيد المركزي والتخطيط على المستوى المحلى. وتواصلت محاولات تكريس الفكرة التي لم تاخذ شكلها الواضح والقانوني الا مع صدور ظهير 16 يونيو 1971، الذي بقي تطبيقه مع ذلك متعثرا، لان التجربة لم تكن عندئذ كافية و قادرة على رسم الجهوية كاطار للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، مما منع من اضفاء طابع السياسية الجهوية على نفس التخطيط وعلى التنمية.
ويمكن القول أن الرسالة الملكية الموجهة الى الوزير الاول بخصوص اعداد مخطط مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية (1988/1992) انطلاقة جديدة للسياسة الجهوية وللتخطيطات التي يجب أن تكون كما قال جلالة الملك (المعفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه) في نفس الرسالة: "... تخطيطات على مستوى الجهة، لانها الخلية التي تلائم وتناسب بلادنا ما يطبعها من تنوع. وموازاة لذلك ستواصل الجهود المبذولة في مجال التخطيط الجهوي في اطار تشاور واسع تشارك فيه جميع الاطراف الاقتصادية والاجتماعية ..." وقد استهدفت التوجيهات الملكية في هذا الصدد بلوغ جملة من الغايات الاساسية ومنها على الخصوص تقليص الفوارق الجهوية وتنمية الوسط القروي، وتوسع مشاركة الجماعات المحلية في خلق الظروف الموضوعية للتمنية، والبحث عن لامركزية صناعية واستثمارية بخلق اقطاب جديدة لنشاط السكان، واخيرا تنظم التراب المحلي والجهوي والمحافظة على البيئة الطبيعية.
بيد ان الانطلاقة الحقيقية للسياسة الجهوية هي التي تتمثل في انتقال الجهة الى مستوى مؤسسة قائمة الذات، نص عليها دستور 1996، واقتضت من المشرع ايجاد الاطار القانوني لها، من حيث هياكلها واختصاصاتها ومكوناتها واهدافها وتطلعاتها.
والى حين قيام هذا البناء الشامخ الذي لاشك انه سيحدث قطيعة مع الموروثات السلبية التي ورثها التخطيط على المستوى المركزي يجوز القول ان مطمح التنمية قد اصبح أكثر من اي وقت مضى أقرب الى الواقع منه الى التمني. ذلك أن الجهات الجديدة التي تضمنها مشروع التقطيع الجديد الذي يراهن دائما على المركز، بل بالمفهوم الحديث المتطور الذي يعني أن الجهوية اداة برغماتية وواقعية لتحقيق التمازج بين الديمقراطية والتنمية، عن طريق احداث مجموعات ترابية واقتصادية وحضارية، منسجمة، تهدف الى ضمان التكامل بين ما هو اقتصادي واداري وتنموي، انطلاقا من تسخير المؤهلات وتوظيف الطاقات وتوجيه الامكانيات لفائدة الانسان.
وفي ظل النظام الجهوي سيبقي المستفيد الاكبر من الخيار هي الجماعات المحلية أي المسلسل اللامركزي فيما سينصرف اهتمام التخطيط المركزي الى القضايا الاستراتيجية الكبرى، أما القطاع الخاص، باعتباره طرفا ثالثا في الجهد التنموي فسيجد نفسه اكثر من ذي قبل في وضع جديد يحتم عليه مضاعفة مشاركته ومساهمته في صيانة مصالحه والمصالح العليا للبلاد.