في إحدى لقاءاته الصحفية سئل الملك الراحل الحسن الثاني عن أهم منجزاته طيلة فترة حكمه فكان جوابه: " لقد حررت الصحراء بالمسيرة الخضراء وربيت جيلا من أبناء شعبي".
يستخلص من هذا الجواب، بعد القراءة المتمعنة، أن هاجس التربية كان حاضرا بقوة في العقل السياسي، إلى جانب استشعار مدى حجم الأمانة العظمى المتمثلة في استكمال تحرير باقي أجزاء الوطن المحتلة. فتحرير الوطن المحتل وبناء الوطن على أسس متينة، هما المهمتان اللتان تتيحان بعد إنجازهما لأي ملك أو رئيس دولة أن يعبر عن فخره واعتزازه بما أنجز، وبالتمعن الجيد فلا يمكن تصور بناء للوطن على أسس صلبة ومتينة بدون بناء للدعائم التي ترسو عليها الروح لأبناء الوطن بل إني أكاد أقول بأن تحرير الوطن نفسه كمنجز، لا يتحقق في غياب تلك الروح لدى المواطنين، ولأن ما يشد البناء ويحفظ تماسكه هو هذه الروح التي لن يكتب لها أن تسري في العقول والضمائر إلا بغرسها بالقوة والإصرار بيد المربي الذي يتتبع نماء ما غرسه بيده حتى تتحول النبتة إلى شجرة معطاء.
تربية المواطن الجيدة طبعا هي العماد الذي يعول عليه لبناء الوطن فلا بناء سليما دون روح وطنية سليمة، ولا أريد هنا الخوض في إشكالية أية تربية لأي مواطن ؟ حين يتعلق الأمر برسم السياسات العامة للبلاد، أو في مسألة الإختلاف حول هذا الموضوع، وفي تقويم نوعية التربية وطبيعتها، فهذا الأمر موكول للباحثين المتخصصين، والدارسين الأكفاء، والأكاديميين المتفرغين ولو أنه حق من حقوق المواطنين العاديين الذين يستطيعون بإحساسهم وحسهم أن يعبروا عن رأيهم، بل انه من منظور آخر أمر للمواطن العادي الكلمة الفصل فيه.
ليس هذا كما قلت هو غايتي من هذا المقال بل المراد هو أن السياسة التي تستهدف المواطنين في بناء شخصيتهم على شاكلة ما، لبناء الوطن بشكل ما هي مهمة تربوية في نهاية المطاف، وكما أن نتائج تربية ما لا تظهر آثارها ومعالمها بوضوح ألا بعد مرور فترات من الزمن، فكذلك الشأن في النتائج السياسية وآثارها بالنسبة لواضعي السياسات العامة للبلاد.
هذا طرح نظري أردته تمهيدا للحديث عن مجريات الأحداث والوقائع في العهد الجديد للمغرب منذ تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم، حيث تحررت الأقلام لرصد السياسة العامة في البلاد بصورة غير معهودة، وباتساع هامش الحرية للتعبير أصبح بإمكان قراء الصحافة المغربية على الخصوص التعرف أكثر على خبايا الأمور، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال التنكر لما بذلته الصحافة الوطنية المغربية في هذا العهد من مجهودات للنهوض بمجال حرية الرأي والتعبير في كل القضايا بجرأة غير مسبوقة ومهنية مشهود لها حتى بدا أنها ملأت فراغات شتى على مستوى واجهات المؤسسات السياسية والحزبية منها على الخصوص، وبالأخص حين طرحت مسألة الإفتقاد للمعارضة.
غير أن تتبع العمل الصحفي ببلادنا يفضي إلى إستنتاج يتعلق بالخلفية المتحكمة في البنية العقلية لهذه الممارسة، والتي قد تكون لها على المدى المتوسط أو البعيد آثار لا تقل خطورة عن العمل السياسي المتلازم مع العمل التربوي في بناء شخصية المواطن الذي من أجله يصرح الجميع من رجالات السياسة والإعلام بأن مجهوداتهم كلها تنصب على جعله مواطنا متفاعلا بالمشاركة، درءا للهدر السياسي الذي لا ينتج سوى المعطلين في هذا الميدان بالعزوف الذي تحركه النظرة العدمية بالأساس أو التيهان في السراديب المظلمة.
مرغوب فيه وجميل أن تكون صحافتنا جريئة، منورة، كاشفة عن الخبايا، معرية وفاضحة للواقع، وسلطة يضرب لها ألف حساب، مادامت ترى نفسها منفذا وحيدا للمعرفة والتعبير، لكن مسؤوليتها التاريخية في تربية الأجيال على النظر إلى الواقع من هذه النافذة، باستعداد نفسي ليس بالضرورة أن يكون مبدأه الشك المطلق في كل ما يأتي من خطابات ومبادرات سياسية وبالأخص في العهد الجديد، الذي لا يألوا فيه الملك جهدا، يبعث الرسالة تلو الأخرى لتربية أبناء شعبه على رؤية جديدة لواقع جديد هو في طور التشكل.
رؤية جديدة للعلاقة بين الملك والشعب يريدها الملك أن تكون محددة للخطاب وموجهة للسلوك؛ خطاب يتوخى الإصلاح بالتدارك والمبادرة وسلوك يتخذ من خصال حسن الإصغاء والإحترام والتواضع طابعا مميزا، وهذا يكفي في نظري ليتفادى أي زعيم أو قائد أن يكون عائقا أمام تقدم شعبه.
وحيث يبقى دائما هناك مجال، وحيث تبقى دائما هناك آمال.
أمل في الوصول إلى المبتغى ألا وهو تحقيق تنمية بشرية حقيقية تكون دلائلها اكتساب المواطنين من المؤهلات النفسية والمعرفية والبيداغوجية ما يؤهلهم للإنخراط حقا في بناء هذا المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي التضامني الذي من شأن كثرة ترديده دون ملاحظة إرهاصات تحققه على أرض الواقع، من شأن ذلك أن يبعث على الإحساس بالسأم والإحباط ثم النكوص والإرتداد.
رؤية متجددة هي التي ينبغي أن تتسلح بها قوى المجتمع الحية، القوى التي يفرض عليها وعيها والتزامها بالقضايا المصيرية للمجتمع والأمة، عدم السماح وترك المجال لزراعة بذور الرؤى التشاؤمية والعدمية والظلامية في صفوف أبناء الأمة وشبابها.
من هنا، يمكن مساءلة كل الأطراف المعنية حول مدى تقديرها للرسالة بدءا من الحكومة والوزارة الوصية مباشرة على قطاع التربية والتكوين بالأساس وكذلك الهيئات الحزبية وباقي منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام.
j
يستخلص من هذا الجواب، بعد القراءة المتمعنة، أن هاجس التربية كان حاضرا بقوة في العقل السياسي، إلى جانب استشعار مدى حجم الأمانة العظمى المتمثلة في استكمال تحرير باقي أجزاء الوطن المحتلة. فتحرير الوطن المحتل وبناء الوطن على أسس متينة، هما المهمتان اللتان تتيحان بعد إنجازهما لأي ملك أو رئيس دولة أن يعبر عن فخره واعتزازه بما أنجز، وبالتمعن الجيد فلا يمكن تصور بناء للوطن على أسس صلبة ومتينة بدون بناء للدعائم التي ترسو عليها الروح لأبناء الوطن بل إني أكاد أقول بأن تحرير الوطن نفسه كمنجز، لا يتحقق في غياب تلك الروح لدى المواطنين، ولأن ما يشد البناء ويحفظ تماسكه هو هذه الروح التي لن يكتب لها أن تسري في العقول والضمائر إلا بغرسها بالقوة والإصرار بيد المربي الذي يتتبع نماء ما غرسه بيده حتى تتحول النبتة إلى شجرة معطاء.
تربية المواطن الجيدة طبعا هي العماد الذي يعول عليه لبناء الوطن فلا بناء سليما دون روح وطنية سليمة، ولا أريد هنا الخوض في إشكالية أية تربية لأي مواطن ؟ حين يتعلق الأمر برسم السياسات العامة للبلاد، أو في مسألة الإختلاف حول هذا الموضوع، وفي تقويم نوعية التربية وطبيعتها، فهذا الأمر موكول للباحثين المتخصصين، والدارسين الأكفاء، والأكاديميين المتفرغين ولو أنه حق من حقوق المواطنين العاديين الذين يستطيعون بإحساسهم وحسهم أن يعبروا عن رأيهم، بل انه من منظور آخر أمر للمواطن العادي الكلمة الفصل فيه.
ليس هذا كما قلت هو غايتي من هذا المقال بل المراد هو أن السياسة التي تستهدف المواطنين في بناء شخصيتهم على شاكلة ما، لبناء الوطن بشكل ما هي مهمة تربوية في نهاية المطاف، وكما أن نتائج تربية ما لا تظهر آثارها ومعالمها بوضوح ألا بعد مرور فترات من الزمن، فكذلك الشأن في النتائج السياسية وآثارها بالنسبة لواضعي السياسات العامة للبلاد.
هذا طرح نظري أردته تمهيدا للحديث عن مجريات الأحداث والوقائع في العهد الجديد للمغرب منذ تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم، حيث تحررت الأقلام لرصد السياسة العامة في البلاد بصورة غير معهودة، وباتساع هامش الحرية للتعبير أصبح بإمكان قراء الصحافة المغربية على الخصوص التعرف أكثر على خبايا الأمور، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال التنكر لما بذلته الصحافة الوطنية المغربية في هذا العهد من مجهودات للنهوض بمجال حرية الرأي والتعبير في كل القضايا بجرأة غير مسبوقة ومهنية مشهود لها حتى بدا أنها ملأت فراغات شتى على مستوى واجهات المؤسسات السياسية والحزبية منها على الخصوص، وبالأخص حين طرحت مسألة الإفتقاد للمعارضة.
غير أن تتبع العمل الصحفي ببلادنا يفضي إلى إستنتاج يتعلق بالخلفية المتحكمة في البنية العقلية لهذه الممارسة، والتي قد تكون لها على المدى المتوسط أو البعيد آثار لا تقل خطورة عن العمل السياسي المتلازم مع العمل التربوي في بناء شخصية المواطن الذي من أجله يصرح الجميع من رجالات السياسة والإعلام بأن مجهوداتهم كلها تنصب على جعله مواطنا متفاعلا بالمشاركة، درءا للهدر السياسي الذي لا ينتج سوى المعطلين في هذا الميدان بالعزوف الذي تحركه النظرة العدمية بالأساس أو التيهان في السراديب المظلمة.
مرغوب فيه وجميل أن تكون صحافتنا جريئة، منورة، كاشفة عن الخبايا، معرية وفاضحة للواقع، وسلطة يضرب لها ألف حساب، مادامت ترى نفسها منفذا وحيدا للمعرفة والتعبير، لكن مسؤوليتها التاريخية في تربية الأجيال على النظر إلى الواقع من هذه النافذة، باستعداد نفسي ليس بالضرورة أن يكون مبدأه الشك المطلق في كل ما يأتي من خطابات ومبادرات سياسية وبالأخص في العهد الجديد، الذي لا يألوا فيه الملك جهدا، يبعث الرسالة تلو الأخرى لتربية أبناء شعبه على رؤية جديدة لواقع جديد هو في طور التشكل.
رؤية جديدة للعلاقة بين الملك والشعب يريدها الملك أن تكون محددة للخطاب وموجهة للسلوك؛ خطاب يتوخى الإصلاح بالتدارك والمبادرة وسلوك يتخذ من خصال حسن الإصغاء والإحترام والتواضع طابعا مميزا، وهذا يكفي في نظري ليتفادى أي زعيم أو قائد أن يكون عائقا أمام تقدم شعبه.
وحيث يبقى دائما هناك مجال، وحيث تبقى دائما هناك آمال.
أمل في الوصول إلى المبتغى ألا وهو تحقيق تنمية بشرية حقيقية تكون دلائلها اكتساب المواطنين من المؤهلات النفسية والمعرفية والبيداغوجية ما يؤهلهم للإنخراط حقا في بناء هذا المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي التضامني الذي من شأن كثرة ترديده دون ملاحظة إرهاصات تحققه على أرض الواقع، من شأن ذلك أن يبعث على الإحساس بالسأم والإحباط ثم النكوص والإرتداد.
رؤية متجددة هي التي ينبغي أن تتسلح بها قوى المجتمع الحية، القوى التي يفرض عليها وعيها والتزامها بالقضايا المصيرية للمجتمع والأمة، عدم السماح وترك المجال لزراعة بذور الرؤى التشاؤمية والعدمية والظلامية في صفوف أبناء الأمة وشبابها.
من هنا، يمكن مساءلة كل الأطراف المعنية حول مدى تقديرها للرسالة بدءا من الحكومة والوزارة الوصية مباشرة على قطاع التربية والتكوين بالأساس وكذلك الهيئات الحزبية وباقي منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام.
j