غريب حقا أمر الحولي في المغرب؟ أو ربما غريب أمر المغاربة إزاء الحولي؟ لأنه أي الحولي وبكل بساطة يستحوذ على جل كلام واهتمام الناس بالعيد، إلى حد اختزال العيد نفسه في الحولي، ومن لم يقتني الحولي يعتبر مامعيدش، في حين أن العيد هو احتفال ديني يحمل ويجسد دلالة التضحية وما يصاحبها من صلة الأرحام والتجمع العائلي والمصالحة، ومساعدة الفقراء و إدخال الفرحة على الأطفال واغتنام أجواءه لمحو الخصومات، إلا أن كل هذه الخصال تصبح ثانوية وتختزل في الحولي، وهي ظاهرة مغربية بامتياز، لأن الأقطار الإسلامية الأخرى لايحتل الحولي هذه المكانة المهيمنة في العيد.
هذا الاختزال بدأ ينسحب كذلك حتى على الحياة السياسية، حيث عرف بلدنا أخيرا انتخابات برلمانية جزئية همت بالخصوص مدينتي طنجة ومراكش، إلا أن دلالة هذه الانتخابات وما أسفرت عنه من نتائج تكتسي أهمية بالغة، قد تغيب عن بعض المتتبعين السياسيين.
ويمكن اعتبار نتائج هذه الانتخابات مؤشرا حقيقيا عن وضعنا السياسي الراهن، وعن محدودية العمل السياسي بوجه عام ونشاط أحزابنا بصفة خاصة، فالزعيم الجديد حميد شباط مثلا الذي مازال منتشيا بفوزه التاريخي (!) برئاسة حزب الاستقلال، إلا أن هذا الحزب قد أبان عن ضيق كبير في أفقه السياسي.
خلال هذه المدة الأخيرة التي اتسمت بمبارزة قوية وعنيفة بين حميد شباط وبين عبد الواحد الفاسي حول اعتلاء رئاسة الحزب العتيد، فإن هذه المبارزة (أكثر مما هي منافسة) لم تسفر عن نقاش حول الأفكار، ولم تثر حوارات سياسية وفكرية عن الحزب وعن دوره في الحياة السياسية في بلدنا، كما أننا لم نلمس إطلاقا تواجها في البرامج وفي الرؤى، لقد انحصر الصراع بين مرشحين، انطلاقا من الوضع الاجتماعي والانتماء العائلي فقط.
لقد أدى الحزب غاليا ثمن هذا الجفاف الفكري والسياسي، وخير مؤشر على ذلك الانتخابات الجزئية الماضية، إذ لم نلاحظ وجودا و حضورا للحزب العتيد (الميزان).
وكان الصراع الحقيقي من خلال هذه الانتخابات الذي ملأ المشهد السياسي، قد انحصر بين الحزب الحاكم (تجاوزا) أي حزب العدالة والتنمية، وبين الحزب المعارض (تجاوزا كذلك)، وهو حزب الأصالة والمعاصرة.
لكن يجب الانتباه إلى أن حضور هاذين الحزبين لا ينم عن حركية خاصة في الأفكار والبرامج والرؤى، ولكن ينبع أساسا من الحساسيات الشخصية، ومن التموقع والتقرب أكثر (وأحسن) من المخزن.
فإذا كان حزب العدالة والتنمية الذي يتولى رئاسة الحكومة، لازال إلى حد الآن يبحث عن نفسه وعن دوره الحقيقي الذي يتحتم عليه أن يلعبه، إذ يظهر جليا أن هذا الحزب لم يقتنع بعد بأن له صلاحيات دستورية (رغم محدوديتها) يجب عليه أن يعمل بها ويتمسك بها (رغم صراعه ومصارعته للتماسيح والعفاريت، وعدم تنفيذه لوعد الفضح والاستقالة إذا عرقل في محاربة الفساد والمفسدين، وهي نقطة ضعفه المستقبلية بعدما شكلت نقطة قوته في الانتخابات الجزئية بطنجة ومراكش، حيث اعتبر المصوتون انهم صوتوا لان المخزن لم يترك المصباح يشتغل).
وفي المقابل لا يفوت المتتبع لحياتنا السياسية ملاحظة الرجوع المحتشم والمتسلل لحزب الأصالة والمعاصرة. فإذا كان قد أعلن عن حضوره، من خلال الانتخابات الجزئية الأخيرة، فإن هذا الرجوع لم ينبني على إعادة النظر في مكوناته وفي القطع مع عيوب الميلاد والنشأة كما وعد. لقد تأكد أن التراكتور قلل من الحرث مع انطلاق حركة 20 فبراير، وما رفعته من شعارات إلى درجة توقيف المحرك. ولما أخذت حدة حركية هذه الحركة في الخفوت، حتى بدأ صوت تشغيل محرك الجرار يسمع من جديد وبدأ في التململ وفي الرجوع إلى الحرث السياسي بحذر شديد.
إلا أن الغائب الأكبر الذي استقال بصفة شبه كلية عن الميدان السياسي، هو اليسار بصفة عامة وحزب الاتحاد الاشتراكي بصفة خاصة، حيث أنه إلى حد الآن لم يعلن عن حضوره ولم يعط الإشارات اللازمة التي تؤكد أنه ما زال يتنفس ويحمل مقومات كائن حي.
إلى حد الآن لا زالت مسألة انتخاب الكاتب الأول للحزب، لم تثر النقاش السياسي والفكري اللازمين اللذين طبعا دائما هذا الحزب. فإلى حدود الآن لم يبدأ عمليا الصراع الحقيقي الذي يجب أن تفرزه هذه العملية، بل لاحظنا ظهورا خافتا ومحتشما لبعض عناصره، تغلب عليهم الطموحات الشخصية أكثر مما هي محاولة إرجاع الروح إلى هذا الحزب، الذي مثل في وقت ما آمال الشعب المغربي ومعاناته. فإنه لازال في منزلة بين المنزلتين، فلا هو رجع إلى قواعده الشعبية التي شكلت قوته الحقيقية وشرعيته التاريخية، ولا هو وصل إلى الدوائر المخزنية المحصنة.
ومع غياب الهم الفكري والتنظيمي في الصراعات السياسية، سواء إزاء المخزن أو داخل الأحزاب أو في ما بينها، فإنه من الطبيعي أن تفقد هذه المكونات السياسية قاعدتها الاجتماعية وتختزل في أشخاص على شكل قيادات تتصارع من أجل تمثيل المخزن لذا الشعب وليس العكس، ويصبح الزعيم المطلوب للمرحلة هو من تتوفر فيه شروط الفراغ الفكري والدهاء البوليميكي، أي مرحلة الزعماء الشعبويين، ولتنتج العقلية السائدة قرارات وتخريجات مضحكة، نذكر منها قرار منح تحفيزات مالية للبرلمانيين من أجل حثهم على الحضور لجلسات دورات ولجن مجلس الأمة، الذي أعطى الدستور الجديد مكانة واختصاصات لأغلبيته ومعارضته، الملزمين بتنزيل الدستور وتصريف فصوله الى قوانين تنظيمية، لكنهم اختزلوا كل هذا في منحة الحضور مثل اختزال العيد في الحولي.
هذا الاختزال بدأ ينسحب كذلك حتى على الحياة السياسية، حيث عرف بلدنا أخيرا انتخابات برلمانية جزئية همت بالخصوص مدينتي طنجة ومراكش، إلا أن دلالة هذه الانتخابات وما أسفرت عنه من نتائج تكتسي أهمية بالغة، قد تغيب عن بعض المتتبعين السياسيين.
ويمكن اعتبار نتائج هذه الانتخابات مؤشرا حقيقيا عن وضعنا السياسي الراهن، وعن محدودية العمل السياسي بوجه عام ونشاط أحزابنا بصفة خاصة، فالزعيم الجديد حميد شباط مثلا الذي مازال منتشيا بفوزه التاريخي (!) برئاسة حزب الاستقلال، إلا أن هذا الحزب قد أبان عن ضيق كبير في أفقه السياسي.
خلال هذه المدة الأخيرة التي اتسمت بمبارزة قوية وعنيفة بين حميد شباط وبين عبد الواحد الفاسي حول اعتلاء رئاسة الحزب العتيد، فإن هذه المبارزة (أكثر مما هي منافسة) لم تسفر عن نقاش حول الأفكار، ولم تثر حوارات سياسية وفكرية عن الحزب وعن دوره في الحياة السياسية في بلدنا، كما أننا لم نلمس إطلاقا تواجها في البرامج وفي الرؤى، لقد انحصر الصراع بين مرشحين، انطلاقا من الوضع الاجتماعي والانتماء العائلي فقط.
لقد أدى الحزب غاليا ثمن هذا الجفاف الفكري والسياسي، وخير مؤشر على ذلك الانتخابات الجزئية الماضية، إذ لم نلاحظ وجودا و حضورا للحزب العتيد (الميزان).
وكان الصراع الحقيقي من خلال هذه الانتخابات الذي ملأ المشهد السياسي، قد انحصر بين الحزب الحاكم (تجاوزا) أي حزب العدالة والتنمية، وبين الحزب المعارض (تجاوزا كذلك)، وهو حزب الأصالة والمعاصرة.
لكن يجب الانتباه إلى أن حضور هاذين الحزبين لا ينم عن حركية خاصة في الأفكار والبرامج والرؤى، ولكن ينبع أساسا من الحساسيات الشخصية، ومن التموقع والتقرب أكثر (وأحسن) من المخزن.
فإذا كان حزب العدالة والتنمية الذي يتولى رئاسة الحكومة، لازال إلى حد الآن يبحث عن نفسه وعن دوره الحقيقي الذي يتحتم عليه أن يلعبه، إذ يظهر جليا أن هذا الحزب لم يقتنع بعد بأن له صلاحيات دستورية (رغم محدوديتها) يجب عليه أن يعمل بها ويتمسك بها (رغم صراعه ومصارعته للتماسيح والعفاريت، وعدم تنفيذه لوعد الفضح والاستقالة إذا عرقل في محاربة الفساد والمفسدين، وهي نقطة ضعفه المستقبلية بعدما شكلت نقطة قوته في الانتخابات الجزئية بطنجة ومراكش، حيث اعتبر المصوتون انهم صوتوا لان المخزن لم يترك المصباح يشتغل).
وفي المقابل لا يفوت المتتبع لحياتنا السياسية ملاحظة الرجوع المحتشم والمتسلل لحزب الأصالة والمعاصرة. فإذا كان قد أعلن عن حضوره، من خلال الانتخابات الجزئية الأخيرة، فإن هذا الرجوع لم ينبني على إعادة النظر في مكوناته وفي القطع مع عيوب الميلاد والنشأة كما وعد. لقد تأكد أن التراكتور قلل من الحرث مع انطلاق حركة 20 فبراير، وما رفعته من شعارات إلى درجة توقيف المحرك. ولما أخذت حدة حركية هذه الحركة في الخفوت، حتى بدأ صوت تشغيل محرك الجرار يسمع من جديد وبدأ في التململ وفي الرجوع إلى الحرث السياسي بحذر شديد.
إلا أن الغائب الأكبر الذي استقال بصفة شبه كلية عن الميدان السياسي، هو اليسار بصفة عامة وحزب الاتحاد الاشتراكي بصفة خاصة، حيث أنه إلى حد الآن لم يعلن عن حضوره ولم يعط الإشارات اللازمة التي تؤكد أنه ما زال يتنفس ويحمل مقومات كائن حي.
إلى حد الآن لا زالت مسألة انتخاب الكاتب الأول للحزب، لم تثر النقاش السياسي والفكري اللازمين اللذين طبعا دائما هذا الحزب. فإلى حدود الآن لم يبدأ عمليا الصراع الحقيقي الذي يجب أن تفرزه هذه العملية، بل لاحظنا ظهورا خافتا ومحتشما لبعض عناصره، تغلب عليهم الطموحات الشخصية أكثر مما هي محاولة إرجاع الروح إلى هذا الحزب، الذي مثل في وقت ما آمال الشعب المغربي ومعاناته. فإنه لازال في منزلة بين المنزلتين، فلا هو رجع إلى قواعده الشعبية التي شكلت قوته الحقيقية وشرعيته التاريخية، ولا هو وصل إلى الدوائر المخزنية المحصنة.
ومع غياب الهم الفكري والتنظيمي في الصراعات السياسية، سواء إزاء المخزن أو داخل الأحزاب أو في ما بينها، فإنه من الطبيعي أن تفقد هذه المكونات السياسية قاعدتها الاجتماعية وتختزل في أشخاص على شكل قيادات تتصارع من أجل تمثيل المخزن لذا الشعب وليس العكس، ويصبح الزعيم المطلوب للمرحلة هو من تتوفر فيه شروط الفراغ الفكري والدهاء البوليميكي، أي مرحلة الزعماء الشعبويين، ولتنتج العقلية السائدة قرارات وتخريجات مضحكة، نذكر منها قرار منح تحفيزات مالية للبرلمانيين من أجل حثهم على الحضور لجلسات دورات ولجن مجلس الأمة، الذي أعطى الدستور الجديد مكانة واختصاصات لأغلبيته ومعارضته، الملزمين بتنزيل الدستور وتصريف فصوله الى قوانين تنظيمية، لكنهم اختزلوا كل هذا في منحة الحضور مثل اختزال العيد في الحولي.