HakaikPress - حقائق بريس - جريدة الكترونية مستقلة

الخصوصية إلغاء لكونية حقوق الإنسان.


سعيد الكحل
الاثنين 23 ديسمبر 2013




الخصوصية إلغاء لكونية حقوق الإنسان.
تحتفل شعوب الأرض باليوم العالمي لحقوق الإنسان لما له من رمزية حضارية وسياسية ولأبعاده ومبادئه القانونية والأخلاقية التي تترجمها مواثيقه الموجِّهة للدساتير والتشريعات الوطنية لعموم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة . وبالقدر الذي تتطور منظومة حقوق الإنسان بظهور أجيال جديدة من هذه الحقوق ويتزايد التنصيص على احترامها في الدساتير الجاري بها العمل في الدول حديثة العهد بالديمقراطية ، تتعالى الأصوات في بلدان العالم الإسلامي ، وخاصة بلدان ما بات يعرف "بالربيع العربي" بضرورة التنصيص على سمو التشريعات الإسلامية عن كل المواثيق الدولية ، أو اعتمادها المصدر الوحيد للتشريع .

فالأمر لم يعد مجرد تحفظات بقدر ما غدا مواقف لا تقبل المراجعة أو التراجع . وعلى مدى خمسة عقود على الأقل والدول العربية والإسلامية تترجم رفضها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بصياغة نماذج موازية وبديلة من الإعلانات ، لا بهدف تقديم نماذج أفضل وأجيال أرقى ، ولكن بدافع التحايل والتنصل ؛ وتلك مفارقة تجعل هذه الدول محط سخرية الأمم ، لأنها من جهة ، لم تستقر على ميثاق واحد ، ومن أخرى لم تقدم البديل الأرقى . وفيما يلي أهم البيانات والإعلانات الحقوقية المستنسخة بتشوهاتها :

1 ـ "إعلان حقوق الإنسان وواجباته في الإسلام"من إصدار رابطة العالم الإسلامي في العام 1979 .

2 ـ "البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان" عن المجلس الإسلامي الأوروبي في لندن سنة 1980.

3 ـ "البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام" عن المجلس الإسلامي الدولي للعالم عام 1981 .

4 ـ "مشروع وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام" عن مؤتمر قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في الطائف سنة 1989.

5 ـ "مشروع حقوق الإنسان في الإسلام"، الذي قدم إلى المؤتمر الخامس لحقوق الإنسان في طهران، في كانون الأول 1989.

6 ـ إعلان القاهرة عن حقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي بتاريخ 5 غشت 1990.

7 ـ "الميثاق العربي لحقوق الإنسان" أصدره ، في مارس 2004 ، مجلس وزراء خارجية الدول العربية . كل هذه الوفرة من الإعلانات والبيانات الحقوقية لم تسهم في تحسين أو حماية أوضاع حقوق الإنسان العربي/المسلم رغم "توسل المسلمين للقرآن ليلبي حاجاتهم إلى صياغة حقوق الإنسان الإسلامية في مقابل حقوق الإنسان الغربية" بتعبير محمد أركون. وقد يُفهم من الاجتهادات التي لجأ إليها المسلمون لتكريس الخصوصية الثقافية والدينية بما يناقض كونية حقوق الإنسان ،أن حكوماتهم أشد حرصا على أحكام الشريعة وتعاليمها فيما يخص العدل والمساواة والكرامة والحرية. فالخصوصية الثقافية التي تقرها المواثيق الدولية ويتعلل بها دعاتها إنما هي حق يراد به باطل . والباطل سرعان ما تكشف عنه الممارسات اليومية والتشريعات المعتمدة . فلا يجادل أحد في كون الإسلام كرم بني آدم ، وأن التكريم لا يخص المسلمين وحدهم وإنما يشملهم وبقية البشرية .

وبموجب هذه الحقيقة ، كان من المفروض أن تكون الدول الإسلامية هي أول من سن القوانين المانعة للرق بدل أن تكون آخرها (اليمن وعُمان1970 ، موريتانيا 1981 ) ، فيما الدول غير الإسلامية كانت السباقة إلى تحريم الرق والاتجار فيه (السويد وفلندا حرمتاه في عام 1335 ، والبرتغال عام 1761 ثم اسكتلندا عام 1776 وجميع دول أمريكا اللاتينية حرمت الرق ما بين 1813 في الأرجنتين و 1888 في البرازيل) . إن الدول الإسلامية تخشى إقرار حقوق الإنسان في بعدها الكوني ليس خوفا على الهوية ولا ذودا عن العقيدة ، وإنما خوفا على السلطة والهيمنة ؛ لهذا لم تُشِع قيمَها كما لم تَنشر ثقافتها بين المواطنين . معضلة الدول العربية/الإسلامية أنها تخشى مواطنيها فتثقلهم بالموانع والمحرمات .

من هنا فإن الاجتهاد في تقديم مواثيق عربية وإسلامية لحقوق الإنسان بديلة عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، لم يكن أبدا يتوخى إشاعة هذه الحقوق ولا حتى صيانتها في الحدود الدنيا ؛ بل ظلت غايته هي شرعنة مصادرتها أو التضييق عليها باسم الحفاظ على الهوية وحمايتها من كل تهديد . وحدهم المسلمون الذين يخشون على هويتهم من الانفتاح والاختلاف ، علما أن القرآن الكريم يقر سنة الاختلاف البشري في اللغة والاعتقاد ونمط العيش (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) .

لكن الخطير الذي تكرسه الأنظمة التي وصلت إلى السلطة في بلدان "الربيع العربي" هو إما التنصيص على تطبيق الشريعة الإسلامية (حالة ليبيا ) أو المطالبة بتطبيقها ؛ ما يعني أن ثقافة حقوق الإنسان لم تترسخ كسلوك يومي لدى الحكام وعموم المواطنين . الأمر الذي يجعلها مهددة بالانتكاس من قبل الفئات الأكثر تضررا بغيابها (84% من المغاربة مع تطبيق الشريعة) . والمفارقة الصارخة هي أن المتشبثين بالخصوصية اليوم كانوا يستجيرون بكونية حقوق الإنسان ، أمس ، ضد الاستبداد ، ولو طُبقت عليهم أحكام الشريعة كما يفهمونها لكانوا في عداد القتلى "شرعا"

         Partager Partager

تعليق جديد
Twitter

شروط نشر التعليقات بموقع حقائق بريس : مرفوض كليا الإساءة للكاتب أو الصحافي أو للأشخاص أو المؤسسات أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم وكل ما يدخل في سياقها

مقالات ذات صلة
< >

الخميس 19 ديسمبر 2024 - 18:57 اغتيال عمر بنجلون جريمة لا تغتفر

أخبار | رياضة | ثقافة | حوارات | تحقيقات | آراء | خدمات | افتتاحية | فيديو | اقتصاد | منوعات | الفضاء المفتوح | بيانات | الإدارة و التحرير